كتبت- سهاد الخضري:
اعتاد “السعيد منصور عاشور” 71 عامًا، المفوض العام عن صيادي مصر، الذهاب فجر كل يوم إلى مزرعته السمكية التي استأجرها قبل 40 عامًا من هيئة الثروة السمكية في بحيرة المنزلة. لكن يوم 15 يونيو/حزيران الماضي كان مختلفًا، عندما دخل الرجل إلى مزرعته ليكتشف نفوق أكثر من نصف طن من الأسماك التي يربيها. الرجل لم يتمالك نفسه من الصدمة، خاصة أنه مدين للهيئة بإجمالي إيجار متأخر وصل إلى 112 ألف جنيه.
عاشور قال لـ”مصر 360″ إنه اكتشف نفوق أكثر من 500 كيلو أسماك داخل مزرعته من أنواع الطوبار والبوري والدنيس، ليتكبد خسائر مالية وصلت إلى 30 ألف جنيه. الرجل أكد أن نفوق الأسماك كان بسبب ارتفاع درجات الحرارة ودرجة تلوث المياه في المنطقة، بالإضافة إلى ما قال إنه إهمال من قبل هيئة الثروة السمكية.
اقرأ أيضًا.. مليون أوقية جديدة بالصحراء الشرقية.. هل يُعيد منجم “إيقات” مصر إلى خريطة الذهب العالمي؟
نفوق أسماك وديون متراكمة.. ماذا يحدث في المنزلة؟
“شغلنا مضخات المياه في أحواض السمك دون فائدة، وخلال 24 ساعة من النفوق يضطر المزارع أو صاحب المزرعة للتخلص من أسماكه بالدفن أو البيع، وبالفعل بعت السمك للتاجر بنصف الثمن فقط”.. يقول “عاشور” مبررًا ذلك بأن تعريض السمك النافق للنار يقضي على الميكروبات الموجودة فيه بعد النفوق، وبالتالي لا يصبح أكله ضارًا بالإنسان.
منذ سنوات تشهد بحيرة المنزلة نفوق كميات كبيرة من أسماك المزارع السمكية، وهو ما تكرر خلال شهر يونيو/حزيران الماضي، نفوق تلك الكميات من الأسماك جاء ليزيد معاناة المزارعين، إذ إن معظمهم مدين بمبالغ كبيرة لهيئة الثروة السمكية، بحجم مديونية وصل إلى 100 مليون جنيه، وهو رقم ضخم بالنظر إلى حجم الإنتاج السمكي في المنطقة.
بالعودة إلى عاشور، يقول إنها ليست المرة الأولى التي تنفق فيها هذه الكميات من الأسماك في بحيرة المنزلة، مؤكدًا أنه سبق ونفقت من قبل كميات مماثلة، لكن الأمر هذا العام مختلف. مطالبًا هيئة الثروة السمكية بإعفاء المزارع المتضررة، من تحصيل القيمة الإيجارية ليتمكن المستأجرون من تجاوز خسائرهم والوقوف على أقدامهم مرة أخرى: “أنا واحد من المديونين للهيئة بأكثر من 112 ألف جنيه”.
مزارع المنزلة.. المورد الرئيسي للأسماك في مصر
تبلغ المساحة الكلية لبحيرة المنزلة 70 ألف فدان، وتبلغ مساحة المزارع السمكية فيها 33000 فدان بعدد 1300 مزرعة سمكية مؤجرة، ما بين مالحة وعذبة، منها 81 مزرعة سمكية على مساحة 2000 فدان استزراع عذب. تنتج تلك المزارع أشهر أنواع الأسماك مثل الدنيس، والقاروص، والعائلة البورية والسهيلي والجمبري واللوت والحنشان والبلطي والقراميط، بإجمالي إنتاج يبلغ 112 ألف طن سنويًا طبقًا لإحصائيات هيئة الثروة السمكية لعام 2017.
وبحسب أرقام الهيئة، تعد المزارع السمكية المورد الرئيسي للغذاء البحري في مصر، والذي يمثل 70% تقريبًا من الاستهلاك السنوي من الغذاء وسط تراجع الإنتاج المحلي من المصائد الطبيعية.
لم يختلف حال “أحمد عباس” 47 عامًا الذي يستأجر مزرعة سمكية، عن “عاشور”. إذ تكبد هو الآخر خسائر مالية وصلت إلى 250 ألف جنيه بعد نفوق أسماك مزرعته التي تبلغ مساحتها 5 أفدنة، كما حدث في الأعوام السابقة ليخسر الرجل قرابة الـ3 أطنان أسماك دفعة واحدة.
خسارة “عباس” تضاعفت خاصة أن الرجل مدين بـ200 ألف جنيه إيجارا متأخرا لصالح هيئة الثروة السمكية.
“عباس” صياد أبًا عن جد، حيث استأجر والده وعمه المزرعة السمكية في المنزلة، وتولى هو العمل فيها حاليًا بعد أن بلغ والده الثمانين. عباس يقول إنه اعتاد على رؤية مشهد نفوق الأسماك: “أبويا دفن السمك، وكذلك أفعل أنا أيضًا، لا يمكن أبيع للناس سمك ميت اللي مقبلوش على نفسي لا يمكن أقبله على غيري”.
الحرارة والري الخاطئ
من ناحيته، أرجع مصدر مسئول في هيئة الثروة السمكية، أسباب نفوق الأسماك لعدة عوامل أهمها ارتفاع درجة الحرارة وعدم ري المزارع بصورة صحيحة، متهمًا المستأجرين بتشغيل ماكينات الري بطريقة خاطئة. إذ أنه من المفترض تشغيلها 10 مرات يوميًا ليتم تغيير المياه العكرة بأخرى نظيفة، علاوة على صرف قرية الخياطة الذي يصرف أحيانًا في البحيرة، ما يضر بالأسماك.
وأضاف المصدر في تصريح لـ”مصر 360″ أن تكدس الأسماك داخل الأحواض يؤدي لنقص الأكسجين، وزيادة الأمونيا ما يؤدي في النهاية إلى اختناق الأسماك.
ووفق المصدر نفسه، فإنه لا يوجد حصر دقيق لكميات الأسماك النافقة خلال شهر يونيو/حزيران الماضي حيث لا تقل الكمية النافقة عن 20 طنًا وفقًا للبلاغات الخمسة التي وردت إلى الهيئة، مشيرًا إلى أن الإجراء المتبع في مثل هذه الأمور، هو أخذ عينات من المياه وتحليلها لمعرفة أسباب النفوق، ودفن الأسماك النافقة بالطرق السليمة حيث لا يجوز تداولها نهائيًا، كما أن بعض المزارعين يبيعون السمك النافق لتجار الفسيخ.
الأسماك النافقة قد تؤدي للموت
“بيع أسماك نافقة للمواطن سواء في هيئة فسيخ أو غيره جريمة”.. هكذا وصف الدكتور محمد عز العرب، مؤسس وحدة الأورام في المعهد القومي للكبد، بيع بعض المزارعين الأسماك النافقة للمواطنين.
وأضاف عز العرب في تصريح لـ”مصر 360″ أنه في حال تناول أشخاص فسيخ تم إعداده من أسماك نافقة، فإن تلك الأسماك تحتوي على كافة العوامل البيولوجية الضارة والفيروسية والبكتيرية، ما يعنى تناول الإنسان أسماك فاسدة رميّة قد ينتج عنها الإصابة بالتسمم فضلًا عن ما قد يحدث من مضاعفات خطيرة”، مضيفًا: “بيع أسماك نافقة كفسيخ أو تقديمها بأي شكل للمواطنين جريمة ضررها يودي بحياة الإنسان”.
“كل نفوق يحدث يؤثر على حجم المعروض من الأسماك وبالتالي رفع أسعارها”.. يقول ماجد البداوي رئيس شعبة الأسماك بالغرفة التجارية بمحافظة دمياط لـ”مصر 360″ مضيفًا: “أدى نفوق الأسماك إلى خفض كمية المعروض خاصة من البوري بكافة أنواعه واللوت بنسبة تقدر بـ25%، ما أدى إلى زيادة الأسعار بنسبة 15%، وهو ما أثر بالسلب على حجم المبيعات.. الزبون اللي كان بياخد 4 كيلو مثلًا هياخد 2 فقط حيث تراجعت المبيعات بنسبة 40%”. كما أوضح أنه لم ير أسماكا نافقة متداولة في الأسواق، إذ إنه غالبا تباع تلك الأسماك إلى محلات الفسيخ.
أسباب نفوق الأسماك
مصدر آخر في هيئة الثروة السمكية، كشف لـ”مصر 360″ حجم مديونية بعض المستأجرين للهيئة، قائلًا إنها تخطت الـ100 مليون جنيه، كما أن سعر إيجار الفدان يتراوح بين 1500 لـ3000 جنيه حسب موقع المزرعة، مضيفًا: “الهيئة لا تقدم خدماتها للمستأجرين المتعثرين ماديًا، هؤلاء مطالبون بسداد مديونياتهم المتراكمة منذ سنوات للهيئة لتستطيع تقديم خدماتها لهم”.
وفي دراسة أعدها مجدي عبد الواحد، المسئول في هيئة الثروة السمكية، حصل “مصر 360” على نسخة منها، أرجع الباحث أسباب نفوق الأسماك في بحيرة المنزلة لعدة أسباب أولها تلوث مياه البحيرة بالصرف الصحي غير المعالج، واعتماد عدد كبير من المزارع السمكية على التغذية بأسماك “البساريا، الشبار، الجمبري الصغير” ما يؤدي لزيادة نسبة المادة العضوية.
كذلك قالت الدراسة إن جانب الكثافة العددية من الأسماك بالحوض يؤدي لزيادة نسبة الأمونيا والمواد العضوية ونقص نسبة الأكسجين في الأحواض. الباحث أشار أيضًا إلى أن اعتماد مستأجري المزارع على تغيير مياه الأحواض عن طريق الري، دون استخدام مواد لزيادة نسبة الأكسجين وخفض الأمونيا، يزيد نسب نفوق الأسماك في الأحواض.