بينما ينتظر الخليج زيارة الرئيس الأمريكي “جو بايدن، المقررة في يوليو/ تموز المقبل. أعلن الاتحاد الأوروبي موافقته على إتمام وثيقة “الشراكة الاستراتيجية” مع دول الخليج، وهو ما يدشن مرحلة جديدة من التعاون الأوروبي- الخليجي.
وتشتمل وثيقة الشراكة على 21 بندا، في مجالات مختلفة من السياسة والأمن، إلى المناخ، مرورا بالاقتصاد والطاقة. بالإضافة إلى التجارة والتنويع الاقتصادي والاستقرار الإقليمي. لتصبح بمثابة إعادة تفعيل الدور الأوروبي في الخليج، الذي بدأ منذ اتفاقية التعاون عام 1989.
وفي تقرير نشره معهد الشرق الأوسط ” MEI” بعنوان “هل يمكن لاستراتيجية الاتحاد الأوروبي الجديدة أن تقرب بين الأطراف الفاعلة في الاتحاد الأوروبي والخليج؟”، أكد أن أغلب المؤشرات تؤهل بفترة جديدة من التعاون، لاسيما على المستوى الاقتصادي والأمني. حيث تعهد الاتحاد الأوروبي بمضاعفة تمثيله الدبلوماسي في الخليج، من خلال فتح وفد جديد في قطر، وإلحاق وفد أوروبي محتمل في عمان. مع احتمالية تعيين ممثل خاص لأمن الخليج، لإشراك دول مجلس التعاون بشكل أفضل في قضايا الأمن الإقليمي.
ما دلالة التوقيع في هذا التوقيت؟
تعزيز الحضور الأمريكي: تأكد لدى الإدارة الأمريكية فشل السياسة التي اتبعها بايدن منذ وصوله إلى السلطة. والتي أغفلت بدرجة كبيرة أهمية منطقة الشرق الأوسط. وبعد الانسحاب من أفغانستان، وقيام الحرب الروسية- الأوكرانية، تهددت مكانة الولايات المتحدة كقطب أوحد في العالم.
أيضا، بعد مرور ما يزيد عن العام ونصف من دخوله البيت الأبيض، يقرر بايدن القيام بأول زيارة إلى الخليج. ومن أجل ذلك، يحاول تهيئة الظروف الدولية والحفاظ على الشركاء هناك. من خلال منحهم بعض الامتيازات، للتأكيد على الشراكات فيما بينهما. منها وثيقة التعاون الخليجي- الأوروبي.
التضافر الخليجي- الأوروبي: على الرغم من أن سرعة توقيع وثيقة التعاون تأتي بدافع من أمريكا، إلا أنها مؤشر هام على الرغبة من جانب كلا من أوروبا والخليج. على ضرورة التعاون المستقبلي، والاستفادة من الإمكانات المتاحة في مواجهة التهديدات الإقليمية -لاسيما في الظرف الدولي الذي تنأى فيه أمريكا بنفسها عن الدخول في حروب خارج نطاقها- كما تعد الاتفاقية نقطة انطلاق مهمة لإحياء العلاقات بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي. مع اعتراف أوروبا بالأهمية الاستراتيجية الخليجية المتزايدة، وإعادة تركيز الانتباه على الاهتمامات المشتركة.
استقطاب الخليج بعيدا عن الصين وروسيا: لا يمكن إنكار حقيقة أن الصين من أهم شركاء الخليج، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بينهما 180 مليار دولار في2020. كما حقق اليوان مكانة متقدمة في البنوك الخليجية، وفي ظل الأحداث الجارية المرتبطة بالحرب الروسية- الأوكرانية، تزايدت مخاوف أوروبا من انجراف الخليج نحو روسيا. ولاسيما أن الخليج تقع حاليا في طرف الكتلة المحايدة.
التعاون وتعزيز العلاقات
تتضمن الوثيقة 21 بندًا، تمتد إلى كافة أوجه التعاون وأولويات تعزيز العلاقات بين الجانبين. وتتصدر الأولويات الأمنية في الوقت الراهن أجندة السياسية الخارجية لمختلف الدول، في ظل تصاعد التهديدات الأمنية الإقليمية والعالمية. لاسيما بعد نشوب الحرب الروسية- الأوكرانية، وعلى الصعيد العلاقات الأمنية بين الخليج وأوروبا، يمثل الخليج منطقة ديناميكية. حيث يتمتع بمجاورة جغرافيا، وهو بوابة مهمة بين أوروبا وآسيا وأفريقيا.
هنا، تمثل إيران تحدي أمني مشترك لكلا الطرفين. في ظل ما تتعرض له منطقة الخليج من تهديدات إيرانية، بعد اعتداءات الحوثيين على مواقع نفطية في السعودية ومطار أبوظبي.
هكذا شدد الاتحاد الأوروبي على أن تزويد إيران للميليشيات المسلحة بالصواريخ “يُعّد مصدر قلق”. مؤكداً أن إيران ضالعة مباشرة -أو عبر وكلائها- في تهديد استقرار المنطقة. وكذلك تعثر مفاوضات الاتفاق النووي الإيراني، الذي يضع أوروبا في مأزق.
تذهب الاتجاهات نحو اقتراب تأطير آلية أمنية أوروبية- خليجية. وتتضمن وثيقة الشراكة آلية تعاون جديدة بشأن الأمن البحري، فضلاً عن تعزيز التعاون في مكافحة الإرهاب. ومكافحة التطرف العنيف، وتعزيز الأمن السيبراني.
كما يضيف تعزيز العلاقات المتصاعد بين الخليج وإسرائيل، ملامح جديدة لمنطقة الشرق الأوسط. حيث تسعى إسرائيل لاستصدار قرار أمريكي بإنشاء رابطة عربية- إسرائيلية أمام الخطر الإيراني. كما أشاد الاتحاد الأوروبي بالخطوات الأخيرة، بما في ذلك استعادة وحدة مجلس التعاون الخليجي، واتفاقيات السلام مع إسرائيل، وهو ما يأتي بدفع أمريكي واضح في خطوات محسوبة نحو إرساء نظام إقليمي يخدم مصالح إسرائيل وأوروبا.
يلفت الباحث رائد سلامة إلى أنه ربما يتم استثمار هذه التحركات أيضا بشكل أكبر، وهناك من الدلائل ما يشير إلى شراكات أوسع “فكما نرى، ولي العهد السعودي زار القاهرة قبل أيام، واليوم كان أمير قطر يلتقي الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في قصر الاتحادية”.
يُضيف لـ “مصر 360”: أتصور أن تلك الزيارات في إطار الإعداد لشيء ما. ربما تهيئة حلف في مواجهة إيران، يتوافق هذا مع حديث تلفزيوني للعاهل الأردني عبدالله بن الحسين، حول موافقته على إنشاء “ناتو” شرق أوسطي، مع بعض التحفظات.
الاقتصاد على قمة الأولويات
تقع العلاقات الاقتصادية على قمة أولويات الخليج وأوروبا، حيث يمثلان معًا 20 % من الناتج المحلي العالمي. ويشكلان أكثر من نصف الاستثمارات الأجنبية المباشرة في العالم. وفي عام 2020، احتل الاتحاد الأوروبي المركز الأول في قائمة الموردين للخليج، ورابع أكبر شريك تصدير.
تمثل وثيقة الشراكة محاولة من جانب الاتحاد الأوروبي لصقل صورته الإقليمية، وإعادة إطلاق نفسه كشريك استراتيجي لدول الخليج. كما تعد دفعة مبكرة لاتفاقية التجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي.
وصل الناتج المحلي الإجمالي لدول الخليج أكثر من تريليون دولار، وبذلك يحتل رقم 13 بين الاقتصادات العالمية، إضافة إلى ثقله الأكبر في سوق الطاقة، وقدرته على تحقيق الاستقرار في أسواق النفط، وضمان توازن السوق العالمية، وهو ما دفع الولايات المتحدة وأوروبا نحو عقد مزيد من الاتفاقيات مع الخليج في ظل أزمة الطاقة بفعل الحرب الروسية، والدفع بضرورة زيادة الإنتاج.
تأثير الشراكة على الوضع الإقليمي
في ضوء أهداف دول الخليج في تنويع اقتصاداتها بعيدًا عن الاعتماد على عائدات النفط والغاز. تبدو مجالات الرقمنة والذكاء الاصطناعي أكثر جاذبية، لذلك تحتاج دول الخليج الخبرة الأوروبية لرفع المهارات الرقمية للمواطنين. ونشر الشبكات والبنى التحتية الرقمية.
وكما أكدت الوثيقة على أهمية الاقتصاد الأخضر، وباعتبار أن الخليج أكبر منتجي الكربون في العالم. تشكل المنطقة هدف مثال أمام أوروبا لتحقيق طموحاتها فيما يتعلق بمستقبل خالٍ من الكربون. وتوجيه قدرات الخليج نحو الطاقة المتجددة، بما في ذلك الهيدروجين.
أيضا، في ظل التحديات الاقتصادية والأمنية التي تمر بها جميع دول العالم، من المتوقع أن تسهم الاتفاقية في تحقيق مستوى معين من الاستقرار، وردع فعال لمختلف التهديدات لاسيما التهديدات المستمرة من إيران.
يؤكد الباحث رائد سلامة أن كل هذه التطورات ليس من بينها ما يشير إلى تراجع الدور المصري في المنطقة. بل أتصور أنها حسابات أخرى بعيدة عن مصر، لأن كل لاعب في المنطقة له دور يختلف عن الآخر. فالدور المصري يختلف عن السعودي أو الإماراتي، أو حتى الإسرائيلي. كل منهم له ملف منفصل.
وأضاف: وهذا يبدو في القمة المزمع عقدها عند زيارة الرئيس الأمريكي. والتي تتضمن دعوة الرئيس المصري.
محاولة للالتفاف على روسيا
من ناحية أخرى، قد تشكل هذه الرابطة جرس إنذار لإيران بضرورة مواصلة عملياتها في الشرق الأوسط، كما قد تسارع الدول المنافسة -روسيا والصين- في عقد اتفاقيات تعاون مع دول الخليج في مجالات حيوية لمزاحمة المصالح الأوروبية. يتفق الباحث السياسي والاقتصادي الدكتور زهدي الشامي مع الاحتمالية الأخيرة. مشيرًا إلى أن التحركات الأوروبية والأمريكية “محاولات للإفلات والالتفاف حول الأزمة التي صنعتها الحرب الروسية- الأوكرانية”.
يقول لـ “مصر 360”: فكما تتجه أوروبا والولايات المتحدة لعقد شراكات وتفاهمات مع دول خليجية، تحركوا كذلك من أجل غاز شرق المتوسط. قبل أيام، وقعت كل من مصر وإسرائيل وثائق من أجل نقل الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا عبر مصر. حتى الآن تقول مصر إنها مجرد مذكرة تفاهم، بينما أعلن الطرف الآخر أنها اتفاقية. هذا لا يهم، لأن نوايا التعاون موجودة بالفعل.
وتابع: في الوقت نفسه تدرك أوروبا وأمريكا جيدًا أنها أثارت مشكلة مع ثاني أكبر منتج للمواد البترولية والغاز في العالم وهو روسيا. لذلك لا يمكن المجازفة بالمنتج الأكبر وهو دول الخليج. في الماضي ذاق الغرب معنى أن تتوقف الدول العربية عن إنتاج البترول والغاز.
يشير الشامي أيضا إلى أنه في الماضي كانت هناك مصلحة لدول الخليج في استرضاء الولايات المتحدة، لذلك قامت بتعويض أي نقص سببه الاتحاد السوفيتي خلال حرب أفغانستان “أما الآن، فليس هناك أية نوايا خليجية لإرضاء الولايات المتحدة دون ثمن مناسب”.