أثار احتجاز الرئيس السابق لمتحف اللوفر في فرنسا جان لوك مارتينيز بتهمة تهريب الآثار وغسل الأموال جدلا كبيرا. لا سيما وأن بعض المقتنيات محل التحقيق معه كانت قد سرقت من المتحف المصري بالتحرير خلال أحداث ثورة 25 يناير 2011.
تفجير قضية “مارتينيز” كشف عن مفاجأة كبرى متعلقة بإحدى القطع الفرعونية النادرة. المتمثلة في لوحة ضخمة من الجرانيت الوردي محفورة باسم توت عنخ آمون ومعروضة حاليا في متحف “لوفر أبوظبي”.
ففيما تؤكد التحقيقات الفرنسية أن القطع الخمس المصرية سرقت من المتحف المصري. قالت الدكتورة صباح عبد الرازق -مديرة المتحف- إن”الشاهدة الوردية” ليست من بين القطع المدرجة على قائمة المسروقات خلال أحداث ثورة يناير.
واستدركت مديرة المتحف في حديثها لـ”مصر 360″ بالقول: هناك بالفعل عدد من القطع الخاصة بالملك توت عنخ أمون سرقت من المتحف المصري. وتم تسجيلها ضمن قائمة بالمسروقات. لكن لا يوجد من بينها لوحات خاصة بالفرعون الذهبي.
وأشارت في الوقت ذاته إلى أن هناك نحو 19 قطعة لم تسترد بعد. رغم استرداد عدد كبير من القطع.
وحول إمكانية سرقة تلك اللوحة من أي من المخازن أو المتاحف المصرية الأخرى إبان ثورة 25 يناير أوضحت مديرة المتحف المصري إن وزارة الآثار لديها قائمة خاصة بالقطع المسجلة التي تمت سرقتها خلال تلك الأحداث من كل المواقع.
دور مدير اللوفر في السرقة
ووفقا لتقارير صحفية فرنسية فإن المحققين يحاولون معرفة ما إذا كان جان لوك مارتينيز قد غض الطرف عن شهادات منشأ مزورة لخمس قطع من العصور المصرية القديمة. بما في ذلك الجرانيت الوردي لتوت عنخ آمون. التي حصل عليها متحف لوفر أبوظبي “مقابل عشرات الملايين من اليوروهات”. عندما كان في ذلك الوقت عضوًا في لجنة الاستحواذ بمتحف لوفر أبوظبي.
التحقيقات الفرنسية لم تقتصر على “مارتينيز” الذي شغل منصب رئيس مؤسسة متحف اللوفر في الفترة من 2013 إلى 2021. بل شملت أيضا أمين قسم الآثار المصرية -فانسان روندو- وعالم المصريات أوليفييه بيردو اللذين أطلق سراحهما لاحقا دون توجيه اتهامات إليهما.
تلك التحقيقات كانت قد بدأت مع شراء متحف لوفر أبوظبي في عام 2016 للعديد من الآثار المصرية مقابل عشرات الملايين من اليوروهات. وكان من بينها القطعة النادرة والمختومة بالختم الملكي لتوت عنخ آمون. والتي تعد في حالة جيدة للغاية. حيث انتقلت هذه القطع إلى أيدي التجار والخبراء. وتم إصدار شهادات مزورة لتمرير الضوابط والحدود.
من حق مصر
عالم المصريات الأبرز ووزير الآثار المصري الأسبق زاهي حواس أكد أن هذه اللوحة من حق مصر. لافتا إلى أن هناك تعليمات رسمية صدرت للتعامل سريعا لاستردادها من أبوظبي. حيث سيتم مخاطبة المسؤولين في الإمارات من أجل ذلك الهدف.
وحول كيفية خروج لوحة الملك الذهبي من مصر وما إن كانت مسجلة من عدمه رجح “حواس” في حديث لـ”مصر 360 ” أن تكون تلك القطعة قد خرجت بمعرفة مكتشف المقبرة الإنجليزي هوارد كارتر نفسه. وهو ما يعني أنها “ليست مسجلة”.
و”كارتر” هو صاحب أهم اكتشاف أثري في القرن العشرين باكتشافه مقبرة الملك الذهبي التي يوافق عام 2022 مرور 100 عام على اكتشافها.
إلا أن “حواس” أكد أن هذا لا يعني أن القطعة النادرة ليست من حق مصر. فهناك قانون -حسب قوله- يقضي بأن أي مقبرة مكتشفة كاملة ولم تتعرض للسرقة لا يجوز خروج أي قطعة منها خارج مصر.
ويوضح “حواس” أن لمتحف اللوفر الفرنسي تاريخا طويلا من التورط في مثل تلك الأعمال التي لا تليق بالأثريين والمحافظين على التراث. لافتا إلى أنه حينما كان في موقع المسؤولية أوقف بعثة تابعة للمتحف كانت تعمل بمنطقة سقارة لحين استرداد 5 قطع مصرية كان قد حصل عليها المتحف بطرق ملتوية.
رواية “حواس” بشأن طريقة خروج اللوحة من مصر تتقاطع مع البيانات الخاصة بها في “لوفر أبوظبي”. حيث تشير البيانات الخاصة باللوحة التي يظهر عليها توت عنخ آمون مرتين إحداهما وهو يقدم قرابينه للإله أوزوريس والأخرى وهو يتم تعميده ملكا من الإله- إلى أنها مكتشفة بمنطقة أبيدوس وليست في وادي الملوك حيث اكتشفت مقبرة الملك الذهبي.
معلومات مزورة
وكانت أبيدوس المركز الرئيسي لعبادة الإله أوزوريس وكان يحج إليها قدماء المصريين ليبكوا الإله أوزوريس -حارس الحياة الأبدية وإله الغرب. ويرجع تاريخها إلى 5 آلاف سنة وتقع بين أسيوط والأقصر بالقرب من قنا وحاليا يطلق عليها العرابة المدفونة بـ (البلينا) في محافظة سوهاج.
ورغم أن مصر كانت سباقة في سن تشريعات وقوانين لحماية الآثار قبل 177 عاما وبالتحديد في عام 1835 فإن بعض تلك القوانين هي التي مكنت الأجانب من تملك كثير من القطع الأثرية المصرية.
وأصدرت مصر قانونا في عام 1951 بهدف القضاء على تجارة الآثار ولكنه كان أكثرها تشجيعا على التهريب والسرقة والاتجار بسبب إرسائه مبدأ التقاسم مع البعثات الأجنبية.
وترك هذا القانون ثغرة تسمح بمرور متحف كامل للخروج القانوني من مصر. إذ تنص إحدى مواده على السماح بتبادل الآثار المكررة مع المتاحف والأشخاص وبيعها وحتى التنازل عنها للهيئات والأفراد المصرح لهم بالتنقيب.
وتعد مقبرة الملك توت عنخ آمون (1336-1327 ق.م) من الأسرة الثامنة عشرة ذات شهرة عالمية لأنها المقبرة الملكية الوحيدة بوادي الملوك التي تم اكتشاف محتوياتها سليمة وكاملة نسبيًا.
مئوية اكتشاف المقبرة
وكان اكتشاف المقبرة الذي تم في عام 1922 قد احتل في حينه العناوين الرئيسية في صحف جميع أنحاء العالم. حيث ضمت 3500 قطعة أثرية تم اكتشافها. شملت الأشياء التي كان توت عنخ آمون يستخدمها في حياته اليومية مثل الملابس والمجوهرات ومستحضرات التجميل والبخور والأثاث والكراسي والألعاب والأواني المصنوعة من مجموعة متنوعة من المواد والمركبات والأسلحة.
ولعل ما يزيد من أهمية “اللوحة” التي تحقق السلطات الفرنسية مع رئيس متحف اللوفر السابق بشأنها أن الملك الصغير توت عنخ آمون تم محو اسمه من تاريخ مصر القديمة لأنه مرتبط بالملك إخناتون الذي لم يحظ بشعبية بسبب انقلابه الديني.
وبالعودة للتحقيقات ففي نظر القضاة الفرنسيين فإن سرقة تلك “الشاهدة” تطرح مشكلة خطيرة تتعلق بالمنشأ. موضحين أنها تم العبث بها من قبل خبير الآثار كريستوف كونيكي والتاجر روبن ديب. حيث يشتبه المحققون في أن الاثنين قدما وثائق مزورة واختلقا أصولا مزورة لغسل مئات القطع الأثرية المنهوبة من دول مختلفة في الشرق الأدنى والأوسط.
وبحسب تقارير صحفية فرنسية فإن كريستوف كونيكي الذي كان يعمل في دار المزادات “بيرجييه وأسوسييه” في مرمى تحقيقات الشرطة منذ بيع التابوت الذهبي للكاهن “نجم عنخ” عام 2017 مقابل 3.5 مليون يورو في متحف متروبوليتان في نيويورك.
وأعيد التابوت إلى مصر في عام 2019 بعد تحقيق دولي أجرته السلطات الأمريكية والفرنسية والألمانية والمصرية أثبت أن التابوت سُرق خلال أحداث ثورة 25 يناير 2011.