بلغت الجرائم الإلكترونية في مصر معدل انتشار غير مسبوق خلال الآونة الأخيرة. وبينما لا توجد إحصاءات رسمية حول عدد البلاغات المرتبطة، تكفي الإشارة إلى تسجيل عشرات البلاغات بجرائم إلكترونية مختلفة (من بينها الابتزاز) خلال شهري سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول الماضيين فقط، وفق آخر إحصائية برلمانية. وهي وقائع تنوعت بين النصب والاحتيال وغلبت عليها حوادث تركيب الصور المفبركة للفتيات.
أشد هذه الجرائم إثارة للجدل وقع أوائل العام الجاري، حينما تمكن عاطل من ابتزاز 30 سيدة وفتاة في دمياط، بأن أنشأ حسابات وهمية على أحد مواقع التواصل، وحصل على صور خاصة بضحاياه، فبرك منها صورًا خادشة للحياء لهن، بغرض الابتزاز تحصلًا للمال، وفق حمدي وهدان محامي الضحايا، الذي كشف لـ”مصر360″، أن ما جمعه المتهم من ضحاياه بلغ 30 ألف جنيه، قبل إلقاء القبض عليه.
ويبقى الانتقام الإباحي أبشع صور الابتزاز المتعارف عليها عالميًا. وهو يتعلق بمشاركة محتوى إباحي حقيقي أو مفبرك يتضمن شخصًا ما دون موافقته. ذلك في محاولة للتشهير به وإحراجه علنًا ولدى أصدقائه وأفراد أسرته المقربين. ما تنتج عنه مجموعة من الآثار النفسية المدمرة للضحية، تبدأ بالاحتراق النفسي تنجم عن الضغط المفرط بالمساومة والتهديد. وقد تنتهي إلى الإقدام على الانتحار كما في قضية الطفلة “بسنت خالد – 17 عامًا” في 23 ديسمبر/كانون الأول، في محافظة الغربية، بعد تعرضها للابتزاز من 5 شباب بينهم قريب لها بمقطع فيديو مفبرك.
التكنولوجيا في خدمة الجناة
“هاكر دخل لي عن طريق صفحة صديقتي بأحد مواقع التواصل. لم أشك للحظة أنها ليست من يحادثني. وقد طلب مني رقم هاتفي وأرسلته”. عند هذه اللحظة بدأت حكاية “شاهي الشناوي – 37 عامًا – دمياط”. وقد تمكن هذا الهاكر من صفحتها ومنها إلى صفحات باقي صديقاتها.
لم تدم الخدعة التي تعرضت لها “شاهي” وصديقاتها فترة طويلة. إذ تمكن من استعادة حساباتهن. واكتفين بذلك دون تحرير محاضر. تقول: “استرددت حسابي نعم. لكنني أشعر حاليًا أنني مصابة بالرهاب. لم أعد أثق في من أتواصل معهم عبر مواقع التواصل”.
التسلل إلى الضحايا
لم تتخيل “مايسة – 26 عامًا – الدقهلية” يومًا أن تقع ضحية للابتزاز بفعل صديقة عمرها، التي التقطت لها صورًا خلسة في منزلها.
تقول “مايسة”: “كانت صديقة دراسة وزميلة عمل، وكنا مغتربين نعمل سويًا في شركة تأمين بالقاهرة. وذات يوم ادعت إصابتها بورم خبيث وأنها بحاجة لإجراء جراحة عاجلة، وما كان باستطاعتي التخلي عنها”.
تعاطفت “مايسة” مع صديقتها وأقرضتها على مدار 4 أشهر مبالغ مالية وصلت إلى 200 ألف جنيه مقدار ميراثها من والدها. تضيف: “كنت أزورها بصفة دورية في منزلها للاطمئنان عليها. ولم يخطر على بالي أنها ستلتقط لي صورًا في منزلها خلسة”.
بعد حين من الزمن طالبت “مايسة” صديقتها برد الأموال التي أقرضتها إياها لحاجتها. تردف الضحية: “في البداية وصلتني صور مفبركة لي وقد ادعت أن هاتفها النقال سُرق منها حينما واجهتها بتلك الصور. ثم تحولت إلى مساومتي وطلب المال مقابل استعادت صوري على هاتفها”.
طلبت المتهمة من ضحيتها مبلغ 50 ألف جنيه زائدة عن المبلغ الذي كانت اقترضته منها. تقول “مايسة”: “كانت تقول لي: لو عايزة تتفضحي أنت حرة، متدفعيش والناس هتشوف صورك”.
حررت “مايسة” محضر ابتزاز، قُيد برقم 5 أحوال بتاريخ 28/2/2022 بمباحث العباسية. فإذا بالمتهمة تهاجم أسرتها مستعينة ببلطجية.
استغاثت “مايسة” بالنجدة، وقد حررت كل منهما الجانية والمجني عليها محضرين بقسم الشرطة وتم احتجازهما لمدة يومين، وأمام النيابة تبين كذب أقوال المتهمة. بينما تقدمت المجني عليها ببلاغ ثاني ضدها تتهمها بالسب والقذف والتشهير والاعتداء بالضرب، قُيد برقم 2829 لسنة 2022 جنح ثان المنصورة.
اقرأ أيضًا: “الحياة الخاصة تحت التهديد”.. ورقة سياسات من “دام”
أرقام عن الابتزاز الإلكتروني في مصر
في فبراير/شباط الماضي، كشف دراسة صادرة عن لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بمجلس النواب، إحصائيات صادمة حول جرائم الابتزاز الإلكتروني. وقد توصلت إلى عدد من النتائج، أهمها:
- انتشار تلك الجرائم بشكل كبير في القرى بمختلف المحافظات.
- تقديم 1038 بلاغًا بجريمة إلكترونية خلال شهرى سبتمبر وأكتوبر 2021.
- نجحت وزارة الداخلية في ضبط غالبية المتهمين في هذه الجرائم.
- تسجيل 365 جريمة إلكترونية خلال آخر 10 أيام في شهر أكتوبر 2021.
- أغلب الجرائم الإلكترونية كانت نصب واحتيال وتركيب صور للفتيات وبيع أدوية غير صالحة للاستخدام الآدمي ومنتهية الصلاحية عبر الإنترنت.
- من ضمن الجرائم التي تم الإبلاغ عنها كانت حول تجارة آثار مزورة عبر صفحات الإنترنت.
ما يقوله القانون عن الابتزاز الإلكتروني؟
تقع جرائم الابتزاز الإلكتروني تحت طائلة قانوني العقوبات ومكافحة جرائم تقنية المعلومات. وقد جرما بشكل قاطع مختلف أشكال التشهير والابتزاز بحق المواطنين. وغلظت مواد القانونين العقوبة الموقعة بحق المتهمين إلى الحبس.
وتنص المادة 326 من قانون العقوبات على أن كل من حصل بالتهديد على مبلغ من النقود أو أي شيء آخر يعاقب بالحبس. ويعاقب الشروع في ذلك بالحبس مدة لا تتجاوز سنتين.
وكذلك تنص المادة 327 على أن كل من هدد غيره كتابة بارتكاب جريمة ضد النفس أو المال معاقب عليها بالقتل أو السجن المؤبد أو المشدد أو بإفشاء أمور أو نسبة أمور خادشة للشرف، وكان التهديد مصحوبًا بطلب أو بتكليف بأمر يعاقب بالسجن.
ويعاقب بالحبس إذا لم يكن التهديد مصحوبًا بطلب أو بتكليف بأمر. وكل من هدد غيره شفهيًا بواسطة شخص آخر بمثل ما ذكر يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين أو بغرامة لا تزيد على خمسمائة جنيه، سواء أكان التهديد مصحوبًا بتكليف بأمر أم لا. وكل تهديد سواء أكان بالكتابة أم شفهيًا بواسطة شخص آخر بارتكاب جريمة لا تبلغ الجسامة المتقدمة، يعاقب عليه بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر أو بغرامة لا تزيد على مائتي جنيه.
كما تنص المادة 25 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018، على أن عقوبة الابتزاز الإلكتروني في مصر المتعلقة بالمبتز الذي يقوم بالاعتداء على المحتوى المعلوماتي الخاص لأي شخص تقضي بالسجن لمدة لا تنقص عن 6 أشهر.
المبادرات الشبابية لمواجهة التحرش والابتزاز
في 2016 دُشنت مبادرة “مش هنسكت على التحرش”. وقد عمل مسؤولوها على مساعدة الفتيات وتوعيتهن بالتحرش وآثاره السلبية عليهن وعلى المجتمع. تقول هادية عبد الفتاح منسقة المبادرة لـ”مصر 360″: “نفذنا العديد من الحملات، كان من بينها ماراثون شاركت فيها فتيات استقللن الدراجات في شوارع المحافظات. كنا نريد أن نوصل رسالة أن لكل فتاة حقها في أن تعيش في مجتمع يحترمها دون أن تكون عرضة للتحرش. فهي نصف المجتمع ودونها يختل الميزان”.
كذلك، دشنت المبادرة حملات تدوين عبر وسائل التواصل الاجتماعي للتعريف بالتحرش وآثاره وكيفية مواجهته وكيف يمكن للفتاة أن تتخذ الإجراءات القانونية حال تعرضت لذلك. تضيف “هادية”: “نسعى لإطلاق مبادرة لمواجهة الابتزاز الإلكتروني وهو أحد أشكال التحرش التي تستخدم التكنولوجيا الحديثة وانتشرت بشكل خطير في مجتمعنا”.
أيضًا، فإن الفعاليات التي تواجه جرائم التحرش والابتزاز الإلكتروني لم تتوقف في نوع القائمين عليها عند النساء، فقد دشن الشاب محمد اليماني منسق حملة “قاوم”، عددًا من المبادرات عبر موقع التواصل الاجتماعي. واستقبلت صفحة الحملة عبر “فيسبوك” التي يتابعها ما يزيد عن 900 ألف شخص، بلاغات من ضحايا ابتزاز، ساعدتهم الحملة في اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لمواجهة مبتزيهم.
دعم ضحايا الابتزاز الإلكتروني
وفي فبراير/شباط من العام الجاري، دعا مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، المجتمع والأسرة آباءً وأمّهات وإخوة إلى الوقوف إلى جانب ضحايا الابتزاز الإلكتروني ومن يتعرض لخسة المُجرمين ممن يقومون بتزييف وفبركة الصور ومقاطع الفيديو. كما دعا إلى عدم تضييع حقوق الضحايا وذويهم بتوجيه اللوم والتّسرع في إصدار الأحكام على الأبرياء. كما طالب الفتيات اللائي يتعرضن للابتزاز بسرعة توجّههنّ لرب الأسرة أو من يقوم مقامه وإعلامه بما يمارس ضدّهنّ؛ لينال المُجرم جزاءه، ويتخلص المُجتمع من شر هذه الشرذمة الفاسدة.
وقد خصصت مباحث الإنترنت للأشخاص الذين تعرضوا للابتزاز أو التهديد الرقم الساخن 108 من أي هاتف محمول أو أرضي للإبلاغ. وذلك بمنح بعض المعلومات والبيانات للتحرك وأخذ الإجراء القانوني بشأن الشخص المتهم بالابتزاز. كما تستطيع الفتيات أو الأشخاص بوجه عام الذين تعرضوا للابتزاز أن يتوجهوا ببلاغ لإدارة مكافحة جرائم الحاسبات وشبكات المعلومات بمقر وزارة الداخلية المصرية في حي القاهرة الجديدة.