ما بين جوار مضطرب، وإقليم يعج بالعديد من الملفات الملتهبة يتصارع فيه عدد من القوى على توسيع النفوذ، ومعادلة دولية تشهد إعادة تموضع للقوى الكبرى، وتحديات داخلية صعبة، تسعى مصر للبحث عن خارطة طريق تقودها إلى منطقة آمنة لحين هدوء عواصف الأزمات التي تضرب العالم في الوقت الراهن .
وأمام هذا المشهد الملتبس حاور “مصر 360” الدكتور نبيل فهمي، الذي يعد واحدا من الدبلوماسيين المخضرمين، لما يملكه من رؤية بحكم خبرته الواسعة كوزير سابق للخارجية ، وسفير لمصر في الولايات المتحدة لفترة قاربت التسع سنوات، وكذلك بحكم كونه مختصا في شئون الأمن الإقليمي والدولي ونزع السلاح، بخلاف موقعه الحالي كعميد لكلية الشئون الدولية والسياسات العامة بالجامعة الأمريكية في القاهرة.
سعى فهمي خلال الحوار لتحديد دوائر الأزمات التي تشهدها مصر في الوقت الراهن محاولا تحديد مسارات أولية لحلها.
وزير خارجية مصر السابق وسفيرها سابقا في الولايات المتحدة الأميركية، مختص في شؤون الأمن الإقليمي والدولي ونزع السلاح. ويشغل حاليًا منصب عميد كلية الشؤون الدولية والسياسات العامة بالجامعة الأميركية في القاهرة.
بداية.. إلى أي مدى من الممكن أن تؤثر الدعوة الرئاسية للحوار الوطني وما تلاها على النظرة الغربية لمصر؟
– أنا لا يعنيني تقييم أمريكا أو الغرب للوضع في مصر. الأهم أن تكون تلك الدعوة استجابة وعلى مستوى تطلعات الشعب المصري، ففكرة الحوار الوطني في حد ذاتها تعكس تقديرا بأهمية مشاركة المجتمع.
إذا وصلنا لآليات ومشاركة مجتمعية مناسبة وانتهى الأمر إلى استجابة المجتمع المصري ورضاه فهذا أهم من رضا أي طرف أجنبي. إذا رضي الشعب المصري فسيكون لذلك أفضل الأثر على الخارج .
وأنا سفير في أمريكا كنت أقول للمسئولين في مصر فلتسعوا للإصلاح لأسباب مصرية، واستجابة للمصريين، فرغبة أمريكا والغرب مكملة وليست الأساس.
في تقديري الشخصي الحوار الوطني دعوة جيدة. ولكن يجب أن تتطور لحوار ثري، يشمل كل من يحترم الهوية المصرية بغية بناء مستقبل أفضل.
هل تعتقد أن الإدارة الأمريكية الحالية مهتمة بوجود دور للإخوان في المشهد المصري؟
– الولايات المتحدة تسعى لتحقيق مصالحها المباشرة، والمنظومة السياسية الأمريكية تدار بناء على المكسب والخسارة والتكلفة. ومن ثم دائمًا يسعون نحو من يرون أنهم الطرف الغالب في المعادلة. ففي مرحلة ما رأت الولايات المتحدة أن تيار الإسلام السياسي عامة، والإخوان تحديدًا، سيكون له اليد العليا في المجتمع بالعالم العربي. وهذا التفكير بدأ مع أحداث الجزائر في الثمانينات. ثم انتشر، ثم عاد التركيز عليه بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول.
وفي رأيي، يجب التأكيد في دعوة الحوار الوطني على أن يشمل كل من يحترم الهوية المصرية. مع التأكيد على أن من لا يحترمها فإنه يعمل ضد أسس المواطنة.
هنا لا يعنيني من يؤيد أو يختلف مع قرار معين أو مع النظام. ولكن يعنيني من يعارض الهوية الوطنية للدولة. ومن ثم يجب أن ننجح أولا في إدارة حوار وطني داخلي، بين من يحترمون الهوية الوطنية المصرية.
في النهاية الولايات المتحدة لا تحب ولا تكره، هي تحدد مواقفها من حيث المصلحة فقط. وإذا رأت أن تيارا محددا هو من سيجلب لها المصلحة أو هو الغالب، حتى لو لم يكن إيجابيا بالنسبة لها، ستتعامل معه وتراهن عليه.
تقع مصر فيما يمكن تسميته بحزام نار ليبيا غربا والسودان جنوبا وغزة شرقا، فهل يمكن تحويل ذلك التحدي لفرصة تسمح بإعادة صياغة الدور المصري؟
– الشرق الأوسط يمر بما يسمى بالعاصفة المكتملة، والتي تتكون من 3 مراحل. فالنظام العالمي المعاصر مضطرب، وعلى المستوى الإقليمي يوجد قضيتان أولهما أنه في غياب حرب باردة بالمعنى العسكري لم يعد الشرق الأوسط على نفس القدر من الأهمية للدول الكبرى. كما سمح التقدم التكنولوجي باستخراج الطاقة الصخرية. فأصبحت الطاقة الشرق أوسطية مهمة في تحديد سعر الطاقة. ولكنها لم تعد ضرورية لتلبية احتياجات الغرب من الطاقة. لذا اهتمام الدول الكبرى بالشرق الأوسط انخفض. ونضف إلى ذلك نقطتين أخريتين، وهما أقلمة النزاعات، وعولمة الأسواق.
النزاعات في الإقليم أصبحت تنافس تركي، مع عدد من الدول العربية، وتعنت إسرائيلي تجاه العرب، وموقف إيراني متشدد. لقد أصبحت الأطراف المتنازعة هي الدول الإقليمية بشكل مباشر.
في العقدين الماضيين تغير توازن القوى في المنطقة، من توازن قوى عربي وآخرين، إلى توازن قوى لصالح الدول غير العربية على حساب العرب.
بخلاف ذلك تشهد الدول العربية بلا استثناء فورانا داخليا، ليس ثورات أو حروب أهلية وإنما يمكن تسميتها تغيير مجتمعي شامل، في ظل 60 % من المواطنين من الشباب، والتكنولوجيا في الوقت ذاته جعلت من تعريف الحدود غير محدد.
الفترة الراهنة هي بمثابة تحديد هوية جديدة للشرق الأوسط. والميزة المصرية النسبية على المستوى العربي كانت دائما التقدم الحضاري والفكري. وهو ما يجعل مصر أمام فرصة لا مثيل لها في استعادة دورنا بمعدلات أسرع.
ولكن خلال مرحلة ما شاهدنا محاولات خليجية للاستحواذ على الدور الإقليمي المصري؟
– المنظومة العربية لم تعد تلك التي كانت قائمة منذ منتصف الأربعينيات عندما أنشئت الجامعة العربية. فمن الطبيعي أن تكون هناك دول أخرى أصبحت أكثر نشاطا عما مضى. وقد نجد قدرا من المنافسة من وقت لآخر، وهذا الشيء لا يشغلني فلا توجد دولة في المنطقة لديها الميزة النسبية الحضارية مثل مصر .
التنافس بين أغلب الدول العربية بالأساس هو للتميز وليس تنافس ضد البعض. بمعنى أن هناك طرفا عربيا يريد أن يكون له دور أكبر، ومجموع ما تملكه مصر من تاريخ وحاضر وشعب قوامه 104 ملايين نسمة، ومؤسسات ثقافية وحضارية وقوات مسلحة قوية يجعل المحصلة النهائية في أي تنافس لصالح مصر.
في المقابل أن يوجد طرف عربي واحد في الأمام فكرة أصبحت عقيمة، وفكرة أنه يجب أن يكون هناك تطابق في المواقف، فكرة عمرها ما كانت متواجدة.
وبالتالي، هناك قاعدة أساسية أقبل التنافس واعتبره شيئا صحيا، وإنما أي شيء يمس الأمن القومي فمرفوض.
أديس أبابا بصدد الملء الثالث لسد النهضة.. فهل ما يزال أمام مصر متسع لاحتواء الأزمة؟
– مشروع سد النهضة مشكلة حقيقية وخطيرة، واحتمال تفاقم الأمور وارد للغاية لاعتبارات عديدة، منها غياب النظرة الاستراتيجية لتلك العلاقة من مدة طويلة، وتوتر العلاقة بين الأجهزة المختلفة المصرية والإثيوبية. ومن ثم فالحل لن يكون سريعا أو سهلا.
المشكلة تتجاوز موضوع المياه. كما أن حلها متمثل في المياه أيضا بالوصول إلى آلية قانونية ملزمة لإدارة المياه تحقق لإثيوبيا وضعها السيادي، وتضمن للسودان تدفق المياه بمعدلات ثابتة، وتضمن مزيدا من الاحتياجات المائية بالنسبة لمصر.
وفي الوقت الراهن المناخ السياسي في إثيوبيا حاليا غير موات للوصول إلى حل ولا أرى حلا على المدى القريب.
بعض المراقبين يرون أن عدم التلويح بالحلول الخشنة طوال الفترة الماضية أفقد مصر أوراق ضغط في معادلة التفاوض فهل تتفق مع هذا الرأي؟
– أي قارئ محايد للوضع المرتبط بسد النهضة حتما سيدرك أن وضع الأزمة في الوقت الحالي ليس في صالح مصر من بين الأطراف الثلاثة. فالوضع بالنسبة لمصر هو الأصعب والأسوأ عن السودان وإثيوبيا، والحلول بالنسبة للآخرين أسهل.
السودان ترغب في ضبط معدلات المياه، وإثيوبيا لديها مياه أكثر من احتياجاتها وتريد اقتصاد وتنمية، وهي تولد كهرباء لبيعها من أجل الحصول على المال. أما بالنسبة لمصر فاحتياجاتنا تفوق كثيرا ما يصلنا من مياه. وهذه الاحتياجات في تزايد. ومعظم مياهنا تأتي من النيل. وبدون شك المعادلة الحالية في غير صالح مصر وحل الأزمة ليس قريبا.
هل هناك إمكانية لحل في المستقبل؟
– يمكن أن يكون هناك حل، ولكن يحتاج تغيير المناخ السياسي بين مصر وإثيوبيا وإعادة النظر إلى القضية بوضعها الأشمل.
الأطراف الثلاثة احتياجاتهم غير متعارضة، فأديس أبابا تحتاج تنمية وليس مزيدا من المياه، وهو أمر واضح جدا في كلامهم، يريدون أن يمرروا المياه كي يبيعون الكهرباء. إذا لا يريدون حجبها. هم في النهاية يريدون أموالا سواء من بيع مياه أو كهرباء أو محاصيل. ويجب أن يكون ذلك واضحا أمام مصر والسودان.
فالوصول لحل للأزمة ممكن لكنه ليس سريع ويحتاج إلى تفاوض كفؤ.
لماذا يسير ملف العلاقات المصرية التركية بوتيرة بطيئة جدًا مقارنة بالعلاقات التركية بالخليج؟
– للرد على ذلك يجب أن نفهم طبيعة العلاقات بين البلدين. فمصر كانت المنافس الحقيقي لتركيا العلمانية في وقت سابق دون تيار سياسي إسلامي. وعندما أضيف تيار الإسلام السياسي للمعادلة، فإن من صده في المنطقة هي مصر أيضا.
لا توجد دولة عربية لديها القدرة المتوفرة لمصر، فإذا كانت تركيا بقيادة أردوغان لديها أولويتان؛ الأولى الريادة الإقليمية التركية، فإن من ينازعها في ذلك مصر. وهو ما يجعل أردوغان يضع قدمه في ليبيا حاليا، فضلا عن ما يفعله في سوريا، وحاليا لديه قاعدة في قطر، وأخرى في الصومال. أنقرة لها تصور إقليمي يرغب في التأثير في الشرق الأوسط بعيدا عن الهوية العربية.
الأولوية الثانية أن تركيا منذ سنوات طويلة كانت تطرح نفسها في الغرب على أنها حلقة الوصل بين إسرائيل والعرب. فعندما وقعت مصر اتفاق السلام مع إسرائيل، أصبحت هذه الحلقة مصرية وليست تركية. بعد ذلك عملت على أن تكون حلقة الوصل بين الغرب وتيار الإسلام السياسي، على اعتبار أن هذا التيار هو من سيسيطر على المنطقة العربية بالكامل، ثم كانت هزيمته في مصر.
منذ بداية الحوار المصري التركي وأنا مؤيد له. ولكن أعلم جيدا أنه سيكون الأكثر بطأ بين المسارات التركية العربية، بسبب المنافسة الاستراتيجية. فتركيا ترغب في أن يكون لها الصوت الأعلى في المنطقة وكلما وجدت أن هناك دورا مصريا تتردد.
هناك تحركات لإطلاق مفاوضات سلام جديدة بين الفلسطينيين والإسرائيليين.. فهل المناخ الحالي مهيأ؟
لن نشهد مفاوضات سلام فلسطينية مع الحكومة الإسرائيلية الحالية. فموقف نفتالي بينت رئيس الحكومة معارض بشكل كامل لحل الدولتين، ووزير خارجيته يائير لابيد الذي من المفترض أن يخلفه في رئاسة الوزراء، لم يقابل مسئولا فلسطينيا واحدا. هم يعلمون جيدا أنه إذا بدأت المفاوضات مع الفلسطينيين ستنهار الحكومة الإسرائيلية الحالية. فاليمين واليسار الإسرائيليين لا يجمعهم حاليا إلا عداوتهم لنتنياهو. وفي سبيل ذلك فالتفاوض مع الفلسطينيين ليس في جدول أعمالهم.