تحاول الحكومة المصرية حاليًا، تكثيف الضغوط من أجل الوصول لاتفاق مع صندوق النقد الدولي، بخصوص حزمة تمويلية ضخمة، مرتكنة إلى دعم أوروبي وأمريكي لملفها التفاوضي، وتقليص اشتراطات التي تطلبها المؤسسة الدولية.
رغم تأكيد محافظ البنك المركزي طارق عامر، أن قيمة التمويل الذي تتفاوض مصر مع الصندوق النقد الدولي ستكون “محدودة”، لكن بعض الاقتصاديين يقولون إن المبلغ سيكون في حدود 6 مليارات دولار، خاصة في ظل الفجوة التمويلية الضخمة التي تعاني منها الحكومة في موازنتها الحالية.
اقرأ أيضًا.. لماذا تعود مصر لصندوق النقد الدولي؟
تسعى الحكومة للحصول على تمويل ضمن برنامج “التسهيل الممدد”، وهو اتفاق يتضمن إجراءات اقتصادية تستغرق مدتها ما بين 3 أو 4 سنوات ويتم سداد التمويل المصاحب لها على مدد تصل إلى 10 سنوات.
مع طول أمد التفاوض الذي يتواصل للشهر الرابع، تحدثت تقارير أجنبية عن طلب مصر وساطة أوروبية، خاصة بعدما أعلنت الولايات المتحدة، التي تمتلك أكبر قوة تصويتية في الصندوق بنسبة 16.5%، أنها تساند حصول القاهرة على التمويل من صندوق “الصلابة والمرونة الائتماني”.
لكن الرئيس السيسي وجّه رسالة، خلال زيارته لألمانيا أخيًرا، إلى صندوق النقد الدولي والبنك الدولي قال فيها: “الواقع الموجود في بلادنا لا يحتمل المعايير المعمول بها خلال المرحلة الحالية وحتى تنتهي الأزمة”، مضيفًا أن أزمة الغذاء والطاقة ضاغطة جدًا على اقتصاد مصر.
مفاوضات مصر مع صندوق النقد صعبة.. لماذا؟
في آخر عامين، حصلت مصر من صندوق النقد على 5.2 مليار دولار بموجب اتفاق استعداد ائتماني، بالإضافة إلى 2.8 مليار دولار أخرى وفق أداة التمويل السريع، ما ساهم بتخفيف تأثيرات جائحة كورونا، وبالتالي استنفذت حقوق السحب الخاصة بها لدى الصندوق، بعد اقتراضها 20 مليار دولار في ست سنوات.
بدأت مصر سداد أول برنامج بقيمة 12 مليار دولار العام الماضي وسددت بالفعل 5 مليارات، ما يجعل الاقتراض مجددًا يتطلب الامتثال لشروط أكثر صرامة.
صندوق “الصلابة والمرونة”، الذي تدعم واشنطن مصر في الحصول على تمويل منه، يقدم دعمًا مُكملًا لآليات الصندوق التقليدية، للدول التي تتعاون معه بالفعل بحد أقصى 150% من حصة الدولة ما يعادل في حالة مصر 1.3 مليار دولار بأجل 20 سنة مع فترة سماح 10 سنوات ونصف.
لكن المبلغ الذي يقدمه صندوق الصلابة لن يرضي طموح وزارة المالية المصرية التي لديها فجوة تمويلية ضخمة، ورقمًا كبيرًا في الفوائد والأقساط يناهز 1.5 تريليون جنيه.
ما الاشتراطات التي يطلبها صندوق النقد؟
دائمًا ما يصاحب مفاوضات قرض صندوق النقد الدولي جدلًا حول الاشتراطات، خاصة فيما يتعلق بدور الدولة في الاقتصاد وملكيتها والسعر الحقيقي لسعر صرف العملة المحلية.
طرحت الحكومة أخيرًا، وثيقة ملكية الدولة التي تضمنت التخلص تمامًا من جميع استثماراتها وملكياتها حوالي 79 نشاطًا في القطاعات المختلفة، ومن هذه الأنشطة الاستزراع السكني والثروة الحيوانية وقطاع المجازر وقطاع التشييد وبعض مشروعات الإسكان الاجتماعي، وأنشطة إنتاج برامج التليفزيون والأفلام السينمائية، وتجارة التجزئة وصناعات السيارات والأجهزة الكهربائية والأثاث والجلود والأسمدة والزجاج.
وسمح البنك المركزي بتحريك سعر صرف الجنيه أمام الدولار الأمريكي، في مارس الماضي، تزامنًا مع زيادة سعر الفائدة لامتصاص تخارج الاستثمار الأجنبي من البلاد والسيطرة على موجة التضخم العالية، وبلغ متوسط سعر الدولار حينها 18.15 جنيه للشراء، و18.29 جنيه للبيع مقابل 15.64 جنيه للشراء و15.74 جنيه للبيع قبلها.
لكن مصطفى بكري، عضو مجلس النواب، يقول إن صندوق النقد المسمى بـ”صندوق النكد الدولي”، يطالب بتصفية وبيع أصول ورفع ضرائب الضرائب وزيادة الأسعار، مؤكدًا أن الشروط المجحفة على الشعوب الآن ليس وقتها.
اشتراطات غير معلنة
لا يصدر صندوق النقد بيانات واضحة حول اشتراطاته مع مصر لكن يمكن استشفافها من دراسة لثلاثة من كبار خبرائه أشهرهم الدكتور جهاد أزعور، التي قال فيها إن المجال متاح أمام حكومات الشرق الأوسط لتعبئة مزيد من الإيرادات بجعل نسب الضرائب أقرب إلى المستويات التي يمكنها بلوغها بالنظر إلى هياكلها الاقتصادية.
بحسب الدراسة، التي اختار لها الصندوق صورة الجنيه المصري رغم تعلقها بمنطقة شمال أفريقيا بالكامل، فإن حصيلة الضرائب الفعلية والممكنة يساوي في المتوسط حوالي 14% من إجمالي الناتج المحلي (ما عدا النفط والغاز) مضيفًا أن تراجع قدرة الحكومات على تحصيل الضرائب سببه ضعف الامتثال الضريبي وانتشار العمل في القطاع غير الرسمي، وعدم فرض ضرائب تصاعدية.
طالبت الدراسة بإلغاء الإعفاءات والحوافز غير الكفئة المنتشرة على نطاق واسع من شأنه توسيع الأوعية الضريبية وجعلها أكثر عدالة وشفافية. وحقق العديد من البلدان تقدمًا ملموسًا في توسع الوعاء الضريبي أو هو بصدد ذلك. فمصر، على سبيل المثال، تهدف إلى إصلاح قانون ضريبة الدخل لديها لتبسيط إطارها القانوني وترشيد الإعفاءات.
تطرقت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا، في مقابلة مع تلفزيون بلومبرج، إلى مشكلة الدين العام إذ قالت إن الصندوق يركز على البلدان التي تحتاج إعادة هيكلة الديون وضربت المثل بتونس ومصر لكنها عادت وقالت إن الصندوق سيمارس الضغط من أجل إعادة هيكلة الديون.
من ناحية أخرى، أكد البنك الدولي ارتفاع الدين الخارجي لمصر إلى 157.8 مليار دولار بنهاية الربع الأول من العام الجاري، مقارنة بنحو 145.5 مليار دولار في ديسمبر العام الماضي، بنسبة نمو 8.1%.
لماذا القرض ضروري؟
بحسب وزارة المالية فإن القرض يمثل إعادة ثقة للمستثمرين الأجانب الذين تخارجوا من السوق منذ الحديث عن رفع الاحتياطي الفيدرالي الفائدة في ديسمبر 2021، بمبالغ إجمالية بلغت نحو 20 مليار دولار، ما خلق ضغطًا على الموازنة العامة للدولة.
لكن الأمر مقرون أيضًا بالأعباء التمويلية الضخمة في الموازنة الجديدة 2022/2023 التي بدأ تطبيقها مطلع يوليو الحالي، فحجم الاحتياجات التمويلية فيها تبلغ 1.5 تريليون جنيه، مقابل 1.06 تريليون في الموازنة السابقة.
الفوائد وحدها في الموازنة الحالية تصل إلى 625.9 مليار جنيه. مقابل 520.1 مليار في الموازنة المنتهية في 30 يونيو الماضي، و565.4 مليار جنيه في موازنة 2020/2021.
بجانب الفوائد، هناك عبء سداد القروض المحلية والأجنبية الذي يبلغ 965.48 مليار جنيه بنسبة 10.6% من الناتج المحلي مقابل 952.7 مليون جنيه للعام الحالي و534.7 مليون جنيه في 2020/2021.
كما تبلغ أقساط القروض الخارجية المعاد تدويرها 5.4 مليار جنيه في مشروع الموازنة مقابل 5.7 مليار في الموازنة الحالية. لكن أقساط الدين الخارجي تراجعت لتبلغ 80.5 مليار جنيه مقابل 114.3 مليار في الفترة المقارنة ذاتها.
ظلال أسعار متضخمة على الموازنة
تفرض ارتفاع أسعار القمح عالميًا ضغطًا على الموازنة العامة التي تتوقع استيراد 8.5 مليون طن قمح منها 7.8 مليون طن لإنتاج 90 مليار رغيف بجانب 622 ألف طن لتوفير دقيق المستودعات على افتراض نسبة سحب الرغيف تبلغ 78.4%.
تضاعفت أسعار القمح منذ الحرب الروسية الأوكرانية ووصل سعره في بعض الأوقات لمستوى 435 دولار للطن، بينما تقدره الموازنة عند 330 دولار للطن، كما تضع أيضًا متوسطًا متوقعًا لسعر برميل النفط عند 80 دولارًا للبرميل رغم وصوله لمستوى يتراوح بين 100 و120 دولار خلال الأشهر الأخيرة.
وحال ارتفاع سعر النفط لتفوق الافتراضات المتوقعة بنحو دولار للبرميل سيؤدي ذلك لتدهور صافي العلاقة مع الخزانة، وبالتالي زياد العجز المستهدف بأكثر من مليار جنيه عما هو مقدر بالموازنة.