لم تفرغ نقابة المحامين من المشكلات الداخلية، منذ وفاة النقيب الراحل رجائي عطية في ديوان محكمة الجيزة، حال تواجده لترأس الدفاع عن مجموعة من المحامين بشمال الجيزة، تم تقديمهم للمحاكمة الجنائية إثر مشادة حدثت بينهم وبين رئيس إحدى دوائر محكمة شمال الجيزة، وكأن وفاة النقيب الراحل كانت بمثابة أذان بداية فترة من المشكلات الداخلية، التي تؤثر على حال وقوة وضمان نزاهة أقوى كيان نقابي في مصر.
اقرأ أيضًا.. الحق في التنظيم وحرية الأحزاب السياسية
فمنذ أيام قليلة اندلعت مشاجرة داخل غرفة المحامين بالمحكمة الكلية في الإسكندرية، بين عدد من المحامين، ومن جهته، حسب موقع جريدة الوطن قال عبدالحليم علام، نقيب المحامين بالإسكندرية، إن ما شهدته غرفة المحامين بالمحكمة الكلية في الإسكندرية، من اشتباكات بين عدد من المحامين قادمين من خارج المدينة، ومعهم عدد آخر، لمناصرة أحد المحامين جرى استدعاءه للتحقيق في شكاوى مقدمة ضده، احتجاجًا على التحقيق معه، خروج عن القيم النقابية، ومحاولة لعرقلة العمل النقابي، وتصفية حسابات انتخابية لأحد المرشحين المحتملين في النقابة العامة، وقد وتمكن حرس المحكمة من السيطرة على الموقف والقبض على اثنين من طرفي المشاجرة، وجرى تحرير محضر بالواقعة، حيث أكدت نقابة المحامين، أنه جرى إحالة جميع الداعين للحشد للتحقيق، بالإضافة إلى أن إحضار محامين من خارج الإسكندرية للاعتداء على محامين من أبناء المحافظة، أمر غير مألوف وسابقة لم تحدث في التاريخ، وهو الأمر الذي أثار حفيظة المحامين بالمدينة، وأدى إلى تقدم العديد من المحامين بشكاوى للنقابة.
ولم تكن هذه هي المشكلة الكبرى الأولى، إذ قد سبقها واقعة أخرى أشد وطأة منها، حيث قد قام عدد من أعضاء مجلس النقابة العامة، عقب وفاة النقيب، بالدخول إلى إحدى غرف النقابة، والمخصصة لحفظ أصول أوراق ذات أهمية وقيمة مالية، والتحصل على إيصالات التصديق على العقود، وأعقب ذلك أن أعلن مجلس النقابة العامة أنه في حالة انعقاد دائم، لمتابعة مجلس النقابة العامة باهتمام شديد سير التحقيقات في المحضر رقم 2829 لسنة 2022 إداري قسم قصر النيل، باعتبار أن ذلك جريمة واستيلاء على مستندات مالية رسمية، وقعت وتمت بالفعل وهي مستندات تخص صندوق الرعاية الاجتماعية والصحية الخاصة بالنقابة العامة للمحامين، وغيرها من القرارات.
فهل هذه الأحداث تليق بنقابة من المفترض أنها ترعى من يقومون بصون حقوق وحريات الأفراد والدفاع عن مصالحهم؟ أم أن هناك يد خفية تتلاعب بأحوال النقابة العامة، والتي ينطوي تحت لوائها ما يزيد عن نصف مليون محام، أصبغ عليهم الدستور المصري في نسخته الأخيرة بقوله في المادة 198: “المحاماة مهنة حرة تشارك السلطة القضائية في تحقيق العدالة وسيادة القانون وكفالة حق الدفاع”.
لا أعتقد أن الأمر مجرد خلافات لمصالح شخصية أو مالية فقط، ويدعم ذلك أن تلك الخلافات التي تشهدها نقابة، كانت تسمى في الماضي بحصن العدالة، لم تكن وليدة وفاة النقيب الراحل فقط، بل بدأت تحديدًا منذ لحظة إعلان فوزه بمقعد النقيب، وسقوط النقيب السابق سامح عاشور، وهو أيضًا عضو في مجلس الشيوخ المصري حالياً، ويؤكد ذلك أن النقيب الراحل أعلن أكثر من مرة أن هناك مخالفات مالية تخص النقيب السابق ومجلسه، وأنها قيد التحقيقات، كما أن هناك العديد من المستندات التي تدعم موقفه، منها تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات.
ولكن وبعيدًا عن أسباب أو دواعي كل هذه المشكلات العصية، وبحسبها مظاهر تعبر عن حال وحالة نقابة المحامين المصرية، فهل هذه الأحداث تليق بمكانة نقابة المحامين، وما يجب أن تتمتع به من استقلالية واجبة وضامنة لقيامها بمهام وظيفتها الرئيسية، تلك التي ليست متمثلة فقط في رعاية شؤون أعضائها، ولكن بما يعهد إليها من قضايا ذات طبيعة وطنية وقومية، بحسب كونها نقابة تمثل عصب الحقوق والحريات، وبحسبها تعد أهم فرع من فروع اتحاد المحامين العرب، وبحسب تشكيل لجانها الداخلية، والتي أذكر منها لجنة الحريات، فهل يصبح حال نقابة يمتد تاريخها بعيدًا، ولها من المواقف الوطنية الداخلية والإقليمية ما كان من تصرفات مشرفة، أم هل هذا هو حال مهنة المحاماة التي قالت عنها المحكمة الدستورية العليا في الحكم رقم 38 لسنة 17 دستورية: “إن المحاماة – في أصلها وجوهر قواعدها – مهنة حرة يمارسها المحامون على استقلال، لا سلطان عليهم في ذلك إلا لضمائرهم وحكم القانون. وهم بذلك شركاء للسلطة القضائية يُعينونها على توكيد سيادة القانون، والدفاع عن حقوق المواطنين وحرياتهم، ويعملون معها من أجل تحقيق العدالة كغاية نهائية لكل تنظيم قانوني يقوم على إرساء الحق وإنفاذه. وهي باعتبارها كذلك تتمحض جهدًا عقليًا يتوخى ربطًا عمليًا بين القانون في صورته النظرية المجردة، وبين تطبيقاته العملية، ليقدم المحامون خدماتهم لموكليهم – في إطار من الإبداع والتأسيس – بما يكفل فعاليتها”.
اقرأ أيضًا.. الحق في التنظيم وحريات التجمع والاجتماع
الخطب جلل، والأمر برمته وبما يدور بأروقة النقابة لا يرقى إلى أن توصف بها نقابة المحامين في مصر، فهل من يد حكيمة تمتد إلى هذا الأمر وتحتوي تلك المشكلات، قبل أن تعصف بحال النقابة إلى أسوأ من ذلك الأمر، وخصوصًا ونحن على أبواب انتخابات تكميلية على منصب النقيب العام، ليستكمل فترة النقيب الراحل، أم أن تلك المشكلات والخلافات، لها علاقة بمقدم الانتخابات.