في أواخر 2011، كتب الناشط علاء عبد الفتاح من داخل محبسه، رسالة عن ابنه خالد، وكان حينها حديث الولادة: “يحرمني السجن من خالد إلا نصف ساعة.. لكنني أصبر”.
واليوم وقد تجاوز “خالد” سنواته العشر، ربطت جريدة “الجارديان” -في تقرير نُشر أمس الأربعاء- بين بقاء علاء عبد الفتاح في السجن، واختيار مصر لاستضافة قمة المناخ “Cop27” القادمة في نوفمبر/تشرين الثاني. وقد شككت في انفراجة ملف حقوق الإنسان في البلاد. وذكرت أن قمة المناخ “محاولة لتحسين الصورة فقط”.
كما أعاد مشاهير في هوليوود -قبل أيام- مقتطفات عن مقاومة السجن والاشتياق، تضمنتها رسالة الأب، الذي يقود منذ 90 يومًا احتجاجًا ببطن خاوية من داخل محبسه. ويقضي عقوبة السنوات الخمس في قضية “نشر أخبار كاذبة”. بينما ترتفع الأصوات في الداخل والخارج، مطالبة بالإفراج عنه، متساءلة عن جدوى حبسه، الذي لا يتناسب مع ما تدعو وتعد به الدولة من انفراجة في ملف حقوق الإنسان في مصر، بما يشمل الدعوة لحوار وطني لا يستثنى منه أحد.
من 2006 إلى 2022.. ما هي جريمة علاء عبد الفتاح؟
علاء عبد الفتاح مبرمج ومدون وناشط سياسي يبلغ من العمر 41 عامًا. وهو ينتمي لأسرة يسارية عريقة؛ فوالده المحامي والحقوقي المصري الراحل أحمد سيف الإسلام، المدير التنفيذي السابق لمركز هشام مبارك للقانون، ووالدته الدكتورة ليلى سويف أستاذة الرياضيات بكلية علوم جامعة القاهرة. وكلاهما نشطا سياسيا وحقوقيا منذ السبعينيات في مصر.
في العام 2004 أطلق علاء عبد الفتاح بالاشتراك مع زوجته السابقة المدونة منال حسن مدونة “دلو معلومات منال وعلاء”. وفازا عنها بجائزة “منظمة مراسلون بلا حدود”.
ألقي القبض عليه لأول مرة في العام في 2006، مع آخرين من حركة “كفاية”. وكان ذلك على خلفية تظاهرهم تضامننا مع انتفاضة القضاة ضد مبارك ونظامه. حيث نفذ اعتصامًا لأجل استقلال القضاء والإشراف القضائي الكامل على الانتخابات. وصدر حينها قرار بحبسه شهرًا ونصف الشهر.
وفي 2008، انتقل مع زوجته السابقة للعيش في جنوب أفريقيا. ثم عاد مع اندلاع ثورة يناير 2011 وكان ضمن رموزها من الشباب. بينما في 30 أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه، ألقي القبض عليه مرة أخرى، وقررت النيابة العسكرية في مدينة نصر حبسه لمدة 15 يومًا. وكان ذلك على خلفية اتهامه بالتحريض والاشتراك في التعدي على أفراد القوات المسلحة وإتلاف معدات تخص القوات المسلحة. بالإضافة إلى التظاهر والتجمهر وتكدير الأمن والسلم العام في “أحداث ماسبيرو”.
رفض علاء الاعتراف بشرعية المحاكمة العسكرية له كمدني. فحُوِّل لاحقا إلى نيابة أمن الدولة العليا. وقد ولد ابنه “خالد” أثناء استمرار حبسه على ذمة التحقيق. وفي 25 ديسمبر/كانون الأول 2011 قرر قاضي التحقيقات الإفراج عنه.
أزمات علاء عبد الفتاح ما بعد 2011
رغم تأييده الرئيس الراحل محمد مرسي في انتخابات الرئاسة أمام الفريق أحمد شفيق، عارض عبد الفتاح نظام مرسي وثار ضده. وفي 25 مارس/آذار 2013 أمرت النيابة العامة بضبطه وإحضاره ومنعه من السفر بتهمة “التحريض على أحداث عنف”. قبل أن يخلى سبيله بعدها بيوم.
وفي 28 نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه تعرض للحبس بتهمة التحريض على التظاهر ضد الدستور الجديد أمام مجلس الشورى. كما ألقي القبض عليه مجددًا وشقيقته سناء، أثناء مشاركتهما في مظاهرة ضد النظام في 2014.
وفي 23 فبراير/شباط 2015 صدر بحقه حكما بالسجن لمدة 5 سنوات بتهمة التظاهر دون تصريح. فيما حكم على شقيقته سناء بالحبس عام ونصف العام بتهمة نشر معلومات كاذبة وإساءة استخدام مواقع التواصل وإهانة ضابط شرطة أثناء أداء مهامه. وفي مارس/آذار 2019 تم الإفراج عن علاء شريطة أن يوضع تحت المراقبة. أي يقضي 12 ساعة حرا و12 أخرى يبيت في قسم الشرطة كل يوم لمدة 5 سنوات أخرى.
في 29 سبتمبر/أيلول 2019، ألقي القبض على علاء مرة أخرى وسط حملة واسعة. واتهم بنشر أخبار كاذبة والانضمام لجماعة إرهابية. ونقل إلى “سجن طرة 2 شديد الحراسة”.
كيف قاد علاء عبد الفتاح الاحتجاج من محبسه؟
في إبريل/نيسان 2020، دخل علاء عبد الفتاح إضرابًا عن الطعام احتجاجًا على طول مدة حبسه احتياطيًا وحرمانه من الزيارات. وفي 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، أدرجته محكمة جنايات القاهرة مع ناشطين آخرين في قوائم الكيانات الإرهابية لمدة 5 سنوات. بينما هدد بالانتحار في 13 سبتمبر/أيلول 2021، احتجاجًا على أوضاعه في سجن العقرب.
وفي ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه، قضت محكمة مصرية بسجن علاء لمدة 5 سنوات مع غرامة 200 ألف جنيه. وكذلك معاقبة محاميه محمد الباقر، والمدون محمد (أكسجين) بالسجن لمدة 4 سنوات بتهمة “الانضمام لجماعة إرهابية”.
حصل علاء عبد الفتاح في إبريل/نيسان 2022، على الجنسية البريطانية عن والدته، وفق بيان للأسرة وقتها. وكان ذلك بمثابة محاولة للإفراج عنه، تزامنت مع إعلانه إضرابًا مفتوحًا عن الطعام في الثاني من إبريل/نيسان الجاري. وذلك للمطالبة بتمكينه من تلقي مساعدة من السلطات البريطانية.
النقل لوادي النطرون ووفود المطالبين بحريته
بينما في 14 مايو/أيار الجاري، تقدمت 500 من الأمهات والسيدات بطلب إلى المجلس القومي لحقوق الإنسان لبذل كل الجهود الممكنة للإفراج عنه. وهو ما تمت الاستجابة إليه لاحقًا بنقله وبشكل مفاجئ، من محبسه في سجن (العقرب) طرة شديد الحراسة إلى “مركز الإصلاح والتأهيل” في وادي النطرون.
وبالأمس ومع دخول إضرابه يومه الـ 90، توجه وفد من النساء والأمهات إلى مقر المجلس القومي لحقوق الإنسان. وذلك لتقديم بيان موقع من مئات السيدات والأمهات، للمطالبة بالإفراج عنه.
وقالت المحامية الحقوقية ماهينور المصري، في تصريحات صحفية: “بعد ما ملينا طلب شكوى رسمي وطلب عفو عن الحكم تم إبلاغنا بإنهم حيستلموا نسخة واحدة تسلم باليد لمشيرة خطاب “رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان” عن طريق مديرة مكتبها. ولكن النسخة الثانية والطلب الرسمي لازم نسلمهم في فرع شكاوى المجلس في الدقي، رغم أننا عرفنا إنه تم قبول طلبات عفو في مقر التجمع. ومع ذلك قررنا تقديم النسخة التانية لفرع الشكاوي في الدقي”.
وقبل أيام قليلة، شارك نجوم من هوليوود في حملة “الحرية لعلاء”. حيث قرأوا مقتطفات من رسالة عبد الفتاح عن ابنه “خالد”، وطالبوا بإطلاق سراحه.
وقد أشارت أسرته إلى تردي وضعه الصحي مع استمرار إضرابه. وذكرت والدته ليلي سويف: “أصبح غير قادر على القيام بالأمور المعتاد القيام بها، مثل غسل ملابسه، أو الوقوف على نافذة الزنزانة لرؤية العالم الخارجي”.
اقرأ أيضًا.. 15 توصية من “دام” حتى لا يتحول الحبس الاحتياطي إلى عقوبة
لماذا الإفراج عنه ضرورة للجميع؟
في إبريل/نيسان الماضي، قال الرئيس عبد الفتاح السيسي -خلال تفقده حصاد القمح في منطقة توشكى- إن “مصر في حاجة إلى حوار سياسي يتناسب مع بناء الجمهورية الجديدة”. وخلال حفل إفطار الأسرة المصرية، كلف الرئيس بإجراء حوار سياسي مع كل القوى، دون استثناء ولا تمييز. على أن ترفع مخرجات هذا الحوار له شخصيًا. كما استقبل المرشح السابق للانتخابات الرئاسية حمدين صباحي. وكذلك رئيس حزب الدستور السابق خالد داوود. فيما أصدر يومها قرارًا بالعفو المنفرد عن مدير حملة صباحي الانتخابية حسام مؤنس.
هذه التطورات الأخيرة التي شهدتها الدولة المصرية وملف حقوق الإنسان بها، وإن كانت لا يمكن اجتزائها عن طبيعة الوضع الاقتصادي الراهن الصعب في تداعياته مع تأزم الوضع عالميًا جراء الحرب الروسية الأوكرانية. إلا أنه لا ينفي أن الدولة منذ عامين تشهد مساعي مهمة على صعيد الانفراجة في ملف الحريات.
ففي أواخر العام 2020، بدأت مصر خطوة مهمة في ملف النشطاء المحبوسين احتياطيًا. وذلك بعدد كبير من قرارات إخلاء السبيل المتتالية، والتي تواصلت حتى العام الجاري. بينما في 11 سبتمبر/أيلول 2021، أطلق الرئيس الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان رسميًا. الأمر الذي أعقبه في أكتوبر/تشرين الأول بإلغاء حالة الطوارئ في البلاد؛ “لأنها باتت واحة للأمن والاستقرار“.
من هنا، ترى جماعة الحقوقيين أن استمرار حبس النشطاء مثل علاء عبد الفتاح بمثابة انحراف عن الخطوات التي سعت بها الدولة لحل أزمات ملف الحقوق والحريات في مصر. ولعل هذا ظهر جليًا في مطالبات الإفراج عن المحبوسين التي أطلقتها الرموز والشخصيات السياسية التي استجابت لدعوة الحوار الوطني. هذا نفسه كان محور حديث السياسيين حمدين صباحي وخالد داوود مع الرئيس في حفل إفطار الأسرة المصرية. إذ أن إنهاء ملف السجناء السياسيين والمحبوسين احتياطيًا بات ضرورة ملحة ليس فقط لهؤلاء وأسرهم وإنما للدولة نفسها التي مهدت الطريق للحوار حول مستقبلها وقضاياها، والمقرر أن تستضيف القمة المهمة للمناخ بعد خمسة شهور .