ما لا يلتفت إليه الكثيرون أو يتجاهلونه عمدًا أن الحركة النسوية تعمل ضد أي من أنواع العنف المنزلي، سواء عنف ضد المرأة/الزوجة/الأخت/الابنة -وهو بالطبع الأكثر انتشارًا، وأيضًا العنف ضد الرجل/الزوج/الابن. بل ومنذ عشرات السنين تدعو الحركة النسوية لوضع قانون حاسم يحمي ضحايا العنف بغض النظر عن جنسهم. لذا فالتضامن النابع من نساء مع رجل قد يكون تعرض للعنف من زوجته منطقي أكثر من كونه لافت للنظر.
نساء كثيرات نسويات وغير نسويات كن ضد تشويه سمعة رجل اتهمته زوجته بالعنف، فقط من مبدأ “نصدق الناجيات”. وهو أمر طبق هذه المرة على رجل هو جوني ديب الذي أصدر القضاء الأمريكي حكمه لصالحه في محاكمة التشهير بينه وبين طليقته أمبر هيرد.
هذا ما تفعله وتدعمه الحركات النسوية في مصر والدول العربية وتسعى إليه: المساواة، وليس انتزاع حق لطرف وإغفال حق طرف آخر. فكلما كان الطرفان أصحاء نفسيًا كانت العلاقة في المنزل جيدة وصحية ستصنع أبناءً أصحاء. نعم النسويات مهمومات أكثر بقضايا المرأة.. أكثر بكثير. فهي حركة “نسوية” أي معنية بالنساء والفتيات. لكنها نابعة من حقوقيات يردن العدل، فلا مانع من التضامن مع الضحايا من الجنس الآخر.
(1)
بالأمس، أصدر القضاء الأمريكي قرارًا يدين الممثلة أمبر هيرد، بتهمة التشهير بزوجها السابق جوني ديب، من خلال ترويج مزاعم بأنه اعتدى عليها وعرضها للعنف الأسري. وقضت هيئة المحلفين بتعويض قدره 15 مليون دولار لفائدة جوني ديب. فيما كان الزوج السابق يطالب بجبر ضرر يصل إلى 50 مليون دولار.
ويوم الأربعاء، خلص الأعضاء السبعة في الهيئة إلى قرار، في محكمة فيرفاكس بالقرب من واشنطن بعد مداولات استغرقت نحو 13 ساعة بدأتها الجمعة واستكملتها اعتبارًا من الثلاثاء.
كان جوني قد رفع دعوى على أمبر هيرد، البالغة 36 عامًا، لنشرها مقالة في صحيفة “واشنطن بوست” سنة 2018. ومع أن هيرد لم تذكر اسم جوني ديب صراحة في تلك المقالة. إلا أن الممثل الشهير اعتبر أن المقالة شوّهت سمعته وقوّضت مسيرته المهنية، وطالب بتعويض قدره 50 مليون دولار. وشنت هيرد هجومًا مضادًا مطالبة طليقها بتعويض مضاعف قدره 100 مليون دولار، واتهمت محاميًا سابقًا لديب بأنه شهّر بها من خلال قوله للصحافة في إبريل 2020 إن ما كتبته عن تعرضها للعنف الأسري عبارة عن أكاذيب. وقضت لها المحكمة أيضًا بتعويض 2 مليون دولار.
(2)
يعتبر الحديث عن العنف ضد الرجال غير شائع لسببين: أولهما أنه بنسب قليلة مقارنة بالعنف ضد المرأة، وثانيها وهو الأهم أن الرجل يخجل من أن يفصح بتعرضه للضرب سواء من رجل مثله بشكل عام، أو خاصة لو كان تعرض للضرب من امرأة. ففي مجتماعتنا العربية بل وفي بعض المجتمعات الأوروبية والأمريكية نربي الأولاد على “عيب الراجل يعيط” وكأنه سيوصم بالعار في حال اشتكى أو عبر عن مشاعره. فما بالنا بخوفه من الوصم لو صرح بتعرضه للضرب والإهانة؟
أظهرت الدراسات الاجتماعية أن معظم أفراد المجتمع ينظرون للعنف على أنه أكثر أو أقل خطورة اعتمادًا على جنس الضحية والجاني. حيث يقول الباحث في القانون الدولي سولانج موذان إن القانون قد تجاهل سيناريوهات الصراع والعنف الجنسي ضد الرجال. وقد ركز في المقابل على العنف الجنسي ضد النساء والأطفال.
أما تفسير هذه النقطة، فمختلف عليها بين الباحثين. لكن التفسير الأكثر تعارفًا عليه هو القوة الجسدية والمادية التي يتمتع بها الرجل مقارنة بالمرأة. ما يجعل الناس أكثر تعاطفًا مع الفئة الضعيفة من المجتمع.
الحقيقة، أن الذكور الناجين من العنف يعانون بسبب المفاهيم الاجتماعية السائدة حول نوعهم. خاصة في ظل وجود أدوار اجتماعية محددة لكل نوع. كل هذا يُؤدي في نهاية المطاف إلى انخفاض الاعتراف بالعنف ضد الرجال حسب الأحكام القانونية.
في كثير من الدول لا يوجد أي إطار قانوني يحاكم المرأة عند ارتكابها جرائم عنف ضد الرجل.
نعم، ليس هناك مجال للمقارنة بين أعداد الرجال الذين يتعرضون للعنف وأعداد النساء. كما أن سولانج يتحدث عن القضايا هناك “عنديهم” في الغرب وليس في مصر أو أي بلد عربي. ولكن التعاطف الذي منحته النساء لجوني ديب دليلًا قاطعًا على أن المرأة وخاصة الحقوقيات لا يردن إلا نبذ العنف بكل أشكاله، العنف ضد المراة وضد الرجل وضد الأطفال وضد الحيوانات أيضًا. لذا يجب أن نلقي الضوء على الأعداد والنسب والتي أغلبها تم رصده في أوروبا والولايات المتحدة.
(3)
الرقم الرسمي الصادر في المملكة المتحدة يُشير إلى أن 50% من عدد أعمال العنف الموجهة ضد النساء تأتي من الرجال مقابل 10% من أعمال العنف ضد الذكور التي تحصل من قبل الإناث. كما أنه نادرًا ما تُرفع تقارير الحوادث إلى السلطات، ويرجع ذلك أساسًا إلى الخوف من إلحاق الضرر بمفهوم “الرجولة”.
وجدير بالذكر هنا أن 1.9 مليون شخص تتراوح أعمارهم بين 16-59 سنة قد تعرضوا للعنف في إنجلترا وويلز أو كانوا على الأقل ضحايا للعنف المنزلي. حيث أن 79% منهم قد تعرضوا للعنف من شريكهم الحالي أو السابق، حوالي 1.2 مليون منهم من الإناث مقابل 713,000 من الذكور.
تقرير آخر كندي وجد أن 22% من الرجال هم من ضحايا العنف بين الزوجين. وقد أشار الباحثون في هذه الدراسة إلى أن هناك عنف جنسي “كبير” يُطبق من قبل النساء ضد الرجال. إلا أنه غير مدروس أو غير معترف به.
(4)
لا يجب أن ننسى أن ثُلث نساء العالم يتعرضن للعنف، لفظي أو جسدي أو جنسي أو معنوي.
ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، تحتل منطقة شرق المتوسط المرتبة الثانية عالميًا في حالات العنف الأسري ضد المرأة. حيث تصل إلى 37% من إجمالي الحالات العالمية. وحديثنا عن العنف الذي قد يتعرض له الرجل لا يعني أننا لا يجب أن نغفل أن أعداد النساء المعنفات أكثر بكثير من الرجال. فحسب التقرير الذي أصدرته وحدة الدراسات والبحوث بملتقى الحوار للتنمية وحقوق الإنسان، بعنوان: (وباء كورونا والعنف الاسري: هل من ارتباط؟)، بمناسبة اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة الصادر العام الماضي، تتعرض حوالي 8 ملايين امرأة مصرية لخطر العنف الأسري كل عام. وقد تتعرض نسبة تصل إلى 86% من الزوجات للإيذاء الزوجي. حيث وجه أربعة من كل خمسة رجال متزوجين شكلًا من أشكال العنف النفسي ضد زوجاتهم.
وبالإضافة إلى ذلك، أبلغ ما يقرب من نصف الشابات عن تعرضهن للعنف الجسدي من قبل إخوانهن أو آبائهن. كذلك نتذكر أنه في الأسبوع الماضي، تم تداول فيديو لزوج يضرب زوجته بقطعة خشب كبيرة. طريقة الضرب والأماكن التي كان يستهدفها تقول إنه شخص كان ينوي القتل وليس فقط الضرب. ومع ذلك لم يتحرك أحد لدعم السيدة ولا حتى ضمان عدم حدوث ذلك لها مجددًا.
ربما تعرض جوني ديب للعنف سواء الجسدي أو المعنوي، وربما تعرضت أمبر أيضًا، وتم تغريم كلاهما، هو بـ 2 مليون دولار وهي بـ 15 مليون دولار في قضايا تشهير وتشويه سمعة وليس في إثبات ارتكاب عنف من أحدهما تجاه الآخر. ولكن ما حدث أثناء المحاكمة يدل على زوجين كلاهما غير متزن ومضطرب نفسيًا، كلاهما يُسجل للآخر كلامه دون أن يعلم.. لذا انتهت المحاكمة في نظري بالتساوي بين الطرفين، ولكنها ألقت الضوء على أن هناك بالفعل عنف يُمارس ضد الرجال، ولكن ليس بحجم ما تعانيه النساء في البلاد العربية وفي مصر من عنف تحت شعار “راجل بيربي بنته” أو ” اكسر للبنت ضلع”. هذا غير كارثة كبرى تعرفها بلادنا تحت مسمى “جرائم الشرف”، والتي لا أعتقد أن هناك رجل قتله ابنه لأنه شك في سلوكه أو رآه مع فتاة في الشارع.