تواجه قرى مدينة الواسطى في محافظة بني سويف أزمة بيئية خطيرة، مع تلوث مصرفها الزراعي الذي يخدم 12 ألف فدان في نحو 10 من قراها، بات سكانها محاصرين بأسراب ضخمة من البعوض (الناموس).
فقبل 4 سنوات وأثناء زيارة رئيس الجمهورية إلى المنطقة الصناعية بكوم أبوراضي في الواسطى، اشتكت إدارة المصانع من ارتداد الصرف الخاص بها إلى منشآتها مرة أخرى. ذلك لاقتراب موقع التصريف في الغابة الشجرية من المنطقة الصناعية. حينها وجه الرئيس بسرعة الحل تاركًا التدبير للمختصين فنيًا. بيد أن الأهالي فوجئوا لاحقًا بتحويل الصرف الصناعي إلى مصرف اللبيني القريب من منطقتهم السكنية.
ميدوم.. هنا بدأت الكارثة
يشق مصرف اللبيني قرية ميدوم السكنية التابعة لمركز الواسطى. وهو يخدم قرابة 12 ألف فدان من الأراضي الزراعية. وقد حوله توجيه الصرف الصناعي إلى مستنقع وبيئة نشطة للأمراض ومختلف أنواع الحشرات، ومنها البعوض (الناموس)، الذي هاجم قرى (نجع العرب – عزبة زينب هانم الوكيل – صفط الشرقية – صفط الغربية – عزبة أبو النور – ميدوم – إفوه – قمن العروس – إطواب – عزبة أبو غزالة).
يقول المهندس الكيميائي والباحث بجامعة زويل للعلوم والتكنولوجيا، أحمد إسماعيل، إن مصرف اللبيني الزراعي مخصص لحاجة الأراضي الزراعية، وليس لتصريف مياه الصرف الأخرى، إلا في حالات نادرة بعد معالجتها في محطات معدة لذلك. لذا فإن وصول الصرف الصناعي غير المعالج إليه “كارثة”، ذلك لأن اختلاط المواد الكيميائية الناتجة عن الصرف الصناعي بمياه الصرف الزراعي يمر إلى المحاصيل ومنها إلى الإنسان، مسببًا أمراضًا خطيرة.
كذلك، قد تكون هذه المواد الكيميائية ساعدت في انتشار البعوض بالقرى التي يخدمها مصرف اللبيني، وفق ما يوضح الباحث الكيميائي، الذي يعتقد أن هذه المواد أكسبت البعوض (الناموس) تحورًا ومناعة ضد مبيدات الحشرات، وزادت من قدرة الحشرة على التكاثر والانتشار. وهو أمر كارثي كون البعوض (الناموس) من ناقلات الأمراض الخطيرة.
الناموس ناقل لأخطر الأمراض
في 31 مارس/آذار الماضي، أطلقت منظمة الصحة العالمية دعوة لوقف الجوائح العالمية الجديدة. وقد حذرت من (الأربوفيروسات) الفيروسات المنقولة بواسطة مفصليات الأرجل. وقالت إنها أكثر خطرًا وشيوعًا بين تلك التي ينقلها البعوض في العالم. مثل الملاريا وحمى الضنك والحمى الصفراء والشيكونغونيا وزيكا. وهي تمثل تهديدًا صحيًا مستمرًا وهائلًا في الأجزاء الاستوائية وشبه الاستوائية من الكوكب. ذلك على الرغم من تزايد تفشي الفيروسات في جميع أنحاء العالم.
وتصيب حمى الضنك كل عام 390 مليون شخص في 130 دولة يتوطن فيها المرض. يمكن أن تسبب حمى نزفية وقد تؤدي إلى الوفاة. كما تشكل الحمى الصفراء خطرًا كبيرًا إذ يتفشى المرض في 40 دولة، أما فيروس الشيكونغونيا فأقل شهرة. ولكنه موجود في 115 دولة ويسبب التهاب المفاصل الشديد وإعاقتها.
وقد اكتسب فيروس زيكا شهرة عالمية في عام 2016 عندما وجد أنه يسبب تشوهات خلقية مثل صغر الدماغ. وتم اكتشافه في 89 دولة على الأقل.
وعلى الرغم من وجود لقاح ضد الحمى الصفراء. إلا أن أفضل حماية للباقي هي منع لدغات البعوض في المقام الأول، كما تعتقد منظمة الصحة العالمية.
شكاوى الناموس عبر فضاء السوشيال ميديا
في القرى العشر بمدينة الواسطى انتشرت مشاهد المصابين بلدغات البعوض (الناموس). وتعددت الشكاوى. يقول “أحمد جمال” المقيم بقرية ميدوم/ مركز الواسطى. وقد تقدم بشكواه -عبر حسابه بموقع التواصل “فيسبوك”- إلى السيد رئيس الجمهورية، محذرًا من أن المحافظة قريبة من أزمة وبائية حادة لا تتناسب مع جهود الدولة في مكافحة العدوى والنجاح الذي أثمر في هذا الشأن وانتهى إلى خلو مصر من فيروس سي.
يقول الدكتور عماد الشريف، أخصائي الأمراض الجلدية، إن انتشار الناموس على هذا النحو يتسبب في الإصابة بالحساسية الحشرية والحبيبية لأغلب الأطفال الذي يتعرضون للدغات. وهو ما يسبب الشعور بالحكة والرغبة في الهرش بقوة خاصة أثناء الليل. ورغم سهولة العلاج مع بعض أدوية الحساسية إلى أنه أمر يصعب التعايش معه ولابد من حلول عاجلة. هذا فضلًا عن الأمراض الخطيرة التي قد ينقلها البعوض (الناموس).
عادة ما يحاول سكان تلك المناطق مواجهة انتشار الناموس باستخدام المبيدات الحشرية السائلة التي تنشر في الهواء مثل البيروسول والريد وغيرها من المبيدات. ورغم ضعف فاعليتها أو إنعدامها، فإن البعض يخشى تأثيرها العكسي على صحة المواطنين المصابين بالتهابات الشعب الهوائية، وأصحاب أمراض الحساسية الصدرية، والمصابين بـ”الربو”.
ووفق تقديرات منظمة الصحة العالمية، فإن 300 مليون شخص يعانون من الربو على مستوى العالم. كما تشير الأدلة المتاحة إلى أن حوالي 8% من السكان في إقليم شرق المتوسط يعانون من الربو. وأكثر من 80% من وفيات الربو تحدث في البلدان النامية.
وتتوقع منظمة الصحة أن تكون وفيات الربو بين عامي 2015 و 2030 في إقليم شرق المتوسط ما بين 20 و27 ألف حالة.
أزمة الناموس أمام مجلس النواب
وفي منتصف مايو/أيار الماضي، تقدمت النائبة البرلمانية فاطمة سليم عضو مجلس النواب عن بني سويف، بطلب إحاطة موجه إلى رئيس مجلس الوزراء ووزير التنمية المحلية ووزير الري، بشأن استمرار شكاوى أهالي بني سويف من تلوث مصرف اللبيني بقرية ميدوم.
وقد نقلت أن هناك شكاوى من الأهالى بالقرية من تلوث المصرف وانتشار أسراب الناموس والروائح الكريهة والحشرات الضارة. محذرةً أنه مع مرور الوقت سيصبح المصرف مستنقعًا للأمراض والأوبئة.
وأضافت أن هذه الشكاوى لم تكن الأولى من نوعها. حيث سبق إثارة هذه الشكاوى بأروقة مجلس النواب، وتم تشكيل لجنة لدراسة وضع المصرف وتداعياته السلبية. إلا أنها لم تحقق شيئا، ولا تزال صور التلوث منتشرة والأهالي يشكون. خاصة مع قدوم فصل الصيف، والذى يكون بيئة خصبة لانتشار التلوث. الأمر الذى يتطلب تحركًا عاجلًا من الحكومة بمختلف أجهزتها بحد أدنى تفعيل أعمال التطهير بشكل مستمر. خاصة فى محيط المناطق السكنية. مع وضع حل للصرف الصناعي عقب تحويله على المصرق من جانب بعض مصانع منطقة كوم أبو راضي الصناعية، على حد قولها.
ما فعلته المحافظة لحل الأزمة
وأعلنت محافظة بني سويف الشهر الماضي عن تشكيل لجنة لحل مشكلة مصرف اللبيني. حيث تم اقتراح عدد من الحلول منها: المضي قدما بالتعاون مع وزارة الصناعة لتنفيذ محطة معالجة الصرف الصناعي لضمان المعالجة المثلى والنهائية. بالإضافة إلى المرور على المصانع و تحديد المخالف منها لضمان خروج الصرف الصناعي من المصانع مطابقًا للاشتراطات. فضلًا عن السير في إنشاء خط طرد جديد بقطر 600 مم لمحطة معالجة الصرف الصحي الحالية لمواجهة ازدياد المياه المعالجة. وهو ما يزيد من منسوب المياه المعالجة بالمصرف وإمكانية الاستفادة من هذه الكمية. ذلك إلى جانب تكثيف أعمال التطهير اللازمة للمصرف و أعمال مكافحة الآفات بالرش المستمر للمصارف لضمان القضاء على مسببات الناموس والحشرات.
وقد بدأت أعمال التنفيذ بمحطة المعالجة الجديدة للصرف الصناعي. لكن دون تحديد سقف زمني للانتهاء من المشروع الذي قد يستغرق أشهرًا، سيضطر الأهالي مع تواصلها إلى معايشة الأمر الواقع. بينما لا يزال الصرف الصناعي يلوث قرى الواسطى.