يحتل الفول مكانه رئيسية في الثقافة الغذائية للشعب المصري، انعكست في الكثير من الأمثال الشعبية، مثل: “ما يتبلش في بقه فولة” و”فولة واتقسمت نصّين” و”اللى يشوف الفول و لا ياكلش يحب و لا يطولش” و”اللي ياكل الفول يمشي عرض وطول واللي ياكل الكباب يبقى ورا الباب” و”إن خلص الفول أنا مش مسؤول”، ويعد الفول من أشهر الأكلات المصرية، فضلًا عن كونه المكون الرئيسي لوجبة الإفطار التقليدية المصرية، يتساوي في ذلك بيوت الغلابة مع قصور الأغنياء، كل ما سبق قد يجعل القارئ للحظة يشك في أن مصر لها ترتيب في إنتاج الفول أو حتى اكتفاء ذاتي، لكن الحقيقة الصادمة أن الفول لم يعد مصريًا منذ عدة سنوات مضت، فأغلب الاحتياج المحلي منه يتم استيراده من الخارج.
بجولة بسيطة في الشوارع المصرية صباحًا تستطيع أن تلمس مدى أهمية الفول في حياة المواطن، فلا يمكنك اجتياز شارع بالكامل دون مصادفة عربة فول يقف عليها عدد من المواطنين الراغبين في تناول وجبتهم الأساسية بأقل سعر ممكن، ويمكن بلا أي مبالغة أن نعتبر وجبة الفول هي الأقل سعرًا على الإطلاق من بين سائر الوجبات.
كيف أصبحت مصر مستوردة للفول
حتي أوائل الألفية الجديدة كانت مصر تقترب من الاكتفاء الذاتي في محصول الفول، وكشف تقرير صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء أن مصر انتجت 413 ألف طن من الفول عام 2005 من خلال زراعة 221 ألف فدان، تراجعت تلك المساحة في 2016 لتصبح 88 ألف فدان بإنتاجية 142 ألف طن فقط.
وتوقع تقرير لمعهد بحوث المحاصيل الحقلية أن تنتج مصر 180 ألف طن خلال هذا العام، حيث بلغت مساحات الأراضي المزروعة بالفول 120 ألف فدان، لترتفع نسبة الاكتفاء الذاتي هذا العام إلى 40% تقريبا، ووفقا لبيانات وزارة الزراعة تحتاج مصر لزراعة 350 ألف فدان بإنتاجية 480 ألف طن لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الفول.
وزير الزراعة السابق، عزالدين أبو ستيت، سبق وأعلن أن إجمالي المساحة المنزرعة من الفول تُقدر بنحو 120 ألف فدان، مؤكدًا أن هذه النسبة لا توفر أكثر من 25% من الاحتياج المحلي من الفول، مؤكدًا أن مصر كانت تحقق الاكتفاء الذاتي من الفول حتى عام 2003 وبدأ التراجع تدريجيًا إلى أن أصبح معظم الإنتاج المحلي يتم استيراده.
وعن الإنتاج العالمي من الفول فإن هناك أربع دول وتستحوذ على أكثر من 50% من الإنتاج العالمي وهي “البرازيل، وميانمار، والهند والصين “.
لماذا يهرب الفلاح من زراعة الفول
مدير معهد المحاصيل الحقلية، دكتور علاء خليل، كشف أن أحد أسباب تراجع زراعة الفول في مصر هي تذبذب أسعاره وعدم ضمان الفلاح تحقيق ربحية منه، حيث يشهد موسم زراعته سنويا استيراد الدولة والقطاع الخاص لكميات كبيرة لتغطية النقص في السوق المحلي، وعند حصاد الإنتاج الجديد يكون سعر الفول في أدني مستوياته، مما يعود بالخسارة على الفلاحين، تجعلهم يعزفون عن زراعته.
نقيب الفلاحين السابق ، عماد أبو حسين ، قال إن مصر تعانى من أزمة في محصول الفول، فنحو 80% من المستخدم محليًا يتم استيراده من الخارج، وأرجع ذلك إلى العديد من الأسباب، يأتي على رأسها ترك الاختيار في الزراعة للفلاح دون أي تدخل من الدولة، فقديما كانت هناك ما تسمى بالدورة الزراعية والتي تسهم فيها الحكومة بالدعم والمتابعة وتحديد للسعر بما يضمن هامش ربح مناسب للفلاح.
وأكد “أبو حسين” أن ما يجعل الفلاح يعزف عن زراعة الفول هو “الهالوك” وهو نبات فطري يغرس دبابيسه في جذر نبات الفول ويمتص غذائه ويمكنه الحياة في نفس الأرض المزروعة بالفول لـ 10 سنوات، مؤكدًا أن الفلاح يواجه “الهالوك” بمفرده دون أي دعم وهو ما يجعله يفضل زراعة البرسيم أو القمح لتقليل الخسائر والمخاطر، مؤكدًا أن توسع الدولة في زراعة القمح علي حساب باقي المحاصيل الشتوية يُعد أيضا من أسباب تراجع زراعة الفول في مصر، خاصة مع ثبات رقعة الأراضي الزراعية، وهو الأمر الذي بدأ في التغير في السنوات الأخيرة مع مشروعات الاستصلاح الجديدة، ومنها مشروع زراعة مليون ونص مليون فدان بالوادي الجديد.
وأضاف نقيب الفلاحين السابق، إن وزارة الزراعة في حاجة للعودة إلى دورها السابق، ولا تترك اختيار وقرار الزراعة في يد الفلاح منفردًا، خاصة أنه أصبح لا يضمن مكاسب من زراعته أو قدرة على تسويق منتجه.
مصطفي عبد المؤمن، أستاذ البقوليات بمعهد المحاصيل الحقلية، كشف أن مشكلة الآفات والإصابات الفيروسية التي تنتقل عن طريق حشرة المن تعرض محصول الفول إلى خسائر كبيرة سنويا وتقلل من إنتاجية الفدان، نتيجة عدم التزام المزارعين باتخاذ الاحتياطات اللازمة للوقاية من الآفات وأمراض الزراعة الحقلية.
خطة تحقيق مصر الاكتفاء الذاتي من “بروتين الغلابة“
تستهدف وزارة الزراعة، تحقيق الاكتفاء الذاتي من الفول كونه سلعة استراتيجية تساهم في سد الفجوة الغذائية للمصريين عبر توفير مصدر رخيص للبروتين عالي الجودة، حيث تحتوى البذور على حوالى 24% بروتين و58% كربوهيدرات ونسبة عالية من الحديد والكالسيوم، وتسعي الوزارة إلى زراعة 350 ألف فدان بإنتاجية 480 ألف طن ستكون كافية لتغطية احتياجات السوق المحلي منه.
وقدم مركز البحوث الزراعية الخطة لوزارة الزراعة وتشمل التوسع الأفقي في زراعة الفول تدريجيا علي مدي خمس سنوات للوصول للمساحة المستهدفة وهي 350 ألف فدان، مع التوسع الرأسي في الإنتاجية باستخدام تقاوي عالية الإنتاجية من الأصناف التي استنبطها الخبراء المصريين في الزراعة، والتي وصلت بالإنتاجية إلى 1.7 طن للفدان، وهو ما يرفع من ربحية زراعة الفول للفلاح.
رئيس معهد بحوث المحاصيل الحقلية، دكتور علاء خليل، طالب بضرورة ضمان الدولة لاستقرار أسعار توريد الفول من المزارعين لتشجيعهم علي زراعته من خلال نظام الزراعة التعاقدية، حيث تحدد وزارة الزراعة سعر التوريد قبل بداية الموسم وتتسلم بنفس السعر أيا كانت الأسعار العالمية وقت الحصاد، مع منع استيراد الفول خلال موسم زراعته في مصر.
بينما كشف الدكتور مصطفي عبد المؤمن، أستاذ البقوليات بمعهد المحاصيل الحقلية، عن جهود العلماء المصريين في استنباط أصناف جديدة من الفول مقاومة للأمراض وتتحمل درجت الحرارة المرتفعة ولا تحتاج للكثير من المياه لزراعتها فضلا عن إنتاجيتها العالية مثل: “سخا” و”مصر” وجيزة 843″ بالإضافة إلى صنف “نوبارية” بأنواعه المختلفة والملائم للزراعة في المناطق الصحراوية المستصلحة حديثا مثل أراضي الوادي الجديد.
تستورد مصر الفول من 3 دول بشكل رئيسي هي: استراليا وليتوانيا وإنجلترا وفقا لرئيس شعبة الحاصلات الزراعية بغرفة القاهرة التجارية، مؤكدا أن “الاعتماد على الاستيراد يجعل المستهلك المصري خاضعا للتقلب في الأسعار العالمية، والذي كثيرا ما تشهد ارتفاعات كبيرة في أسعار الحاصلات الزراعية نتيجة موجات الجفاف التي هددت أوروبا في السنوات الأخيرة”.