اختتم البابا تواضروس الثاني دورة جديدة للمجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية بقرارات تخدم توجهاته الإصلاحية. تصدر هذه القرارات تشكيل مجلس للتعليم الكنسي ومجلس للأكاديمية اللاهوتية القبطية. على أن يتلقى المجمع المقدس ترشيحات للأعضاء من حملة درجتي الماجستير والدكتوراه. وهو الأمر الذي يحدث كاستجابة لجدل كبير في الشارع القبطي في السنوات الفائتة يلفت النظر إلى غياب المعايير الأكاديمية في المؤسسات التعليمية الكنسية غير المعتمدة مصريًّا أو دوليًّا.
هذا الجدل زادت حدّته بعد حصول الأنبا رافائيل -أسقف وسط القاهرة- على درجة الماجستير من جامعة “هولي صوفيا” التابعة للكنيسة القبطية. وهي جامعة غير معترف بها رسميًّا. كذلك فإن اللجنة التي منحت الماجستير لا تتمتع بالصلاحيات الكافية لمنح مثل هذه الدرجة العلمية.
كيف يمكن تطوير التعليم الكنسي القبطي؟
استحوذت قضية التعليم الكنسي على اهتمام البابا في السنوات الأخيرة بالشكل الذي دفعه لتطوير الهيئة التعليمية بالكلية الإكليريكية بالعباسية. لكن هذه الكلية لا تزال تواجه مشكلة في الشهادات الصادرة عنها وفقا لتأكيد مراد يواقيم -باحث الدكتوراه في اللاهوت بالولايات المتحدة. حيث يشير إلى أن الكلية الإكليريكية تمنح درجة البكالوريوس وهو أمر غير معتاد. إذ تطلب من المتقدمين إليها حمل درجة بكالوريوس من إحدى الجامعات المصرية أو المعترف بها كشرط للقبول. ومن ثم فمن الأحرى أن تمنح الكلية الإكليريكية درجة الماجستير. ذلك لأنها تعطي درجة دراسات عليا ولا يتم الالتحاق بها بعد الثانوية العامة مباشرة. وهو الأمر الذى يتم تطبيقه في المعاهد والكليات اللاهوتية في العالم.
“يواقيم” اقترح أن يتم تغيير بكالوريوس الكلية الإكليريكية إلى درجة الماجستير الرعائي. وذلك لأن هذه الدرجة ليست ماجستير في اللاهوت وتحمل اسمMDIV . وهو درجة ماجستير وظيفية وليست درجة أكاديمية لأن هدفها هو إعداد الدارس للخدمة الكنيسة وليس للبحث العملي. حتى إن الغالبية العظمى من الرعاة والقساوسة في أمريكا الشمالية من مختلف الطوائف حاصلون على هذه الدرجة.
كيف يخطط البابا تواضروس لتطوير المؤسسات التعليمية الكنسية؟
وأشار أحد الآباء الأساقفة -رفض نشر اسمه- إلى أن المجلس الأعلى للتعليم الكنسي -الذي وافق المجمع المقدس على تأسيسه- يستهدف تقنين أوضاع أكاديميات التعليم المسيحي التابعة للكنيسة القبطية بالشكل الذي يؤهلها للحصول على الاعتماد. سواء من المجلس الأعلى للجامعات أو من قبل مؤسسات الاعتماد اللاهوتي الأجنبية. لافتا إلى أن البابا تواضروس يؤمن بالأهمية القصوى للتعليم في مجال الخدمة الكنسية. بالإضافة إلى رغبته في استثمار العلاقة الطيبة مع الدولة المصرية في اعتماد المؤسسات التعليمية رسميًّا.
أما الملف الثاني الذي ظهر في توصيات المجمع المقدس للكنيسة في هذه الدورة فهو قضية “رفات القديسين”. والتي صارت تجارة رابحة في كثير من الكنائس خلال السنوات الماضية. حيث تشكل “بيزنس لأجساد القديسين” التي تباع أجزاء منها وتوضع في الكنائس فتجلب الزيارات والتبرعات دون أي رقابة كنسية.
لماذا قرر المجمع المقدس التصدي لبيزنس رفات القديسين؟
ترجع عادة الاحتفاظ بأجساد القديسين إلى عصور مبكرة في التاريخ الكنسي. فيشرح القمص يسطس فانوس -كاهن كنيسة شبين القناطر والمتخصص في التراث الكنسي- أن إكرام زخائر القديسين تقليد مستقر في الكنيسة القبطية التي لا تعبد أجساد الراحلين ولكنها تكرمهم. مضيفا: “أجساد القديسين في الشرق خصوصًا كان يتم نبشها (كشفها) ويتم تقسيمها أجزاء ونقلها من مكان إلى آخر. كانتقال ذخائر القديس (بابيلاس) سنة 351. وفي القرن الرابع كان نقل البقايا يتم باحتفالات مهيبة مثل نقل بقايا القديس نيقولاوس إلى (باري) في 9 مايو/أيار ونقل بقايا القديس يوحنا الذهبي الفم إلى القسطنطينية”.
هذا التقدير القبطي لرفات القديسين دفع المجمع المقدس لإصدار التوصية: “تبادل رفات القديسين لا يتم إلا بوثيقة رسمية معتمدة من الأب المطران أو الأسقف. وبناءً على طلب رسمي موقع من أحد الآباء المطارنة أو الأساقفة”.
ومن بين الأمثلة المعبرة عن هذه الأزمة هو تقسيم جسد القس مينا عبود الذي استشهد على يد تنظيم “داعش” في العريش منذ سنوات إلى أجزاء. كل جزء من جسده تحتفظ به كنيسة وتجمع على أساسها تبرعات وتزدحم بالزيارات.
أساقفة جدد بأسماء متكررة
كذلك فإن البابا تواضروس عمل على رسامة أساقفة جدد في الإيبارشيات التي خلت بوفاة آبائها. سواء الذين رحلوا متأثرين بمرض كورونا أو بأمراض الشيخوخة. إذ تم تعيين راهب من دير الأنبا بيشوي باسم الأنبا ايسوذوروس -أسقفا لأسوان خلفا للأنبا هدرا الراحل. بينما تم تعيين راهب من دير الأنبا موسى النبي بجنوب سيناء باسم الأنبا نوفير ليصبح أسقفا على شبين القناطر خلفا للأنبا بطرس الراحل. وفي بني مزار كلف البابا تواضروس القمص يعقوب الأنطوني قادما من دير الأنبا أنطونيوس للخدمة بالصعيد. كذلك فإن البابا تواضروس كلف الأنبا إغناطيوس بإيبارشية المحلة الكبرى خلفا للأنبا كاراس. حيث احتفظ للدير المحرق بكرسي المحلة الكبرى كما احتفظ لدير الأنبا بيشوي بكرسي أسوان. بالإضافة إلى اهتمام البابا برسامة أساقفة عموم دون التقيد بالتجليس على إيبارشية محددة. وهو الأمر الذي يسهم في دفع العمل الرعوي بالكنيسة. إذ يتيح للبابا حرية تحريك الأساقفة وفقا لاحتياجات الكنيسة في مصر والمهجر.
في الوقت نفسه فإن الرسامات الجديدة قد شهدت تكرار أسماء الأساقفة. فتمت رسامة أسقف عام لنيو جيرسي باسم الأنبا جبرائيل. رغم وجود أسقف بالنمسا يحمل الاسم نفسه. وراهب آخر باسم الأنبا بسنتي -أسقفا لأبنوب- رغم وجود الأنبا بسنتي -أسقف حلوان والمعصرة. وهو الأمر الذي دفع الكاتب كمال زاخر -المتخصص في الشأن الكنسي- ليقول: “في تقليد الكنيسة القبطية فإن الآباء الأساقفة إخوة. ومن ثم من غير المعمول به تكرار الأسماء بين الإخوة في العائلة الواحدة”.