تعتزم وزارة التموين زيادة نسبة الاستخراج من القمح المخصص لإنتاج الدقيق التمويني، بنسبة 5.5%. ما يعني زيادة نسبة النخالة “الردة” في إنتاج الدقيق. وهو أسلوب جديد يستهدف ترشيد الاستهلاك. لكنه يصطدم بالمكونات الأساسية لرغيف الخبز نفسه.
لم تصدر الوزارة إلى الآن قرارًا رسميًا بخصوص خطتها الجديدة المفُترض تطبيقها في العام المالي الجديد أول يوليو المقبل، والتي ستزيد فيها كمية استخراج الدقيق من طن القمح بنحو 5.5% ليبلغ 87.5% (875 كيلوجرام بدلًا من 820 كيلو جرام حاليًا)، بزيادة 57.5 كيلو للطن، تعادل 648 رغيفًا إضافيًا. وبمعنى آخر فإن “كل 100 كيلو قمح يستخرج منها 82 كيلو دقيق حاليًا.. والوزارة تفكر في رفع المستخرج لـ 87.5%”.
يتم إنتاج دقيق القمح الصافي في المطاحن بنسب استخراج 93.3% أو 87.5% أو 82% أو 80% أو 72% بالمطاحن التي ترخص لها وزارة التموين والتجارة الداخلية بذلك، وفقًا للترخيص الصادر لكل مطحن. ويصدر وزير التموين والتجارة الداخلية قرارًا بتحديد نسب الاستخراج التي يعمل بها، ويعني القرار الجديد انتقال مطاحن الـ 82 إلى 87.5%.
تتماشى الخطة الجديدة مع مساعي سابقة للوزارة لترشيد الدقيق التمويني، تضمنت تخفيض وزن رغيف الخبز من 110 جرامات إلى 90 جرامًا، بفارق 20 جرامًا للرغيف الواحد، ليزيد عدد إنتاج الأرغفة المنتجة من الجوال الواحد من 1250 إلى 1450 رغيفًا.
وتنص قرارات وزارة التموين على أن تكون الردة الناعمة المعدة للرغف ناتج القمح بعد استخراج (82%) مطابقة للمواصفات. من بينها ألا تزيد نسبة الرطوبة على (14%) وألا تزيد نسبة الرماد على (4.2%)، محسوبة على المادة الجافة، وألا تزيد نسبة الرمل على (0.5%) محسوبة على المادة الجافة، وألا تزيد نسبة الألياف على (8.6%) محسوبة على المادة الجافة، وأن تكون نظيفة خالية من المواد الغريبة.
71 مليون مستفيد بدعم الخبز
مجدي الوايلي عضو غرفة الحبوب باتحاد الصناعات المصرية، وحسين بودي رئيس شعبة مطاحن الدقيق استخراج 82% بغرفة صناعة الحبوب، أكدا حسم وزارة التموين قرار رفع نسبة الاستخراج. وهما يتوقعان التطبيق من يوليو المقبل على المخابز البلدية التي تزيد عن 30 ألف مخبز منتشرة على مستوى الجمهورية.
وتلتزم مطاحن الدقيق التمويني بقرارات لجنة الأقماح العليا التي تصدر بتعليمات من خلال الاجتماعات لها للمطاحن، بخلط نسبة 60 %من القمح المحلي و40% من القمح المستورد، لتحسين جودة الدقيق وإنتاج خبز مطابق للمواصفات القياسية ذو جودة عالية.
وتشير تقديرات منظومة دعم السلع التموينية بمشروع الموازنة العامة للدولة لـ 2022/2023 إلى أن منظومة دعم الخبز تغطي نحو 71 مليون مستفيد، وتزيد نسبة سحب رغيف الخبز لتبلغ 78.4%، ونسبة ما يتم توفيره واستبداله بنظـام النقـاط بواقع 10 قروش لكل نقطة (رغيف) يتم توفيره تبلغ 21.6%.
زيادة النخالة.. هل من فوائد؟
كميات القمح المطلوب توفيرها من الموازنة العامة للدولة تبلغ نحو 8.5 مليون طن قمح. منها كمية تبلغ نحو 7.878 مليون طن قمح لتوفير نحو 90 مليار رغيف. بالإضافة إلى 622 ألف طن قمح لتوفير دقيق المستودعات. ويعني ذلك زيادة بنسبة الاستخراج بنحو 5.5% لتوفير كمية دقيق تعادل 434 ألف طن دقيق.
ولا تحمل زيادة النخالة (الردة الناعمة) في الدقيق التمويني تأثيرات صحية ضارة. بل يرى خبراء أنها على العكس من ذلك تتضمن إيجابيات في تعزيز الألياف بالرغيف وزيادة قيمته الغذائية. فبحسب معهد بحوث تكنولوجيا الأغذية، فإن إنتاج رغيف خبز بلدي من دقيق تم استخراجه بنسبة 87% أي بزيادة 5% عن المعتاد (أقل نصف في المئة عن خطة وزير التموين الجديدة) مع استمرار إضافة دقيق الذرة 20%، ينتج رغيف بنفس كفاءة وجودة الرغيف العادي. كما يعتبر غنيًا بالفيتامينات والأملاح المعدنية الغذائية.
الجدال في هذه الخطة لا يتعلق بالجانب الصحي، ولكن بعمر رغيف الخبز. بالإضافة إلى تغيير قوامه وطعمه. أو بمعنى آخر سيحدث تغيير في عمر احتفاظ برغيف الخبز بنفس خواصه (التفتت). علاوة على بعض التغيرات المرتبطة بالطعم (فالردة تحمل بعض المرارة).
النخالة.. ذوق المصريين تغير
رفض مصدر بوزارة التموين تأكيد القرار. وقال إنه لا يزال قيد الدراسة. لكنه في الوقت ذاته أشار إلى أن الذائقة الجماهيرية تغيرت حاليًا. وأضاف أن الإقبال على المخبوزات الصحية “الدايت” تزايد بين مختلف الفئات. رغم أن نسبة الاستخراج في بعضها تصل إلى 93.3%. أي أعلى من الرغيف المقترح بنسبة 5.8%. فكلما زادت نسبة الاستخراج كلما زادت القيمة الغذائية.
قال المصدر لـ”مصر 360″، إن القرار ليس له علاقة باحتياطات القمح المتوفرة التي تكفي أكثر من 6 أشهر. والأمر شبيه بتخفيض وزن الرغيف من 110 جرامات إلى 90 جرامًا. حينها كانت الإمدادات العالمية متوفرة والأسعار رخيصة مقارنة بالوضع الحالي.
وقد تسلمت وزارة التموين والتجارة الداخلية من المزارعين نحو 4 ملايين طن قمح محلي إلى الآن، من أصل 6 ملايين طن مستهدفة. لكنها لا تزال تراهن على توريد النسبة الباقية قبل انتهاء الموسم المحلي في نهاية أغسطس المقبل. بينما أكد وزير التموين الدكتور علي المصيلحي أخيرًا أن احتياطي القمح الإجمالي كافٍ لمدة 4.5 شهر (كان التوريد المحلي حينها 2.6 مليون طن).
النخالة تستهدف الترشيد بالمقام الأول
لكن أعضاء غرفتي المطاحن والحبوب يقولون إن القرار يستهدف في المقام الأول ترشيد في استهلاك القمح. وهو أمر محمود في ظل عدم وجود تأثير ضار على المواطن من التغييرات الجديدة.
وربما يسبب قرار التموين مشكلة فيما يتعلق بتوفير الردة في السوق المحلية، التي زاد الطلب أخيرًا من قبل مُربي الماشية نظرًا لاقتراب موسم عيد الأضحى. ما أدى إلى تراجع الأرصدة من النخالة بالمطاحن وارتفاع سعرها في مطاحن 72% إلى 5450 جنيهًا في المتوسط، وفي مطاحن 82% بنحو 5000 جنيه للطن.
معهد بحوث تكنولوجيا الأغذية يؤيد وزارة التموين فيما يتعلق برفع نسبة النخالة فدراسته، التي أجراها في مارس الماضي، أكدت أن الردة المتخمرة بالإضافة لخميرة الخبز حققت نتائج جيدة من حيث المحافظة على صفات الجودة وتأخير عملية التجلد (الجفاف) في الخبز الناتج ما يعني أن زيادة الردة لن تؤثر على عمر الرغيف.
بحسب باحثين في معهد تكنولوجيا الأغذية، فإن السعرات الحرارية لرغيف العيش البلدي المصري، والذي يزن 90 جرامًا حاليًا تبلغ 230 سعرًا حراريًا. ولذلك هو مصدر أساسي للطاقة للمواطن في مصر. علاوة على ضمه نسبة عالية من فيتامين B على عكس الرغيف المصنوع من القمح الأبيض استخراج 72% (الفينو أو الشامي)
المصريون أعلى الشعوب استهلاكًا للخبز
يبلغ متوسط الاستهلاك السنوي للفرد في مصر 889 رغيفًا. وهو أعلى معدل استهلاك على مستوى العالم، وفق دراسة للجهاز المركزي للإحصاء. ما يعني أن تحسين مكوناته يعني تحسين القيمة الغذائية.
وقد خضع رغيف الخبز على مدار التاريخ لتغيرات مستمرة في المكونات. وكان أكثر تعديل ثورية في عهد وزير التموين السابق الدكتور أحمد جويلي الذي قسم رغيف الخبز بين 80% قمح و20% ذرة. وهي تجربة تقلل استهلاك القمح بنسبة 20%. فيما تضمن أثرًا صحيًا أفضل باعتباره دقيقًا أكثر فائدة صحيًا.
وعلى مدار العهود الماضية، تعرضت نسبة النخالة أيضًا لتغيرات مستمرة ترتبط بمدى توافر القمح وأسعاره عالميًا أو الظروف الاقتصادية بمصر. ففي عهد الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر، تغيرت جودته بسبب ضغطة على الحكومة في هذا الملف. وتغيرت نسبة الاستخراج في الدقيق بعد نكسة 1976 لتزيد “الردة”. قبل أن يحافظ عليها السادات. وقد حاول تغيير السعر وتراجع عد انتفاضة الخبز الشهيرة. وعاد مبارك ليغير نسبة الاستخراج مرة أخرى من أجل تحسين الجودة أيضًا.