تمثل العشرة جنيهات البلاستيك التي طرحها البنك المركزي، آخر حلقة في مسلسل طويل مرت به تلك الفئة على مدار 131 عامًا، خضعت خلالها لتغيرات في الشكل والقيمة وارتبطت بحكايات مع أجيال، وتأثرت بتقلبات السياسة والاقتصاد.
دائمًا ما يعكس شكل العملة التوجه السياسي للدولة بالشخصيات أو الآثار التي تضمها ويتم انتقائها بعناية كما يمثل تبديل شكلها إنذارًا بتغيير طبيعة الحكم بالدولة أو تطور نهجها الاجتماعي والاقتصادي، أي أنها مرآة تعكس المجتمع وثقافته.
اقرأ أيضًا.. الاقتصاد في أسبوع: تراجع الاحتياطي والتضخم.. واستمرار موسم اقتناص الخليج للشركات المصرية
مع تبني الدولة توجها حاليًا نحو تمكين المرأة على المستوى السياسي، تم الدفع بحتشبسوت على وجه أول عملة بلاستيكية فئة “10 جنيهات” وهو أمر سيتكرر مع عملة العشرين جنيها التي يتوقع طرحها قبل نهاية العام، وتحمل صورة الملكة نفرتاري.
على الجهة الأخرى من العملة تم وضع مسجد الفتاح العليم، الذي رغم أثريته كالمساجد الدارج استخدامها على وجه العملات المصرية منذ عقود لكنه، كما يوكد بيان المركزي ــ دلالة على ارتباط العملة الجديدة بعراقة التاريخ المصري القديم مع العصر الحديث والجمع بين حضارة الأجداد وما أنجزه الأحفاد خاصة أنها تتضمن مزجا أيضًا للهرم مع مكتبة الإسكندرية، بحسب البيان.
هيمنة بريطانية استمرت نصف قرن
على مدار 52 عامًا (1899ـ 1951) ظلت العشرة جنيهات تحمل توقيعًا بريطانيا تولوا مسئولية البنك الأهلي الذي كان يقوم بدور البنك المركزي حينها في طباعة العملة بداية من وين بالمر وحتى فريدريك ليث روس، إلى أن جاءت الأربعينيات ليصدر الملك فاروق قرارًا بإلغاء لجنة لندن واقرار توظيف المصريين بالبنك وأن يشكلوا أغلبيته حتى جاء شهر أبريل/نيسان عام 1951 بأول توقيع مصري على العملة لأحمد زكي سعد.
طوال حقبة الاستعمار الإنجليزي لم تشهد العشرة جنيهات سوى ثلاثة تغييرات في الشكل فقط لتضم معبد الأقصر ونهر النيل ومسجد قايتباي ومجموعة السلطان قلاوون وأشجار النخيل أو أشكال هندسية.
بمجرد قيام الثورة، تم إجراء تعديل على شكل العشرة جنيهات بإضافة توت عنخ آمون على الوجه وفي الخلف متحف فرعوني عام 1952، قبل أن يتم تعديل جديد على ظهر الورقة فقط لتضم شكلاً هندسيًا، وبعدها بـ 17 عامًا تم إجراء تعديل جديد بإضافة مسجد السلطان حسن، والملك خفرع وخلفه أيقونة للإله حورس.
خفرع الملك الفرعوني الأكثر بقاء
يعتبر الملك خفرع وخلفه حورس هو التمثال الأطول بقاء على ظهر فئة العشرة جنيهات على مدار تاريخها إذ ظل مطبوعا عليها لمدة 53 عامًا بداية من 1969 وحتى اليوم مع تغيير فقط، في اتجاه وجهه من النظر إلي اليسار (1969 حتى 2003) ليقال وجهه لليمين.
في عهد الرئيس السادات تم إجراء تغييرا على شكل العملة ليتم استبدال مسجد السلطان حسن بمسجد الرفاعي والذي لا يفصل بينما على أرض الواقع سوى الشارع، بما تماشي حينها مع تحرر الرئيس السادات من التجربة الناصرية حتى أنه سمح بنقل رفات الملك فاروق لمسجد الرفاعي تنفيذا لوصيته بعدما كان ممنوعًا من ذلك في عهد الرئيس عبدالناصر.
حتى عام 1976، كانت العشرة جنيهات هي الفئة الأكثر استخداما بالسوق المصري حتى صدرت عملة العشرين جنيهًا، وتماشت مع حاجة الاقتصاد لعملة أعلى حينها مع سياسة الانفتاح الاقتصادي والإقبال على شراء السلع الاستهلاكية التي تم استيرادها من الخارج.
ارتبطت التغييرات التي شهدتها العشرة جنيهات من 1979 وحتى اليوم بعناصر التأمين أكثر من فلسفة التغير ذاتها، بإضافة المزيد من علامات التأمين المائية، بما يتماشي مع نمو تقنيات الطباعة وبرامج الحاسب الآلي التي يتم استغلالها في تقليد العملة وتزييفها.
شهدت الإضافات شريط تأميني مكتوب عليه رقم الفئة بطريقة التفريغ وعنصر تطابق للتسجيل الطباعي عبارة عن جزء من عين حورس في الوجه ومتكامل في ظهر الورقة عند النظر إليه من خلال الضوء النافذ، مع طباعة رقم 10 بشكل بارز ذو ملمس مميز.
من يختار شكل العملة؟
مع طرح العملة البلاستيكية الجديدة دار جدل حول تقارب شكلها مع الجنيه الإسترليني من ناحية الألوان والتصميم، بينما يقول المهندس خالد فاروق وكيل محافظ البنك المركزي لقطاع دار طباعة النقد، إن أكبر مصممين العالم اشتركوا في وضعها بتعاون مصري.
تتضمن العملة الجديدة خصائص تأمينية كبيرة على مستوى الألوان الظاهرة بها من خصائصها التأمينية والتي تتغير مع تحريك العملة الجديدة مع يصعب من تزييفها، وتم طرح ملياري جنيه منها في البنوك قبل عيد الأضحى المبارك التي تشهد عادة في مصر تتمثل في استبدال العملات القديمة بجديدة من البنوك لمنحها كعيديات.
حكايات العشرة جنيه.. ورقة “أبو مدنة”
مثلت العشرة جنيهات ورقة الحلم لعشرات الأجيال فكانت راتب موظف من الدرجة المتوسطة في الستينيات تكفيه مصروفات شهر كامل من تعليم وطعام ومواصلات وغذاء.
جيل السبعينيات صاحب الهتاف الشهير (سيد بيه يا سيد بيه.. كيلو اللحمة بقي بجنيه) احتجاجًا على رفع الدعم عن بعض السلع، وسيد مرعي كان رئيس مجلس الشعب.. ومثلت العشرة جنيهات لهم بعد رفع الدعم ما يقارب 10 كيلو لحم، وقبلها كانت تعادل 14 كيلو و750 جراما.
جيل الثمانينيات ربطها بثلاثة كيلو جرامات ونصف لحم، وبالنسبة للبعض صندوقي مياه غازية في الأفراح وهدية النجاح في المدرسة.
مع نهاية التسعينيات فقدت العشرة جنيهات كثيرا من سطوتها حتي باتت تعادل نصف كيلو لحم، وفي 2005 كانت العشرة جنيهات لا تعادل سوي ربع كيلو.
تمثل العشرة جنيهات للجيل الحالي كارت شحن فكة أو تذكرة مترو أو ذهاب وعودة في ميني باص يجوب شوارع العاصمة، ليجور الزمن على العملة التي كانت ورقتين منها كفيلتين بشراء شقة أربع غرف في منيل الروضة في الأربعينيات.