يأتي هذا الإصدار كعمل تراكمي، ومنتج فكري جماعي، نشر عبر موقع “مصر 360″، قبيل انطلاق الحوار الوطني. وقد ساهم بالكتابة فيه نخبة من الكتاب من مختلف التوجهات الفكرية والسياسية. وهو يمثل أحد مشاريع مركز التنمية والدعم والإعلام “دام”. وجاء المحتوى مقترنا بأهداف المركز ومنها دعم  حرية الرأي والتعبير، كحق أصيل ومتصل مع أهداف الحوار الوطني من فتح أبواب المشاركة، والتي تشمل النقاش في الفضاء العام، وتبادل الآراء حول القضايا الملحة، التي تقع ضمن أجندة الحوار الوطني، بما فيها من قضايا سياسية واقتصادية.

للاطلاع على الإصدار الكامل..

ولا نبالغ إذا قلنا إن بعض مساهمات هذا الإصدار، مثلت فعليا دعوة للحوار الوطني، قبل أن ينطلق رسميا بشهر، خاصة مقالة الأستاذ فريد زهران “دعوة لحوار وطني يستهدف بناء مجال سیاسي شرعي آمِنٍ ومستقر” المشنورة يوم  24 مارس، بينما جاءت أغلب المقالات لتؤكد على أن الحوار ضرورة ملحة، أو حسب ما ورد في إحدها، أن الحوار يمثل عملية إنقاذ للمسار السياسي، وتجاوز لسيناريوهات خطرة، إذا ما استمرت الأزمات الحاضرة دون حلول وطنية، تأخذ فى الاعتبار أهمية أن تشارك السلطة القوى السياسة والاجتماعية، فى تفكيك الأزمة، وأن تسترشد برؤيتها، وتخلق مجالا سياسيا حرا وتنافسيا.

على جانب آخر، جاء الحوار الوطني ضمن سياقات ثلاثة: أولها، ملامح أزمة متشابكة ليست خافية، نتلمس آثارها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وهى ضمن سياق محلى، وثانيا ضمن سياق عربي يشهد أزمات مشابهة، ودعوات  للحوار مترتبة عليها، وتحاول تجاوز ما طرأ على المجتمع من مشكلات أو انقسام، ومسافات متباعدة، بين الشعوب والسلطات الحاكمة، أي بمعني آخر، تصحيح لمسار ما جرى في المراحل الانتقالية، سواء فى موجة الانتفاضات العربية الأولى أو الثانية، خاصة في الجزائر والسودان وتونس ومصر.

أما السياق الثالث فيرتبط بوضع إقليمى ودولى مشحون، تعاد فيه صياغة التحالفات، وسط أزمات اقتصادية وصراعات اتخذت أبعادا مسلحة، مما يترك تأثيراته على المنطقة العربية ومصر، وفى الوقت الذى يشهد إعادة هندسة للمشهد الإقليمي والدولي، وخلال السياقين، المحلى والإقليمى، تتجلى أهمية الحوار بما فيه من طرح قضايا محلية وإقليمية، تحمل فرصا وتحديات تفرض نفسها.

نظريا، لا يمكن الحديث عن مجتمع فاعل دون حوار بين مكوناته، وبسبب غياب التفاعل، أصيب المجتمع بالسكون أو السكتة، وانسحب الجمهور من الاهتمام بالشأن العام، وبعزل الجمهور، تعزل السلطة نفسها، وتبقى سيناريوهات بحث فئات المجتمع عن حلول لأزمتها.

وعمليا، لا يمكن العيش دون سياسة، وطالما هناك حالة اجتماع بشري، فإن التشاور من أجل تسيير شؤون المجتمع والدولة يعتبر فريضة.. يرى أرسطو في كتابه المرجع “السياسة” أن الإنسان كائن سياسي، بينما تشير حنا أرنت إلى أن السياسة تعني أن تكون مرئيا ومسموعا لدى الآخرين، أي معادل للكينونة، والفاعلية بين مكونات وأطراف فاعلة فى المجال العام،  وهو مختلف عن المجال الخاص الذى قد يحمل  صفة الإخفاء للتفاعل بين أطرافه، لذا فإن ظهور الحوار ليس أمرا إيجابيا وحسب، لكنه أيضا أمر طبيعي، تأخر أو حجب، ويستلزم الشفافية والإفصاح وبناء الثقة بين أطرافه لكي يحقق مستهدفاته.

ويمكننا فى هذا السياق، أن  نستعير  تعبير حنه أرنت “أن الفضيلة المثلى لرجل الدولة أن يكون قادرا على فهم الوقائع من خلال آراء الموطنين” على  أن تكون ساحة التعبير تتمتع بالحرية،  وتتجاوز  نقائص الإقصاء والاستبعاد، بما يضمن التنوع،  ويمكن المجتمع من الاستفادة من كل الإمكانيات والموارد والأفكار، وهذا ما  طرحه بعض الكتاب خلال هذا الإصدار، مؤكدين على أن التعايش يخلق الأمل، وأن الإقصاء ورفض الآخر يولد الخوف، ويُبقي سياسة الصوت الواحد وما يتزامن معها من خوف وتوجس وانسحاب من المشاركة.

وأخيرا جاء الإصدار الذي بين يديكم، مساهمة من مركز دام، في عملية الحوار، ليقدم رؤى لِعَيّنة من النخب المصرية، تتناول قضايا رئيسية عبر مقالات كتبت فى الفترة من مارس وحتى 30 يونيو 2022، وقد جاء تقسيم المحتوى حسب طبيعة الموضوعات والرابط بينها، لتكون ضمن ثلاثة ملفات، تتناول أهم ما يتعلق بمسألة الحوار من نقاط بارزة، منها أسئلة رئيسية تتعلق بمفهوم وأهمية وأهداف الحوار وسياقاته وإشكالية التمثيل، وكذالك ملفات الحوار وفي مقدمتها ملف الإصلاح التشريعى والدستورى، والأزمة الاقتصادية، والقضايا الدولية، وصولا إلى رؤى حول مستقبل الحوار.

نقدم هذا الإصدار، آملين في أن يكون خطوة في النقاش، وأساسا ممكنا لتطوير الأفكار، ونرجو أن يكون مفيدا  لكل الأطراف، والمهتمين من الباحثين والفاعلين في المجتمع المدني، ونتوجه بالشكر لمن ساهم فى الكتابة واختص موقع 360 لطرح أفكاره، ونشكر الزملاء  العاملين فى الموقع على جهدهم لإصدار هذا العمل.