لا يعبأ ولي عهد المملكة العربية السعودية محمد بن سلمان كثيرا بالداخل السعودي حاليا بشأن طريقه لاعتلاء العرش في حياة والده الملك سلمان بن عبد العزيز. خاصة بعدما تمكن خلال الفترة الأخيرة من إسكات الأصوات المناوئة له داخل الأسرة الحاكمة وهيئة البيعة وإزاحة أبناء عمومته الذين كانت تراودهم أحلام حكم المملكة. إضافة لعمه أحمد بن عبد العزيز الذي تتحدث تقارير عن تحديد إقامته منذ عودته من منفاه الاختياري.
ما يشغل بن سلمان مؤخرا هو الحصول على الضوء الأخضر الأمريكي لبلوغ العرش رسميا في حياة والده بأمان. وهو ما جعله يسعى منذ اللحظة الأولى لتنصيبه وليا للعهد إلى دفع المملكة نحو إسرائيل أكثر من أي وقت مضى. لإدراكه مدى تأثير تل أبيب في هذا المسار.
“بن سلمان” كان قد قطع شوطا كبيرا لتحقيق حلمه خلال فترة ولاية الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. وقدم الكثير من التنازلات لواشنطن قبل أن يصطدم طموحه وتخطيطه بهزيمة “ترامب” خلال الانتخابات الأمريكية الأخيرة ووصول جوزيف بايدن للبيت الأبيض. وهو الذي يتبنى موقفا سلبيا من الأمير الشاب بسبب قناعته بشأن تورطه في مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي.
“بن سلمان” وصعاب الوصول إلى العرش
لم ييأس “بن سلمان” خاصة بعد أن تجاوز عاصفتي قتل خاشقجي واحتجازه كبار الأمراء والمسئولين في المملكة بـ”الريتز كارلتون” ورحيل ترامب عن البيت الأبيض بعدما استثمر في إدارته الكثير من الأموال والتنازلات. وعمد إلى التركيز على قنوات الاتصال السرية بالإسرائيليين لقناعته الشخصية بمدى تحكمهم في مسارات السياسة الدولية. وحاجته إلى الدعم الإسرائيلي والأمريكي لتثبيت أركانه والجلوس على العرش بهدوء.
خطوات بن سلمان المتأرجحة منذ تنصيبه وليا للعهد في مجملها تشير إلى أنه يعمل على تهيئة الرأي العام في المملكة حتى يتقبل السعوديون التطبيع مع إسرائيل. وهو ما كشف عنه مستشار ترامب السابق وزوج ابنته الذي ارتبط بعلاقة شديدة الخصوصية بولي العهد السعودي. وحديثه بشأن “خطوات سعودية حثيثة نحو التطبيع مع إسرائيل وإن لم تكن في العلن فهي موجودة خلف الأبواب المغلقة”.
وعبّر كوشنر عن اعتقاده بأنه “من المحتم أن يكون للسعودية وإسرائيل علاقات طبيعية تماما. وأنهما سيكونان قادرين على القيام بكثير من الأشياء العظيمة معا”.
ما يشير بشكل واضح إلى إدراك “بن سلمان” لطبيعة التأثير الإسرائيلي بشأن المسار الذي حدده لنفسه لاعتلاء عرش المملكة بشكل آمن هو مشروعه الذي روج له بنفسه والخاص برؤية المملكة 2030. وفي القلب منه مدينة نيوم التي يتطلب نجاحها إلى تنسيق وعلاقات وثيقة مع إسرائيل. وهو ما يتماشى مع ما كشف عنه الحاخام الأمريكي مارك شناير -صاحب العلاقات القوية بقادة الخليج- نقلا عن نائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان قوله ذات مرة: “إسرائيل جزء لا يتجزأ من تحقيق رؤية 2030”.
ما ذكره الحاخام الأمريكي ليس وحده ما يكشف طبيعة العقيدة السياسية التي يتبناها ولي العهد السعودي. ففي مطلع مارس الماضي أكد الأمير الشاب في حديث لمجلة “ذي أتلتيك” الأمريكية العريقة أن حكومة المملكة التي يرأسها لا تنظر إلى إسرائيل باعتبارها عدوا. بل قال صراحة: “إننا لا ننظر إلى إسرائيل كعدو. بل ننظر إليهم كحليف محتمل في العديد من المصالح التي يمكن أن نسعى لتحقيقها معا. لكن يجب أن تحل بعض القضايا قبل الوصول إلى ذلك”.
رسائل التطبيع في عهد “بن سلمان”
شهدت العلاقات السعودية الإسرائيلية -وإن كانت في مجملها غير رسمية وغير معلنة أيضا- زخما ورواجا منذ تولي “بن سلمان” ولاية العهد. فيما تقود الدلائل كافة إلى تصاعد منتظم في تلك العلاقات كلما تزايدت الأنباء بشأن الوضع الصحي للعاهل السعودي. فمنذ مطلع العام الجاري بدأ الكشف عن الكثير من الرسائل والاتصالات المتبادلة بين الجانبين.
أحدث تلك الرسائل ذكره رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد خلال اجتماع أخير لحكومته. كاشفا أن “الرئيس الأمريكي بايدن سوف ينقل رسالة سلام وأمل من إسرائيل إلى السعودية”. مؤكدا في الوقت ذاته أنّ حكومته “تحافظ على حرية العمل ضد إيران وتمد اليد للسعودية”.
طبيعة العلاقة بين الرئيس الأمريكي بايدن وإسرائيل ربما تكون الأساس في دفع ولي العهد السعودي علاقات بلاده تجاه تل أبيب.
تلك العلاقة يقول عنها “لابيد” إن “الرئيس جو بايدن هو أحد أقرب الأصدقاء الذين عرفتهم إسرائيل على الإطلاق في السياسة الأمريكية. والذي قال ذات مرة: ليس عليك أن تكون يهوديا كي تكون صهيونيا. أنا صهيوني”.
بخلاف ما كشفه رئيس الوزراء الإسرائيلي تمتلئ وسائل الإعلام الإسرائيلية والدولية يوميا بكواليس العلاقات والاتصالات السعودية الإسرائيلية منذ تولي “بن سلمان” قيادة دفة الأمور في المملكة بشكل غير رسمي في ظل اختفاء والده من المشهد.
تعزيز العلاقات الاقتصادية
تحت عنوان “السعودية فُتحت للإسرائيليين” نشرت مجلة “جلوبس بيزنس” الإسرائيلية اليومية في مايو الماضي تقريرا يكشف تنامي العلاقات الاقتصادية السعوديةـالإسرائيلية عبر شركات مسجلة في دول أوروبية. فضلاً عن توجه العشرات من رجال الأعمال الإسرائيليين إلى المملكة بجوازات سفر إسرائيلية لإجراء معاملات بملايين الدولارات في مجالات عدة.
وقالت المجلة الإسرائيلية إن العشرات من رجال الأعمال والمختصين بالتكنولوجيا الإسرائيليين زاروا السعودية في الأشهر الأخيرة. حيث دخلوا إلى المملكة بتأشيرات خاصة. لافتة إلى أن سبب الزيارة هو إجراء محادثات حول الاستثمارات السعودية في الشركات الإسرائيلية. وأضافت نقلا عن مصدر وصفته بـ”القريب من الحدث” أنه سيتم التوقيع على اتفاقيات تشمل مجال الطيران والتعاون في البحث والتكنولوجيا والطب والزراعة والطاقة.
في هذه الأثناء أيضا كشفت صحيفة “يسرائيل هيوم” أن العديد من المسئولين الإسرائيليين قد زاروا السعودية منذ تولي “بن سلمان” ولاية العهد. من ضمنهم وزير الأمن الحالي بيني جانتس عندما كان يشغل منصب رئيس هيئة الأركان الإسرائيلية. بالإضافة إلى رئيسي الموساد السابقين تامير فيردو ويوسي كوهين ورئيس مجلس الأمن القومي السابق مائير بن شابات.
زيارات المسئولين الإسرائيليين إلى السعودية حدثت حتى الآن بشكل سري. باستثناء زيارة رئيس الحكومة السابق بنيامين نتنياهو في نوفمبر 2020. حيث رافقه خلالها رئيس الموساد السابق يوسي كوهين. والتي تم تسريب تفاصيلها بعد ذلك عبر وسائل إعلام إسرائيلية.
سابقة هي الأولى من نوعها
وفي سابقة هي الأولى من نوعها زار 13 من قيادات الجالية اليهودية بالولايات المتحدة في 13 يونيو/حزيران الماضي المملكة. في خطوة اعتبرت تمهيدا لزيارات رسمية لشخصيات يهودية إسرائيلية.
وقالت صفحة “إسرائيل بالعربية” التابعة لوزارة الخارجية الإسرائيلية في تغريدة على “تويتر” إنه “لأول مرة توجهت بعثة من زعماء الجالية اليهودية الأمريكية إلى السعودية للحوار حول الأديان السماوية وإمكانية التعاون بين المنظمات الإسلامية واليهودية”.
وأضافت الصفحة أن البعثة التي استمرت زيارتها للملكة 4 أيام التقت عددا من المسئولين السعوديين على رأسهم وزير الدولة للشئون الخارجية عادل الجبير. ورئيس المجلس الإسلامي الأعلى الشيخ محمد آل عيسى. لافتة إلى أن أكثر ما استقطب دهشة البعثة هو إمكانية متابعة الأخبار على المواقع الإسرائيلية بمطلق الحرية.
لم تمر على ما كشفته صفحة “إسرائيل بالعربية” إلا أيام قليلة حتى كشفت صحيفة “يديعوت أحرنوت” الإسرائيلية على لسان مستشار سياسي لولي عهد السعودية” أن المملكة تدرس إمكانية السماح بإجراء اجتماع ثلاثي بين مسئولين أمريكيين وسعوديين وإسرائيليين. وذلك خلال زيارة جو بايدن أو بعدها. حيث من المقرر أن يصل إلى إسرائيل غدا قبل أن يتوجه مباشرة بعدها إلى السعودية.
إسرائيل تدخل السعودية عبر زيارة بايدن
ويشير مستشار ولي العهد السعودي -الذي تحدث للصحيفة الإسرائيلية- إلى أن محادثات بين الإدارة الأمريكية والسعودية تناولت إمكانية أن يرافق بايدن إلى الرياض أحد ثلاثة مسئولين إسرائيليين رفيعي المستوى. هم رئيس مجلس الأمن القومي إيال حولاتا. ورئيس الموساد دافيد برنياع أو مدير عام وزارة الخارجية ألون أوشفيز.
الحديث عن مستوى تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل في عهد “بن سلمان” لا يقتصر على التسريبات. وإنما يشغل حيزا كبيرا في أحاديث المسئولين الرسميين في إسرائيل والمملكة أيضا. ففي مطلع يونيو الماضي كشفت وزيرة النقل الإسرائيلية ميراف ميخائيلي لإذاعة “ريشيت بيت” التابعة لهيئة البث الإسرائيلية الرسمية ما وصفته بـ”العمل الجاري” مع السعودية نحو تطبيع العلاقات بين البلدين.
وقالت الوزيرة في حكومة الاحتلال إن”العمل جار مع المملكة العربية السعودية فيما يتعلق بتحليق الرحلات الجوية الإسرائيلية فوق أراضيها التي يمكن أن تقصر أوقات الرحلات كجزء من عملية التطبيع”. متابعة: “أنا -التي تؤمن بحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني عبر تسوية إقليمية- أحاول استخدام وسائل النقل وهي أداة مهمة للغاية لتعزيز هذه العلاقات للقيام بذلك/التطبيع”.
صفقة ثلاثية.. إسرائيل والسعودية وأمريكا
تصريحات الوزيرة ميخائيلي جاءت بعد 5 أيام من تقرير لصحيفة “يسرائيل هيوم” العبرية كشفت فيه صفقة ثلاثية قالت إنها تتشكل بين إسرائيل والسعودية والولايات المتحدة. وتمثل خطوة جديدة على طريق تطبيع العلاقات بين تل أبيب والرياض.
فتح أجواء السعودية أمام إسرائيل
وقالت الصحيفة إن السعودية على وشك فتح مجالها الجوي أمام الخطوط الجوية الإسرائيلية. ما يمثل خبرا سارا لآلاف الإسرائيليين ولصناعة الطيران المحلية. وذلك في الوقت الذي يفتح فيه المجال الجوي السعودي أمام الشركات الإسرائيلية فقط خلال الرحلات الجوية إلى الإمارات والبحرين كجزء من اتفاقيات إبراهام التطبيعية. بالإضافة لتصريح سعودي خاص لشركة “إير إنديا” الهندية بعبور المجال الجوي السعودي خلال رحلاتها بين الهند وإسرائيل.
تزامنا مع ذلك جاء ما كشفه موقع “إكسيوس” الأمريكي بتوسط الإدارة الأمريكية بين السعودية وإسرائيل ومصر بشأن استكمال نقل تبعية جزيرتي تيران وصنافير الاستراتيجيتين في البحر الأحمر من السيادة المصرية إلى السيادة السعودية. وما يتضمنه من كواليس وتعهدات سعودية قدمها “بن سلمان” ليشير بشكل واضح لموقف الأمير الشاب من مسألة التطبيع.
ووفقا لمصادر تقول إن نقطة الخلاف التي قد تجمع البلدين هي وضع الجزيرتين والسلاح عليهما. فبينما تريد إسرائيل بقاء الوضع على ما هو عليه. أي منزوعتي السلاح مع وجود قوة متعددة الجنسيات. تريد السعودية إنهاء وجود هذه القوة متعهدة بالأمن الكامل.
في مقابل ذلك كشف مسئول خليجي لـ”مصر 360″ إن “بن سلمان” حريص على ملف التطبيع رغم التصريحات المتأرجحة. قائلا: “ولي العهد السعودي يخشى أن تسبقه الإمارات بمسافة طويلة بشأن علاقاتها مع إسرائيل بعد توقيع اتفاقات إبراهام. لذلك يسعى لتوسيع التطبيع وإن لم يكن بشكل غير معلن”.
وكشف المسئول الخليجي أن المفاوضات الأخيرة بشأن تيران وصنافير أخذت وقتا طويلا في التفكير لدى ولي العهد الذي كان يتبنى رؤية بمخاطبة إسرائيل رسميا بشكل مباشر عبر خطاب رسمي من الخارجية السعودية يتم توجيهه لنظيرتها الإسرائيلية. قبل أن ينصح من مستشاريه بإرجاء تلك الخطوة لحساسيتها على المستوى الشعبي والاستعانة بمصر بحكم العلاقات القائمة بينها وبين إسرائيل وباعتبار أنها ركن أساسي في الاتفاقية.