أسفر اجتماع أعضاء البرلمان الفيدرالي الصومالي في 15 مايو/أيار الجاري، عن انتخاب حسن شيخ محمود كرئيس للصومال. ليعود بعد خمس سنوات تولى فيها رئاسة البلاد في الفترة بين 2012 إلى 2017. ليحل محل محمد عبد الله محمد، المعروف باسم “فرماجو”، بعدما فاز على “محمود” في انتخابات 2017.
يتولى حسن شيخ المهمة الرئاسية في وقت حاسم ومضغوط بشدة، حتى أن المعركة الانتخابية ذاتها لم تكن سهلة، بل حاول “فارماجو” عرقلتها أكتر من مرة، وأمتد الأمر حتى لإساءة الاستخدام السياسي لقوات الأمن، بالإضافة إلى تقارير عن عمليات شراء ضخمة للأصوات.
في هذه الأثناء، لا يزال الجيش الوطني الصومالي، وقوات حكومة الولاية، والمليشيات العشائرية. إضافة إلى حركة الشباب المجاهدين التابعة لتنظيم القاعدة، الذين يقاتلون من أجل السيطرة على البلاد. في الواقع، أدى تصاعد الاشتباكات السياسية والعسكرية منذ عام 2020 لخلق مساحة لـ “الشباب” لتتوسع أكثر، بينما كان القادة مشغولين بالتصعيد أمام بعضهم البعض.
بالنسبة للإدارة الأمريكية، تمنح عودة حسن شيخ إدارة بايدن فرصًا جديدة لتعميق شراكتها مع مقديشو. وتعزيز المصالح الأمريكية في المنطقة. حيث تشكل الدولة المنهكة كنزًا، بسبب موقعها الاستراتيجي على خليج عدن، والذي بسببه كانت البلاد حلقة وصل لتهريب الأسلحة والنشاط المسلح الذي يؤثر على كل من الشرق الأوسط وأفريقيا.
اقرأ أيضا: الخطوات الواجبة لإصلاح بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال
انتخابات مفجعة
على الرغم من أن فارماجو صعد إلى السلطة بآمال كبيرة في عام 2017، لكن تميزت فترة حكمه بالسلطوية التي كانت تزيد يوما بعد يوم. مع “ود غير مبرر مع الجهات التي كانت تفسد في الدولة”. وفق تعبير الباحث الأمريكي إيدو ليفي. علاوة على ذلك، رفض فارماجو -بالرغم من انتهاء فترة ولايته في 8 فبراير/شباط 2021- بالسماح بالانتخابات لأشهر، وصمد لأطول فترة ممكنة لكسب الوقت وتعزيز الدعم.
استخدم فارماجو القوة في مواجهة خصومه. في أوائل عام 2020، نشر 700 جندي صومالي دربتهم تركيا في منطقة جيدو. على أمل الحصول على دعم سياسي هناك، مما أدى إلى اشتباكات عنيفة مع قوات ولاية جوبالاند. كما أرسل قوات لإخضاع الميليشيا الصوفية -المتحالفة مع الحكومة سابقًا- أهل السنة والجماعة (ASWJ) في ولاية جالمودوج.
في غضون ذلك، فقد لواء داناب، الذي بنته الولايات المتحدة كوحدة العمليات الخاصة الرئيسية في الصومال -وهو الكيان الوحيد الذي لا يزال يقاتل حركة الشباب بنشاط- وتيرته العملياتية بعد انسحاب إدارة ترامب للقوات الأمريكية في يناير/كانون الثاني 2021. بعد ثلاثة أشهر، اشتبكت القوات الحكومية والمعارضة في مقديشو. والتي تسببت في نزوح ما بين ستين ألف إلى مائة ألف شخص.
وفي أكتوبر / تشرين الأول -دون مشاركة القوات الأمريكية- أمر فارماجو قوات داناب، ووحدات الجيش الأخرى. بقمع معقل “أهل السنة والجماعة” في بلدة جورييل، حيث يستمر القتال بشكل متقطع.
اللجوء إلى اللاعبين الأجانب في الصومال
بعد إخفاقه في تأمين بقائه السياسي بالقوة، لجأ فارماجو -مثل العديد من المرشحين الرئاسيين الآخرين. البالغ عددهم ثمانية وثلاثين – إلى الرعاة الأجانب الأثرياء، مثل قطر والإمارات. على أمل تمويل طريقه إلى النصر. أرسل كلا البلدين الملايين إلى المتنافسين في انتخابات عام 2017، وزادت مساهماتهم إلى ما يقدر بـ 50-100 مليون دولار لكل منهما في الدورة الحالية.
يقول ليفي: “قد تبدو هذه المبالغ وكأنها مبالغ طائلة في واحدة من أفقر دول العالم. لكنها اعتبرت ضرورية، لأن الصومال قامت الآن بتطبيع شراء الأصوات التنافسية لـ 329 ناخبًا برلمانيًا تم اختيارهم مسبقًا. في الواقع، تبلغ تكلفة كل صوت رئاسي ما بين مائة ألف إلى ثلاثمائة ألف دولار مقدمًا، بالإضافة إلى وعد بمبلغ مائتي ألف دولار إضافية أو أكثر إذا فاز المرشح”.
في مرحلة لاحقة، أغلق فرماجو سلسلة المحاولات مع قطر، وبدلها بالسعي للدعم من إريتريا وإثيوبيا وتركيا. بينما كان حسن شيخ يحظى بدعم إماراتي، إلى جانب بعض الدعم من مصر وكينيا. حسب مزاعم ليفي.
وسط هذا الاقتتال السياسي والعسكري الشرس، عززت حركة الشباب أراضيها في الجنوب، وزادت قوتها. بل، وطوّرت نظامًا ضريبيًا متطورًا أكثر من أي وقت مضى، وقدمت خدمات حاسمة -لا سيما تسوية المنازعات- بشكل أكثر كفاءة من الحكومة. وتواصل الحركة أيضًا التهديد والتخطيط لهجمات في بعض الأحيان ضد أهداف أمريكية، وقد تحاول تنفيذها إذا بدأت تشعر بمزيد من الأمان في موقعها. كما يقول ليفي، الباحث في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى.
يضيف ليفي: بالنسبة للجماعة المحلية التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية، فهي تواصل بناء قوتها من جيبها في جبال جالجالا. على الرغم من مواجهة ضغوط من قوة أمن بونتلاند الأكثر فاعلية والمدعومة من الولايات المتحدة. في الواقع، أصبح التنظيم على نحو متزايد عقدة لوجستية مهمة. بين “المحافظات” الأساسية لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، وتلك الموجودة في غرب ووسط أفريقيا.
اقرأ أيضا: كيف ستؤثر إزاحة “فرماجو” على مصالح الخليج في الصومال؟
تجديد التعاون بين مقدشيو وواشنطن
يمنح غياب فارماجو واشنطن فرصًا جديدة لمتابعة المصالح المشتركة على عدة جبهات، بالفعل بدأ بايدن في إعادة نشر القوات الأمريكية في الصومال بعد وقت قصير من فوز حسن شيخ. يعتبر المراقبون الأمريكيون هذه خطوة مهمة. سوف تؤدي إلى تنشيط القتال ضد حركة الشباب، من خلال تفعيل لواء دنب مرة أخرى.
في الحقيقة، كان عزل دانب المتعمد عن سوء الاستخدام السياسي -وعلاقات الوحدة الوثيقة مع الأمريكيين- هي التي ميزتهم عن بقية الجيش الصومالي، ومكنتهم من القيام بعمل هجومي فعال ضد حركة الشباب. على النقيض من ذلك، فإن وحدة الكوماندوز الصومالية التي تدربت في تركيا -والتي تسمى Gorgor- تتمتع بالمهارات، ولكنها تفتقر إلى نظام منفصل للقيادة والسيطرة. من شأنه أن يمنع إساءة استخدامها، مما يؤدي إلى انتشارها المنتظم لتحقيق مكاسب سياسية.
أيضا، يرى الباحث الأمريكي أن التغيير في الحكومة الصومالية “يجعل توسيع اتفاقيات إبراهيم إلى الصومال احتمالًا أكثر وضوحًا”. وأن إسرائيل يمكنها لعب دور قوي. ولديها ما تقدمه للصومال، على جبهات مكافحة الإرهاب والجبهات الاقتصادية. في حين أن علاقات حسن شيخ القوية مع الإمارات -الحليف مع إسرائيل- يمكن أن تسهل قنوات الاتصال مع القدس. وأن الولايات المتحدة يمكن أن تلعب دور الوسيط هنا.
يقول: إن ضمانات المزيد من المساعدات الاقتصادية والعسكرية الأمريكية -إلى جانب العديد من الفوائد الإماراتية والإسرائيلية- من شأنها أن تقطع شوطًا طويلاً نحو تأمين التطبيع.
وفقًا لمسؤول كبير خدم خلال الفترة الأولى لحسن الشيخ، التقى الرئيس الصومالي برئيس الوزراء الإسرائيلي -آنذاك- بنيامين نتنياهو. وكان يخطط، على الأرجح، لاجتماع آخر رفيع المستوى قبل أن يخسر محاولة إعادة انتخابه لعام 2017. بعد التصويت الأخير، قال دبلوماسي صومالي مقرب من حسن شيخ لـ Times Of Israel: “المجموعة التي تعارض التطبيع مع إسرائيل خرجت”. لذلك حان الوقت لكي يعمل الرئيس بايدن مع إسرائيل والصومال والإمارات لتوسيع اتفاقيات إبراهيم”.