كتب: محمد محروس
مطاعم البيك السعودية -التابعة لشركة أقوات للصناعات الغذائية– هي الوافد الجديد الذي قرر دخول السوق المصرية. وذلك ضمن حزمة استثمارات سعودية بقيمة 7.7 مليار دولار سيتم توزيعها على عدد كبير من القطاعات المصرية. بما في ذلك مصادر الطاقة المتجددة والأدوية والتجارة الإلكترونية.
فقد باتت السوق المصرية حاليا جاذبة بقوة للاستثمار الأجنبي في نشاط المطاعم لاستثمار عدد السكان الكبير بوجود 103 ملايين زبون وطبيعة المصريين في الإنفاق. بعدما أكدت الدراسات الرسمية أن 31% ينفقون من دخلهم على الأكل والشرب.
“البيك” يملك أكثر من 120 فرعًا بالسعودية والإمارات والبحرين. لكنه حينما دخل السوق المحلية قرر الاشتراك مع شركة “حلواني إخوان للأغذية” المدرجة في السعودية. وهي شركة أيضًا تسيطر على قطاع واسع من السوق المصرية في مجال اللحوم والدواجن. سواء المجمدة أو نصف المصنعة. لتضخ كلتاهما 53 مليون دولار.
دخل المطعم السعودي السوق مرتكنًا إلى وجود قطاع جماهيري واسع من المصريين العائدين من الخليج الذين تعاملوا معه. ما يعطي ترويجا مجانيا لفروعه التي ستنافس في المقام الأول مطاعم أمريكية تنشط بالسوق المصرية منذ عقود. فضلا عنم بعض السلاسل المحلية التي بدأت تنشط في الفترة الأخيرة هي الأخرى.
نقل بعض المصريين الحدث إلى بُعد سياسي بتنافس سلسلة عربية للسلاسل الأمريكية ليتحول الموضوع إلى كسر الهيمنة الغربية على مطاعم الدجاج المقلية. لكن بالنسبة للسعوديين فالقرار استثماري يهدف إلى توسيع الأعمال التجارية والربح.
وبحسب الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء فإن متوسط الأسرة المصرية 5000 جنيه “الرقم هو متوسط بين الأقل إنفاقا والأعلى إنفاقا”. ونسبة الإنفاق على الطعام والشرب وصلت إلى 31% من الإنفاق الشهري. أي يعادل 1500 جنيه في المتوسط.
ويؤكد الدكتور إبراهيم عشماوي -مساعد أول وزير التموين- أن استهلاك المصريين من الأكل والشرب شهريًا يبلغ نحو 60 مليار جنيه. ويصل إلى ما بين 100 إلى 110 مليارات جنيه خلال شهر رمضان.
السوريون واستثمار المطاعم وتهافت السكان
كان ذلك الوازع الذي دفع القادمين من سوريا لتركيز نشاطهم في قطاع المطاعم. فبعد عام واحد فقط من اندلاع الثورة كان للسوريين بمصر نحو 100 مطعم. ويتركز إسهامهم في الاقتصاد المصري منذ مارس 2011 -التي تبلغ 800 مليون دولار- في قطاعين أساسيين فقط هما المطاعم والملابس والمفروشات.
وتوقعت مؤسسة الأبحاث الدولية “فيتش سليوشنز” زيادة إنفاق المصريين على الأطعمة والمشروبات والسجائر إلى 1.155 تريليون جنيه بعد أربع سنوات من الآن بنسبة ارتفاع 57% بعدما بلغ إنفاقهم عليها نحو 767 مليار جنيه في 2020.
الدافع الاستثماري الجديد الذي تم كشفه خلال زيارة محمد بن سلمان الأخيرة للقاهرة مدعوم بفوائض مالية في الدول المنتجة للنفط بسبب الارتفاع المطرد لأسعار النفط عالميا على خلفية حرب أوكرانيا وما نتج عنها من أزمة طاقة استفادت منها منتجو النفط.
البيك.. هل يدعم الاقتصاد المحلي؟
تم تقديم خطوة مطعم البيك كجزء من محاولات الدول العربية لدعم الاقتصاد المصري بعد موجة نزوح للأموال الساخنة بأصول أجنبية بمليارات الدولارات في الأشهر الأخيرة. وتعهدت دول الخليج باستثمارات بمليارات الدولارات لمصر.
يقول خبراء اقتصاديون إن الاستثمارات السعودية والعربية تعزز الثقة في السوق المصرية في وقت حرج. فيقول أحمد دياب -عضو اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب- إنها تعكس ظروف السوق الجيدة لأن الشركات القادمة للاستثمار هنا يجب أن تكون قد أجرت دراسات مناسبة. كما أنها تفتح الباب لجذب استثمارات أخرى من دول أخرى.
في المقابل فإن قطاعا من الاقتصاديين يرون أن مصر في حاجة إلى وضع أولويات للاستثمار الأجنبي بتحديد القطاعات والأنشطة التي لا يستطيع المصريون القيام بها في الأجل القصير. سواء لأسباب تكنولوجية وما يرتبط بها من خبرات فنية أو لضخامة ما تحتاج إليه من رأس مال. وهما السببان الرئيسيان لفتح الباب أمام الاستثمار العربي والأجنبي في 1974.
وحسب دراسة لمحمد نور الدين -مدير بحوث البنك العربي سابقا- فإن مصر عليها التحديد الدقيق للقطاعات الاقتصادية وللفروع التي تحتاج فيها إلى إدخال رأس المال الأجنبي. بحيث تكون الاستعانة به لسد ثغرات لا يمكن للاقتصاد القومي تغطيتها حاليًا. إما لأنها متقدمة تحتاج تكنولوجيا أكثر من المتوفرة محليًا. أو تحتاج إلى رؤوس أموال كبيرة لا يمكن للحكومة ولا للقطاع الخاص تدبيرها.
تقول الدراسة إن فتح الباب على مصراعيه للاستثمار الأجنبي لإنتاج المواد الغذائية والسلع الاستهلاكية وتقديم الخدمات المصرفية والتأمينية والعمل في المقاولات حتى مهام النظافة. فهو أمر لا يمكن أن يضيف إلى ثروتنا الاقتصادية ولا إلى إمكانياتنا وقدراتنا. فالتوسع في قبول الاستثمار الأجنبي بشتى القطاعات وخلال أزمة عالمية دون تحديد معناه ببساطة أن ميزان مدفوعاتنا سيتحول إلى العجز بسرعة أمام زيادة الواردات اللازمة لهذا النوع من الاستثمار في البداية ثم عند قيامه بإعادة تحويل أرباحه إلى الخارج.
سلوك الاستهلاك في المجتمع المصري
وكشف تحليل السلوك الاستهلاكي للمجتمع المصري أنه ينحرف عن المستوى الرشيد. ما أثر على معدلات التضخم ومؤشرات التنمية الاقتصادية. كاشفًا عن تغير ملحوظ في السلوك المجتمعي نحو زيادة الميل الحدي للاستهلاك على حساب الميل الحدي للادخار. بداية من عام 1994 واستمر في ذات الاتجاه وبمعدلات آخذة في الارتفاع حتى 2018.
باختبار العلاقة بيـن معدل التضخم في مصر كمتغير تابع ومعدلات التغير في الاستهلاك النهائي الكلي فإنه كان يمكن تخفيض معدل التضخم من 14.4% عام 2018 إلى 2.08% للعام ذاته. إذا تم خفض الاستهلاك النهائي الكلي بمقدار الإسراف المقدر والإسراف والتبذير المقدر على التوالي.
بافتراض زيادة الادخار المحلي بمقدار الإسراف والتبذير المقدر لعام 2018 فإن معدل الادخار المحلي إلى الناتج المحلي الإجمالي يرتفع من 6.2% إلى 18.52%. ومن ثم يرتفع معدل الاستثمار المحلي إلى الناتج المحلي من 16.66% إلى 35.79%. ما يؤدي إلى ارتفاع معدل نمو الناتج لذات العام من 5.31% إلى 8.91% أي بمقدار 67.8% من قيمته.
يحتاج الاقتصاد المصري إلى التركيز أكبر على جذب الاستثمارات الصناعية والإنتاجية ونقل القيمة المضافة. والبعد عن القطاع الاستهلاكي الذي لا يدر عائدا سوى في العمالة والضرائب. فالمطاعم على سبيل المثال تعتمد على المنتجات المصرية في تقديم السلعة النهائية وتحيل الأرباح في الخارج بالدولارات. و”قلي الدجاج” لا يحتاج إلى الانتظار بفارغ الصبر كما يبدي الكثيرون حاليًا.