يواجه التشكيل الجديد للمجلس القومي لحقوق الإنسان تحدي الحفاظ على التقييم (أ) المتقدم، الذي حصل عليه في العام 2018، ضمن المتابعة الدورية للتحالف العالمي للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان (يجري كل 5 سنوات). فقد تعطلت بالفعل بعض آليات عمله، مع عدم إصداره التقرير السادس عشر لسنة 2020/2021 بحالة حقوق الإنسان في مصر. الأمر الذي يمثل إخلالًا بمبادئ باريس الحاكمة للهيئات الوطنية لحقوق الإنسان، وتشمل معايير تصنيفها مدى الاستقلالية والنزاهة واستمرار آليات العمل.
ولعل ما يزيد من صعوبة هذا التحدي ما تُقبل عليه مصر من حوار وطني، دعا إليه رئيس الجمهورية، وطلب ألا يقصى منه أيًا من المعارضة، في عام أطُلق عليه رسميًا عام المجتمع المدني.
اقرأ أيضًا: من أين نبدأ عام المجتمع المدني 2022.. ورقة سياسات جديدة من “دام”
أين اختفى تقرير “القومي لحقوق الإنسان”؟
في ديسمبر من العام الماضي، أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي، القرار رقم 616 لسنك 2021، بإعادة تشكيل المجلس القومي لحقوق الإنسان، لمدة أربع سنوات. وتضمن القرار المنشور -حينها- في الجريدة الرسمية، أن يعاد تشكيل المجلس برئاسة السفيرة مشيرة خطاب، كما تضمن السفير محمود كارم محمود نائبًا للرئيس. إلى جانب 26 عضوًا.
كان من المفترض أن يصدر التقرير الـ 16 لسنة 2020/2021 عن المجلس السابق برئاسة محمد فايق. ولا يتوقع أن يصدر هذا التقرير عن المجلس بتشكيله الحالي. ففي تصريحات لـ”مصر 360″، قال المحامي الحقوقي وعضو المجلس عصام شيحة، إن “أول تقرير سيصدر عن المجلس الحالي سيكون آخر العام الجاري، ويغطي الفترة من 2021/2022”.
وقد حاول فريق عمل “مصر 360” التوصل لإجابة على سؤال: أين اختفى التقرير رقم 16؟ دون الحصول على رد. بينما على موقع المجلس نفسه لا أثر سوى لآخر تقرير سنوي أصدره المجلس، وهو التقرير السنوي الخامس عشر، الذي يغطي الفترة ما بين أكتوبر عام 2019 حتى نهاية عام 2020.
كيف تأسس المجلس؟
تأسس المجلس القومي لحقوق الإنسان عام 2004 كاستجابة مصر لتوصيات مؤتمر فيينا 1993، بإنشاء منظمات وطنية معنية بقضايا حقوق الإنسان. على أن تكون مهمتها تقديم المساعدة والمشورة للحكومات في قضايا حقوق الإنسان بمفهومها الشامل.
وارتكزت توصيات فيينا على مبادئ باريس (1991). وتتضمن معايير دولية بغرض تنظيم وتوجيه أعمال المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، وقياس الفاعلية. وقد عممت مبادئ باريس بعد أن اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1993.
في حديثه لـ “مصر 360” أوضح الحقوقي ناصر أمين، مدير المركز العربي لاستقلال القضاء، أن الهيئات الوطنية لحقوق الإنسان تنشأ بقرار من الدولة. وهى إحدى هيئاتها، تختص بوضع آليات من أجل تحسين أوضاع حقوق الإنسان للدول الأعضاء في الأمم المتحدة. وتنظم هذه الآليات اتفاقية دولية متعددة الأطراف تسمى “مبادئ باريس”. وقد أوصت أن تكون مهمة الهيئات الوطنية الحفاظ على حماية حقوق الإنسان والعمل على تطوير أوضاعها.
وفي 2004، التحقت مصر بالاتفاقية، وأسست بناءً على ذلك “المجلس القومي لحقوق الإنسان”، والمفترض أن يكون على مسافة واحدة من الدولة والمجتمع المدني، ويختص دوره بحماية الحقوق والحريات وتقديم الدعم والمشورة للحكومة، سواء فيما يتعلق بالتشريعات أو متابعة ومراقبة الحالة الحقوقية.
“القومي لحقوق الإنسان”.. وتحدي المراجعة
تعني لجنة التنسيق الدولية، التابعة لمفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان (تأسست وفقًا لمبادئ فيينا) بمدى التزام “المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان” بمبادئ باريس. ومنها تعزيز وحماية حقوق الإنسان كأحد أدوارها الأساسية، ورصد المعايير الدولية لحقوق الإنسان على المستوى الوطني، لتعزيز التعاون دولًيا.
في اجتماع الجمعية العامة للتحالف العالمي للمؤسسات الوطنية على هامش الدورة الأربعين لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة (جنيف) 2018، جاء تصنيف المجلس القومي لحقوق الإنسان ضمن الفئة الأولى A. وتنقسم عملية التقييم إلى ثلاثة مستويات. يشير A منها إلى الالتزام الكامل بمبادئ باريس، أما التصنيف B فيعنى أن العضو غير ملتزم بشكل كامل بمبادئ باريس، والتصنيف الأخير C يعنى عدم الالتزام بمبادئ باريس.
وتخضع كل من المؤسسات الحقوقية الوطنية التي تحمل التصنيفين الأولين للاستعراض الدوري الشامل كل خمس سنوات. وتقدم قبلها تقاريرها وما يفيد التزامها بمبادئ باريس. كما تستطيع منظمات المجتمع المدني أن تقدم تقارير ظل تتعلق بعمل تلك المجالس وحالة حقوق الإنسان في البلاد.
اقرأ أيضًا: لماذا نحارب استراتيجيتنا الوطنية لحقوق الإنسان؟
هنا، يشير المحامي الحقوقي والباحث القانوني نجاد البرعي إلى أن المجلس يتولى دور مستشار الحكومة، واختصاصه تلقي الشكاوى لمعرفة أنواع وطبيعة الانتهاكات، ومناقشتها مع الحكومة في قضايا مثل تلك التي تتعلق بأوضاع السجون. فضلًا عن تعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات العامة. ذلك بما يقتضيه الدستور في ضوء الاتفاقيات والعقود الدولية التي صدّقت عليها مصر. وكذلك ترسيخ قيم حقوق الإنسان والإسهام في ضمان ممارستها بشكلها السليم.
ويلفت البرعي، خلال حديثه مع “مصر 360″، إلى أداء المجلس القومي ومدى استقلاليته عن الأجهزة التنفيذية الأخرى كمعيار مهم فى التصنيف الدولي.
مسار عمل المجلس وضرورة الإصلاح
بعد سنوات من تأسيس المجلس، رأت أصوات حقوقية عديدة أنه تحوّل لمبرّر لسياسات الحكومة، ولم يلعب دورًا مؤثرًا في القرارات التنفيذية. ورأى هؤلاء أنه مجرد أداة للرد على انتقادات خارجية متعلقة بحقوق الإنسان في مصر. هذا ما أعلنه بهي الدين حسن أحد مؤسسي حركة حقوق الإنسان المصرية في الثمانينيات، بعد مرور 4 سنوات من التأسيس. وقد استمرت هذه الانتقادات تتردد حتى اليوم.
على جهة أخرى، ينفى عضو المجلس عصام شيحة، وجود مشكلات في عمل المجلس الحالي. وإن كان يشير إلى وجود تحديات يسعى إلى تجاوزها. ومنها تحسين أوضاع حالة حقوق الإنسان في مصر عبر إلغاء الحبس الاحتياطي. فضلًا عن وضع استراتجية موحدة فى إطار زمني لا يتجاوز 2026 لتنفيذها. مع تهيئة المناخ لمحاكمات عادلة، والانفتاح على الآخر، وتعزيز الثقة بين المواطن والدولة.
ويرى “شيحة” أن هناك فرصة مواتية لتحسين الأوضاع الحقوقية الحالية، من خلال تعديل بعض التشريعات. إلى جانب نشر الثقافة الحقوقية. فضلًا عن تعزيز أداء المجلس باعتباره هيئة مستقلة تهدف للحفاظ على كرامة المواطن والتصدى لأي تجاوزات. بما يوفر البيئة المناسبة للحريات والشفافية.
للاطلاع على التقرير السنوي الأخير الصادر عن المجلس القومي لحقوق الإنسان.. اضغط هنا