تراجع الاحتياطي النقدي لدى البنك المركزي خلال مايو/أيار ليسجل أدنى مستوى فيما يزيد على خمسة أعوام عند 35.4 مليار دولار. تكفي لتغطية خمسة شهور من الواردات السلعية.
وبحسب البنك المركزي فقد هبط الاحتياطي النقدي بسبب سداد المدفوعات المرتبطة بالمديونية الخارجية المستحقة خلال مايو/أيار. والتي قدرت بنحو ملياري دولار. والتي في مقدمتها قيمة كوبونات سندات حكومية صادرة عن وزارة المالية (أدوات دين طويلة الأجل).
وتضمنت المدفوعات أيضًا مستحقات لصندوق النقد الدولي والتزامات أخرى لم يتم ذكرها. لكن تم وصفها بأنها تأتي ضمن سياق متوقع ومعتاد. لكن مصدرا بوزارة المالية قال لـ”مصر 360″ إن القاهرة تسدد أقساط قرض صندوق النقد الدولي بأقساط متساوية اعتبارًا من مايو/أيار 2021 حتى نوفمبر/تشرين الثاني 2026. على مدار 5.5 سنة. وكان أول قسط بقيمة 2.75 مليار دولار في مايو/أيار من العام الماضي.
الاحتياطي وتغطية السلع
تكمن أهمية الاحتياطي في منح الدولة القدرة على تدبير احتياجاتها من السلع الاستراتيجية والمنتجات الطبية والأدوية والمواد الخام التي تستخدم في الصناعة والإنتاج المحلي خلال الأزمات. لكنه يعتبر معيارًا أيضًا على قوة الاقتصاد وقدرته على الوفاء بالتزاماته.
ووفق البنك الدولي فإن احتياطيات البنوك المركزية تساعد في تعزيز التجارة والحفاظ على استقرار الأسعار وجذب الاستثمار الأجنبي. فيما الإدارة الفعالة لها تمتد إلى أهداف للبطالة والتضخم وأسعار الفائدة. وذلك لضمان اقتصاد سليم مع توظيف كامل وظروف مواتية لتشجيع الاستثمارات وتسيير الأعمال.
ويقول المصدر إن الموازنة الحالية 2021/2022 تتضمن سداد قروض خارجية بما يعادل 144.3 مليار جنيه مقابل 35 مليار جنيه للعام الماضي 2020/2021. ونحو 80.5 مليار مستهدفة للعام المقبل 2022/2023.
طارق عامر -محافظ البنك المركزي- لم يُبدِ انزعاجًا من هبوط الاحتياطي. وقال في تصريحات على هامش مؤتمر المصارف العربية الذي حضرته “مصر 360” إن الاحتياطي ليس أمرا مقدسًا فهدفه هو “الاستخدام في أوقات الأزمات”.
وأضاف أن البنك المركزي كان قد استخدم جزءا من الاحتياطيات في مواجهة أزمة كورونا وخفض الصدمة التضخمية للأسعار حينها. وانخفض الاحتياطي وتم إعادة بنائه مجددًا بعدها.
هل الاحتياطي النقدي مقدس؟
وفقًا لـ”عامر” فإن الحكومة استخدمت جزءًا من الاحتياطي في الأزمة الحالية لكن البنك يعيد بناءها باستمرار. والمعيار المهم من وجهة نظره هو الالتزامات الدولية (القروض والأقساط) التي تسدد في مواعيدها. فلم يحدث أن تخلفت مصر عن أي منها.
لدى الحكومة خطة سداد ديون خارجية للعام الحالي بواقع 11.5 مليار دولار خلال النصف الأول. و5.9 مليار دولار في النصف الثاني بحسب تقارير البنك المركزي. وكانت تلك الخطة أحد أسباب تراجع الاحتياطي النقدي خلال الأشهر الماضية.
على مدى العقد الأخير كان الاحتياطي عرضة للتقلبات بين الصعود والهبوط. فخلال تلك الفترة سجل أعلى وأدنى مستوى تاريخي ما بين 17.5 مليار دولار عام 2016 (أدنى مستوى) ثم 45.4 مليار دولار في فبراير 2021 (مستوى قياسي لم يتم تسجيله من قبل).
ضربات في قلب الاحتياطي
الضربة الأولى للاحتياطي جاءت في خضم جائحة كورونا التي هبطت به إلى مستوى 36 مليار دولار بحلول مايو/أيار 2020. وذلك بعد وضع خطة تحفيز الاقتصاد في مارس/آذار) 2020. والتي تضمنت الدعم المالي ومساعدة مؤسسات الأعمال والعاملين في القطاعات الأشد تضررا وتأجيل سداد الضرائب.
كما قام البنك المركزي حينها بتخفيض أسعار الفائدة الأساسية بمقدار 400 نقطة أساس خلال عام 2020. فانخفض سعر الفائدة على الودائع لليلة واحدة من 12.25% إلى 8.25%. وذلك للمساعدة على دعم النشاط الاقتصادي وتخفيف الضغوط في الأسواق المالية المحلية.
تراجُع مركز صافي الأصول الأجنبية لدى البنوك المحلية منذ بداية السنة المالية 2021-2022 ما يشير إلى أن حسابات المعاملات الخارجية قد تعرضت لضغوط قبل تصاعد الحرب في أوكرانيا. وأن الجهاز المصرفي ربما تحمّل جانبًا من هذه النتائج وساند بشكل غير مباشر احتياطيات النقد الأجنبي.
واعتمد البنك المركزي طوال الأعوام الماضية بشكل أساسي على الودائع العربية التي غالبًا ما يتم تجديدها في مواعيدها. كالوديعة السعودية التي تم تجديدها في أكتوبر الماضي بقيمة 3 مليارات دولار. بجانب ودائع أخرى بقيمة 2.3 مليار دولار.
وتكرر الأمر مع ودائع إماراتية بقيمة 4 مليارات دولار تم تجديدها. بينها وديعة بمليار دولار تم تأجيل استحقاقها خمس سنوات ليكون أجلها 2026 بدلا من 2021.
مكونات الاحتياطي النقدي
لم يكشف البنك عن تغيرات مكونات الاحتياطي خلال مايو/أيار. والتي شهدت خلال إبريل توافر رصيد ذهب بقيمة 7.5 مليار دولار. وحدات حقوق السحب الخاصة SDRs بقيمة 198 مليون دولار. فيما بلغت أرصدة العملات الأجنبية 29.3 مليار دولار بنهاية إبريل الماضي.
حق السحب الخاص SDRs أصل احتياطي دولي استحدثه صندوق النقد الدولي في عام 1969 ليكون مكملا للاحتياطيات الرسمية الخاصة ببلدانه الأعضاء. ويمكن أن تسهم بدور في توفير السيولة وتكملة الاحتياطيات الرسمية للبلدان الأعضاء كما حدث في سياق الأزمة المالية العالمية.
يعاني الاحتياطي النقدي المصري منذ إعلان الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي سياسته لرفع الفائدة التي جذبت 20 مليار دولار من الأموال الساخنة بمصر بنسبة تقارب 80% من إجمالي تلك النوعية من الاستثمارات بالسوق المحلية.
جاءت الحرب الروسية لتمثل المزيد من الضغط على الاحتياطي بعد ارتفاع أسعار السلع الأولية المستوردة. وفي الوقت ذاته انخفاض إيراد السياحة بنسبة 40% على الأقل وتراجع عائد التصدير بعد قرار الحكومة بمنع تصدير سلع أساسية تحاشيا لتناقصها.
سداد التزامات دولية
في مارس/ أذار تراجع صافي الاحتياطيات الأجنبية بشدة إلى 37.08 مليار دولار من 40.99 مليار في فبراير/شباط السابق له. مع تحرك لتغطية موجة تخارج للمستثمرين الأجانب بسبب الحرب الروسية في أوكرانيا.
واستخدم البنك جزءا من الاحتياطي في مارس أيضا لتغطية تخارج استثمارات الأجانب والمحافظ الدولية. وكذلك لضمان استيراد سلع استراتيجية. بالإضافة إلى سداد الالتزامات الدولية الخاصة بالمديونية الخارجية للدولة.
بحسب طارق عامر فإن مصر كانت ضمن 3 دول عالميًا لم تشهد زيادة في أسعار النقد الأجنبي خلال فترة أزمة كورونا. وضخت سيولة ضخمة في السوق خلال أزمة كورونا لتساعد كل المؤسسات على استمرار الإنتاج ودفع رواتب العاملين لديها.
مصر تستورد ما يعادل متوسط 5 مليارات دولار شهريًا من السلع الأساسية من الخارج. بإجمالي سنوي يقدر بأكثر من 55 مليار دولار. ما يعني أن الاحتياطي كافٍ لـ7 أشهر.
وربما وضع البنك المركزي في حساباته جزءا من أقساط الديون الخارجية. خاصة لنادي باريس الذي يستحق له قسط الشهر القادم بقيمة 700 مليون دولار.
تغطية السلع الأساسية ليس المعيار الوحيد
الدكتور وليد جاب الله -الخبير الاقتصادي- يقول إن دور الاحتياطي النقدي هو مساعدة الدولة في مواجهة الأزمات. والنسبة العالمية الدارجة للاحتياطي أن يتجاوز 3 أشهر من الواردات الأساسية. وفي مصر لا يزال الاحتياطي كافيا لتغطية واردات الدولة الأساسية نحو 5 أشهر.
ووصل أعلى متوسط تغطية للنقد الأجنبي حينما بلغ 8 أشهر من الواردات السلعية في فبراير 2021.
“جاب الله” يؤكد أن الاحتياطي “تأثر بتداعيات كورونا والأزمة الأوكرانية لكنه لا يزال في النطاق الآمن حتى في ظل وجود التزامات مستحقة على الاقتصاد المصري”.
وأكد أن هناك خطة للتعامل مع آليات الدين وأقساطه. كذلك هناك أدوات تمكن البنك المركزي من تدبير مبالغ الأقساط.
ويرى أن الودائع العربية من أهم مكونات الاحتياطي النقدي الأجنبي حاليًا. نظرًا لأنها بنسبة فائدة مناسبة لا ترهق البنك المركزي ومددها الزمنية طويلة.
من ضمن أدوار الاحتياطي النقدي في مصر –حسب جاب الله- استقرار أسعار صرف العملات الأجنبية. لكن ذلك الدور لم يعد موجودا منذ اتبع “المركزي” سياسية التحرير الكامل لسوق الصرف الأجنبية والتوقف عن دعم الجنيه.
ورغم اعتبار المدى الزمني لتغطية السلع الأساسية المعيار الأساسي للحكم على الاحتياطي فبعض المؤسسات تشير إلى علاقة أخرى تربطه بسداد الالتزامات المالية قصيرة الأجل. بمعنى أن يغطي الاحتياطي كامل الدين الخارجي قصير الأجل كمعيار لكفايته.
وبحسب رئيس الوزراء -مصطفى مدبولي- فإن 91% من الدين الخارجي عبارة عن ديون متوسطة وطويلة الأجل. وجزء منها عبارة عن قروض ميسرة ليست ضاغطة على الدولة المصرية. في حين تصل نسبة الديون قصيرة الأجل إلى نحو 8.8% من إجمالي الدين الخارجي.