فقدت القدرة على الكتابة منذ ما يقرب من ست سنوات، فقد تجمعت الأسباب التي أدت إلى نتيجة واضحة وهو اكتفائي بعمل الترويج الإلكتروني الصحفي لبعض المواقع والصحف التي كنت أعمل بها، وكتابة القليل من المحتوى على منصات التواصل الاجتماعي، لن أخوض في تفاصيل الأسباب، ولكن سأكتفي بما هو جلي من مناخ منغلق وخطوط حمراء للمواقع والصحف الإخبارية وعدم قدرتي على التواجد وسط هذا المناخ.
وعودتي اليوم لا تتعلق ببعض النوافذ القليلة التي فتحت وأتيحت لمن هم مثلي، من المفرج عنهم مؤخرا، أو من المحسوبين على تيارات معارضة أو تيارات حقوقية غاضبة، ولكن السبب الرئيسي لكتابة هذا المقال والذي يعد أول مقال لي منذ سنوات هو تدوينة قرأتها صباح اليوم للشاب عبد الرحمن طارق المشهور بـ”موكا” وهو أحد المفرج عنه مؤخرا بعد أن قضى ما يقارب من ثلاث سنوات حبسا احتياطيا، وهذا الإفراج كان بعد توجهات الدولة للتوسع في الإفراج عن كل من لم يتورط في أي عنف أو إراقة دماء.. وقد كتب عن رغبته في عودته لدراسته، وأن الطريق للعودة غير ممهد ويحتاج لمن يساعده ويتدخل من أجل ذلك.
فالحرية هدف في حد ذاته، هدف لكل ما يحدث الآن من حوارات وطنية ولجان عفو وما إلى ذلك من حراك سياسي، ولكن أعتقد أن هدف الدمج المجتمعي لا يمكن أن يتم فصله عن هدف الحرية، ولكن يكون تابعا فوريا له، ولابد أن تكون هناك رؤية وخطة كاملة لهذا الهدف توضع من قبل متخصصين نفسيين ومجتمعيين وتنمويين وحقوقيين ويكون لهذه الخطة كل الدعم من مؤسسات الدولة المعنية بهذا الملف.
لن أتطرق إلى تعديلات القوانين والمطالبة بتعويض مادي عن سنوات الحبس الاحتياطي الضائعة من عمر كل شاب وفتاة، سأتركها للمحامين والقانونيين الموجودين في مجلس أمناء الحوار الوطني، فالدعم المعنوي لا يقل أهمية بل أراه أكثر أهمية من الدعم المادي المتمثل في:
- إعادة التأهيل النفسي
- تنمية المهارات والقدرات (تدريب – كورسات – دراسات عليا)
- العودة إلى العمل والدراسة
وأعتقد أن هذا الدمج المجتمعي يتوافر بشكل أو بآخر للسجناء الجنائيين، ولكن لا أعلم إذا كان كافيا ومتكاملا أم لا، حيث إن هناك وزارات من صميم تخصصها وعملها هذا الدمج المجتمعي، وتقديم برامج الرعاية الاجتماعية وخاصة للسيدات المفرج عنهن، اللاتي يواجهن صعوبات إضافية تتمثل فى سيطرة العائلة عليهن في كثير من الأحيان وعدم السماح لهن باتخاذ القرارات الخاصة بهن دون قيود أو عدم تقبلهن من الأساس، مثل وزارة التضامن الاجتماعي والمجلس القومي للمراة.
المنفى الاختياري أصبح هو الحل بالنسبة للشباب الفاقد للأمان وغير قادر على الاندماج في المجتمع أو العمل بحرية دون وصمة “لسه خارج من السجن”، ولمواجهة ذلك لابد من وجود خارطة طريق للسجناء قبل الإفراج عنهم مع وجود لجنة متخصصة للتواصل والإشراف على تنفيذ هذه الخارطة سيساعد الكثيرون على تخطى أول أزمة يشعر بها المفرج عنهم، وهو الشعور بالغربة داخل مجتمعاتهم، فالتغيرات الاجتماعية السياسية والاقتصادية التي تحدث في العام الواحد، كفيلة بالشعور بهذا الإحساس، فما بالك بأعوام وأعوام. إلى جانب الظروف الصعبة المصاحبة للافراج دون عمل ودون دراسة ودون تأهيل يمكنهم من التواصل الجيد مع مجتمع فرضت عليهم الظروف أن يبتعدوا عنه لسنوات.
وهناك أيضا من يريد أن يسافر لتكملة دراسته، فقد تم القبض عليهم أثناء سفرهم أو عودتهم في عطلة الدراسة، ومن سافر خوفا وبحثا عن الأمان ويريد أن يعود ولكنه يخشى عاقبة ذلك، كل هذا لابد أن يحل حلا قاطعا لضرورة استيعاب هؤلاء الشباب وضمان مستقبل آمنا لهم.
موكا وغيره من حقهم التعليم بكل مستوياته والعمل بكل تخصصاته، موكا وغيره لابد من تأمين حياة عادية هادئة آمنة لهم دون أن يطلبوا ذلك.