وسط اختناقات في إمدادات القمح والزيوت عالميًا منذ اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية فبراير/شباط الماضي حدثت ارتفاعات متتالية في أسعار الأرز. لتضيف مخاوف جديدة إزاء أزمة الغذاء العالمية. بعدما واصلت أسعار الطن الارتفاع للشهر الخامس على التوالي مسجلة أعلى مستوى لها في 12 شهرًا.
تختلف الأسباب التي تقود ارتفاع أسعار الأزر عالميًا عن مسببات القفزات الكبيرة لأسعار الحبوب الأساسية. فروسيا وأوكرانيا ليستا من منتجيه لكنهما يشتركان معا في التسبب بارتفاع تكاليف زراعته. خاصة من جهة الأسمدة التي تعاني تضخمًا سعريًا وندرة بسبب الحرب الروسية بجانب اختناقات سلاسل التوريد.
وتشكل روسيا وبيلاروسيا معًا أكثر من 40% من الصادرات العالمية من البوتاسيوم. وهو واحد من ثلاثة مكونات مغذية لتعزيز إنتاج المحاصيل الزراعية. بينما تسيطر موسكو وحدها على 22% من الصادرات العالمية من الأمونيا. فضلا عن 14% من صادرات العالم من اليوريا ونحو 14% من فوسفات الأمونيوم الأحادي -بحسب بنك رابوبانك الهولندي المعروف.
يقول سونال فارما -كبير الاقتصاديين في بنك نومورا الياباني- إن أسعار الأرز في حاجة إلى مراقبة مستمرة مستقبلاً. لأن ارتفاع أسعار القمح قد يؤدي إلى بعض الاستبدال باتجاه الأرز وزيادة الطلب وخفض المخزونات الحالية.
وتستحوذ الصين والهند معا على 51.5% من الإنتاج العالمي للأرز. موزعة بين 28% لبكين و23.5% لنيودلهي. بينما جاءت إندونيسيا وبنجلاديش بالمركز الثالث بالتساوي بإنتاج يعادل 7.2% لكل منهما. ثم فيتنام بنسبة 5.7% تليها تايلاند بنسبة 3.7% ثم ميانمار (بورما)بنسبة 3.5%.
وبتحويل النسب إلى أرقام فإن الصين تنتج 211.4 مليون طن أرز تليها الهند بنحو 177.6 مليون طن. ثم إندونيسيا وبنجلاديش بنحو 54.6 مليون طن لكل منهما. ففيتنام بنحو 43.3 مليون طن تليها تايلاند بنحو 28.3 مليون طن.
الأنظار تتجه صوب الهند.. ماذا بعد حظر تصدير القمح والسكر؟
وقد حظرت الهند في مايو/أيار الماضي صادرات القمح بعدما تضرر الإنتاج بسبب الموجة الحارة. وفي محاولة للسيطرة على الأسعار المرتفعة داخليًّا بعدها بأيام قررت فرض قيود على تصدير السكر.
وتمثل الهند الرقم الأول في صادرات الأرز عالميا بما يعادل 9.6 مليار دولار تمثل 37.5% من إجمالي الصادرات. وحال إحجامها عن التصدير فستحدث أزمة كبيرة في غالبية الأسواق التي تعتمد عليها في تلبية احتياجاتها.
ديفيد لابورد -كبير الباحثين في منظمة الأغذية الدولية- يبدي قلقه من إمكانية قيام الهند بفرض حظر على تصدير الأرز في الأسابيع المقبلة. حيث يفكرون فيما بعد القمح والسكر.
ويعتبر الأرز جزءًا رئيسيًا من التغذية في معظم أنحاء آسيا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا ومنطقة البحر الكاريبي. وتشير التقديرات إلى أنه يوفر أكثر من خمس السعرات الحرارية التي يستهلكها البشر في جميع أنحاء العالم.
في عام 2019 كانت الهند وتايلاند وباكستان وفيتنام من كبار المصدرين للأرز بشحن ما يعادل 16 مليار دولار من الأرز. بينما تستهلك دول أخرى من المنتجين الكبار إنتاجها بالكامل مع ارتفاع كميات الفقد التي تتراوح بين 8 و26٪ من المحصول. وذلك بسبب مشكلات ما بعد الحصاد وضعف البنية التحتية واستمرار نمو سكان العالم.
في بورصة شيكاغو التجارية سجلت العقود الآجلة للأرز ارتفاعًا خلال تعاملات أمس ليبلغ تسليم يوليو/تموز 16.340 دولارا للإردب بنسبة ارتفاع 0.55% تعادل 9 سنتات.
نقص الأرز يأتي وسط تزايد الاتهامات الغربية لروسيا حاليا باستخدام الغذاء كسلاح بعد أن توقفت صادرات الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود.
فرئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير تقول إن الطعام أصبح جزءًا من ترسانة موسكو. ووزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن يقول إن موسكو تستخدم الطعام كسلاح ليس فقط ضد الملايين من سكان أوكرانيا ولكن أيضًا ضد الملايين حول العالم.
تايلاند وفيتنام يعتزمان التنسيق معًا في تسعير الأرز
وتطل فكرة توظيف الغذاء بشكل آخر من تايلاند وفيتنام بعدما طالب رئيس وزراء تايلاند برايوث تشان أوشا بلاده وفيتنام برفع أسعار الأرز معا لتعزيز قدرتهما على “المساومة” في السوق العالمية. ولفظ مساومة هنا يفتح كثيرا من التساؤلات والقلق معًا.
تصريحات “تشان أوشا” جاءت متزامنة مع لقاء نائب وزير الزراعة والتنمية الريفية الفيتنامي تران ثان نام مع المسئولين التايلنديين لمناقشة إطار عمل للتعاون بينهما. خاصة أن تايلاند حريصة على الاستفادة من الأسعار المرتفعة. ولم تفكر في فرض أي قيود على الشحنات لاغتنام الفرصة. في الوقت الذي تسعى فيه البلدان المعتمدة على الاستيراد إلى تقييد إمدادات الحبوب.
رغم كثافة إنتاج الصين من الأرز وتوسعها بقوة العام الماضي في تجربة الأرز المقاوم للملوحة والقلوية المعروف باسم “أرز مياه البحر أو الأرز السوبر” في جميع المناطق خلال العام الماضي. لتبلغ مساحته حاليا 40 ألف هكتار -الهكتار يعادل 10 كيلومترات) فإنها لا تزال بقائمة الأكثر استيرادًا.
الصين تتبع سياسة القمح مع الأرز
فمنذ مطلع العام الحالي تمارس الصين تخزين كميات كبيرة من الحبوب حتى باتت حاليا تملك احتياطيات تخزينية تعادل نصف احتياطات الغذاء العالمي بتخزين 69% من إجمالي كمية الذرة و60% من الأرز و51% من القمح. والأخير يثير تساؤلات. فبكين تحتل المركز الأول في إنتاج القمح عالميا بنحو 135 مليون طن. تعادل 29% من الإنتاج العالمي واعتمادها في الطعام على الأرز وليس القمح.
وقد استوردت الصين العام الماضي 4.6 مليون طن متري من الأرز. تحتل بها المرتبة الأولى عالميا. لكن لا يمكن النظر لها كدولة مستوردة. إذ تلعب دورا مزدوجا. فهي تصدر وتستورد في الوقت ذاته.
ففي عام 2020 صدرت الصين 1.14 مليار دولار من الأرز احتلت بها المرتبة السابعة في التصدير من نوعية أرز 320، في العام ذاته استوردت الصين 1.72 مليار دولار من نوعية 144 لتصبح بذلك أول مستورد للأرز في العالم.
مصر تحارب الاحتكار المحلي بالاستيراد
وخلال الأسبوعين الماضيين سجلت أسعار الأرز في السوق المحلية المصرية ارتفاعا كبيرًا ليبلغ سعر الكيلو 18 جنيها. قبل أن يتراجع ويستقر عند مستوى 15 جنيها. وهو أعلى من متوسط السعر قبل الحرب الروسية الذي كان يتراوح بين 7 و10 جنيهات حسب نسبة الكسر.
ولدى مصر نسبة اكتفاء ذاتي من الأرز تصل إلى 87%. لكن السوق عانت تحكم كبار التجار الذين رفعوا السعر لمستوى قياسي واضطروا لخفضه مع فتح وزارة التموين الاستيراد من الخارج بنحو 50 ألف طن.
يقول الدكتور رجب شحاتة -رئيس شعبة الأرز بغرفة صناعة الحبوب باتحاد الصناعات المصرية- إن مصر لديها مخزون جيد من القمح يفيض عن الاحتياجات قصيرة الأجل. خاصة مع قدوم موسم الحصاد في الموسم الجديد الذي يبدأ في أغسطس/ آب المقبل.
وتعاقدت الهيئة العامة للسلع التموينية المصرية على شراء 50 ألف طن أرز تمويني. وذلك لتعزيز أرصدة البلاد منه. على أن تصل البلاد خلال شهري يوليو/ تموز وأغسطس/ آب من العام الجاري. بينما يؤكد مسئولو وزارة التموين أن الاحتياطي من الأرز مثله مثل القمح والسكر آمن ويتعدى 6 أشهر.
ويضيف “شحاتة” أن سعر طن الأرز الشعير رفيع الحبة تراجع من 10 آلاف جنيه إلى 7 آلاف و500 جنيه. وعريض الحبة من 10 آلاف و500 جنيه للطن إلى 7 آلاف و700 جنيه.
وعلى مستوى أسعار المستهلك تراجع سعر الأرز الأبيض رفيع الحبة إلى 10.5جنيه للكيلو بدلا من 13 جنيهًا. وسعر الأرز الأبيض عريض الحبة من 14 جنيهًا ليتراوح بين 11 و12 جنيهًا. وذلك نظرًا للاستيراد من الخارج وإحجام المستهلك عن الشراء بسبب ارتفاع الأسعار.