24 نقابة مهنية في مصر، تضم نحو ٥ ملايين عضوا مشتغلا. “الصحفيين” و”المحامين” و”الأطباء” وغيرها هي نقابات تحمل أعباء الدفاع عن المهن التي تمثلها وعن مصالح أعضائها وتحسين شروط العمل لتوفر ظروفا معيشية أفضل لكل المهنيين، لذلك تسعى مجالسها المنتخبة دائما للعمل من أجل أبناء المهنة لتخطو بهم إلى الأمام قدر المستطاع.
تاريخيا لم تتوقف النقابات المهنية أبدا عند حدود الدفاع عن أعضائها المشتغلين، بل تعدت ذلك بحكم كونها جزءا من المجتمع لتصل إلى الدفاع عن المواطن وحقه في الحرية والعدل ودولة القانون والخدمات الصحية والاجتماعية اللائقة.
من هنا يمكن تقدير أهمية مشاركة النقابات المهنية في الحوار الذي دعا له رئيس الجمهورية في شهر رمضان، وبدأت الأحزاب وقوى المجتمع المدني في الإعداد له لينطلق خلال الفترة المقبلة.
ويمكن فهم الدور الذي ستقوم به النقابات المهنية خلال الحوار في عدد من القضايا التي نستطيع التأكيد أن الحضور النقابي فيها سيكون فارقا ومهما.
الحريات العامة ودولة القانون والخدمات الصحية، ثلاث قضايا يجب أن تحملهم ثلاث نقابات ذات أهمية كبيرة في المجتمع، وصاحبة دور تاريخي قامت به دائما بلا انقطاع وعلى اختلاف طبيعة مجالس إداراتها المنتخبة.
نقابة الصحفيين
هي نقابة الرأي، وقلعة الحريات كما يحب أعضاؤها التأكيد دائما، وهي المؤسسة صاحبة الدور البارز تاريخيا في الدفاع عن حرية الرأي والتعبير والصحافة والإبداع، وهي التي ضمت على مدار تاريخها الكبير كل الكتاب والمبدعين وأصحاب الرأي والفنانين وقدمت إبداعهم للجمهور، ودافع أعضاؤها دائما عن الحرية والتنوير والموهبة.
نقابة الصحفيين تدخل الحوار الوطني ولديها عبء الدفاع عن حرية الصحافة المحاصرة منذ سنوات، والمطالبة برفع كل صور القيود المفروضة على المهنة، والإفراج عن كل الصحفيين المحبوسين في قضايا الرأي والنشر، وفتح الباب لحرية النشر وحرية إصدار الصحف بمجرد الإخطار، وتفعيل مواد الدستور التي تكفل حرية الصحافة وتحظر فرض القيود عليها وتضمن حرية تداول المعلومات بسهولة ويسر، وتعديل القوانين 179 و180 وهما اللذان ينظمان عمل الهيئة الوطنية للصحافة والمجلس الأعلى للإعلام ويحاصران المهنة في كثير من نصوصهما.
كل هذه القضايا يجب أن تكون النقابة واضحة وحاسمة في الدفاع عنها، وفي المطالبة بها بلا تردد، ولكنها في نفس الوقت مطالبة بعدم إغفال دورها التاريخي في الدفاع عن حرية الرأي والتعبير بالمعنى الأوسع، وبرفع القيود عن الإبداع والكتابة والفنون، والتوقف عن ملاحقة أصحاب الرأي، وإخلاء سبيل كل من لم يتورط في ممارسة العنف أو التحريض عليه، وفتح المجال لكل الأصوات للكتابة والمشاركة في الحياة العامة.
نقابة المحامين
تاريخيا كانت لجنة الحريات في نقابة المحامين سندا لكل أصحاب الرأي، وداعما لكل من يتعرض لإيذاء من السلطات العامة، كانت اللجنة بنشاطها المعروف تتطوع للدفاع القانوني عن كل من يمارس العمل السياسي السلمي، وكل من يتعرض للملاحقة القانونية بسبب رأيه أو فكره، وكان هذا الدور يتسق تماما مع دور المحامين كرجال قانون.
تدخل النقابة الحوار السياسي المنتظر بهموم أصحاب المهنة وهي كثيرة، وربما تطلب تعديلات تشريعية تحسن من ظروف عمل المحامين وتمنحهم قدرة أكبر على العيش الكريم، ولكنها في نفس الوقت يجب ألا تتجاهل دورها الهامة كإحدى مؤسسات الدفاع عن سيادة القانون، وعن ضمان حرية المواطنين وكرامتهم، وعن رفض أي تغول من السلطة على حقوق وحريات المواطن.
نقابة المحامين عليها أن تدخل الحوار وهي ترفع شعار الدفاع عن دولة القانون، دولة الحرية والعدالة والمواطنة والمساواة، ثم عليها أن تدفع في اتجاه تفعيل باب الحقوق والحريات في الدستور، تطبيقا حقيقيا وجادا وبلا تحايل أو التفاف من جانب السلطة.
هذه القضايا هي جزء لا يتجزأ من دور وتاريخ مؤسسة مهمة كنقابة المحامين، وهو دور يمثل أهمية كبيرة في طريق كل تغيير أو تطوير ننشده في المستقبل القريب.
نقابة الأطباء
خلال السنوات الأخيرة شكّلت ظاهرة هجرة الأطباء أزمة حقيقية في المجتمع، فقد كانت الظروف المعيشية الصعبة التي يعانيها الأطباء دافعا للهجرة، فضلا عن أزمات كبيرة يعيشها أعضاء نقابة الأطباء، والمؤكد أن من حق النقابة العريقة أن تدخل إلى الحوار بمطالبات وأفكار تحسن من ظروف عمل ومعيشة أعضائها، لكنها في هذا الحوار ستمثل أيضا المواطن العادي وحقه في خدمة صحية لائقة وكريمة، وهنا لا يجب على النقابة المهمة أن تدخل الحوار من منطلق أزمات الأطباء فقط على أهميتها، لكن المواطن المصري سينتظر من النقابة بكل تأكيد أفكارا تصب في خانة الدفاع عن الحق في العلاج، وعن تطوير المستشفيات والمؤسسات الصحية، وعن تحديث العمل بداخل المستشفيات وصولا إلى قاعدة: ظروف لائقة لعمل الطبيب ولعلاج المريض على السواء.
النقابات المهنية ليست مؤسسات للدفاع عن أعضائها فقط، بل هي صاحبة دور هام في دفع المجتمع خطوات للأمام بما تملكه من كوادر متخصصة في مجالات مهمة، ولعل قضايا الحريات العامة ودولة القانون والخدمات الصحية تضع نقابات الصحفيين والمحامين والأطباء أمام مسئولية مهمة، فالمصريون جميعا سيتابعون ما يمكن أن تقدمه هذه النقابات دفاعا عن قيم الحرية والعدل وتحسين مستوى المعيشة.