أصبح قطاع الغذاء المصري مستهدفًا بقوة من قبل المستثمرين الإماراتيين والسعوديين، الذين يتنافسون على اقتناص الشركات ذات الملاءة المالية القوية في سوق المشروبات والوجبات السريعة ونصف المصنعة. قبل أيام أعلنت مجموعة “أغذية” الإماراتية، التي يقف علي رأس إدارتها سلطان السويدي الرئيس التنفيذي لمجموعة المحافظ الاستثمارية بشركة أبو ظبي القابضة، صفقة لشراء 60% من مجموعة “أبو عوف”، إحدى أكبر الشركات المتخصصة بصناعة وبيع منتجات القهوة والوجبات الخفيفة بمصر، في صفقة بقيمة 3 مليارات جنيه.
اقرأ أيضًا.. رحلة الـ10 جنيهات من الـ600 جرام ذهب إلى “باكو الشكولاتة”
“أبو عوف” كانت تعتزم الطرح في البورصة خلال الربع الثالث من العام الحالي، وهو أمر ترقبه الكثير من المستثمرين لتحريك المياه الراكدة بالسوق المالية، خاصة أنها شركة تجارية حققت مبيعات بقيمة مليار جنيه عام 2021، لكن إدارتها فضلت البيع المباشر للإماراتيين.
“أغذية” تأسست قبل 18 عامًا وركزت جل نشاطها علي السوق المحلية، حتى جاءت جائحة كورنا لتستهدف الاستحواذ على شركات مصرية، فقبل “أبو عوف” أكملت صفقة الاستحواذ على حصة الأغلبية في شركة الإسماعيلية للاستثمار الزراعي “أطياب” العاملة في مجال إنتاج اللحوم والدواجن المجمدة.
الشركة الإماراتية لا تستهدف الحصول على حصص فقط ولكن نسب حاكمة تمنحها اتخاذ القرار، ففي “أبو عوف” اقتنصت 60%، وفي “أطياب” سيطرت على 75.02%، لكنها تترك في الوقت ذاته حصة أقلية بيد الإدارة القائمة لتواصل تنمية الأعمال التجارية بدعم من القوة المالية الجديدة المتولدة من الاستحواذ.
تبحث أغذية عن شركات ثقيلة فالقدرة الإنتاجية السنوية لـ”أطياب” تبلغ 70 ألف طن عبر عدد من المنشآت وخطوط الإنتاج، بما في ذلك مصنع على مساحة 60 ألف متر مربع، كما حققت نموًا ملحوظًا في إيراداتها بمعدل سنوي مركب يبلغ 28% تقريبًا بين عامي 2016 و2020، مع تحقيق هوامش ربح قوية عام 2020 بلغت 19% تقريبًا قبل احتساب الضرائب والإهلاك.
الإمارات لن تتوقف عن الاستحواذات في سوق الغذاء المصري
لان سميث الذي يتولي منصب الرئيس التنفيذي بأغذية، يتبني استراتيجية التوسع التي اكتسبها من خبرة عقدين، إذ شغل مناصب مختلفة في شركة “ماندوليز” الأمريكية متعددة الجنسيات لصناعة المواد الغذائية كان آخرها منصب المدير الإداري بالشرق الأوسط وباكستان.
استهدف سميث مصر كسوق رئيسية لتحفيز نمو المجموعة باعتبارها الدولة الأعلى كثافة على مستوى السكان والاستهلاك، فوفق بحث الدخل والإنفاق/ الاستهلاك، الذي يصدره الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء سنويًا. يبلغ حجم المنفق من المصريين البالغ عددهم 100 مليون نسمة، على الطعام 31.1% من إجمالي إنفاق الأسر السنوية.
سميث توقع في مقابلة مع تلفزيون “بلومبرج” قبل شهور نموًا في أعمال المجموعة في مجال السلع الاستهلاكية، قائلاً: “المجموعة تبحث عن الفرص المناسبة لعمليات الاستحواذ مع التركيز على السعودية ومصر”.
السعودية حاضرة أيضًا في صفقات الاستحواذ
قبل أسابيع، استحوذت مجموعة صافولا الغذائية السعودية على الشركة المصرية البلجيكية للاستثمارات الصناعية – المصنعة للمخبوزات في صفقة تقدر قيمتها بنحو 600 مليون جنيه، وتضمنت الصفقة، التي حضر توقيعها وزيرة التجارة والصناعة ورئيس هيئة الاستثمار بمصر والمستشار الاقتصادي للسفارة السعودية، استحواذ “صافولا” على إجمالي أصول الشركة المصرية والعلامة التجارية “أوليه”.
بجانب “صافولا” تنشط شركة العليان السعودية في سوق الغذاء المصري، بعدما استحوذت قبل سنوات على حصة شركة القلعة البالغة 55% من شركة الرشيدي للميزان أكبر منتج للمربي والعسل، بقيمة 580 مليون جنيه.
كانت المراعي السعودية، التي لديها حصة كبيرة بسوق الألبان والعصائر بمصر، استحوذت أيضًا قبل سنوات على كامل أسهم الشركة العالمية للتصنيع الزراعي “بيتي” بقيمة تجاوزت 645 مليون جنيه وشملت عملية الاستحواذ مصانع الشركة إلى جانب الأراضي الملحقة لها لاستخدامها في التوسعات المستقبلية.
تتردد أنباء حالًيا عن سعي المراعي أيضًا لاقتناص حصة بشركة القاهرة للدواجن التي تملك شركة “أمريكانا” القابضة للأغذية المصرية لميتد، إماراتية الجنسية، نحو 35.5% من أسهم رأسمالها، وشركة القاهرة للدواجن، تأسست كشركة مساهمة مصرية، فى يوليو 1977، وهي مدرجة في البورصة المصرية ويبلغ رأسمالها السوقي أكثر من 1.7 مليار جنيه.
كما تملك شركة “عبدالقادر المهيدب” السعودية حصة كبيرة في شركة “بايونيرز” القابضة التي تملك بدورها شركة “آراب ديري” المتخصصة في إنتاج الأجبان والألبان، التي تأسست سبتمبر 1985، ولديها حضور بسوق الأجبان.
تكالب السعودية والإمارات على شراء شركات الغذاء سياسة دولية
يقول بعض المحللين إن الاستحواذات “السعودية ــ الإماراتية” على شركات الأغذية تتخذ طابعًا عالميًا حاليًا، فقبل شهور اشترت أبو ظبي القابضة أغلبية بشركة يونيفروتي جروب، وهي شركة منتجة وموزعة للفواكه والخضراوات الطازجة بجانب 45% من أسهم شركة لويس دريفوس، التي تعمل بمجال الزراعة ومعالجة الأغذية، وتعتبر واحدة من أكبر شركات تجارة الحبوب والبذور الزيتية والسكر عالميًا.
وتمتلك القابضة حاليًا نحو 300 ألف فدان من الأراضي الزراعية المنتجة في: رومانيا، وصربيا، وإسبانيا، والمغرب، ومصر، وناميبيا، والولايات المتحدة، كما تملك أيضًا أصولا زراعية إضافية في جنوب إفريقيا ، والهند وباكستان والصين وأستراليا.
الأمر ذاته يتكرر مع الشركة السعودية للاستثمار الزراعي والإنتاج الحيواني “سالك”، التي تمثل ذراع صندوق الاستثمارات العامة، واقتنصت أخيرًا 35% من وحدة أولام الزراعية ومقرها سنغافورة، مقابل 1.2مليار دولار، وهي إحدى الشركات العالمية الرائدة بمجال تجارة الحبوب والأرز والأعلاف وزيوت الطعام، ويعمل بها أكثر من 9100 موظف في أكثر من 30 دولة.
وأتمت “سالك” صفقة الاستحواذ على مصنعين لسلخ ومعالجة اللحوم الحمراء في أستراليا، عبر شركة “بلادجي” التي تمتلك وتدير مزارع مساحتها أكثر من 200 ألف هكتار غرب أستراليا، وتضم 40 ألف رأس من الأغنام.
كما زادت “سالك” حصتها في شركة منيرفا فودز البرازيلية من 25.5% إلى 33.8%، بعدما استطاعت الشركة البرازيلية تصدير 750 ألف طن من اللحوم الحمراء إلى أكثر من 100 دولة حول العالم في 2020 رغم جائحة كورونا.
المستثمر الأجنبي يريد شركة قائمة تربح ولا يفضل تأسيس شركات جديدة
يقول بعض الاقتصاديين إن الاستحواذات أو الاستثمارات كما يتم تسميتها تحقق نفاذية للمنتجات المصنعة في مصر أيًا كانت ملكية المالك، لكن معدل نمو الصادرات المصرية في الصناعات الغذائية التي ينشط فيها المال الخليجي اتسم بالتذبذب.
صادرات مصر من العصائر والمشروبات للسوق السعودية على سبيل المثال بلغ سالب 11% عام 2017 كما انخفضت معدلات اختراق صادرات المجمدات المصرية للإمارات والسعودية بنسبة 0.8 و0.9% على التوالي، وبينما ارتفعت صادرات مصر من الجبن المطبوخ للسعودية بنسبة 80% انخفضت بالنسبة ذاتها للسوق الإماراتية في عام 2017 أيضًا.
يقول الدكتور وليد جاب الله، الخبير الاقتصادي، إن مصر تركز على جذب استثمارات كبيرة من الخارج بقطاع الأمن الغذائي وتجارة التجزئة وغيرها من القطاعات، والمستثمرون هم الذين يختارون المجال الذي يريدونه، كما يفضلون شراء شركات قائمة تحقق أرباحا وليس تأسيس شركات جديدة.
يضيف أن قطاع الأمن الغذائي في بلد عدد سكانها 100 مليون نسمة أمر جاذب للاستثمار الأجنبي عنصر فالطلب متزايد، ولا يوجد مشكلة من استحواذ الخليج على شركات مصرية لأنه يزيد من ثقة المستثمين الأجانب، ولا مانع من إقامة شركات جديدة في المجال ذاته سواء للدولة أو القطاع الخاص.