رفع البنك الفيدرالي الأمريكي سعر الفائدة للمرة الثالثة على التوالي بواقع 75 نقطة أساس إلى 1.75%. وذلك ضمن إجراءات لمواجهة التضخم في أمريكا، بعد أن وصل إلى أعلى معدلاته منذ أكثر من 40 عامًا. خلال مايو/أيار الماضي.
ترى، هل سيتأثر الاقتصاد المصري برفع الفائدة الأمريكية. في ظل الاجتماع المرتقب الأسبوع المقبل للجنة السياسات النقذية بالبنك المركزي؟ وهل الأوضاع الاقتصادية للدولة والمواطن قادرة على تحمل زيادة ثالثة في سعر الفائدة؟
خلال الاجتماعين الماضيين في مارس/أذار، وبداية مايو/أيار الماضي. رفع البنك الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة بواقع ربع نقطة مئوية، ونصف نقطة مئوية على التوالي. وهو الإجراء الذي أعقبته قرارات مماثلة مصرية، بتحريك أسعار الفائدة. حيث رفع البنك المركزي المصري أسعار الفائدة 1%. يوم 21 مارس/أذار الماضي، خلال اجتماع استثنائي. وفي 19 مايو/أيار الماضي، تقرر رفعها مجددًا بنسبة 2%.
ماذا يعني رفع الفائدة؟
يعني أن سعر الفائدة سيرتفع على الإقراض بنسبة 2%. فإذا كان العميل يرغب الآن في الحصول على قرض، فهذا يعني أن سعر الفائدة سيرتفع على القرض الذي يرغب في الحصول عليه. وفق الدكتور أحمد شوقي الخبير المصرفي لـ “مصر 360”.
يوضح شوقي، أن هذا الإجراء لا ينطبق على العملاء الذين حصلوا على قروض من قبل ويسددون حاليًا أقساط عليه. وفي حال كان العميل سبق وحصل على قرض بفائدة متغيرة -أي مرتبطة بسعر الفائدة المقررة من البنك المركزي- فهذا يعني أن سعر الفائدة سيرتفع بنسبة 2%.
يشرح الخبير المصرفي، أن الفائدة على شهادات الادخار والودائع في البنوك سترتفع. وهو أمر يخضع لرؤية كل بنك في تحديد نسبة الفائدة على الودائع والشهادات التي يقدمها. كما سيرتفع سعر الفائدة بشكل أوتوماتيكًا، على الشهادات والودائع، التي تكون مربوطة بسعر الفائدة في البنك المركزي. والتي تسمى “متغيرة العائد”. ولا ينطبق ارتفاع سعر الفائدة على الودائع والشهادات على العملاء. الذين سبق واشتروا شهادات ادخار من قبل، ويحصلون حاليًا على فوائد مقابل أموالهم.
لماذا رفع الفيدرالي سعر الفائدة الأمريكية للمرة الثالثة؟
خلال الاجتماع الأخير للفيدرالي الأمريكي، الذي عقد أمس. واصل البنك إجراءاته لمحاولة اللحاق بمعدلات التضخم والسيطرة عليها، ليقرر رفع سعر الفائدة للمرة الثالثة على التوالي.
وقالت لجنة السوق الفيدرالية المفتوحة، في بيان لها عقب رفع الفائدة. إن النشاط الاقتصادي العام في الولايات المتحدة يبدو أنه قد انتعش بعد انخفاضه في الربع الأول. وأن مكاسب الوظائف كانت قوية في الأشهر الأخيرة، وظل معدل البطالة منخفضًا، بينما لا يزال التضخم مرتفعًا. مما يعكس اختلالات العرض والطلب المتعلقة بوباء كورونا، وارتفاع أسعار الطاقة، وضغوط الأسعار الأوسع.
وذكرت اللجنة أن “الحرب الروسية على أوكرانيا تتسبب في صعوبات بشرية واقتصادية هائلة. وتخلق الحرب والأحداث ذات الصلة ضغطًا تصاعديًا إضافيًا على التضخم وتؤثر على النشاط الاقتصادي العالمي”.
وأكدت اللجنة أنها حريصة للغاية على مخاطر التضخم. وأنها تسعى لتحقيق أقصى قدر من التوظيف والتضخم بمعدل 2% على المدى الطويل. وذكرت أن قرارها برفع أسعار الفائدة بنسبة 0.75% جاء دعماً لهذه الأهداف. وتتوقع أن الزيادات المستمرة في النطاق المستهدف “ستكون مناسبة”.
بالإضافة إلى ذلك، ستستمر اللجنة في تقليل مقتنياتها من سندات الخزانة وديون الوكالات والأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري للوكالة. كما هو موضح في خطط تقليل حجم الميزانية العمومية للاحتياطي الفيدرالي. التي صدرت في مايو/أيار، بحسب البيان. وقالت “تلتزم اللجنة بشدة بإعادة التضخم إلى هدفه البالغ 2%”.
قرارات الفيدرالي الأمريكي تتسبب في تخارج أموال الأجانب من مصر
يتسبب رفع الفائدة في أمريكا في تحريك أسعار الفائدة في مختلف دول العالم ومنها مصر. لتأثرها مباشرة بتخارج أموال الأجانب، وتوجهها إلى السوق الأمريكية، التي باتت أكثر جاذبية بالنسبة لهم. لذا تتجه غالبية الأسواق العالمية بالتبعية لإجراء تحريك مباشر في سعر الفائدة، حفاظًا على استثمارات الأجانب لديها.
وتوقع الخبراء أن يرفع البنك المركزي الفيدرالي أسعار الفائدة مرات عدة هذا العام. ولكن بزيادات صغيرة. في الوقت الذي رفعت فيه أيضًا بنوك مركزية في العالم العربي أسعار الفائدة بعد خطوة الفيدرالي الأمريكي.
وقال محمد ماهر، العضو المنتدب لشركة برايم القابضة للاستثمارات المالية -في تصريحات خاصة- إن قرار الفيدرالي الأمريكي يعد أحد العوامل المهمة التي يضعها البنك المركزي المصري نصب عينيه، وهو يقيم مسار سياسته النقدية. ومنها قرار رفع الفائدة، لمواجهة تخارج الدولار من السوق المصرية.
وأوضح أن قرار الفيدرالي يعد من العوامل المهمة بالنسبة لقرار أسعار الفائدة بالمركزي المصري. في ظل أن البيئة الحالية تعد غير مثالية على الإطلاق لأصول الأسواق الناشئة. موضحًا أن تغيير الفيدرالي الأمريكي سياساته تؤثر بشكل مباشر وواضح على الاقتصادات الأخرى، وتدفعها لتغيير سياستها. لتسبب رفع الفائدة الأمريكية في تخارج أموال الأجانب من الأسواق الصغيرة والمتوسطة والاتجاه للسوق الأمريكية.
جاء ذلك في الوقت الذي أكد فيه طارق عامر، محافظ البنك المركزي المصري. أن الحكومة المصرية والبنك المركزي قاما بضخ العديد من الأموال فى الاقتصاد، وإصدار خطابات ضمان للبنوك المصرية، لتحمل مخاطر الخسائر.
وأشار عامر، خلال كلمته في الاجتماعات السنوية التاسعة والعشرين للبنك الأفريقي للاستيراد والتصدير. والتي عقد في العاصمة الإدارية الجديدة. إلى أنه كان من الضروري الحفاظ على المستويات الحالية لأسعار الصرف، إذ إنه كانت هناك صدمة في تحويل الأموال إلى الخارج. ما دفع البنك المركزي للتدخل بالاحتياطيات الدولية لتجنيب المجتمع صدمة في أسعار الصرف. أثناء الحرب الروسية الأوكرانية.
ارتفاع ثالث للفائدة في مصر أم اتجاه للتثبيت؟
ويمثل قرار الفيدرالي الأمريكي برفع سعر الفائدة ضغوطا جديدة على البنك المركزي المصري تدفعه لرفع أسعار الفائدة. لتجنب هروب الاستثمارات الأجنبية. وخاصة الاستثمار في أدوات الدين وأذون الخزانة التى تطرحها وزارة المالية. في الوقت الذي تسعى فيه الدول لجذب المزيد من الاستثمارات، ضمن خطة طموحة لمواجهة تداعيات الأزمة الاقتصادية الحالية. على خلفية الأوضاع السياسية والحرب الروسية- الأوكرانية.
وتباينت توقعات المحللين حول مواصلة البنك المركزي المصري رفع أسعار الفائدة؛ فيرى البعض أن المركزي المصري سيواصل رفع أسعار الفائدة عندما تجتمع لجنة السياسة النقدية الأسبوع المقبل، في حين يتوقع محللون اتخاذ قرار بتثبيت أسعار الفائدة والانتظار لاجتماع أغسطس لإقرار زيادة جديدة في أسعار الفائدة.
ويرى رجب مهتدي الخبير المالي، أنه لا يزال هناك مجال لرفع أسعار الفائدة بنسبة 2% جديدة خلال الاجتماع المقبل للجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري وذلك بعد رفع الفائدة الأمريكية للمرة الثالثة على التوالي.
أضاف لـ “مصر 360″، أن المؤشرات الاقتصادية العالمية ترجح كفة استمرار الارتفاعات الكبيرة لأسعار الفائدة لعدة اجتماعات، لمواجهة معدلات التخضم المتزايدة، وإن كانت هذا الاتجاه سيكون بمثابة عرقلة واضحة لخطط النمو لدى الأسواق الناشئة والبلدان النامية.
وأضاف أن هناك تسارعا عالميا لمواجهة موجة التضخم الأكبر منذ عقود ومنها اتجاه البنك المركزي الأوروبي لرفع الفائدة في يوليو، وهو ما يزيد من الضغوط على البنك المركزي المصري، الذي لن يجد مفر من رفع الفائدة مجددًا خلال 2022 حفاظًا على استثمارات الأجانب، متوقعًا اتخاذ قرار برفع الفائدة للمرة الثالثة خلال اجتماع لجنة السياسات نهاية الأسبوع المقبل.
هل يستوعب الاقتصاد تحريك الفائدة 3 مرات؟
بينما يستفيد المستثمرون الأجانب من السعر المرتفع للدولار في مصر، لأنه يمكنهم من الاستثمار في تحقيق مكاسب كبيرة من شراء أدوات الدين التي تقترض الحكومة من خلالها لسد العجز بين المصروفات والإيرادات. يرى أيمن ياسين الخبير المصرفي، أن الاتجاه الأكثر ملائمة للوضع الاقتصاد المصري وهو تثبيت أسعار الفائدة بالبنك المركزي المصري خلال الاجتماع المقبل رغم رفع الفائدة الأمريكية. فالوضع محليًا لا يستوعب 3 تحركات متتالية على مستوى سعر الفائدة حفاظًا على أداء الشركات العاملة في السوق.
أضاف لـ “مصر 360″، أن البنوك المركزية في مختلف دول العالم، بما فيها البنك المركزي المصري، باتت حريصة على دراسة أوضاع السوق، قبل أي رفع في أسعار الفائدة خلال الفترة المقبلة حتى لا تحدث أي تعثرات للشركات بسبب ارتفاع الفائدة. فهناك بنوكا مركزية على مستوى العالم بدأت في القلق من أن الرفع المبالغ فيه لأسعار الفائدة ربما قد يؤدي إلى أزمات مالية واقتصادية جديدة.
تابع أن البنوك المركزية في أوروبا والولايات المتحدة تستوعب أن هناك كمًا مهولًا من الديون على مستوى الحكومات والشركات في الوقت الحالي، وبالتالي أي تسرع في رفع أسعار الفائدة يمكن أن يؤدي إلى زيادة حالات التعثر في أوروبا والولايات المتحدة وبالتالي قد تنتقل العدوى لمختلف أنحاء العالم.
مفاوضات صندوق النقد ترجح التثبيت
أوضح ياسين أن هناك عوامل أخرى تدعم إبقاء البنك المركزي المصري على أسعار الفائدة دون تغيير في الاجتماع المقبل منها تقدم مفاوضات مصر مع صندوق النقد الدولي بشأن دعم محتمل يمكن أن يشمل قرضًا، بالإضافة إلى توافر تمويل من دول الخليج سواء في صورة ديون أو استثمارات مباشرة.
وذكر أن من بين هذه العوامل أيضا تقييم الضغوط على الموازنة العامة للدولة خاصة في ظل الإحجام الملحوظ من وزارة المالية عن قبول كامل متطلبات التمويل عن طريق عطاءات الأذون والسندات بأسعار العائد المتوافقة مع الكوريدور -“الكوريدور” هو سعر العائد على الإيداع والإقراض لدى البنك المركزي المصري لليلة واحدة-.
هل يتحمل الاقتصاد والمواطن زيادة ثالثة للفائدة؟
وتؤثر التغييرات في معدل الفائدة في مصر على سعر الدولار بشكل كبير، فعندما يرفع المركزي المصري سعر الفائدة تنخفض قيمة الجنيه المصري أمام الدولار، الذي يزداد قوة في السوق المصرية -وفق الدكتور أحمد شوقي الخبير المصرفي لـ “مصر 360”-.
وارتفع سعر صرف الدولار أمام الجنيه المصري الشهر الماضي، عندما قرر البنك المركزي المصري رفع أسعار الفائدة، حيث تجاوز الدولار الواحد 18 جنيهًا مصريًا فأعلى ولم يهبط عن هذا الحد منذ ذلك الوقت.
توقع شوقي وصول الدولار إلى 20 جنيهًا حال إحداث تحرك ثالث على مستوى الفائدة بالبنك المركزي المصري خلال اجتماع لجنة السياسات النقدية الأسبوع المقبل. موضحًا أن المستثمرين الأجانب سيتجهون حينها للاستثمار في العملة الأجنبية بالبنوك المصرية استغلالاً لزيادة الفائدة.
وأكد أن رفع الفائدة يليه زيادات سعرية طبيعية في سعر العملات الأجنبية. وذلك كي يتمكن البنك المركزي من تجميع الدولار الموجود بالسوق. ومنع خلق سوق سوداء تسبب مزيدا من التقلبات السعرية في بيع المنتجات. خاصة المستوردة من الخارج والمتأثرة بالأوضاع العالمية -الحرب الروسية الأوكرانية-.
ويوضح أيمن ياسين الخبير المصرفي، لـ “مصر 360″، أن الأوضاع الاقتصادية المحلية وكذلك أوضاع المواطنين باتت أكثر تعقيدًا من ارتفاع معدلات التضخم المرتفعة، “هناك حالة من الركود بسبب رفع سعر الفائدة مرتين سابقًا وبالتالي لم يعد الأمر يتحمل مزيدًا من التحركات حاليًا حفاظًا على حياة المواطن”.
تعثرات محتملة على الكيانات الصناعية
أضاف أن الكيانات الصناعية في الدولة التي تعتمد على الدولار بشكل رئيسي في تدبير احتياجاتها من المادة الخام من الخارج، ستتأثر بأي رفع جديد في الفائدة ما يدفعها إلى محاولة إجراء تحريك فوري في منتجاتها المتداولة بالسوق، سواء كانت مواد غذائية أو غيرها، وبالتالي ستواجه تلك الكيانات الاقتصادية تعثرات جديدة على مستوى خطط التنمية المستهدفة.
تابع أن الوضع الحالي المتعلق بتراجع قيمة الجنيه أمام الدولار سيخلق حالة من الارتفاع في الأسعار بالسوق بالنسبة لجميع المنتجات والسلع، ومن ثم احتمالية زيادة حالة الركود في سوق العرض والطلب خلال الأشهر القادمة.
معاناة المواطن -بالتحديد متوسطي الدخل- ستستمر أيضًا على مستوى أسعار بيع مختلف المنتجات بما فيها سعر بيع البنزين والوقود وذلك حال أي رفع جديد في الفائدة على المدى القصير، باعتبار أن سعر الصرف هو أحد العوامل المُحددة لسعر بيع الوقود محليًا -الدولة بتستورد بترول من الخارج بملايين الدولارات.. وتراجع قيمة الجنيه يعني ارتفاع قيمة فاتورة الاستيراد الشهرية- وبالتالي ستلجأ الحكومة إلى تحميل المواطن جزء من ارتفاع فاتورة الاستيراد عبر زيادة أسعار الوقود.