تشمل حريات التجمع والاجتماع مجموعة من الحقوق والحريات المرتبطة بالحق في التنظيم أو المتفرعة منه أو النابعة من جذوره بحسبه الأصل العام لتلك المجموعة الكبيرة من الحقوق والحريات، وتشمل حرية التجمع والاجتماع ضمن طياتها أسماء وتفريعات لحقوق إنسانية متعددة، منها على سبيل التمثيل الحق في التظاهر والتجمهر، والإضراب، علاوة على حقي التجمع والاجتماع ذاتهما، ويسمح حق الإنسان الأساسي في التجمع السلمي للأفراد بالتعبير الجماعي والمشاركة في تشكيل مجتمعاتهم، ويعد الحق في التجمع السلمي مهما في حد ذاته لأنه يحمي قدرة الناس على ممارسة الاستقلال الذاتي الفردي في تضامن مع الآخرين، كما أنه يشكل إلى جانب حقوق أخرى ذات صلة، الأساس ذاته لنظام حكم تشاركي قائم على الديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون والتعددية. ويمكن أن تؤدي التجمعات السلمية دورا حاسما في تمكين المشاركين من تقديم أفكار وأهداف طموحة في المجال العام وتحديد مستوى الدعم أو المعارضة الذي تحظى به تلك الأفكار أو الأهداف، كما أنه عندما تستخدم التجمعات السلمية للتعبير عن المظالم، قد تتيح فرصا لتسوية الخلافات على نحو شامل وتشاركي وسلمي.
وقد جاء في التعليق العام رقم 37 لسنة 2020 بشأن الحق في التجمع السلمي، الصادر من اللجنة المعنية بحقوق الإنسان ما يعد توسعا في ممارسة الحق في التجمع بصوره المختلفة، على نحو يتناسب مع التطورات العصرية أن -وتتغير طريقة وسياقات إجراء التجمعات مع مرور الوقت. وقد يؤثر ذلك بدوره على طريقة تعامل السلطات معها. فعلى سبيل المثال، تسمح تكنولوجيات الاتصال الناشئة بالتجمع كليا أو جزئيا على الإنترنت، وكثيرا ما تؤدي دورا أساسياً في تنظيم التجمعات المادية والمشاركة فيها ورصدها، وبالتالي فإن التدخل في هذه التكنولوجيات من شأنه أن يعوق التجمعات. ولئن كان من الممكن استخدام تكنولوجيات المراقبة للكشف عن التهديدات بالعنف وبالتالي لحماية الجمهور، فإن ذلك قد يتسبب أيضاً في انتهاك حق المشاركين والمارة في الخصوصية وغيره من الحقوق، وقد يكون له أثر مثبط. وعلاوة على ذلك، هناك تزايد في الملكية الخاصة وغيرها من أشكال التحكم في الأماكن ومنصات التواصل التي يمكن لعامة الجمهور الوصول إليها. وينبغي الاسترشاد بمثل هذه الاعتبارات لبلوغ فهم معاصر للإطار القانوني الذي تقتضيه المادة 21.
وإذ إن حرية التجمع السلمي ركن أساسي من حرية الرأي والتعبير والتي تعتبر مقدمة لحقوق الإنسان، فحرية التجمع السلمي تعني أن يتمكن الأفراد من الاجتماع في الأماكن العامة ليعبروا عن آرائهم بالخطابة أو المناقشة أو بتبادل الرأي، كما أن حرية التجمع السلمي أو حرية الاجتماع السلمي تعتبر من الحقوق المعنوية التي تؤثر بصفة مباشرة على الرأي العام، وهو الأمر الذي عبرت عنه المحكمة الدستورية العليا في الحكم رقم 153 لسنة 21 ، الصادر بجلسة 3 يونيه سنة 2000، والذي قضى بعدم دستورية قانون الجمعيات الأهلية رقم 153 لسنة 1999 إنه وحيث إن حق الاجتماع – سواء كان حقا أصيلا أم بافتراض أن حرية التعبير تشتمل عليه باعتباره كافلا لأهم قنواتها، محققا من خلاله أهدافها – أكثر ما يكون اتصالا بحرية عرض الآراء وتداولها كلما كون أشخاص يؤيدون موقفا أو اتجاها معينا جمعية تحتويهم، يوظفون من خلالها خبراتهم ويطرحون آمالهم ويعرضون فيها كذلك لمصاعبهم، ويتناولون بالحوار ما يؤرقهم، ليكون هذا التجمع المنظم نافذة يطلون منها على ما يعتمل في نفوسهم، وصورة حية لشكل من أشكال التفكير الجماعي، وكان الحق في إنشاء الجمعيات – وسواء كان الغرض منها اقتصاديا أو ثقافيا أو اجتماعيا أو غير ذلك – لا يعدو أن يكون عملا اختياريا، يرمي بالوسائل السلمية إلى تكوين إطار يعبرون فيه عن مواقفهم وتوجهاتهم. ومن ثم فإن حق الاجتماع يتداخل مع حرية التعبير، مكونا لأحد عناصر الحرية الشخصية التي لا يجوز تقييدها بغير اتباع الوسائل الموضوعية والإجرائية التي يتطلبها الدستور أو يكفلها القانون، لازما اقتضاء حتى لو لم يرد بشأنه نص في الدستور، كافلا للحقوق التي أحصاها ضماناتها، محققا فعاليتها، سابقا على وجود الدساتير ذاتها، مرتبطا بالمدنية في مختلف مراحل تطورها، كامنا في النفس البشرية تدعو إليه فطرتها، وهو فوق هذا من الحقوق التي لا يجوز تهميشها أو إجهاضها.
ومن خلال ذلك نرى أن هناك ضرورة مجتمعية ملحة في مراجعة كافة التشريعات التي تنظم تلك الحريات، وعلى الأخص منها ما هو مرتبط بقانون التظاهر، وقانون التجمهر الذي مضى عليه من الزمن ما يكفي لإحالته للتقاعد، وعدم جدواه حاليا لتنظيم أمور المجتمع، ذلك إضافة إلى كافة القوانين المرتبطة بتلك الحقوق، إذ إن المنطق الحياتي يقتضي عدم وضع المزيد من القيود حول ممارسة الحق في التجمع السلمي بحسبه أحد آليات التعبير والتداول الديمقراطي، كما أن الحرية بمعناها الشمولي هي حق من الحقوق الطبيعية التي يولد بها الإنسان ولا يمكن لأي تشريع أن يجرده منها، والتشريع الذي يقوم بذلك إنما يعد جريمة في حق الحرية، والحرية كل لا يتجزأ والحريات جميعًا لا يمكن فصل بعضها عن بعض، فالحريات وحدة ترتبط بعضاه ببعض، وانتهاك إحداها هو انتهاك لها جميعًا، فحياة الأفراد عبارة عن مستويات متعددة من الحريات يجب أن يتمتع بها جميعًا وذلك نتيجة لوجود ترابط بينها. وكذلك فمن لا يستطيع ممارسة إبداء رأيه بحرية لا تكون له حرية في عقد اجتماع وتكون حريته كاذبة، فحرية الاجتماع تعد وسيلة من وسائل ممارسة حرية الرأي، فإن عقد الاجتماعات يكون للتعبير عن الآراء والأفكار وهذا لا يكون إلا عن طريق حرية الرأي. فبدون حرية الرأي لا تكون حرية الاجتماع، ولا يمكن أن يتمتع الإنسان بحريات أساسية مثل حرية الاجتماع إلا إذا تمتع بالحريات الأخرى، فمن المحال منح حرية الاجتماع دون منح حرية الرأي لأن حرية الاجتماع تعتبر وسيلة من وسائل التعبير عن الرأي كما أن “حرية الاجتماع هي جزء أو مظهر من مظاهر حرية الرأي فهذه الحرية يمكن التعبير عنها بعقد الاجتماعات والندوات واللقاءات، كما أنه يمكن التعبير عن حرية الرأي بمظاهر أخرى مثل المظاهرات السلمية والتي تعد من أهم وسائل التعبير عن الرأي من خلال ممارسة إحدى صور الحق في التجمع.