هل يجب علينا أن نستبعد التأمل كأسلوب لتحسين الصحة العقلية؟ ربما ليس بعد.. كان هذا تساؤل تلك الدراسة. قد ساعدت ممارسات اليقظة الذهنية العديد من الأشخاص على الوصول إلى الشعور بالذات والراحة والاسترخاء. وتعد تلك الممارسات بمثابة طريقة للتخلص من الأفكار الوسواسية والتركيز في اللحظة الحالية. وحيث إننا قلنا هذا. فهناك طرق عدة لممارسة اليقظة الذهنية. وقد يكون من المفيد استكشاف التقنية والكمية المناسبين لك. ومع ذلك إذا كنت مثل بريتون ووجدت أن اليقظة الذهنية ضارة نفسيا. فإن ممارسة التمارين البدنية سواء داخل صالات الجيم أو بمفردك للحصول على راحة البال ستكون بديلا جيدا لك.
ظهرت تلك المبادرات التي تعتبر الصياح والصخب جزاء من الصحة العقلية ربما في عالم مجنون بشكل لا واع تمامًا مع مصاحبة الموسيقى الأمريكية الصاخبة الراقصة “الروك” أكثر مما يبدو. والتي كان من بينها اشتغال نجمها الأول والأكثر شهرة في العالم “إلفس بريسلي” الذي يحكي قصته فيلم باسمه حاصدا ملايين الدولارات في السينمات حول العالم.
نحو ثلاث ساعات متواصلة يحكي فيها الفيلم قصة الرجل من عيون مدير أعماله توم باركر. الذي يقدم دوره “توم هانكس” ذلك الرجل الذي اتهم بعد ذلك بسنوات عديدة باستغلاله حتى الموت من أجل كثرة التعاقدات التي صنعها له.
(تريلر الفيلم)
تساؤلات حول الجملة الموسيقية
قبل الحديث عن “إلفيس” وربما من خلاله علينا إعادة النظر إلى الموسيقى ذاتها التي سعى إليها. صناعة جمل موسيقية يمكنها أن تعلق في الذهن دون إجهاد. كان الرجل أول من ظهر بشكل راقص ومتحرك على المسرح. أحبت معجباته هذا الأسلوب “المخنث” في تلقي الموسيقى. لكن لم يجعله بتلك الشهرة التي صنعت منه الأشهر والأعلى أجرًا في تاريخ هوليوود إلا جمله الموسيقية التي لم ينسها مستمعها. والتي أجدها ظاهرة على المستوى ذاته من الأهمية دراسة صناعتها علميًا.
ثمة تساؤل هنا: هل شعرت يوما بصعوبة في التخلص من أغنية أو مقطع موسيقي عالق بذهنك؟. تُعرف ظاهرة تردد الموسيقى في الذهن باسم “دودة الأذن الموسيقية”. وتصيب 99% من البشر. فيما يختبر 90% منا دودة الأذن الموسيقية مرة واحدة في الأسبوع على الأقل.
إذا.. “لماذا تعلق أغنية ما في ذهني؟”
ترتبط الموسيقى ارتباطا مباشرا بذكرياتنا الواعية. ما يمنح تجاربنا الشخصية القدرة على إثارة أغاني بعينها في أذهاننا. يربط ذهنك أماكن أو عادات معينة بالأغاني. ويعيد ترديد هذه الأغاني كلما استعدت هذه التجارب أو الذكريات.
الأغاني التي تعلق وتتردد في ذهنك عادة ما تكون إيقاعا مبهجا ولحنا ممتعا وخفيفا. لكن يتخللها فترات فاصلة غير اعتيادية ليسهل تذكرها وفق دراسة أجرتها كيلي جاكوبوفسكي الباحثة الموسيقية بجامعة دورهام.
التكرار: عتمد تردد الموسيقى في أذهاننا على العلم وراء التكرار الموسيقي. يمكن أن تحتوي الأنماط الخفية في الأغاني التي تبدو بسيطة أو حتى الأغاني الرتيبة على إيقاعات معقدة للغاية. وهي المسئولة عن كيفية عمل ما يعرف بـ”syncopation” أو الترخيم. وهو مصطلح موسيقى عن تداخل النغمات وتغيير الإيقاع ويعني العلاقة بين النغمات المختلفة التي تتداخل معا لتكوين مقطوعة موسيقية واحدة.
إيقاع مشترك
تبحث سلسلة حلقات Earworm على سبيل المثال رحلة موسيقية أعدها موقع فوكس. وراء حكايات الأغاني التي تشترك في الإيقاع أو ما يمكن تسميته بـ”الحمض النووي الموسيقي نفسه”.
وتشير السلسلة إلى أن الترخيم لبعض الأغاني مدفون بعمق لدرجة أنه على السطح ربما تبدو الأغاني مختلفة تماما عن حقيقتها. لكن لا زالت تحتفظ بالأنماط نفسها التي تخلق نغمة معروفة لا شعوريا. وتعتمد جميع أنواع الموسيقى والأغاني على أنماط معينة. فموسيقى “البلوز” على سبيل المثال تعتمد على نمط I-IV-V. الأغاني الأخرى التي تعلق في الذهن وينتج عنها دودة الأذن الموسيقية مبنية على التكرار الغنائي. وهو سمة أساسية في الموسيقى الشعبية حول العالم.
الاستحواذ الكامل: عندما يكرر الموسيقيون الكلمة نفسها عشرين مرة يتحول التركيز من معاني هذه الكلمات إلى إيقاعها وطابعها الموسيقي. يستحوذ التكرار على أذهاننا بطريقة لا يمكننا في أغلب الأحيان التحكم بها. وربما يجعلنا ذلك نشعر أن الموسيقى هي التي تتحكم بنا وفق سلسلة حلقات فوكس.
النسيج الموسيقي لمشاعرنا: شير الوثائقي الموسيقي لشبكة نتفليكسExplained إلى أن التكرار هو جوهر الموسيقى، وهو ما يميز الأصوات الموجودة في الطبيعة عن الأصوات الموسيقية. وتساعدنا الأنماط في الموسيقى على تكوين روابط عميقة مع مشاعرنا. وذكرت السلسلة الوثائقية أن الموسيقي الإيطالي كلاوديو مونتيفيردي الذي كان يعيش في القرن السادس عشر كان أول من ألف خط أساسي بسيط صعودي صغير النطاق في ألحانه. وخلال مائة عام من ذلك الوقت، استخدم الموسيقيون الخط الأساسي نفسه للتعبير عن حالة الرثاء، ومع كل تكرار يتعمق المعنى. نستمع إلى هذه الألحان في كثير من الأحيان، إذ يصبح تأثيرها لحظيا ولا شعوري.
هذه الدراسات الحديثة في الموسيقى هي ما استغله ألفس للخلود، صناعة جمل وصياغات موسيقية تمكنت من أذن جمهورها تمامًا، سهلة وخفيفة وصاخبة وشبيهة بجمهورها وسياق خروجها الضاغط نفسه لتؤسس بعد ذلك لانتشار تلك الموسيقى كمحطة علاج قوية للضغط العالمي الذي أنشأه العمل والوحدة والتنقل الذي أصبح سمة العصر الحداثي القبيح.
ما يوخذ على الفيلم وما يُحسب له
لا نعتقد أن المُدّة الطويلة التي خرج الفيلم فيها (نحو 3 ساعات) هي مشكلة في ذاتها مثلما يعتقد البعض الذين يجدون أي فيلم أكثر من ساعتين وربع هو فيلم سيئ. لكن ما يجعله هنا سيئا هو عدم الاحتياج إليه. يسرد الفيلم الكثير من التفاصيل غير المهمة كما يقف تمامًا على مواضع يمكن المرور منها سريعًا لفهمها ضمنيًا.
لا يُدين الفيلم شيئا اكثر مما يدين الرأسمالية التي بدأت تسيطر على كل شيء مع ظهوره باستغلال رجل الأعمال إلى جانب زملاؤه ومص دماء هذا الفنان الذي مات عن عمر 42 في أوج شهرته بسبب أزمة قلبية من ضغط العمل المستمر غير المتوقف في أي لحظة.
فيلم إلفس هو فيلم موسيقي يقدم عربون محبة إلى مطرب صنع فكرته الأثيرة وتحمل أنواع السخرية والتجاهل وصعد سلالم المجد حتى آخر سلمة في وقت استثنائي. ليؤسس لغيره مسيرة موسيقية ولون موسيقي مختلف استقبله الجمهور بحفاوة بالغة وودعوه بقبلات وبكاء شديدين. قصة قصيرة حزينة عن مطرب سعيد.
يبدأ الفيلم من لحظة نشوة مذهلة للطفل الفنان وينتهي بلحظة شبيهة تحمل النشوة ذاتها للمتفرج. يدخل إلى أعمق تفاصيل رجل سيطر على عالم “الروك” تمامًا في أصابعه ومع رقصاته على المسرح التي أًبحت مساحة تندّر عن رجل عانى من الوحدة والسخرية.
وربما يمثل الفيلم منفذا صحيا في موسم العيد العربي بوضعه إلى جانب عدد من الأفلام التي خذلت جمهورها وكان على رأسها بالطبع الفيلم الذي انتظره الجميع ولم يحقق المراد: فيلم “كيرة والجن”.
تحية سينمائية رائقة لنوع موسيقى صنع جمهورا بالملايين اليوم ينتظرون إنتاجاته في مختلف أماكن خروجه تحديدًا من أي ولاية أمريكية صنعت مريدين بالداخل. وإخلاص واضح إلى نجوم عصر انتهى مخافة نسيانهم في عقل أجيال جديدة.