تفقد وزير الدفاع التركي خلوصي أكار أول أيام عيد الأضحى الحدود مع سوريا لمتابعة التدابير الأمنية المكثفة المرتبطة بنيات تركيا شن عملية عسكرية جديدة شمال شرق سوريا. وهو ما تحاول إيران تداركه. حيث زار وزير الخارجية الإيراني أمير عبد اللهيان تركيا خلال الأيام الماضية. ثم لحقها بزيارة إلى سوريا. إذ تنتهج الإدارة الإيرانية سياسة حذرة تتسم بتهدئة التوترات لتوسيع دائرة التحالفات وتحييد خطر الخصوم. وذلك انطلاقا من متغيرات أهمها زيارة “بايدن” الأسبوع القادم للشرق الأوسط ومخاوف طهران من تشكيل تحالف إقليمي بين العرب وإسرائيل يستهدف إقصاءها من المنطقة.
الدوافع وراء الزيارتين
يشهد الشرق الأوسط فصلا جديدا من التوازنات يرتبط بتصفية الخلافات داخل الدائرة الخليجية. وعودة العلاقات بين تركيا والدول العربية. ومحاولة دمج إسرائيل في المنطقة عبر اتفاقية إبراهام. وإعادة الاهتمام الأمريكي بالشرق الأوسط على وقع أزمة الطاقة المتفاقمة بفعل الحرب الروسية الأوكرانية. وهو ما استوجب من إيران إعادة صياغة سياستها تجاه مناطق حضورها للتكيف مع الترتيبات الإقليمية المتحملة.
أهداف زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى تركيا
انطلق “عبد اللهيان” إلى تركيا محملا بجملة أهداف:
1-تهدئة التوترات مع تركيا
توترت العلاقات بين تركيا وإيران في الآونة الأخيرة. لا سيما بعد أن وجهت تركيا تحذيرا شديد اللهجة إلى إيران يتضمن التوقف عن مهاجمة الإسرائيليين في تركيا. والرفض باستخدام أراضيها لتنفيذ أعمال إرهابية ضد دول أخرى. حيث تورطت تركيا كساحة لتصفية الحسابات بين إيران وإسرائيل في ظل التصعيد المستمر بين البلدين.
وخلال الأسابيع الأخيرة رفعت الاستخبارات الإسرائيلية تحذيرات متواصلة لرعاياها في تركيا بمزاعم احتمال وقوع هجمات إيرانية بعد اغتيال العقيد الإيراني “صياد خدايي” أواخر مايو في طهران. كما حثت مواطنيها على مغادرة إسطنبول. واستطاعت تركيا إحباط عملية هجومية تستهدف عناصر إسرائيلية عبر القبض على خلية مكونة من 8 عناصر يشتبه أنهم عاملون في المخابرات الإيرانية. وذلك في 15 يونيو/حزيران الماضي. ما يشير إلى ارتفاع مستوى التنسيق الأمني والاستخباراتي بين تركيا وإسرائيل. وهو ما يضر بالمصالح الإيرانية في المنطقة. خاصة في ظل تمدد علاقات إسرائيل بالشرق الأوسط في ظل اتفاقية إبراهام.
2-مزاحمة التقارب التركي الإسرئيلي
سارع “عبد اللهيان” بزيارة تركيا بعد نحو 4 أيام من زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي حينها “يائير لابيد” إلى أنقرة. حيث تشهد العلاقات التركية الإسرائيلية تقدما ملحوظا بدافع ما تقتضيه المعادلة الإقليمية ومصالح كل منهما.
وصرح وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في 23 يونيو/حزيران بأن كلا الدولتين تعمل على إعادة التمثيل الدبلوماسي إلى مستوى السفراء. وذلك بعد سلسلة زيارات دبلوماسية وتفاهمات ثنائية وإقليمية شكلت نقطة تحول في العلاقات. خاصة بعد زيارة الرئيس الإسرائيلي إلى تركيا في مارس/آذار الماضي. وهي الزيارة الأولى التي يقوم بها رئيس إسرائيلي إلى تركيا منذ عام 2007.
وتثير هذه التحركات المخاوف الإيرانية من إمكانية توحيد الجهود التركية الإسرائيلية في مواجهتها. خاصة في ظل التكهنات المرتبطة بمخرجات زيارة بايدن المقبلة. وهو ما يدفع إيران نحو ممالأة تركيا بهدف تضييق دائرة العداءات في المنطقة.
3-الحد من احتمالات شن عملية عسكرية تركية
تعتبر القوات التركية في حالة استنفار نسبية. حيث صدرت تعليمات إلى فصائل الجيش الوطني السوري برفع درجة الجاهزية والاستعداد. ومؤخرا شنت مسيّرة تركية غارة جوية على موقع تابع لقوات سوريا الديمقراطية -“قسد”. وكذلك استهدف الطيران التركي موقعا آخر تابعا لقوات الجيش السوري في منطقة تل رفعت شمال حلب. ما أسفر عن إصابة 6 جنود.
تأتي هذه التحركات في إطار إرهاصات اقتراب إطلاق عملية عسكرية تركية ضد قوات “قسد” أعلنت عنها أنقرة في مايو/أيار الماضي لاستكمال المنطقة الآمنة بعمق 30 كم بهدف إنشاء حزام أمني على الحدود الجنوبية لتركيا.
وتحمل هذه العملية المحتملة تهديدا مباشرا للوجود الإيراني في سوريا. حيث حذّر المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية الإيراني من أن “دعم القوات المناوئة للأسد هو مشروع تركي إسرائيلي مُشترك تمّ الاتفاق عليه خلال زيارة وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو الأخيرة إلى تل أبيب”. والذي بدوره يمثل بوابة تسمح لتركيا وحلفائها بتوسيع نفوذهم حول حلب. ما استوجب زيارة إيرانية لاحتواء التصعيد التركي. حيث أشار “عبد اللهيان” إلى ضرورة التوصل إلى حل بالطرق السلمية بعيدا عن استعمال القوة.
أهداف الزيارة إلى سوريا
ولتحقيق أجندة الأهداف الإيرانية -بعد زيارته تركيا- اتجه “عبد اللهيان” إلى سوريا وذلك من أجل:
تجديد العلاقات مع سوريا
تبذل إيران جهودا مكثفة للحفاظ على مكاسبها الميدانية في الشرق الأوسط. فهي الزيارة الرابعة التي يقوم بها “عبد اللهيان” إلى دمشق. وتحمل العلاقات السورية الإيرانية خصوصية كبيرة. حيث وصف وزير الخارجية السورية فيصل المقداد لقاءه بـ”عبد اللهيان” بأنه يشكل أهمية كبيرة حاليا خاصة بعد التطورات المحلية والإقليمية والدولية المتوالية. كما أكد دعم سوريا إلى جانب إيران في الملف النووي.
وأكد المسئول الإيراني أن زيارة الرئيس بشار الأسد في 8 مايو/أيار لطهران كانت بمثابة نقطة تحول في العلاقات بين البلدين وشكلت مرحلة جديدة في جميع المجالات. فقد أثمر لقاؤه مع المرشد الإيراني علي خامنئي تفعيل خط الائتمان. وبدأت ناقلات النفط الإيراني تصل إلى سوريا بإجمالي 3 ناقلات نفط حتى الآن. آخرها في 22 يونيو/حزيران الماضي.
تأكيد دعم إيران لسوريا ضد إسرائيل
تأتي زيارة “عبد اللهيان” بالتزامن مع قصف إسرائيلي في محيط بلدة الحميدية جنوب طرطوس أسفر عن إصابة عدد من المواطنين. وذلك بعد مرور 3 أسابيع على هجوم إسرائيلي آخر في 10 يونيو/حزيران استهدف مطار دمشق. ما أدى إلى توقف المطار عن العمل لأيام. ما اعتبرته سوريا بمثابة تهديد لمحور المقاومة. كذلك أدانت إيران العدوان الإسرائيلي مؤكدة أن إسرائيل هي العدو الأساسي للعالم العربي.
إعلان دور الوساطة
حصدت تركيا خلال الفترة الأخيرة نفوذا دوليا واسعا. لا سيما بعد لعبها دور الوساطة بين أوكرانيا وروسيا. كذلك موافقتها على انضمام السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسي -الناتو- وما ترتب عليها من امتيازات دولية. بالإضافة إلى موقفها عربيا بعد تصفية الخلافات وعودة الزيارات المتبادلة مع دول الخليج. وهو ما يأتي على حساب نصيب إيران في المنطقة. لذلك تتقلص الفرص أمام طهران ولا يتوافر أمامها إلا اتباع أسلوب ترويض تركيا منعا لتدخل قوى أخرى تملي سياسة الأمر الواقع في سوريا.
ولذلك حذر “عبد اللهيان” من خطورة وقوع أي عمل عسكري تركي في سوريا لما يشكله من زعزعة استقرار المنطقة. وأكد أن إيران تستهدف تكريس السلام والأمن في المنطقة بين سوريا وتركيا. وأضاف: “نتفهم مخاوف تركيا الأمنية جيدا” كمحاولة لاستمالة تركيا للاستجابة إلى الدخول في حوار سلمي لاحتواء التوترات بعيدا عن العمل العسكري.
السيناريوهات المحتملة
تتراوح السيناريوهات بين احتمالين:
من الناحية النظرية تعتبر الفرصة سانحة أمام تركيا لتنفيذ هجوم عسكري مماثل لعمليتي نبع السلام وغصن الزيتون. حيث يتوفر لديها النفوذ الدولي في ظل دورها في الحرب الروسية. كما فتحت صفحة جديدة في العلاقات مع الدول الخليجية. وفي ظل انشغال العالم بالحرب وتداعياتها على الطاقة وأسعار السلع والتضخم. لذا يمكن أن تشن تركيا عملية واسعة المدى.
السيناريو الآخر أن تنجح جهود وساطة إيران ويتم عقد صفقة مقايضة لتحقيق أهداف تركيا على حساب قوات سوريا الديمقراطية مثلما قايضت تركيا على انضمام السويد وفنلندا في الناتو مقابل توقيع اتفاقية تتضمن تعاونهما مع تركيا فيما يتعلق بتصدير الأسلحة ومكافحة عناصر حزب العمال الكردستاني. وذلك تجنبا لمواجهة مع روسيا. حيث عزز كل من روسيا والنظام السوري قواتهما في شمال سوريا.