لعقود طويلة، لعبت المؤسسة العسكرية والأمنية الأمريكية دورًا مركزيًا، وإيجابيًا في العديد من الأوقات. في تشكيل موقف واشنطن تجاه إسرائيل. يتطور هذا الدور يومًا بعد يوم، وفقًا لتغيرات الظروف في المنطقة. لكن هذه الفترة تتعاظم أهميته في الموقف الأمريكي من القضايا المشتركة بين البلدين. وعلى رأسها المشروع النووي الإيراني.
في الفترة الأخيرة، دفع نجاح اتفاقيات إبراهيم -إضافة إلى العناد الإيراني بشأن الاتفاق النووي- الولايات المتحدة إلى نقل إسرائيل إلى مسؤولية القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM) في عام 2020، بدلًا من منطقة عمليات القيادة الأوروبية. من أجل المزيد من التعاون مع الدول العربية.
ومع ذلك، فإن نقل إسرائيل إلى منطقة مسؤولية “القيادة المركزية الأمريكية” ليس حدثاً فريداً في تاريخ تعديل “خطة القيادة الموحدة”. ففي مناسبات عديدة، تم إصدار أوامر جديدة. وتحديث الأدوار القديمة، في أعقاب التطورات الاستراتيجية أو التقنية.
يشير محللون إسرائيليون إلى أن التقارب المتزايد بين إسرائيل ودول الخليج، يساهم في التأثير على عدد من القرارات الأمريكية بشأن المنطقة. في الوقت نفسه، له تداعيات بعيدة المدى. تتماشى مع المصلحة الإسرائيلية. في وقت تتطلب فيه الخطابات والأفعال المتواترة مع إيران أيضًا توازنًا دقيقًا. بين تعزيز الروابط الأمنية، والحفاظ على حرية إسرائيل بمفردها في التصرف عند الضرورة.
اقرأ أيضا: هل تصبح “إعادة تسليح سيناء” قنبلة في وجه إسرائيل؟
القيمة الاستراتيجية لإسرائيل بالنسبة للبنتاجون
في تحليل حول دور المؤسسة الأمنية الأمريكية في الشرق الأوسط وعلاقتها بإسرائيل. يلفت العقيد احتياط عيران ليرمان، نائب رئيس معهد القدس للاستراتيجية والأمن. إلى أنه في النقاش النقدي حول الاعتراف بـ “الدولة العبرية” في مايو/أيار 1948، ثم في العقود الأولى بعد إنشاء هذه الدولة. كان البنتاجون -ومعه المؤسسة العسكرية والاستخباراتية الأمريكية- محور تركيز المقاومة العدوانية لإسرائيل وتكوين “علاقات خاصة”.
يقول: أولاً وقبل كل شيء، كان هذا الموقف مدفوعًا بالرغبة في تعزيز العلاقات الأمنية مع الدول العربية. وضمان إمدادات النفط خلال فترات الذروة في الحرب الباردة. لكن، بدأ الاتجاه يتغير منذ عدة عقود، أولاً بسبب إثبات القيمة الاستراتيجية لإسرائيل في حرب الاستنزاف 1968-1970 وأزمة الأردن -أحداث أيلول الأسود 1970- ثم عندما واجه البلدان تحديات مشتركة، بما في ذلك السلوك السوري في لبنان، والتخريب الإيراني في المنطقة.
وأضاف ليرمان: الاعتراف بأن إسرائيل عامل مساهم -مصدر قوة وليس عبئًا- اكتسب تدريجيًا موطئ قدم. في المستويات الميدانية للنظام العسكري الأمريكي. ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن إسرائيل قد زودت الولايات المتحدة بحلول عملية للقضايا التي أصبحت ذات صلة. مثل حرب العراق عام 1991، في أفغانستان منذ عام 2001، ومرة أخرى في العراق منذ عام 2003.
ما الذي يدفع المؤسسة الأمنية الأمريكية لتعزيز العلاقات مع إسرائيل؟
يعمل نظام الأمن العسكري الأمريكي، من بين أشياء أخرى. انطلاقا من وعي طويل الأمد بأن إسرائيل لديها قاعدة دعم قوية في الكونجرس -رغم اللهجة العدائية الحالية لبعض أعضاء الحزب الديمقراطي- وبالتالي، من المتوقع أن تكسب المشاريع المشتركة الدعم والتمويل.
كان هذا هو الدافع في وقت مبكر من عام 1983، لدعوة إسرائيل للمشاركة في مبادرة الدفاع الصاروخي SDI والمعروف إعلاميًا ببرنامج “حرب النجوم”. اليوم، الالتزام بالحفاظ على الميزة النوعية لإسرائيل (QME) ومكانتها كشريك “خاص” في جميع الأمور المتعلقة بالمشاريع التكنولوجية -بما في ذلك مجالات الدفاع الصاروخي السيبرانية وغيرها- منصوص عليها في تشريعات الكونجرس الفردية، وفق ليرمان.
يلفت عقيد الاحتياط السابق بالجيش الإسرائيلي، إلى أنه حتى بدون التأثير السياسي الذي تتمتع به إسرائيل على الساحة الأمريكية. هناك اعتبارات أخرى تؤدي إلى إقامة العلاقات. مشيرًا إلى أن إسرائيل لديها ما تقدمه للنظام العسكري ومجتمع الاستخبارات في الولايات المتحدة. بما يشمل الحلول التقنية في ساحة المعركة -مثل القبة الحديدية التي تم تجهيز الجيش الأمريكي بها- وفكرة الحماية التفاعلية، وتحييد الشحنات الجانبية، وغيرها. كذلك، إسرائيل هي أول دولة تستخدم طائرة 35-F في قواتها الجوية. وتنعكس مساهمتها -من بين أمور أخرى- في مناورات العلم الأزرق.
اقرأ أيضا: “لعبة الإدراك”.. حرب الدعاية بين حماس وإسرائيل
خطة القيادة الأمريكية الموحدة
في يناير/ كانون الثاني 2021، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية عن إجراء تغيير في “خطة القيادة الموحدة”. يقضي بنقل إسرائيل من منطقة عمليات القيادة الأمريكية الأوروبية EUCOM إلى منطقة عمليات القيادة المركزية الأمريكية CENTCOM. وفي إعلانه عن مجالات المسؤولية الجديدة، أشار البنتاجون إلى “اتفاقيات إبراهيم”، باعتبارها “فرصة استراتيجية لتوحيد الشركاء الرئيسيين للولايات المتحدة. في مواجهة التهديدات المشتركة في الشرق الأوسط”.
وفي اليوم نفسه، وصفت صحيفة The Wall Street Journal القرار بأنه “محاولة من قبل ترامب في اللحظة الأخيرة. لرسم الأجندة الإقليمية لإدارة بايدن، وتحفيز التعاون العربي- الإسرائيلي ضد إيران”. ووصفت الخطوة أيضاً بأنها “خروج عن عقود من هيكل القيادة العسكرية الأمريكية. الذي يعكس التناقض التاريخي بين إسرائيل وبعض الحلفاء العرب لـ “البنتاجون”، مع التأكيد على أنه لطالما دافعت الجماعات الموالية لإسرائيل عن هذا التحوّل”.
كان إنشاء “القيادة الأمريكية الأوروبية” قد تم بناءً على توصية الجنرال دوايت أيزنهاور في عام 1952. حيث أدرك حتمية ديمومة القوة الأمريكية في أوروبا. تبع ذلك تأسيس “القيادة المركزية الأمريكية” في عام 1983، بعد أربع سنوات من غزو السوفييت لأفغانستان، واجتياح الثورة الإسلامية لإيران.
في ذلك الوقت، بقيت دول المواجهة “إسرائيل، وسوريا، ولبنان” تحت مسؤولية “القيادة الأمريكية الأوروبية”. للسماح لـ “القيادة المركزية الأمريكية” بأن تكون “أكثر فعالية ومصداقية في التعامل مع دول عربية وإسلامية أخرى”. كما يلفت الباحثان أساف أوريون ومارك مونتجمري.
وفي عام 2004، نقل الرئيس بوش سوريا ولبنان إلى “القيادة المركزية الأمريكية”. تاركاً إسرائيل والسلطة الفلسطينية في “القيادة الأمريكية الأوروبية”. وبعد أربع سنوات، تأسست “القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا” AFRICOM . وفي عام 2018، أُعيدت تسمية “قيادة منطقة المحيط الهادئ” PACOM إلى “قيادة منطقة المحيطين الهندي والهادئ” Indo-Pacific Command حيث حفزت التطورات الجيوسياسية في تلك المناطق القيام بكلتي الخطوتين.
دعم العلاقات الإسرائيلية- الخليجية
في أعقاب الغزو السوفيتي لأفغانستان والثورة الإسلامية في إيران، وبعد إعلان عقيدة كارتر في عام 1980. والتي نصّت على السماح للولايات المتحدة باستخدام القوة العسكرية للدفاع عن مصالحها في منطقة الخليج العربي. وتبعها إنشاء القيادة المركزية الأمريكية من قبل إدارة ريجان في عام 1983. التزمت الولايات المتحدة لعقود بحماية دول الخليج من أي عدوان.
ترجع الحماية الأمريكية للخليج -جزئيًا- إلى قضايا الاقتصاد النفطي. لكن في الواقع “حتى لو أصبحت الولايات المتحدة نفسها مرة أخرى مُصدرًا صافيًا للطاقة، فإن موقعها الاستراتيجي في الخليج يمنحها نفوذاً ذا أهمية كبيرة في مواجهة الأصدقاء والمنافسين على حد سواء”. كما يقول ليرمان.
يضيف: بطبيعة الحال، يُترجم هذا الالتزام أيضًا إلى الاستماع اليقظ للمخاوف الخاصة بالسعودية والإمارات وشركائهم، فيما يتعلق بتوازن القوى الإقليمي. في السنوات السابقة، ولأسباب إيديولوجية – قومية ولأسباب تتعلق بالمصالح الشخصية. قدمت دول الخليج لمحاوريها الأمريكيين موقفًا رسميًا مناهضًا لإسرائيل. على الرغم من أن أحدهم -على الأقل- كان لديه علاقات سرية مع إسرائيل. منذ سبعينيات القرن الماضي.
يلفت الباحث الإسرائيلي إلى أنه بينما الكويت مستمرة على طول الخط المعادي لإسرائيل. لكن بالنسبة للإمارات والبحرين والسعودية -وراء الكواليس- فقد تغيرت الأمور بشكل كبير في العقد الماضي. كانت هناك قائمة طويلة جدًا من القضايا الحيوية التي لا توجد بشأنها خلافات في الرأي بين إسرائيل وهذه الدول. يرى أنه “على العكس من ذلك، فهم يرون مواقفها. بل وأكثر من ذلك، أفعالها مثل محاولات التدخل في سوريا- على أنها دعم استراتيجي ضد عدو مشترك. هذا العدو -في نظرهم وفي نظر إسرائيل- هو النظام في إيران”.
اقرأ أيضا: الإمارات والبحرين.. لماذا تسعى السلطة الفلسطينية للتقارب مع الخليج؟
الشراكة في مواجهة إيران
في هذه المرحلة، فإن موقف النظام العسكري الأمريكي. كعامل في استمرار الاضطرابات السياسية في السنوات الأخيرة -من بوش إلى أوباما ومن ترامب إلى بايدن- له أهمية خاصة. بينما ركزت القيادة السياسية الأمريكية -في ولاية أوباما الثانية وإلى حد ما أيضًا في ولاية بايدن الأولى- على الفرص الكامنة في المفاوضات والتسوية مع إيران. استمرت مؤسسة الدفاع الأمريكية في رؤية النظام في طهران على أنه عدو واضح.
يبرر ليرمان موقف المؤسسة العسكرية الأمريكية “لأنها تعلمت تجربة مريرة من سنوات القتال في العراق. وحتى قبل ذلك من أحداث، مثل اختطاف دبلوماسيين عام 1979. والهجمات على السفارة الأمريكية وسلاح مشاة البحرية في العواصم في مارس/أذار، وأكتوبر/تشرين الأول 1983. هكذا استمرت في أن تكون شريكة. لاتخاذ إجراءات ضد النظام الإيراني، بعضها بالتعاون مع إسرائيل. مثل عملية اغتيال قائد الحرس الثوري قاسم سليماني.
وتابع: على هذه الخلفية، وبالنظر إلى الصورة الاستخباراتية -التي ساهمت إسرائيل أيضًا في تشكيلها- فيما يتعلق بنشاطات الوحدة 840 لفيلق القدس -المسؤولة عن اغتيالات الأجانب- وغيرها من الأنشطة. لعب وزارة الدفاع الأمريكية دورًا رئيسيًا في قرار الرئيس بايدن بعدم الامتثال فيما يتعلق بشطب الحرس الثوري من القوائم الإرهابية.
الخطة “ب” وما بعدها
يرى ليرمان أن هناك أهمية قصوى لتوثيق التعاون بين واشنطن والدولة العبرية على جميع المستويات. يتضمن ذلك المناقشة الاستراتيجية التي تجري عادة كل عام بين جهاز المخابرات الإسرائيلي “الموساد” والمخابرات المركزية الأمريكية. بالإضافة إلى الحوار بين وزير الدفاع جانز ونظيره الأمريكي لويد أوستن.
يضاف إلى هذه القائمة الاجتماعات المنتظمة والمتكررة بين قادة الأنظمة العسكرية في البلدين. بما في ذلك زيارات قائد القيادة المركزية وكبار الضباط إلى البلاد. في السنوات الأخيرة، توسع نشاط التدريبات المشتركة، ما يجعل اندماج إسرائيل في منطقة مسؤولية القيادة المركزية يسمح للقيادة الأمريكية بأن تؤدي إلى دمج العناصر البحرية والعناصر الأخرى في الأنشطة العملياتية -بما في ذلك في البحر الأحمر- إلى جانب الدول العربية الشريكة في الاتفاقيات الإبراهيمية. إلى جانب التعاون الاستخباراتي المكثف واليومي الذي يخدم مصالح البلدين.
لكن من وقت لآخر، تظهر بعض الاحتكاكات في إطار هذا التعاون الوثيق. مثل حالة الاستياء في إسرائيل من التسريب حول ملابسات مقتل قائد الحرس الثوري في قلب طهران.
ينصح ليرمان القيادة الإسرائيلية بتعميق وتوسيع التعاون مع جميع الجهات الفاعلة ذات الصلة في الولايات المتحدة. فيما يتعلق بـ “خطط العمل المشتركة”. بدعم مبدئي من دول الخليج -ولكن ليس بالضرورة بمشاركة فردية من جانبها- فيما يشار إليه أحيانًا باسم “الخطة ب “. حيث نشاط مستمر وتطفل لتعطيل المعدات النووية الإيرانية، وتعطيل قدرات الإطلاق، وتحييد جوانب أخرى من النشاط الإيراني، لزعزعة الاستقرار الإقليمي.