كتبت: سهاد الخضري
انتهت حياتها الزوجية بعد 5 سنوات بسبب السِّمنة وزيادة الوزن. هكذا حكت سارة محمد -اسم مستعار- بمنشور لها على إحدى مجموعات الريجيم عبر موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”.
تقول “سارة”: “قبل الجواز وزني كان 72 كيلو وبعده وصل 137 كيلو. طليقي لم يكن يسمح لي بالخروج من المنزل لغيرته الشديدة. وماكانش قدامي منفذ لممارسة رياضة. يدوب شغل البيت البسيط. وشاء القدر ألا أحمل منه”.
وأضافت أنها حين طالبت زوجها بمساعدتها للذهاب إلى طبيبة لخفض وزنها كان رده عليها: “لو عندك إرادة وقفلتي بقك هتخسي”.
آخر شهور من زواج “سارة” قضتها في منزل عائلتها. خاصة أن زوجها هددها بقوله: “لو ماخستيش هنطلق”. وبالفعل طلقها.
تنمر عائلي بسبب السمنة
“حماتي سوّدت حياتي”. هكذا حكت ديانا محمد -اسم مستعار- 36 سنة من القاهرة لـ”مصر 360″. وقالت إنها تزوجت قبل سنوات وكان وزنها لا يتخطى 55 كجم حينها. لكن بعد الحمل والولادة وصل وزني إلى 79 كجم. خاصة بعد حملي في طفل ثالث: “في الرايحة والجاية حماتي بتقولي يا تخينة”.
“حماتي اتعودت تهينني رغم أن لها أخت وزنها فوق الـ100 كيلو. أما جوزي فمابيدافعش عني. لكنه بيتريق عليا مع أمه”.
خلال فترة حملها كانت “ديانا” تتناول الخبز والمياه الغازية بكثرة. ورغم أن وزنها لم يزد زيادة مخيفة كان نصيبها عظيما من التنمر لدرجة أن بعض أفراد أسرتها كان يسمعها عبارات من قبيل “شكلك أم جوزك مش مراته”.
عبارات قاسية
تضيف: “صبرت كتير على كلام التريقة وكتمت في نفسي لحد ما خدت قرار أقلل وزني. تابعت مع أطباء أون لاين حتى وصل وزني إلى 59 كيلو. نزلت 20 كيلو في 5 أشهر. لكن لسة حماتي بتسمعني نفس كلامها وتقولي شكلك بقى وحش. رغم اني استحملت ريجيم قاسي. بس ما شفعليش عندها ولا عند أسرتي”.
تحكي “ديانا”: “حتى حفيدتها لم تسلم من عبارات التنمر. بتقولها إنتي تخينة اتحركي عشان تخسي. رغم أن بنتي طويلة ووزنها 40 كيلو وعمرها 9 سنوات”.
دائما تنصح الأم ابنتها بألا تلتفت لعبارات التنمر على شكلها أو وزنها. مشيرة إلى أن قرار خفض وزنها جاء بسبب التنمر بها ليل نهار. “لما أخذت قرار خفض وزني جوزي فرح لأني هوفر له في الأكل. وطبعا هو رفض أني أروح لطبيب أو جيم عشان ما يدفعش فلوس. لكنه في الوقت نفسه كان يحبطني: “عمرك ما هتخسي. بتتعبي نفسك على الفاضي”.
الأكل هو الحل
“بعد وفاة والدي زاد وزني إلى حد كبير بعد أن دخلت في أزمة نفسية”. تحكي “مها محمد” -اسم مستعار- تعمل بالتدريس بمدينة الإسكندرية. “لم يكن والدي فحسب بل كان كل شيء في حياتي. سندي في كل خطواتي. لم أتحمل فراقه. عانيت كتير بوفاته. بات الطعام هو ملاذي الوحيد أخرج فيه انفعالاتي وضغوطاتي. ووسط كل هذا لم تكن أمي تفعل شيئا لي سوى أن تتنمر بي وتقول لي (بقيتي باب يا بت)”.
مع زواج شقيقتها الصغرى باتت الأم تقول لابنتها المكلومة في أبيها: “مفيش حد هيتجوزك يا تخينة يا أنبوبة. مش لاقية لك عريس بوزنك ده”.
الزواج المتاح
تضيف “مها”: “حاولت كتير أقلل وزني لنفسي مش عشان حد. لكن كنت بافشل. وللأسف والدتي ماساعدتنيش أروح لدكتور أو جيم رغم مقدرتها المادية. خاصة أن وزني زاد في الطفولة. وفي النهاية أجبرتني على الزواج بشخص لم أحبه. لكنه الوحيد اللي وافق يرتبط بـ(واحدة تخينة) زي ما أمي كانت بتقولي دايما”.
السمنة والأزمات العاطفية
مشكلة عاطفية كانت سببا في زيادة وزنها. تحكي “بسمة محمد” -اسم مستعار- 21 سنة من القاهرة. وتضيف لـ”مصر 360″: “عشت قصة حب مع شخص 4 سنين. واتقدم لي لكن أهلي رفضوه 4 مرات. وفي آخر مرة عافرنا سوا لحد ما أهلي وافقوا. وبعد قراءة فاتحتنا تعشمنا أن نستمر معا. لكن فوجئت بأهلي بيفركشوا الارتباط. بعدها بيومين تعبت ونزل وزني 6 كيلو من الزعل والتفكير. لكن بعد ضياع أملي في قصة الحب الوحيدة ماكانش قدامي غير الأكل أطلع فيه غلي. فأكلت وزاد وزني 13 كيلو في شهر واحد. هدومي مابقيتش تدخل فيا. وأهلي منعوني أخرج ولا حتى للجامعة ومنعوا عني أي وسيلة اتصال بالعالم الخارجي”.
تتابع “بسمة”: “خطيبي راح لحاله لكن أنا حياتي باظت وضيعت نفسي وإلى الآن مش عارفة أرجع لطبيعتي. رجعت كليّتي بس خلاص مش متأقلمة عالدنيا”.
زادت معاناة “بسمة” بسبب تنمر صديقاتها بها في الجامعة: “قالولي تخنتي أوي وشكلك باظ”.
ترى هادية عبد الفتاح -ناشطة نسوية- أن معايير الجمال وضعت الأنثى في قوالب صعبة جدا. ليس في مصر فحسب بل في العالم أجمع. كما لعبت السوشيال ميديا دورًا سلبيا وباتت الإناث ينظر إلى أجسادهن فحسب بغض النظر عن أي معايير أخرى.
حتى إعلانات الوظائف في مصر -بحسب “هادية”- تطلب موظفات حسنات المظهر. كأن الأنثى اختصرت مهمتها في الحياة في مظهرها الخارجي.
وتنصح الدكتورة زينب بكري الصيرفي -مدير المعهد القومي للتغذية بوزارة الصحة سابقا- بتناول أنواع الطعام كافة بكميات أقل وعدم الحرمان الغذائي هي الروشتة العلاجية لخفض الوزن.
وتضيف لـ”مصر 360″: “على سبيل المثال من يتناول 2 رغيف في اليوم عليه خفض الكمية للنصف. سواء خبز أو أرز أو أي من أنواع الطعام المختلفة مع ضرورة المحافظة على الحركة.
و عن أهم أسباب السمنة ترى الدكتورة زينب أنها تكمن في تناول الطعام بطريقة غير صحية والإكثار من النشويات والأكل الدسم فضلا عن عدم الحركة. وتابعت أن السمنة تؤثر على أعضاء وأجهزة الجسم كافة. فالتأثير يبدأ بالحالة النفسية التي تؤدى بدورها لأمراض عضوية كثيرة. أهمهم أمراض مناعية. ثم يمتد التأثير إلى الشرايين والقلب والضغط. ما يحدث أضرارا بالغة بالكلى والعين والدورة الدموية والأعصاب فضلا عن التأثير الكبير على العظم خاصة بالنسبة للنساء.
و تؤكد مدير المعهد القومي للتغذية بوزارة الصحة سابقا تأثير الوزن لدى النساء على الحمل نتيجة تأثر التبويض لديهن. حيث تحاط المبايض بكميات كبيرة من الدهون تمنعها من الوصول إلى المكان المناسب ليحدث التلقيح.
التغذية وأمراض النساء
أما الدكتور حامد أبو عليان -إخصائي علاج طبيعي وتأهيل وسمنة- يقول لـ”مصر 360″: “نحو 10% من المترددين على عيادتي والمتواصلين معي من حالات مهددة بالطلاق أو مطلقة. حتى بعدما خسرن الوزن الزائد لم يعجب بهن أزواجهن وانفصلوا”.
عمرو شلبي -أدمن جروب Health Keepers- على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” يقول لـ” مصر 360″: “عملنا الجروب في 17 مايو 2019. وبلغ عدد أعضائه 3 ملايين و211 ألف خلال 3 سنين. ونستهدف من ورائه تشجيع أفراد المجتمع على تغيير سلوكياتهم والعيش بنمط صحي عبر تقديم وصفات أكل صحي وبدائل الوجبات السريعة. إلى جانب عرض إنجازات الأعضاء في الجروب قبل وبعد الدايت لندعمهم ونشجع غيرهم على اتباع سلوكيات صحية”.
وفقا لدراسة تناولت العبء الصحي لمرض السمنة -أعدها مجموعة خبراء في علم اقتصاديات الصحة بالتعاون مع رؤساء وأعضاء جمعيات السمنة والسكري في مصر ومسئولي وزارة الصحة والقائمين على حملة “100 مليون صحة”- فإن 39.8% من المصريين البالغين يعانون السمنة، حسب مسح أجرته الحملة عام 2019 شمل 49.7 مليون مصري.
وأشارت الدراسة إلى أن نتائج المسح أفادت بأن السمنة أكثر انتشارًا بين النساء بنسبة 49.5% مقابل 29.5% لدى الرجال.
أمراض مصاحبة للسمنة
وعن الأمراض الناتجة عن السمنة والبالغ عددها 13 مرضًا والتي تشكل عبئًا كبيرًا على الأنظمة الصحية والاقتصادية في مصر. يأتي ارتفاع ضغط الدم والسكري وتوقف التنفس في أثناء النوم والكبد الدهني وفرط شحوم الدم وأمراض القلب والاكتئاب.
وأشارت الأرقام لعام 2020 والتي اعتمدتها الدراسة قياسًا على أرقام السنوات السابقة مع تقدير معدل النمو السكاني إلى أن داء السكري من النوع الثاني هو المرض الأكثر ارتباطًا عند البالغين من الذكور والإناث المصريين بالسمنة. حيث يتخطى عدد مرضى السكري من هذا النوع في مصر 7 ملايين من الرجال والنساء.
وأضافت الدراسة أن 85% من الإناث المصابات بالسكري من النوع الثاني مصابات به بسبب السمنة. بينما 61.8% من الذكور المصابين به يعزى أسبابه لمرض السمنة أيضا.
وأفادت الدراسة بأن العدد المتوقع للبالغين الذين يعانون توقف التنفس في أثناء النوم بسبب السمنة يصل إلى ما يقرب من 13 مليون مصري. ويقدر عدد المصريين المصابين بدهون الكبد بسبب السمنة نحو 8.5 مليون مصري بالغ. كما تشير أرقام الدراسة إلى أن عدد المرضى المصابين بارتفاع ضغط الدم الناجم عن السمنة يصل إلى 6 ملايين مصري بالغ. ليصل إجمالي الوفيات المتوقعة بسبب السمنة طبقًا للدراسة إلى نحو 879 ألفا و114 شخصا سنويا. ما يمثل 19.08٪ من إجمالي الوفيات المقدرة لعام 2020.
أما عن العبء الاقتصادي فقد أشارت الدراسة إلى أن السمنة تكلف المصريين نحو 50 مليار جنيه سنويا لعلاج الأمراض المصاحبة لها. ويشمل هذا الرقم التكاليف الطبية المباشرة لعلاج المرضى الذين يعانون تلك الأمراض بسبب السمنة.
أرقام عالمية
وفقاً لإحصائيات منظمة الصحة العالمية بلغ من يعانون السمنة عام 2016 أكثر من 1.9 مليار من البالغين فما فوق.
وتضاعف معدل انتشار السمنة في العالم ثلاث مرات تقريبا بين عامي 1975 و2016. وفي 2018 كان هناك ما يقدر بنحو 40 مليون طفل دون سنة الخامسة يعاني السمنة.
ووفقا لإحصائيات المنظمة فإن فرط الوزن والسمنة يُعدان في السابق من مشكلات البلدان مرتفعة الدخل. ولكنهما الآن يتزايدان في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل. ولا سيما في البيئات الحضرية. ففي أفريقيا زاد عدد الأطفال دون سن الخامسة الذين يعانون السمنة بنسبة 50٪ تقريبا منذ عام 2000.
وفي عام 2018 كان ما يقرب من نصف الأطفال دون سن الخامسة الذين يعانون السمنة يعيشون في آسيا.
وفيات السمنة
ووفقا لمنظمة الصحة العالمية تؤدي السمنة إلى عدد أكبر من الوفيات في العالم مقارنة بنقص الوزن.
فعالميا يزيد عدد الأشخاص الذين يعانون فرط الوزن على عدد الأشخاص الذين يعانون نقص الوزن. وينطبق ذلك على جميع الأقاليم باستثناء أجزاء من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وآسيا.
وعن العواقب الصحية فيعد خطر الأمراض غير السارية مثل “أمراض القلب والأوعية الدموية “ولا سيما أمراض القلب والسكتات الدماغية”. التي كانت السبب الرئيسي للوفاة في 2012. ثم داء السكري والاضطرابات العضلية الهيكلية وبعض أنواع السرطان كالتي تصيب الغشاء المبطن للرحم والثدي والمبيض والبروستاتا والمرارة والكلى والقولون.