في ذكرى يوم الصحفي المصري -10 يونيو- كانت هموم الصحافة وأزماتها حاضرة في أوساط الصحفيين والعاملين بالمهنة. العاشر من يونيو/حزيران هو اليوم الذي يوافق انتصار الصحفيين في معركة القانون 93 لسنة 95. والذي أصدره نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك ورآه الصحفيون فرضا لمزيد من القيود على حرية الصحافة وحصارا أوثق للأقلام. فكان طبيعيًّا أن يصطدم الصحفيون بالقانون. ودارت معركة قادها مجلس نقابة الصحفيين وقتها ومعهم النقيب إبراهيم نافع. وانتصرت النقابة على السلطة وسقط قانون “حماية الفساد” كما أطلقوا عليه حينها.
“مصر 360” حاورت أحد رموز المعركة ضد القانون 93. وأحد أهم الرموز النقابية في مصر ونقيب الصحفيين الأسبق -يحيي قلاش- في ذكرى يوم الصحفي.
تحدث “قلاش” لـ”مصر 360″ عما تعانيه المهنة من أزمات. مارًّا بين زمنين -زمن القانون 93 والوقت الحاضر.
وإلى نص الحوار.
بداية.. ما الاختلافات التي ترصدها بين صحافتي 1995 و2022؟
الاختلاف الأول هو أن فترة التسعينيات كانت تشهد اعترافا ما بالديمقراطية. وانسحب ذلك على حرية الصحافة وحرية التعبير عموما.
لقد كان المسلم به خلال معركة الصحفيين ضد قانون حماية الفساد عام 1995 هو أن كل مؤسسة كانت تقوم بعملها ولا تجور على غيرها من المؤسسات. فالسلطة كانت مهتمة بضمان أن “الصحافة في جيبها” وأنها لا تسبب لها إزعاجًا. والنقابة كانت مهتمة بتوسيع هامش الحرية وتدعيم حركة النشر والإصدارات. وإذا حدث صدام في وقت دفاع كل طرف عن دوره وعمله فإن اعتماد الحوار كان هو الوسيلة المناسبة.
الاختلاف الثاني هو أن فترة التسعينيات كانت تعرف معنى الجسور في أدوار المؤسسات وأشخاصها. فلو حدثت أزمة مثلا كان دور النقيب هو التعامل معها. وكانت هناك أدوار مهمة أيضا للأمين العام للنقابة وأدوار لهيئة مكتب النقابة. وكان دائما يوجد بها شخص -أو أكثر- معروف للرأي العام.
على جانب آخر كان هناك وضوح في عمل مؤسسات الدولة وأشخاصها. فقد كنا نستطيع التواصل مع أشخاص بعينها فيما يتعلق بأزمات وشئون المهنة لنصل إلى حلول. ولو ضربنا المثل بأسماء محددة فقد كان هناك رئيس البرلمان فتحي سرور ووزير الإعلام صفوت الشريف والمستشار السياسي للرئيس أسامة الباز. فضلاً عن مفيد شهاب وزكريا عزمي وفاروق حسني.
وهل غاب التواصل حاليا بين النقابة والسلطة؟
غياب التواصل بدأ برؤية عند طرف في النظام يرى أن الصحافة هي “أم المشاكل”. وهذه أزمة كبيرة. فالجميع يعلم أهمية دور الصحافة وحيوية هذا الدور الذي لا يمكن الاستغناء عنه. فهي أهم وسائل القوى الناعمة في المجتمع. وظنّي أن الدولة تعلم هذا وتدرك أهمية دور الصحافة والإعلام ولكن أحيانًا تريد الأنظمة أن تقوم الصحافة بدورها حسبما ترى الأنظمة. ولكن المؤكد أن الدولة مؤمنة بوجودنا كصحفيين. لكن للأسف فإن الرؤية البديلة التي ترى أن الصحافة هي السبب في المشكلات سادت مؤخرا. وأذكّر هنا بأننا كنا نسخر في زمن مبارك مما كنا نسميه “حرية الهوامش”. وقد ثبت أنه كان “هامش جيد ومعقول” للصحافة.
أما الرؤية التي سادت مؤخرا فكانت واضحة في طريقة اقتحام النقابة عام 2016. فالأزمة أخذت منحى التصعيد فقط. ونستطيع القول إن هناك رؤية وصحافة ما قبل الاقتحام ورؤية وصحافة ما بعد الاقتحام. وقد انعكس هذا على المطلوب من النقابة ودورها بطريقة غير مسبوقة. ففي الماضي كانت هناك هوامش حركة وكان هناك نقيب دوره هو القيادة والتهدئة عن طريق الهامش المتاح. فكان مثلا مكرم محمد أحمد وإبراهيم نافع يطلق عليهما “نقباء الجسور” – قريبون من السلطة- ومع ذلك توافقت مواقفهم أحيانا مع نقباء آخرين لديهم هامش استقلال أوسع.
ظهر هذا في دعم الأستاذ مكرم محمد أحمد للراحل محمد السيد سعيد وقت القبض عليه. وفي موقف إبراهيم نافع من القانون 93 ورفضه له. وارتفاع سقف معارضته للقانون شيئاً فشيئا بتبني مطالب الجمعية العمومية وتقديمه استقالته مع مجلس النقابة. وهو موقف جعل السلطة تنتبه وتبدأ حوارًا مع النقابة.
أما الآن فهذه المساحة وهذا الهامش غير مسموح به للنقيب أو مجلسه كما كان في السابق. وبالتالي تمت مصادرة الحد الأدنى من دور النقابة. مع ملاحظة أن هذه القيود الصعبة التي تطيح بالتوازن هي التي تفتح الباب للانفجار. أضف إلى هذا أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للصحفيين صعبة أصلاً بما يصعب الأمور ويدفها للانفجار. فحرية الحركة للنقابة أمر يخص البلد وأمنها مثلما يخص المهنة والصحفيين.
هل غياب الحرية هو مشكلة الصحافة الوحيدة حاليًّا؟
المهنة منذ عقود لديها مشكلات كثيرة كانت مثار اهتمام داخل النقابة بمجالسها المختلفة. وكانت آخر مرة ناقش فيها الصحفيون أزماتهم ووضعوا لها حلولا في المؤتمر الرابع للصحفيين عام 2004. وقتها ناقشنا أزمة الصحافة والصحف. وكانت هناك مطالبات بتشخيص حقيقي للأزمات التي تعيشها المهنة. ومنها “الجمود” بسبب بقاء قيادات صحفية في مواقعها لأكثر من ربع قرن دون تغيير. ونقلت هذه الرسالة إلى رئيس الجمهورية وقتها عن طريق النقيب جلال عارف. ما دفع السلطة لإجراء تغييرات بعد أكثر من 25 سنة.
مؤتمر 2004 ناقش أيضا أزمات أخرى كاقتصاديات الصحف وعلاقات العمل وأجور الصحفيين وغيرها.
بعدها عقدنا المؤتمر الخامس عام 2016 وقدمنا أوراقاً متعلقة بهموم المهنة وجمود المؤسسات الصحفية.
في هذه المرحلة لدي ملاحظة حول نصوص الدستور التي صدرت لتحمي المؤسسات الصحفية وتضمن استقلالها. فقد تمت ترجمتها لتشريعات سلبت روحها وحولت هذه المؤسسات إلى أدوات بيد النظام. ومن ثم أعادتنا سنوات إلى الخلف. ففقدت الصحافة جمهورها وتأثيرها وتراجع التوزيع إلى بضع مئات أو بضعة آلاف.
كيف ترى دعوة الحوار الوطني وسط قيود كبيرة على حرية الصحافة؟
أولا وللأسف نحن فقدنا الحوار داخل النقابة فيما يخص أوضاع المهنة والصحفيين. وذلك رغم تردي أوضاع المهنة بشكل كبير. ولكن الأكيد أنه لا يمكن أن يكون الحوار جادًّا إلا برفع القيود عن الصحافة والإعلام عموما. فهي جزء رئيسي من أدوات الحوار. فالصحفيون هم من سيعرضون كل الآراء أمام الناس. وهذا هو الدور الحقيقي للصحافة. فهي التي تجمع كل الأفكار والآراء وتعرضها للمجتمع. لذلك فبلا حرية حقيقية لا يمكن للصحافة أن تعيش أو تستمر. وكلما زاد هامش الحرية نمت الصحافة وازدهرت وعادت لدورها وتأثيرها. فالصحافة مهنة لا تقوم إلا على الحرية. ودورها جزء من صميم الأمن القومي للبلد. فهي التي تصحح المفاهيم وتواجه الأخطار التي تأتينا من الخارج.