“حطم رأس ابنته بحجر وجلس بالقرب من جثتها يحتسي الشاي”.. هذا ليس عنوان قصة رعب أو فيلم بالسينما، ولكنه عنوان لحادثة في الأردن، نفذها أب في حق ابنته التي تُدعى “أحلام”، التي فارقت الحياة على مرأى سكان المنطقة، تحت مسمى “شرف العيلة”، وبعد الواقعة، بدأت المطالبات بإعدامه وسن قوانين لحماية المرأة في البلاد من العنف الأسري.
“كل مرة بطلع فيها قضية جديدة بصير دوشة لفترة وبتهدا الوضع بس، ولا مرة سمعنا إيش صار باللي عملو هاي الجرائم، وكيف تعاقبوا هاد إذا تعاقبوا طبع.. احنا بنحكي عن حد قتل إنسان، قتل بنته قعد يشرب جنب جثتها شاي”.. هكذا علقت إحدى المهتمات بالشأن النسوي في الأردن، لتفتح القضية ملف العنف الأسري في المملكة الهاشمية، والقضايا التي تتم بدافع الشرف.
العنف الأسري
كشفت دراسة حديثة، أن أكثر أنواع العنف الأسري ممارسة في الأردن هو العنف الجسدي بنسبة 86%، وأوضحت الدراسة التي أعدها المجلس الوطني لشؤون الأسرة بالمملكة، أن الذكور هم أكثر مرتكبي العنف في الأسر الأردنية.
الدراسة ذكرت أن غالبية العنف الأسري يمارس من جانب فرد واحد من أفراد الأسرة، كما أن غالبية المُساء إليهم يُمارس عليهم أكثر من شكل من أشكال العنف، وكانت أعلى نسبة ممارسة للضرب باليد أو الرجل 76.6%، والسب والشتم والتحقير بنسبة 51.4%، أما الصراخ فبنسبة 20.3%، ووصلت نسبة منع المصروف عن أفراد الأسرة إلى 18.5%، وإهمال الزوج لمتطلبات الزوجة بنسبة 18.1%.
في 2019، شهد الأردن جريمة بشعة، لسيدة اقتلع زوجها عينيها بيديه أمام أبنائهما، وقالت حينها لوسائل الإعلام، إنها كانت تتعرض دائمًا للسب والضرب والإهانة، وكانت تذهب لبيت أهلها، ورفعت على زوجها دعوى نفقة، وتخلت عن القضية بسبب عدم قدرتها على تحمل المصاريف، ووضع الزوج حينها في الحبس الاحتياطي، لتتعالى الأصوات، حينها من المدافعين عن حقوق الإنسان، لوضع تشريع لوقف قضايا العنف ضد المرأة.
قانون لم يطبق
في مايو 2017 أقرت البلاد قانون الحماية من العنف الأسري، كما تم إلغاء المادة 308 من قانون العقوبات والتي كانت تعفي المغتصب من العقوبة إن تزوج ضحيته، كما حدث في العديد من الدول، ولكنه وفقًا للعديد من النشطاء والعاملين بمجال حقوق الإنسان في الأردن، فإن القانون لم يُطبق، وبلغ عدد حالات العنف الأسري عام 2019 والتي تعاملت معها إدارة حماية الأسرة أكثر من 10 آلاف حالة خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الماضي، نقلا عن وكالة الأنباء الأردنية “بترا”، وتضمنت تلك الحالات 1806 حالة عنف أسري ضد المرأة.
وفي العام الحالي، تزايدت حوادث العنف الأسري في الأردن، مع بداية أزمة كورونا، وفرض حظر التجوال، وفقًا لأرقام إدارة حماية الأسرة، التي شهدت ارتفاعا في حالات العنف الأسري بنسبة 33 % خلال أول شهر من فرض حظر التجوال بسبب الجائحة، ليبلغ العدد 1534 حالة.
وأوضحت الإدارة أن تلك الأرقام ليست حقيقية، لأن هناك حالات عدة لم تُسجل، كما زادت الرسائل والاتصالات المرتبطة بالعنف ضد المرأة، على صفحة “فيس بوك” للجنة الوطنية لشؤون المرأة.
جرائم الشرف
تحت عنوان “جرائم الشرف” تُرتكب العديد من الجرائم في الأردن، وتروح ضحيتها فتيات عدة، تقول المديرة التنفيذية لمؤسسة عدل للمساعدات القانونية هديل عبد العزيز، إن العديد من الجرائم تتم تحت هذا المسمى لأسباب عدة، منها ما يتعلق بالميراث أو الخلافات الاجتماعية، فيقوم القاتل باستخدام هذا المصطلح للتنصل من العقوبة، وعادة ما يكون الأهل متآمرون على الضحية مع الجاني، مشيرة إلى أنه يتفاوت الحكم على الجاني في قضايا الشرف بحسب ظروف الشرف إلا أن الحكم الأدنى هو السجن لمدة عام واحد.
وأضافت أن العديد من الفتيات اللاتي يُقتلن تحت مسمى الشرف يتبين فيما بعد أنهن عذارى، وهنا يُصبح القتل لأمر آخر غير السبب المعلن للتنصل من الجريمة، كما أظهرت دراسة أعدها المجلس الوطني لشؤون الأسرة في الأردن، أن محكمة الجنايات الكبرى سجلت 50 حالة قتل لإناث في قضايا ما يسمى بالدفاع عن الشرف، خلال الفترة من 2000 إلى 2010، و42% منهن عازبات، و42% متزوجات، بينما توزعت البقية ما بين أرامل ومطلقات، و56% من الجناة كانوا متزوجين.
ومن أشهر قضايا الشرف في الأردن، قضية آيات البالغة من العمر 20 عاما، والتي أغرقها شقيقها في مياه البحر الميت شديدة الملوحة، بعد ادعاء زوجها أنها كانت على علاقة بشاب آخر قبل زواجها منه.
واعترف المتهم بفعلته وغمسه رأس شقيقته بالماء ومطالبتها بترديد الشهادتين، وساعده القانون الأردني حينها، بسبب المادة رقم 98 من قانون العقوبات، التي تمنح الجاني عذر الغضب، ويسقط الحكم إذا كان الجاني هو الأخ أو الأب أو الأم، فتخفف العقوبة للنصف بموجب المادة 99.
أوصت الدراسة التي أعدها المجلس الوطني لشؤون الأسرة بالأردن، بضرورة مراجعة وتقييم التدخلات والخدمات المقدمة من المؤسسات لحالات العنف الأسري، والتعرف على مدى فاعليتها، نظرًا لارتفاع نسبة تكرار ممارسة العنف في حالات العنف الأسري، و نشر برامج الإرشاد الأسري على المستوى الوطني بصورة تساعد على محاربة ثقافة العنف لدى الأسر الأردنية، وتمكينها من تعزيز أطر التواصل والحوار فيما بينها، وإعادة تطبيق الدراسة بشكل دوري للتعرف على التغيرات التي تحدث على الديناميكية الاجتماعية والاقتصادية للعنف الأسري، والاعتماد عليها في مراجعة السياسات والبرامج الوطنية الموجهة لمعالجة العنف الأسري.
إحصائيات صادمة
خلال ثلاثة أيام في الأردن، حدثت ثلاث جرائم كانت ضحاياها من النساء، فقتلت سيدة ثلاثينية وهي أم لثلاثة أطفال خنقا في منزلها واكتشفت الشرطة وجود آثار كدمات وضرب على جسدها، ثم تناقل الإعلام أن منفذ الجريمة هو طليقها، وفي اليوم التالي، قتل شقيق شقيقته بأربعة رصاصات على رأسها وهي نائمة، بسبب حيازتها لهاتف خلوي ورؤيتها تتحدث به.
وأفاد الجاني بأنه ارتكب جريمته تطهيرًا لشرف العائلة، وفي اليوم اللاحق مباشرة أقدم شاب عشريني على قتل شقيقته العشرينية طعنًا باستخدام سكين في الشارع العام، وجميعها جرائم متتالية حدثت في الأردن ضحاياها النساء في عام 2016.
الجرائم السابقة، دفعت عدد من النسويات في هذا العام إطلاق الحملة السنوية لوقف العنف المبني على النوع الاجتماعي في الأردن تحمل عنوان “أوقفوا جرائم قتل النساء والفتيات”، والتي تزامن مع اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة، والذي بدأ العالم بالاحتفال به منذ عام 1999.
وقتلت 37 امرأة في عام 2016 في الأردن، وفق إحصاءات محكمة الجنايات الكبرى، كان منهن 8 ضحايا فيما يعرف بجرائم الشرف، بينما سجلت المحكمة 168 حالة اغتصاب للنساء، و483 قضية هتك عرض، إلى جانب 27 قضية خطف و19 قضية شروع بالقتل واقعة على المرأة.