بين النظرة التقليدية للمرأة التي تلخص دورها في الزواج والإنجاب وبين التقدم الذي حققته نساء العالم تسعي المصريات لتحقيق نجاحهن كنائبات في البرلمان المصري. لكنهن وجدن أنفسهن أمام معادلة صعبة في العمل السياسي وزخم الحياة الاجتماعية التي تتأثر بشكل كبير. ويتحول الأمر إلى إما شريك يدعم وإما شريك يسأم من فقدانه زوجته التي غرقت في السياسة. فضلا عمن يغار من الأضواء المسلطة عليها دونه.
زوج “غربي”
تقول النائبة داليا يوسف لـ”مصر 360″: “طول عمري كنت أم وزوجة عاملة. أعمل منذ تخرجي. وأثناء الحمل وفي فترات الرضاعة كنت أعمل. وعملي كان في منظمات دولية وسفارات أجنبية. حيث وصلت إلى منصب مساعد السفير الأمريكي للشؤون السياسية. وهذه الجهات تمنح شهرا واحدا إجازة عقب الولادة يخصم من رصيد إجازاتي. وفي فترات الرضاعة كان السائق يحضر لي الطفل من مصر الجديدة حيث أقيم إلى جاردن سيتي مقر عملي لأرضعه. وقد اعتدت من إيهاب زوجي أن يساندني. فقد اتفقنا من أول يوم أن كلاً منا دوره أن يدعم الآخر ليحقق ذاته. لذلك استقال من عمله منذ سنوات حيث كان ضابط شرطة بدرجة مساعد وزير الداخلية. وقررنا تأسيس شركة وجمعية أهلية تجمعنا في الحياة العملية وأخيراً تخرجت ابنتانا في الجامعة”.
وتابعت: “إيهاب نموذج للزوج الغربي لأنه دفعني لخوض مجال السياسة ودخول المعترك الانتخابي رغم قلقي لكنه شجعني وساندني. خاصة أنه كان مرشحا للانتخابات في 2010 بالدائرة نفسها بمحافظة المنوفية لكنه خسر أمام أحمد عز. وظل مقره الانتخابي مفتوحاً أمام الأهالي يحل مشكلاتهم هو ووالده الذي كان في منصب مساعد محافظ القاهرة. وهما من شجعاني مؤكدين أن المقر متاح والأهالي سيساندوني نظراً لخدماتنا. حتى حين أشعر بالإجهاد أمازحه قائلة (أنت السبب في التعب والغياب دا عن بيتي). ويظل هو يساندني حتى في جولاتي بالدائرة أو يذهب بمفرده لسماع مطالبهم حتي أثناء كتابة مشروع قانون يجلس معي في مناقشة لنخرج بأفضل القرارات”.
ثمن المسئوليات
أما عن متطلبات الزوج التقليدي فتقول: “إيهاب لم تكن يوماً هذه طموحاته في أن يعود ليجدني في انتظاره أو أكل وشرب أو ملابسه. دائماً يردد أهم شيء لديه هو نجاحي لأنه جزء من نجاح أسرتنا. ولكن هامش الغياب عن الأسرة هو ثمن ندفعه مقابل المسئوليات الجديدة والنجاح الذي نحققه”. مؤكدة أن تجربة المجلس أضافت شيئا جديدا في علاقتي بزوجي وقربتني منه أكثر في صياغة مختلفة. وأحرص أن أمنحه وأسرتي يوم الجمعة لنقضيه معا”.
أما الزوج الدكتور إيهاب يوسف فيقول لـ”مصر 360″: داليا في نظري ليست مجرد زوجة عليها واجبات تقليدية. بل هي شريكة لحياتي ونجاحها من أولوياتي. رغم أن المجلس يستغرق منها عملا قد يصل إلى 24 ساعة في اليوم. هنا باخلق الفرص لمساعدتها وهذا جزء من دوري نحوها. وأنا فخور جدا بها لقدرتها على العطاء بوجودها في لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان. كما أن المجلس مرحلة غير دائمة في حياتنا لكنها فرصة لتشجيع بناتي أن يتشبهن بأمهن”.
بين البرلمان والأسرة
تروي الدكتورة ليلى أبو إسماعيل -نائبة الغربية شمال مصر- تجربتها مع عضوية مجلس النواب وانشغالها بين العمل العام وأسرتها وعيادتها. تقول: “أعاني مشكلة عدم تنظيم وطول ساعات الجلسات البرلمانية. كما واجهت أزمة بين احتياجات البرلمان والدائرة وعيادتي. فاضطررت لغلق العيادة والتفرغ للعمل النيابي وأصبحت أعمل 7 أيام أسبوعيا بما في ذلك يوم الإجازة. لذلك أشعر أنني ظلمت أسرتي”.
وتضيف لـ”مصر 360″: “رغم أن أبنائي خريجون لكن الأسرة عادة ما تحتاج إلى اجتماع أعضائها معا والسفر والتنزه معا. وهو ما افتقدناه بسبب المجلس ومسئولياته. ولا أنكر أن أسرتي غير سعيدة بهذا الانشغال رغم أن زوجي بشكل ما متفهم. فقد كنت قبل العمل النيابي أضع أسرتي في قمة الأولويات وأذهب للعيادة يومين فقط أسبوعيا لكن الآن أنا لا أشارك أسرتي أي شيء”.
“زوجي طبيب وسعيد بنجاحي ولكن الأمر غير مريح بالنسبة لأي رجل ولا يوجد زوج متقبل وجود زوجته طوال الوقت بعيدة عن الأسرة”. هكذا اعترفت الدكتورة “ليلى” وتتابع: “لا أنكر غيرته بعد أصبحت نائبة. فالعقل والمنطق وتركيبة المجتمع تقول إن الرجل لن يقبل هذا ولا أصدق أن أي نائبة زوجها يدعمها بالصورة التي ترددها. هي فقط تحاول تجميل الحقيقة. وقد استمعت لنصيحة ابنتي حينما لفتت انتباهي لزهق والدها من كثرة حديثي عن المجلس والقرارات والجهد الذي أبذله. وتعلمت منها أن أترك كل مشاغلي عند الباب وأتفرغ لأسرتي بمجرد دخولي. لذلك أنا متأكدة أنه مستحيل أن زوجا يدعم زوجته أو يكون سعيدا بنجاحها إلا في حالة واحدة لو كان مستفيدا”. وبضحكة ساخرة قالت: زوجي لن يحب الحديث للصحافة عن زوجته النائبة. هذا أمر سيزعجه”.
التزامات “سوبر ماما”
واتفقت معها الدكتورة عايدة نصيف -عضو مجلس الشيوخ- فتقول لـ”مصر 360″: صحيح زوجي يدعمني وفخور بمنصبي في المجلس لكن لدي ولدان في عمر الشباب اعتادا أن أقوم أنا بكل المهام داخل المنزل. ولم أفسح لهما المجال ليعتمدا على أنفسهم منذ الطفولة. لذلك مع الانشغال الكبير بعد المجلس لم يشاركاني فرحتي بالدور الجديد. بل ينتظران مني أن أظل (سوبر ماما). فيطلبان مني أكلات تتطلب الوقوف طويلاً في المطبخ. وفي النقاشات بيننا يعتقدان أن دوري في الماضي كمدرسة في الجامعة لا يختلف كثيراً عن مشاغل نائبة بالمجلس. ولا يهمهم استمراري به من عدمه”.
وتضيف “نصيف”: أبنائي مثل الكثيرين من أبناء جيلهم ممن يرون الرجولة في أن المرأة تقوم بدورها الأهم داخل المنزل بغض النظر عن دورها المهني أو السياسي. مع الأسف جيلي يختلف كثيراً. كنا نؤمن أكثر بالمرأة والمساواة ولم أشعر يوماً من زوجي بالنقد أو الغيرة. بل على العكس هو الأكثر دعماً لي.
الجدة والأحفاد
مرحلة جديدة من العمر يعيشها الإنسان مع أحفاده. نوع خاص من الأمومة تشعر به النساء.
هكذا تحكي النائبة عبلة الهواري لـ”مصر 360″ عن توليها العمل النيابي. فتقول: أنا أم عاملة كنت في منصب مدير الإدارة المركزية للشؤون القانونية بمحافظة سوهاج. ونظراً لأنني أرملة من زمن بعيد فأنا أم وأب لـ4 ذكور. منحتهم كل وقتي حتى تخرجوا في الجامعة 2 بقوا مستشارين قضائيين وضابط شرطة ومحاسب ضريبي. ورغم أنهم تخرجوا وتزوجوا جميعاً فالعمل البرلماني غير أولوياتي وخطفني من أسرتي التي تنتظر مني دائماً أن أكون بجوارها في مناسبات العائلة. ومع كل الانشغال أحرص على أن نلتف على طاولة الطعام مرة أسبوعيا كما أهتم بفترة تجمعنا في رمضان”.
نائبات من الصعيد
ترشحت عبلة الهواري لعضوية مجلس النواب عن دائرة بأقصى الصعيد في جنوب مصر. والبيئة هناك كما يعرف كثيرون محافظة للغاية. ولأول مرة تترشح امرأة على المقعد النيابي هناك. فطلب منها أبناء الدائرة في الدورة الأولى ألا تنزل للدعاية وسيقومون هم بالمهمة. بينما في الدورة الثانية صممت على التواصل مع الناخبين وهنا وجدت أبناءها الذكور وأشقاءها إلى جوارها في جولات الانتخابات ومعاركها الحامية.
تروي “الهواري”: “شجعت زوجات أبنائي على العمل. فقد كنت أبحث لهن عن الفرص بنفسي ودفعتهن نحو المشاركة في العمل الحزبي والسياسي والنقابي. وأتحدث لهن بأن يتشبهن بي”.
أما عن أحفادها فتقول: هم الأكثر سعادة وفخرا بي. لديّ حفيدة عمرها عامان. حينما ترى جلسات المجلس عبر التليفزيون تصرخ باسم (بولا) -دلع عبلة- وذات مرة كنت في إشارة مرور وجدت حفيدي 5 أعوام يعبر عن فخره للضائط: “يا تيتة انتي مهمة هما مش عارفين انتي مين بلاش تخرجي الرخص”.
وجدتها فرصة لأمنحه درسا في احترام القانون. أحد أحفادي في نقاشاته مع زملائه في الحضانة يخبرهم: “تيتة بتكلم الرئيس وبتقعد معاه”.
وتقول جهاد أبو المعالي -زوجة الابن الأكبر للنائبة عبلة الهواري وعضوة المجلس القومي للمرأة لـ”مصر 360″: “طنط تمنح لكل شيء حقه. تجيد التركيز في كل الأشياء وإنجازها على أكمل وجه دون التقصير. أراها امرأة قوية وناجحة ولا أستطيع أن أحلم مجرد حلم بأن أكون في مكانتها. هي تهتم بالأبناء والأحفاد والزوجات وتناقشني دائماً في خططي للمستقبل وتشجعني كما تهتم بلمة العيلة في رمضان والمناسبات وتتحدث مع الأحفاد بحب وتركيز”.
نستمتع بالكارتون
وتروي النائبة نشوي الحوفي تجربتها مع مجلس النواب بأنه لم يغير كثيرا من روتينها: اعتدت تقديم خدمات لأهالي المنطقة. ولأني أقوم بتربية أبناء شقيقتي المتوفاة ومنهم سارة. هي الوحيدة التي تغار من عملي في المجلس وتقول إنه خطفني منها وباتت تخشى أن تفتقد أمها مجدداً.
تضيف “الحوفي” لـ”مصر 360″: حريصة على منح أبناء شقيقتي -وبالأخص سارة- كثيرا من الاهتمام والوقت. لذلك نحن نلتقي إما على وجبة الإفطار وإما العشاء. وكثيراً ما تجمعنا الوجبتان. كما نمارس طقسنا المفضل معاً بالسهر أمام فيلم كارتون تعلم سارة جيداً أنني أحبه لذلك تثير فضولي به. كذلك نذهب لجيم للقاء أصدقائها. كما أنتهز فرصة يوم أو اثنين إجازة من الجلسات لنطير إلى أي محافظة ساحيلة للتنزه وتغيير جو.
وأكدت: تشكو سارة افتقاد مذاق الأكل البيتي الذي كنت أعده لها. وبتقولي طايما (ماما أنا عايزة آكل بيكاتا) (واحشني الطبيخ). إنها لحظات تذمر أسعى جاهدة لئلا أستجيب لها لكن يفرحني سعادة الأبناء بنجاحي وفخرهم بهذا الدور. سارة تحرص على سماع أي لقاء لي كما تسعد بمداخلاتي في المجلس وتدعو زميلاتها للمشاهدة ويحرصون على مناقشتي فيما أطرحه وأستمع لوجهة نظرهم بدقة.