عقبة جديدة تعرقل مسار الحوار الوطني، الذي لا يزال يتلمس خطاه ما بين السلطة والمعارضة في مصر. إذ علم “مصر 360” من مصادر داخل الحركة المدنية الديمقراطية أن اجتماعًا يضم أحزاب الحركة مساء اليوم الأحد، سيحدد مصير استمرار مشاركتها في الحوار، الذي دعا إليه الرئيس في رمضان الماضي. ذلك احتجاجًا على “الطريقة التي يدار بها الحوار السياسي وإصرار السلطة على عدم اتخاذ قرارات جادة وحاسمة فيما يتعلق بالإفراج عن سجناء الرأي”، وفق المصادر، التي أكدت أن المشاركين من الحركة باتوا أقرب إلى الاعتقاد بعدم جدية وفاعلية الحوار.
وأفرجت النيابة أمس السبت، عن ستة من السجناء على خلفية قضايا الرأي والنشر. وكان على رأس هؤلاء المحامي الحقوقي عمرو إمام، والكاتب الصحفي عبد الناصر سلامة رئيس تحرير جريدة الأهرام الأسبق. بالإضافة إلى السفير السابق يحيى نجم.
لكن مدحت الزاهد، رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، لفت إلى “حالة من الغضب الشديد في صفوف حزب التحالف الشعبي والحركة المدنية الديمقراطية على السواء”. وأضاف في تصريحاته لـ”مصر 360″، أن القرار النهائي فيما يخص تعليق حزبه المشاركة في الحوار مرهون حاليًا بالتشاور مع أعضاء الحركة المدنية.
الزاهد أشار إلى أن حزبه سيدعو الحركة المدنية -التي تضم الأحزاب اليسارية والليبرالية والشخصيات العامة- خلال اجتماعها مساء اليوم الأحد في مقر حزب المحافظين، إلى مناقشة آخر التطورات الخاصة بالحوار، ومن ثم تعليق المشاركة. قال: “سندعو الحركة المدنية أولًا إلى تعليق المشاركة لحين الوفاء بالوعود.. مطالبنا بسيطة؛ زملاؤنا أسرى في السجون ولا نستطيع أن نخوض حوارًا على طريقة السجان والأسير. هذه الطريقة تجهض الحوار وتفقد من قبلوه منا المصداقية.. سنطرح اقتراحنا على الحركة المدنية ونرى ما سيحدث”.
اقرأ أيضًا: الحركة المدنية والحوار الوطني.. اختلاف على الأولويات واتفاق على الأهمية
الإحباط يعرقل مسار الحوار
في وقت سابق، هدد كمال أبو عيطة، عضو لجنة العفو الرئاسي، بتجميد عضويته في اللجنة. إذ أشار -في تصريحات صحفية- إلى أن هناك من يعوّق عمل اللجنة، ويصعب الوصول لحلول جذرية في ملف سجناء الرأي؛ “ليبدأ الحوار السياسي بأجواء إيجابية تساعد على إنجاحه”.
وقال خالد داوود القيادي بالحركة المدنية الديمقراطية، لـ”مصر 360″، إن كل أحزاب الحركة تشعر بـ”الإحباط وخيبة الأمل” فيما يتعلق بـ”التباطؤ غير المفهوم في التعامل مع ملف سجناء الرأي”. وأكد أن قيادات الحركة حصلوا على وعود بالإفراج عن عدد كبير من السجناء كبادرة إيجابية للحوار تبدد أي شكوك حول جديته وإمكانية نجاحه. إلا أن تلك الوعود لم تنفذ إلى الآن.
وفيما يتعلق بإمكانية تعليق المشاركة في الحوار السياسي، أوضح داود أن “الأمر متروك للمشاورات التي ستتم اليوم في اجتماع الحركة المدنية”. مبديًا تفهمه للأصوات الغاضبة داخل الحركة المدنية.
داوود: إغلاق قضايا 2019 ضرورة الآن
يرى داوود أن الحد الأدنى المطلوب الآن هو إغلاق كل قضايا عام 2019. ومن ثم إطلاق سراح من هم في الحبس الاحتياطي ومن صدرت ضدهم أحكام نهائية مثل زياد العليمي ومحمد رمضان وهشام فؤاد ومحمد الباقر وعلاء عبد الفتاح وهيثم محمدين وغيرهم. فضلًا عن التوقف عن ملاحقة كل من يعبر عن رأيه أو ينتقد السلطة.
يضيف داوود أن هذا الملف يحتاج لانفراجة حقيقية وكبيرة بشكل عاجل، تساعد في بناء أجواء إيجابية قبل الحوار. “فهذه الانفراجة تساهم في إقناع المتشككين في جدوى الحوار وإمكانية نجاحه.. الواقع السياسي ليس سهلًا على الإطلاق ويحتاج إلى مزيد من العمل والضغط حتى نحصل على نتائج مرضية لكل الأطراف”.
اقرأ أيضًا: قبل بدايته أوائل يوليو.. كل ما تريد معرفته عن الحوار الوطني ومديره
من غادروا محبسهم منذ دعوة الحوار
في 25 إبريل/نيسان الماضي، شهد حفل إفطار الأسرة المصرية -بمشاركة الرئيس السيسي- صدور عدد من القرارات الرئاسية منها إعادة تفعيل عمل لجنة العفو الرئاسي. وكذا إدارة حوار سياسي حول أولويات العمل الوطني خلال المرحلة الراهنة.
ولم تمر سوى سويعات قليلة حتى نفذت وزارة الداخلية قرار الإفراج عن حسام مؤنس الناشط السياسي والمتحدث الرسمي باسم التيار الشعبي والمدير السابق لحملة ترشح حمدين صباحي لرئاسة الجمهورية. ذلك في القضية رقم 957 لسنة 2021 ج أ د طوارئ مصر القديمة.
كما أعلن نقيب الصحفيين ضياء رشوان عقبها عن الإفراج عن 3 صحفيين كانوا محبوسين على ذمة قضايا متعددة. وهم عامر عبد المنعم وهاني جريشة وعصام عابدين.
وقد أتت هذه الإجراءات بعد أيام من إلقاء القبض على الإعلامية هالة فهمي وحبسها لمدة 15 يومًا، على ذمة التحقيقات في القضية رقم 441 لسنة 2022 حصر أمن دولة. والتي أدرجت عليها أيضًا زميلتها الصحفية صفاء الكوربيجي. وتم القبض عليها قبلها بأسبوع.
وخلال الفترة من مايو/أيار حتى 16 يوليو/تموز الجاري صدر عدد من قرارات إخلاء السبيل. شملت:
30 مايو/أيار
الإفراج عن: أيمن عبد المعطي عبدالرسول ورد، ومحمد رضا السيد جمعة، وشريف الروبي، ومحمد وليد سعد، وسامح سعود، وحسين خميس محمد شبل (حسين السباك). ذلك في القضية 1898 لسنة 2019.
13 يونيو/حزيران
نيابة أمن الدولة العليا تخلي سبيل عددٍ ثمانية محبوسين احتياطيًا من بينهم مجدي قرقر ومعتز عبد الوهاب.
16 يونيو/حزيران
إخلاء سبيل أشرف محمود محمد، وعادل عزت أحمد، ومحمد جميل السيد في القضية 880. بالإضافة إلى أحمد عبد الناصر محمد، وعلي سعد حربي في القضية 1358. وأيضًا خالد محمود خليل قضية رقم 2000. إلى جانب يوسف محمد زكي وأحمد السيد محمد، وشوقي محمد طلعت، وعلي سعد حربي في القضية 1413.
وشمل القرار الإفراج بقرار عفو رئاسي عن ثلاثة من المحكوم عليهم بقضية أحداث مجلس الوزراء.
7 يوليو/تموز
الإفراج عن قائمة تضم 60 شخصًا، بينهم 23 من سجن طرة، و26 من سجن أبو زعبل، و8 من سجن القناطر، و1 من سجن المنيا، و2 سجن مركزي. ذلك بخلاف عدد من العمال المحبوسين.
16 يوليو/تموز
إخلاء سبيل عدد من المحبوسين احتياطيًا، بينهم: مهاب يسري الإبراشي، بسام جلال السيد، عمرو إمام، عبد الناصر سلامة، يحيى زكريا عثمان نجم، ممتاز فتحي عبد الوهاب قاسم.
ووصلت المشاورات بين قيادات الحركة المدنية الديمقراطية وعدد من كبار المسئولين في الدولة لما يشبه الاتفاق على قرار بالإفراج عن عدد كبير من سجناء الرأي قبل بدء الجلسات الرسمية. إلا أن تباطؤ السلطة في الإفراج عن السجناء خلق حالة من الغضب داخل صفوف الحركة المدنية.
وقد وصف كمال أبو عيطة، عضو لجنة العفو الرئاسي والقيادي بالحركة المدنية الديمقراطية، قرار الزاهد بتعليق المشاركة في الحوار اعتراضًا على التعامل مع ملف سجناء الرأي بأنه “موقف الحركة المدنية كلها، ويعبر عنها”.
الحركة الكمال أبو عيطةوأضاف: “هناك حالات عفو نثمنها. لكن حالة التباطؤ في إزالة هذا الوجع أدت إلى وجود هذا الشعور الذي عبر عنه الزاهد. علمًا بأن أول بيان صادر عن الحركة المدنية حدد ضمانات لنجاح الحوار. كان أولها الإفراج عن سجناء الرأي. إذ أن الحبس في قضايا الرأي والنشر يخالف الدستور”.
كشف أبو عيطة كذلك أن ممثلي السلطة وافقوا على ضرورة أن يبدأ الحوار الوطني بإخلاء سبيل المحبوسين كضمانة، إلى جانب ضمانات أخرى اشتملها بيان الحركة المدنية في 8 مايو/أيار الماضي.
اقرأ أيضًا: “الحركة المدنية الديمقراطية” تطالب بـ 7 إجراءات ضامنة لإنجاح الحوار السياسي
الالتزام بـ”بيان 8 مايو” للاستمرار في الحوار
وأكدت مصادر سياسية، لـ”مصر 360″، أن اجتماع الحركة المدنية اليوم سيعيد التأكيد على التمسك بـ”بيان 8 مايو”. بالإضافة إلى إعلان أن أحزاب الحركة لن تقبل بالمشاركة في الجلسات الرسمية قبل إخلاء سبيل المحبوسين على ذمة قضايا الرأي.
يرجح كمال أبو عيطة أن تأخير صدور قرارات العفو مرجعه -حسب الأجهزة الأمنية- الخشية من الإفراج عن “إرهابيين”. ويعقب على ذلك قائلًا: “الحركة المدنية وأنا وزملائي في لجنة العفو لم نتبن طلبات بإخلاء سبيل إرهابيين.. نحن نطالب بإخلاء سبيل شخصيات نعرفها حق المعرفة. وهم جزء أصيل من مكونات الحركة المدنية، لم يضبطوا يومًا بممارسة العنف أو التحريض عليه”.
ورغم ذلك، فإن أبو عيطة يبدي تفاؤلًا بشأن حل هذا الملف خلال الفترة المقبلة. ويرى أن الأزمة الحالية في طريقها للحل. وقد بدأ هذا بصدور قائمة الأمس التي ضمت بعض الأسماء التي كانت الجهات الأمنية ترفض الإفراج عنها. مثل عبد الناصر سلامة رئيس تحرير الأهرام الأسبق. وإن كان أبو عيطة يدعو الجميع لبذل جهود أكبر من أجل إنجاح الحوار.
يقول: “من جانب على الأجهزة الأمنية أن تستجيب لطلبات لجنة العفو وتخلي سبيل الأبرياء وتتوقف عن القبض على الناس لأسباب واهية أو بدون أسباب. وعلى القوى الوطنية تفهم طبيعة الدولة العميقة ذات السبعة آلاف عام حضارة، وتفشي الروتين والبيروقراطية فيها. علاوة على المعالجات والسياسات الأمنية التي اتسمت بتتبع وتعقب العمل السياسي أكثر من اهتمامها بتعقب الإرهاب والجرائم والفساد. علينا أن نعمل معًا على إنجاح الحوار السياسي لأننا نرى فيه طريقًا لإنقاذ الوطن”.