قررت الحكومة المصرية تعديل الأسعار الحالية السائدة في السوق المحلية بالنسبة للبنزين والسولار اعبتارًا من اليوم الأربعاء. وتفاوتت الأسعار بين 50 قرشا وجنيه واحد لمختلف أنواع البنزين. وهنا تساءل: “لماذا ارتفعت أسعار الوقود؟ وكيف ستؤثر على الوضع الاقتصادي لمحدودي الدخل؟ وكذلك التأثير على تسعيرة ركوب المواصلات الفترة القادمة؟”.
بمقتضى القرار الجديد ستصبح أسعار البنزين على النحو التالي: 8 جنيهات للتر بنزين 80. و9.25 جنيه للتر بنزين 92. و10.75 جنيه للتر بنزين 95.
أما أسعار السولار فتصبح 7.25 جنيه/لتر وزيادة سعر طن المازوت المورّد لباقي الصناعات 400 جنيه/طن ليصبح سعر الطن 5000 جنيه/طن. مع ثبات أسعار المازوت المورد للصناعات الغذائية والكهرباء.
لماذا لجأت الحكومة لزيادة أسعار البنزين؟
رغم خطط تطوير إنتاج الوقود -بنزين وسولار- التي تبنتها الحكومة خلال السنوات الماضية فإنها لا تزال غير مجدية حتى الآن. حيث تلجأ الدولة إلى توفير جانب من استهلاكها من الخارج. ما يجعلها عرضة للتأثر بالتقلبات السعرية العالمية. وكذلك الأزمات السياسية والاقتصادية. فتلجأ الدولة إلى خيار تحريك أسعار البنزين والسولار لتعويض جزء من ارتفاع تكلفة فاتورة الدعم الشهرية.
وشرحت مصادر بالهيئة العامة للبترول أسباب زيادة أسعار البنزين. موضحة أن أسعار النفط العالمي مستقرة حاليًا عند مستوى نحو 100 دولار للبرميل -منذ الأزمة الروسية الأوكرانية. في حين اعتمدت الحكومة سعر برميل النفط في الموازنة الجديدة 2022-2023 بنحو 80 دولارًا للبرميل. أي بمعدل أعلى من المقدر في موازنة الدولة بنحو 20 دولارًا لكل برميل. وهي نسبة لا يمكن للموازنة تحملها في ظل عدم جدوى إجراءات التحوط ضد تقلبات أسعار النفط.
تغير سعر برميل البترول عالميا
وأضافت المصادر لـ“مصر 360″ أن تراجع قيمة الجنيه أمام الدولار -رغم تثبيت سعر الفائدة باجتماع المركزي الأخير- وزيادة تكاليف الشحن العالمية رجحت كفة زيادة أسعار الوقود محليًا للربع الأول من العام المالي الجاري. وذلك لتقليص حجم الضغط على موازنة الدولة. وبالتالي فإن جميع معطيات السوق تؤثر بشكل مباشر على موازنة الدولة التي لم تعد قادرة على توفير احتياجات المواطنين من الوقود دون زيادة.
ولفتت إلى أن الموازنة الجديدة لعام 2022/2023 شهدت تغيرًا في مستوى سعر برميل النفط بعد القفزة الأخيرة عالميًا وتراوحه بين 100 و105 دولارات للبرميل. ومع ذلك لا يزال هناك فارق كبير بين المقدر والفعلي بالسوق.
أما الخبير البترولي جمال القليوبي فيوضح لـ”مصر 360″ أن الدولة ليست قادرة على تلبية كامل احتياجات السوق من الوقود. لذا تلجأ إلى الاستيراد الخارجي عبر عقود قصيرة ومتوسطة الأجل بأسعار مرتفعة غير المعتمدة بالموازنة العامة للدولة. وبالتالي ترتفع الأعباء الملقاة على الحكومة وهنا تلجأ إلى مشاركة المواطن تلك الأعباء.
وأشار “القليوبي” إلى أن مساعدات دول الخليج لمصر فيما يتعلق بالمواد البترولية لم تعد كما كانت بعد 2014. حيث كان يتم توفير جانب من احتياجات السوق المحلي من غير شحنات مدعمة من دول الخليج، أما حاليًا يتم الاستيراد من السوق العالمية عبر عقود متغيرة وفق أسعار خام برنت المتقلب حاليًا.
تأثر سلبي بالأحداث العالمية
وفي ظل التقلبات العالمية فإن مصر تتأثر بشكل مباشر ومستمر بارتفاع أسعار البترول من جوانب عدة. أهمها أسعار البنزين والمنتجات البترولية الأخرى. والتي تتم مراجعتها كل 3 أشهر بناءً على تطورات أسعار البترول. إلى جانب تأثيرها على بند الإنفاق على دعم المواد البترولية في الموازنة العامة للدولة. وبالتالي احتمالية التأثير على عجز الموازنة.
وقال المهندس طارق الملا –وزير البترول– في تصريحات لقناة سكاي نيوز عربية إن اقتصاد مصر “سيتأثر سلبا” بالصعود الكبير لأسعار البترول الناتجة عن الحرب الأوكرانية. متابعًا: “تغير أسعار البترول لحظي وكل يوم يحدث تغيير. هذا ليس في صالح مصر”.
وأضاف: “مصر دولة مستوردة للزيت الخام والمشتقات البترولية. وبالتالي هناك تطلع وترقب بصفة مستمرة كي لا تكون هناك زيادة في الأسعار تؤثر في المنظومة”.
وصرحت مصادر مسئولة بالهيئة العامة للبترول أن الدولة تتأثر سلبيًا بالارتفاعات المتتالية لأسعار النفط العالمي. ومن ثم هناك احتمالية تحريك الأسعار المحلية للمنتجات البترولية “البنزين وغيره” كل 3 أشهر. وذلك عقب اجتماع لجنة تسعير الوقود الربع سنوي.
وأضافت المصادر أن الأسعار التي وصل إليها الخام العالمي لم تكن في الحسبان نهائيًا. وأن التوقعات والسيناريوهات التي وضعتها وزارة البترول للعام المالي الجاري لم تتوقع تلك الأسعار. وبالتالي فإن خام برنت يحلق بعيدًا عن السعر الذي اعتُمد مؤخرًا في موازنة 2022-2023.
كيف يتأثر محدودو الدخل؟
ومع ارتفاع أسعار البنزين والمازوت فإن الآثار الجانبية السلبية للقرار تؤثر في تفاصيل الحياة اليومية للمواطن. خاصة فئة المواطنين من الطبقات المتوسطة والفقيرة ومحدودي الدخل. باعتبار أن زيادة سعر البنزين تؤثر مباشرة في أسعار السلع والمنتجات الاستهلاكية لتلك الفئات. نظرًا لدور ارتفاع البنزين في زيادة تكلفة نقل البضائع والسلع إلى جانب رفع أجرة الركوب.
رمضان أبو العلا -الخبير البترولي- ليس لديه أدنى شك في كون تحريك أسعار البنزين يؤثر في شرائح مجتمعية عدة. بما يشمل الأنشطة التجارية. وما يتبع ذلك من ارتفاع لأسعار السلع والمنتجات. إذ إن جميعها مرتبط بالزيادة الجديدة في تكلفة مدخلات التشغيل -النقل والتوزيع- وينفق محدودو الدخل نسبًا كبيرة من دخولهم في توفير الطاقة الأساسية اللازمة لحياتهم اليومية -بنزين وسولار- وبالتالي فإن أي زيادة في أسعار هذه السلع يترتب عليها مزيد من المعاناة لهذه الفئة.
ويرى “أبو العلا” أنه لا بد للحكومة أن تعمل بشكل رقابي على الحد من التبعات الاقتصادية والاجتماعية السلبية لقرارات تحريك أسعار البنزين. ومن ثم ضبط ممارسات البعض الاستغلالية برفع زيادات غير مبررة في أسعار السلع.
وعلى سبيل المثال يؤثر قرار زيادة أسعار البنزين مباشرة على زيادة تعريفة الركوب لسيارات النقل الجماعي والسرفيس والتاكسي بجميع محافظات الجمهورية. وكذلك أسعار المواد الغذائية وتكاليف وسائل انتقال البضائع بين مناطق الإنتاج والاستهلاك. وهي ما يتم تحميلها على المواطن في النهاية -وفق مدحت يوسف الخبير البترولي لـ“مصر 360”. والذي يرى أن تأثير زيادة أسعار البنزين سينعكس على معدلات التضخم. ومن ثم التأثير بشكل ليس مرتفعًا على معدلات النمو الاقتصادي.
ويتكون مؤشر التضخم من بنود عدة. على سبيل المثال أسعار الطعام والشراب والمسكن والنقل والتعليم. ويستحوذ بند الطعام والشراب على النصيب الأكبر من المؤشر. ويقيس معدل التضخم الشهري والسنوي نسبة زيادة أسعار هذه البنود في فترة محددة مقارنة بفترة مماثلة.
زيادة تعريفة المواصلات 7%
التأثير المتوقع لزيادة أسعار الوقود في مختلف مناحي حياة المواطنين بدأ بزيادة تعريقة ركوب وسائل المواصلات. ما يعني أن البلاد باتت على موعد مع زيادة مؤكدة في مختلف السلع والمنتجات الاستهلاكية بالسوق.
وقد أكد اللواء محمود شعراوي وزير التنمية المحلية -بعد زيادة البنزين والسولار- لهيئة النقل العام بالقاهرة والإسكندرية أن تكون زيادة تعريفة الركوب متناسبة مع زيادة أسعار الوقود. لافتا إلى أن الزيادة في سعر التذكرة لن تتخطى 50 قرشا عن الأسعار القديمة.
وأشار إلى أن الزيادة الجديدة في تعريفة الركوب لوسائل المواصلات داخليا وبين المحافظة والأخرى ستكون ما بين 5% و7% على جميع الخطوط الداخلية بالمحافظة والخارجية بين المحافظات. على أن يتم إعلان التعريفات الجديدة اليوم مع تعليقها بالمواقف كافة وتكون بصورة واضحة.
كما وجه بقيام المحافظين بالمرور على مواقف السرفيس ومحطات الوقود للتأكد من انتظام العمل بالمواقف وعدم استغلال المواطنين. مع التنبيه على القيادات التنفيذية بالمرور على مدار اليوم للمتابعة والتعامل بحسم مع أي مخالفات لسائقى السرفيس والنقل الجماعى واتخاذ الإجراءات القانونية وتحرير محاضر للمخالفين.
أين مكاسب الغاز؟
وتساءل عدد من المواطنين: “لماذا لم يعوض الغاز الطبيعي الفجوة الحالية في أسعار المنتجات البترولية وعلى رأسها البنزين؟”.
وذلك باعتبار أن الدولة تمكنت الفترة الماضية من تصدير كميات من الغاز الطبيعي المسال إلى الخارج.
هن، يرى الخبراء أنه من المفترض أن يتم توجيه جزء من قيمة الغاز المصدر إلى الخارج لتوفير البنزين والسولار بسعر ملائم للفئات الأقل دخلاً. خاصة خلال الفترة الراهنة التي شهدت تحريك أسعار عدد من أنواع الوقود.
ويشهد الإنتاج المصري من الغاز الطبيعي حالة من الاستقرار. ويتراوح حاليًا بين 6.5 و7 مليارات قدم مكعب يوميً. بينما تصدر مصر منه نحو 1.6 مليار قدم مكعب يوميًا من محطتي إسالة الغاز “إدكو ودمياط”. وتعول عليه الحكومة كثيرًا في توفير عملة دولارية جيدة للموازنة العامة للدولة خلال الفترة الراهنة.
هيكلة الدعم وإنتاج البنزين
في عام 2014/2015 بدأت الحكومة -ممثلة في وزارة البترول- خطة ترشيد دعم الطاقة. وذلك بتطبيق زيادات متتالية في أسعار الوقود ومنها البنزين. وقد أعلنت حينها عن خطة لإلغاء الدعم وتحرير سعر الطاقة بحلول 2021. ومحاسبة المواطن بسعر التكلفة. على أن يتم ربط سعر بيع المنتجات البترولية بالأسعار عالميًا عبر لجنة تسعير الوقود التلقائي التي شُكلت لهذا الغرض.
ويقول مدحت يوسف -نائب رئيس هيئة البترول السابق: قبل اعتماد برنامج رفع الدعم عن الوقود -الفترة 2010-2015- كانت الدولة تعاني من عجز واضح في توفير الوقود. ومنه البنزين والسولار. ومن ثم كان لذلك تأثير في مختلف الأنشطة اليومية للمواطن. ولذا اتجهت الدولة إلى تطوير القطاع وإقامة مشروعات إنتاج وتكرير جديدة لتلبية احتياجات السوق من المنتجات البترولية.
لكن إلى الآن لم تصل الدولة إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي من المنتجات البترولية. رغم عمليات البحث والتنقيب المكثفة التي تمت السنوات الماضية -حسب يوسف.
ورغم التوسع في خطط الإنتاج والتكرير فإن حجم إنتاج الوقود لا يزال غير كاف لسد كامل احتياجات السوق. لذا تعمل مصر على تأمين احتياجاتها من المشتقات النفطية. التي ترهق الموازنة العامة للبلاد بأعباء كثيرة. وسعت إلى زيادة إنتاج البنزين محليًا من نحو 3.9 مليون طن في عام 2014 إلى 6 ملايين طن خلال 2021 بنسبة زيادة 59%.
في الوقت الذي تستهلك فيه الدولة ما يزيد على 6.7 مليون طن بنزين سنويًا. أي إن الدولة تلجأ إلى الاستيراد الخارجي لتأمين جانب من احتياجاتها. واستوردت مصر كميات من البنزين في عام 2018 بواقع 1.8 مليار دولار قبل أن ينخفض إلى 613 مليون دولار في 2020.
وبالتالي لا تزال هناك فجوة كبيرة بين العرض والطلب. لذا تحاول الدولة سد الفجوة عبر الاستيراد. وهو ما يجعلها عرضة للتأثر بتقلبات الأسعار العالمية من النفط الخام. ومن ثم تحريك أسعار الوقود للجمهور المستهلك ومنها البنزين والمازوت.