أثارت جلسة البرلمان العراقي، أمس الخميس، جدلًا واسعًا في الأوساط الدولية. قانونا يحظر تطبيع العلاقات مع إسرائيل. في وقت “لم يتمكن البرلمان العراقي من التوافق على أي قضية أخرى، بما شمل انتخاب رئيس جديد له، وتشكيل حكومة”، وهو “ما يُطيل من أمد الأزمة السياسية”، وفق ما ذكرت رويترز.

يأتي إجماع النواب العراقيين على إقصاء المتعاملين مع إسرائيل، في وقت طبعت فيه عدد من الدول العربية رسميا علاقاتها بها. وتوقيعهم على “اتفاقيات إبراهيم”، التي بشّر العديد من المراقبين أنها بمثابة نهاية لعدد كبير من مشكلات الشرق الأوسط.

وبينما وقّعت كل من مصر والأردن اتفاقيات سلام مع إسرائيل في أعوام 1979 و1994. لإنهاء حالة الحرب بينهم وبين دولة الاحتلال. وجاء القرن الحادي والعشرين حاملَا اتفاقيات التعاون الجديدة. بين إسرائيل والإمارات والبحرين والمغرب -مع احتمالية انضمام السعودية-  لم يعترف العراق أبدا بإسرائيل كدولة منذ قيامها في 1948. ولا يمكن للعراقيين، ولا الشركات العراقية زيارة إسرائيل.

لكن، يذهب القانون الجديد لأبعد من ذلك، خاصة تجريم أي محاولة لتطبيع العلاقات مع إسرائيل. فيما جاءت علاقة الإمارات والبحرين مع إسرائيل بسبب مخاوف مشتركة من التهديد الذي تشكله إيران في المنطقة. واشترطت السعودية -قبل أي تطبيع للعلاقات- أن تتم الاستجابة لمساعي الفلسطينيين. في إقامة دولتهم على الأراضي التي احتلتها إسرائيل في عام 1967.

اقرأ أيضا: “اتفاق إبراهيم”.. التطبيع العربي-الإسرائيلي قد يعيد تشكيل الشرق الأوسط

اقتراح شيعي وغضب أمريكي

طرح مشروع القانون داخل البرلمان العراقي المرجع الشيعي النافذ مقتدى الصدر -الذي يعارض وجود علاقات قوية مع الولايات المتحدة وإسرائيل- الذي فاز حزبه بالمزيد من المقاعد في البرلمان في انتخابات أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. ونقلت رويترز عن النائب حسن سالم، الذي يمثل جماعة “عصائب أهل الحق”. المدعومة من إيران، قوله إن إقرار القانون “ليس فقط نصرا للشعب العراقي، بل لأبطال فلسطين وحزب الله في لبنان”.

وقال نواب من حزب الصدر، إنهم اقترحوا القانون لدحض أي مزاعم من أحزاب أخرى مدعومة من إيران. مفادها أن الصدر “يشكل تحالفات مع سنة وأكراد قد يكون لهم صلات سرية بإسرائيل”.

في المقابل، أصدر المُتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، نيد برايس. بيانًا صحفيًا تعقيبًا على إعلان العراق تجريم تطبيع العلاقات مع إسرائيل.

وجاء في البيان: “تشعر الولايات المتحدة بانزعاج كبير من إقرار البرلمان العراقي قانونا يجرم تطبيع العلاقات مع إسرائيل. يعرض هذا القانون حرية التعبير للخطر، ويعزز بيئة معادية للسامية. كما أنه يتناقض بشكل صارخ مع التقدم الذي أحرزه جيران العراق، من خلال بناء الجسور مع إسرائيل وتطبيع العلاقات معها. وخلق فرص جديدة للناس في مختلف أنحاء المنطقة”.

وتابع: “ستواصل الولايات المتحدة دورها كشريك قوي وثابت في دعم إسرائيل. بما في ذلك من خلال دعمها لتوسيع العلاقات مع جيرانها، في السعي لتحقيق المزيد من السلام والازدهار للجميع”.

الصدر.. عداوة دائمة مع إسرائيل

لا يقيم العراق أي علاقات مع إسرائيل، في وقت ترفض الحكومة وأغلبية القوى السياسية في البلاد التطبيع معها. وبحسب المادة 201 من قانون العقوبات العراقي، يُعاقب بالإعدام كل من روج لـ “مبادئ الصهيونية، بما في ذلك الماسونية. أو انتسب إلى أي من مؤسساتها، أو ساعدها ماديا أو أدبيا، أو عمل بأي كيفية كانت لتحقيق أغراضها”.

لذلك، لم يكن مشروع القرار العراقي مفاجئًا بشكل كامل. ففي أبريل/نيسان الماضي، أعلن زعيم التيار الصدري في العراق، مقتدى الصدر. عزم كتلته وحلفائها “على طرح مقترح مشروع يقضي بتجريم التطبيع مع إسرائيل للتصويت عليه في البرلمان العراقي”. وأكد في تغريدة عبر حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي Twitter. أن أحد الأسباب الرئيسة التي دعته بزج التيار الصدري في العملية الانتخابية مرة أخرى “هي مسألة التطبيع والمطامع الإسرائيلية للهيمنة على العراق”، حسب قوله.

وأوضح زعيم التيار الصدري أنه “سيطرح قريبا، مقترح مشروع لتجريم التطبيع والتعامل مع الكيان الصهيوني مطلقا”. ثم يتم طرحه تحت قبة البرلمان للتصويت عليه، دون أن يحدد موعدا لذلك.

وعقب التصويت، نشر زعيم التيار الصدري الشيعي في العراق تغريدة أخرى، قال فيها: “وقل جاء الحق وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقًا. الحمد لله الذي نصر عبده وأعز جنده وغلب (الأحزاب) وحده. والحمد لله الذي خذل الإرهابيين الإسرائيليين ورد كيدهم إلى نحرهم”.

وتابع مناديًا الشعب العراقي:” فيا شعب عليكم بعد التصويت في مجلس النواب العراقي على قانون تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني الإرهابي. بصـلاة ركعتي شكر لله سبحانه وتعالى. ثم الخروج إلى الشوارع احتفالاً بهذا المنجز العظيم”.

اقرأ أيضا: كيف هزم مقتدى الصدر إيران في «لعبة» الانتخابات العراقية؟

هل يُنهي القانون الغزل الغربي للتيار الصدري؟

يشي مشروع القانون الذي تبناه الزعيم الشيعي الأبرز في العراق باحتمالية نهاية المغازلة الغربية الدائمة للصدر ودوائره. فبعيداً من الخطابات المعلنة لزعيم التيار. التي تغلب عليها شعارات مناهضة الغرب والمقاومة. يحفل التاريخ المشترك بين الصدر والدوائر الغربية بالعديد من العلاقات المستقرة.

من الفعاليات القليلة المُعلنة، زيارات أجراها مسؤولون في التيار الصدري لعواصم أوروبية. كما في زيارتي رئيس كتلة الصدر -آنذاك- للعاصمة الألمانية برلين عامَي 2016، و2017، وحديثه إلى معهد (ACD) الذي سيتبين لاحقاً أنه معني بشؤون السلام مع إسرائيل، وأن مسؤوليه أجروا زيارة معلنة للعاصمة الإسرائيلية تل أبيب عام 2012، والتقوا الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز ووزير الخارجية أفيجادور ليبرمان. كما زعمت صحيفة “النهار” اللبنانية.

في أبريل/ نيسان 2021، نشرت مجلة The Economist  البريطانية تقريرا عن “تقارب بين الصدر والسياسة الأمريكية”، وفي يونيو/ حزيران نشرت وكالة “رويترز” تقريراً  مشابه بعنوان “الصدر والغرب” نقلت فيه عن دبلوماسيين غربيين قولهم. إنهم “يفضلون التعامل مع حكومة يهيمن عليها الصدر، على التعامل مع خصومه الشيعة”.

ومع اقتراب موعد الانتخابات، تصاعدت اللهجة الداعمة للصدر في وسائل الإعلام الغربية، مثلما قالت كبيرة محللي العراق لدى Crisis Group هيب هيجل: “لقد تحسنت العلاقة بين الصدر والغرب تحسناً ملحوظاً خلال السنوات القليلة الماضية. ويُنظر إليه بتزايد على أنه بديل وطني وعازل محتمل ضد الأحزاب الأكثر ميلاً لإيران”، وهو ما كرره السفير الأمريكي السابق لدى بغداد دوجلاس سيليمان في يونيو/حزيران الماضي، واصفاً الصدر بـ “أحد الكوابح الرئيسة أمام التوسع الإيراني في العراق”.

حتى الآن.. الصدر خارج العقوبات الأمريكية

في مقابل المجاملات الغربية، كثيراً ما قام الصدر بـ “رد التحايا”، وفق تعبير صحيفة “النهار”. فقد انتقد مرات عدة عمليات “فصائل المقاومة” وحذّر من تحويلها “مقاولة”. وهاجم قادتها كما لو أنه يُرسل “أوراق اعتماد”. يقول التقرير: “في المقابل، حظي الصدر بما يُشبه الحصانة لدى الصحفيين والباحثين الغربيين. وتم تجاهل الفظائع التي ارتكبتها جماعته خلال تظاهرات تشرين وما بعدها، مقابل التركيز على الجرائم التي تقوم بها الأطراف الأخرى”.

وبينما اجتاحت موجة العقوبات الأمريكية، خلال الأعوام الأربع الماضية. طيفاً كبيراً من السياسيين أو المؤسسات العراقية، وشملت شخصيات قد تكون أقل تورطاً من الصدر بمسببات تلك العقوبات. مثل شبل الزيدي زعيم فصيل “كتائب الإمام علي”، وقيس الخزعلي زعيم حركة “عصائب أهل الحق”. حظي الزعيم الشيعي الأبرز في العراق بالاستثناء من العقوبات الأمريكية. التي لم تستثنِ صغار الزعامات أو الكبار أو المسؤولين العراقيين.

تقول الصحيفة: “بدا الصدر وكأنه مُستند إلى “ركن شديد” وهو يمنّي أتباعه بحصد منصب رئاسة الوزراء. من دون اكتراث لقائمة الانتهاكات الإنسانية الجسيمة التي تورط بها أتباعه، ليس على مدى السنوات الأولى لنشاط جماعاته المسلحة فحسب، بل أيضاً خلال العامين الماضيين”.