تحت عنوان “دورات الاضطراب.. إعاقة موروثات الاستعمار والقبلية التطور السياسي في الشرق الأوسط”. رصدت Geopolitical Futures، وهي منظمة بحثية معنية بالجغرافيا السياسية. تطور وأشكال انتقال السلطة بين حُكّام 6 دول عربية، هي مصر، السودان، الجزائر، سوريا، العراق، اليمن. خلال قرن من الزمن، في الفترة بين 1920 و2020.
يصف التحليل القيادة السياسية في الدول العربية بأنها “غالبا ما تكون كأس مسمومة”. مشيرًا إلى أنه طالما كان العنف والاضطراب من السمات المميزة للانتقال السياسي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في العصر الحديث، ولكن في الواقع، فإن التاريخ أطول من ذلك بكثير.
أدت تركات القبلية وعدم الاستقرار إلى خنق التنمية السياسية في المنطقة. في حين أن فرض الدول القومية المركزية. من قبل القوى الاستعمارية، كان يفتقر إلى الصلة بالواقع الثقافي والاجتماعي للمنطقة. وقد أدى فشل المستعمرين إلى إعاقة ظهور ثقافة سياسية مستقرة.
ويشير التحليل إلى أن صعوبة البلدان – وفي بعض الأحيان عدم قدرتها – في التغلب على جذورها القبلية. وإرساء شعور قوي بالهوية الوطنية ما أدى لاستمرار هذه الحلقة من الاضطرابات. وأضاف: “الانقلابات والانتفاضات في السودان والجزائر ليست سوى أحدث التذكيرات بهذه الأمور”.
اقرأ أيضا: تغيير السلطة في إفريقيا بين الأزمة والأثر
أشكال انتقال السلطة
وشملت التصنيفات التي احتوى عليها التحليل عددا من أسباب نهاية فترة الحاكم في الدول التي تم تحديدها للدراسة. فإما تمت الإطاحة بالحاكم، أو توفي أثناء وجوده في الحكم، أو تعرض للاغتيال، أو رحل في “ظروف مشبوهة”. أو لـ “أسباب أخرى”. مثل رئيس العراق الأسبق أحمد حسن البكر، الذي استقال من جميع المناصب العامة “لأسباب صحية” في عام 1979، ثم توفي عام 1982 لأسباب لم يُعلن عنها.
أيضًا، هناك هاشم الأتاسي، الذي تولى رئاسة سوريا لفترتين، والذي ترك حكم البلاد عن طريق التحول الديمقراطي. بينما جاء مواطنه أديب الشيشكلي، الذي تولى رئاسة سوريا عبر انقلاب عسكري. وغادر البلاد هاربًا إلى بيروت ثم البرازيل. إلى أن تم اغتياله على يد شاب درزي عانت عائلته على يدي جنود الشيشكلي.
أمّا الرئيس السوري شكري القوتلي، والذي تم تصنيفه بدوره في خانة “أسباب أخرى”. فقد ترك منصبه طواعية عام 1958، في أعقاب القرار السوري بالوحدة مع مصر، وتولي الرئيس جمال عبد الناصر رئاسة “الجمهورية العربية المتحدة”، والتي استمرت حتى عام 1961.
وبالطبع، يدخل ضمن “أسباب أخرى” الزعيم السوداني الراحل المشير عبد الرحمن سوار الذهب، والذي قام بتسليم السلطة طواعية للمدنيين. في سابقة نادرة في العالم العربي. أمّا الرئيس اليمني السابق عبد ربه منصور هادي، فكان سبب رحيله -وفقا للدراسة- هو الضغوط السعودية التي أجبرته أن يتخلى عن منصبه للمجلس الرئاسي الجديد الموجود حاليا في السلطة.
مصر.. الوفاة والاغتيال والإطاحة بالحاكم
في الفترة بين 1920 و2020، حكم مصر من العائلة العلوية كل من الملك أحمد فؤاد، وولده الملك فاروق الأول، الذي قامت عليه ثورة يوليو 1952. وتم تنصيبه طفله الأمير أحمد فؤاد ملكًا لمدة 6 أشهر، وبعدها تم إعلان الجمهورية. وقد توفي الملك فؤاد في عام 1936 وفاة طبيعية، بينما رحل فاروق الأول في المنفى في إيطاليا عام 1965.
وبعد قيام الجمهورية، حكم الرئيس محمد نجيب كأول رئيس مصري، إلى أن اختلف مع أعضاء مجلس قيادة الثورة، لتتم الإطاحة به، وتنصيب جمال عبد الناصر رئيسا، والذي استمر في الحكم حتى توفي في 28 سبتمبر/ أيلول 1970. رغم انتشار الشائعات حول رحيله، ومن ضمنها اتهامات للموساد الإسرائيلي باغتياله.
أمّا الرئيس أنور السادات، فقد مثّل أول حالة اغتيال لحاكم مصري في التاريخ الحديث، بعد أن اخترق تنظيم الجهاد الإسلامي صفوف القوات المسلحة، ونجح بعض أفراده في اغتياله خلال العرض العسكري للاحتفال بنصر أكتوبر، في عام 1981.
وشهدت البلاد بعد ذلك ثورتين للإطاحة بالحاكم، أولهما في 25 يناير/ كانون الثاني 2011. والتي أطاحت بالرئيس حسني مبارك بعد أكثر من 30 عامًا في سدة الحكم. وثورة أخرى في 30 يونيو/ حزيران 2013، والتي أطاحت بنظام الإخوان المسلمين، والرئيس محمد مرسي.
اقرأ أيضا: الرئيس الصومالي السابق يكتب عن تحول السلطة الخطير: عقود من التقدم الديمقراطي في خطر
العراق.. اغتيال الملوك
على مدار القرن الماضي، شهد العراق العديد من النهايات العنيفة لمن حكموا البلاد، بداية من الملك فيصل الأول، وحتى الرئيس الراحل صدام حسين، الذي أطاح الغزو الأمريكي لبلاده بنظامه.
ورغم أن التقرير أشار إلى أن الملك فيصل الأول، قد توفي في مكتبه. لكن بقيت ظروف وفاته غامضة. فقد سافر إلى بيرن في سويسرا في 1 سبتمبر/ أيلول 1933، لرحلة علاج وإجراء فحوص دورية. ولكن بعد سبعه أيام أعلن عن وفاته إثر أزمة قلبية ألمت به. وقيل وقتها بأن للممرضة التي كانت تشرف على علاجه علاقة بموته حيث أشيع أنها قد دست له السم في الإبرة التي أوصى الطبيب بها. وقد نشرت صحف المعارضة العراقية أن الوفاة لم تكن طبيعية، وشككت في دور بريطانيا في القضاء عليه، ودس السم في شرابه أو في الحقن الطبية التي كان يُحقن بها.
أمّا خليفته، الملك غازي الأول، فهناك الكثير من التكهنات والآراء حول وفاته، بسبب بعض الدلائل التي أشارت إلى وجود من حاول التخلص منه بسبب تقربه من حكومة النازي ضد الإنجليز ذوي النفوذ الواسع في العراق آنذاك. ومنها التناقض بين تصريحات الأطباء الذين عاينوا الجثة، وبين تقرير اللجنة الطبية الخاص بوفاته. ومنها أيضا إصابته المباشرة في خلف الرأس بآلة حادة وهو يقود سيارته. في حين أعلن رسميا بأن سبب الوفاة “كان جراء اصطدام سيارة الملك بعمود كهرباء”.
ظروف غامضة واغتيالات للرؤساء
أمّا فيصل الثاني، ثالث وآخر ملوك العراق من الأسرة الهاشمية. فقد مات خلال توليه الحكم، لكنه ثم اغتياله بالرصاص في 14 يوليو/ تموز 1958 بقصر الرحاب الملكي بالعاصمة بغداد مع عدد من أفراد العائلة المالكة. وهو المصير ذاته الذي لاقاه الرئيس عبد الكريم قاسم، أول رؤساء العراق.
انتهى حكم الرئيس عبد الرحمن عارف على إثر حركة تموز 1968 التي اشترك فيها عدد من الضباط والسياسيين وبقيادة حزب البعث حيث داهموا الرئيس في القصر الجمهوري وأجبروه على التنحي عن الحكم مقابل ضمان سلامته. وقد سافر إلى تركيا إلى أن أعاده الرئيس صدام حسين إلى العراق. لكنه سافر في أعقاب الغزو الأمريكي وبقي في العاصمة الأردنية عمان، حتى توفي في 24 أغسطس/ آب 2007. وتم دفنه في مقبرة شهداء الجيش العراقي في مدينة المفرق، حيث أجريت له مراسم دفن لائقة بمنصبه كرئيس سابق للجمهورية العراقية.
وجاء رئيس العراق الأسبق أحمد حسن البكر، مثالًا للظروف الغامضة في التنحي عن الحكم. فقد استقال من جميع المناصب العامة “لأسباب صحية” في عام 1979، ثم توفي عام 1982 لأسباب لم يُعلن عنها. وخلفه أشهر رؤساء العراق وأطولهم بقاء في السلطة، الرئيس صدام حسين. والذي تمت الإطاحة بنظامه عبر دبابات قوات التحالف الأمريكي. لتغرق البلاد بعدها في دوامة من الفوضى.
اقرأ أيضا: “تقسيم تيجراي” و”ديكتاتور إريتريا”.. ورقة آبي أحمد لاستمالة السلطة في إثيوبيا
سوريا.. عشرات الانقلابات بعد الزعيم
جاء الرئيس حسني الزعيم ليتولى رئاسة الجمهورية السورية الأولى، عبر انقلاب مارس/ أذار 1949. قبل أن يطاح به بانقلاب أغسطس/ آب 1949، لتكون فترة حكمه قرابة أربعة أشهر. لكن، على الرغم من قصر الفترة الزمنية التي تولى فيها الزعيم السلطة. إلا أنه ترك علامة فارقة في تاريخ سوريا الحديث. فقد جاء بعده عشرون انقلابا ومحاولة انقلابية، كان آخرها انقلاب 1970 الذي جاء بالرئيس حافظ الأسد إلى السلطة.
بينما هاشم الأتاسي، الذي تولى رئاسة سوريا لفترتين، ولٌقب بـ “أبو الجمهورية”، فقد ترك حكم البلاد عن طريق التحول الديمقراطي. مثلما فعل فوزي سلو، أحد الآباء المؤسسين للجيش السوري وعضو وفد سوريا المفاوض على الهدنة مع إسرائيل سنة 1949. والذي قدم استقالته في 11 يونيو/ حزيران 1953، بالتنسيق مع أديب الشيشكلي، ليتمكن الأخير من تولي رئاسة الجمهورية.
لكن الشيشكلي، الذي تولى رئاسة سوريا عبر انقلاب عسكري. فقد غادر البلاد هاربًا إلى بيروت ثم البرازيل. إلى أن تم اغتياله على يد شاب درزي عانت عائلته على يدي جنود الشيشكلي.
الاصطدام مع السلطة
اصطدم الدكتور ناظم القدسي، وهو أول رئيس لسوريا في أعقاب الانفصال عن مصر في 1961. مع كبار الضباط في الجيش بسبب تدخلهم في شؤون السياسة، مما أدى إلى ثورة هؤلاء الضباط ضده في مارس/ آذار 1962 وقيامهم باعتقاله. على أن ثورةً مضادةً قامت في إبريل/ نيسان من العام نفسه، فتم إطلاق سراح القدسي. وبعدها بعام، أطاحت ثورة حزب البعث بحكم الرئيس القدسي، فانسحب من العمل السياسي، وتُوفِّي في الأردن.
أما الرئيس أمين الحافظ، فقد أطيح به عام 1966 بانقلابٍ قاده صلاح جديد. وألقي القبض عليه قبل أن يفرج عنه بعد حرب 1967. ثم عاش بعدها في المنفى في العراق، حتى عاد إلى سوريا في نوفمبر/ تشرين الثاني 2003 وذلك بعد الغزو الأمريكي للعراق. وأعلن في 17 ديسمبر/ كانون الأول 2009 عن وفاته بعد صراع مع المرض، في المستشفى العسكري في حلب بشمال سوريا.
وقبيل تولي حافظ الأسد الحكم، جاء من قبله نور الدين الأتاسي. الذي استقال من كافة مناصبه في أكتوبر/ تشرين الأول من العام 1970 احتجاجا على تدخل الجيش في السياسية وعلى ممارسات رفعت الأسد شقيق وزير الدفاع -آنذاك- حافظ الأسد. وتم توجيه الدعوة لعقد المؤتمر العاشر الاستثنائي للحزب الذي قرر فصل كل من حافظ الأسد ورئيس الأركان مصطفى طلاس من مناصبهم. فقام الأخير بـانقلاب عسكري سُمِّيَ بــ”الحركة التصحيحية” في 16 نوفمبر/ تشرين الثاني 1970 أزاحه فيه عن السلطة ووضعه في سجن المزة العسكري.
أمضى الأتاسي 22 عاما في السجن في زنزانة ضيقة دون محاكمة، وأصيب في النهاية بـمرض السرطان. وسافر فور إطلاق سراحه للعلاج في باريس، ولكن الوقت لم يسعفه وتوفي بعد أسبوع من وصوله في 2 كانون الأول 1992. ودُفن في مدينته حمص.
أمّا حافظ الأسد، فقد استمر في الحكم إلى وافته المنية في يونيو/ حزيران 2000. وتولى بعده ابنه بشار إلى الآن.
اقرأ أيضا: زيارة بايدن للسعودية.. من خضع للآخر؟
السودان.. تاريخ من الانقلابات
لم يشهد السودان، منذ مجلس السيادة السوداني الأول، الذي حكم البلاد ما بين عامي 1955 حتى 1958. وحتى تولي المجلس الرئاسي الحالي برئاسة الفريق عبد الفتاح البرهان. أية عملية سلمية أو ظروف ديمقراطية لانتقال السلطة. باستثناء مرة واحدة على يد الزعيم السوداني الراحل المشير عبد الرحمن سوار الذهب، والذي سلم السلطة طواعية للمدنيين. في سابقة نادرة في العالم العربي، ليبقى تاريخ السودان طوال قرن كامل، لا يحمل سوى ذكرى سلمية واحدة لتداول السلطة.
اليمن.. لا تغيير سلمي للسلطة
بدوره، لم يشهد “اليمن السعيد” طيلة القرن الماضي عملية تسليم سلمية واحدة لمقاليد الحكم. فما بين الإمام محمد البدر بن حميد الدين، آخر حكام المملكة المتوكلية اليمنية، والرئيس الراحل علي عبد الله صالح. لم تشهد البلاد تغييرات في السلطة سوى تحت ظروف قهرية. كان آخرها هو تنحي الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، والذي سلم السلطة إلى مجلس رئاسي سيادي لاستكمال المفاوضات مع جماعة الحوثي.
الجزائر.. العديد من الحوادث العنيفة
منذ أول رئيس بعد الاستقلال عن فرنسا، وهو أحمد بن بيلا، الذي انقلب عليه قائد جيشه هواري بومدين في عام 1965. شهدت الجزائر العديد من الحوادث العنيفة لتغيير السلطة، باستثناء بومدين نفسه، والذي استمر على رأس السلطة حتى وفاته في 27 ديسمبر/كانون الأول 1978.
فقد اغتيل محمد بوضياف، الذي لقب بـ”السي الطيب الوطني”، وهو اللقب الذي أطلق عليه خلال الثورة الجزائرية. بمدينة عنابة في 29 يونيو/ حزيران 1992. وقد كان أحد كبار رموز الثورة الجزائرية وقادتها والرئيس الرابع للدولة الجزائرية. وضغط الجيش على الشاذلي بن جديد لإقالته ومنع الانتخابات الديمقراطية من جلب حركة الجبهة الإسلامية للإنقاذ إلى السلطة. مما أدى إلى دخول البلاد في حرب أهلية دموية وطويلة.
أمّا أطول رؤساء الجزائر بقاء، عبد العزيز بوتفليقة. فقد ترشح لفترة خامسة وسط جدل كبير في الشارع الجزائري حيث قابل الشعب ترشحه بالرفض لسوء حالته الصحية بعد خروجهم في مظاهرات 22 فبراير/شباط 2019. ليعلن اسقالته يوم 2 إبريل/ نيسان. حيث عُيّن رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح رئيس دولة بالنيابة.