يعتبر تسعير خدمات النقل الحكومي من الأمور شديدة التعقيد لاحتياجها إلى موازنة بين تكاليف التنفيذ الكبيرة والبعد الاجتماعي ومستوى دخل الجمهور. والحفاظ على الجودة في التوقيت ذاته. وهي معضلة تواجه مشروعات الأتوبيس الترددي بديل الميكروباص على الدائري. والمونوريل أو القطار المعلق في العاصمة الإدارية و6 أكتوبر. والقطار المكهرب الذي ينطلق من مدينة السلام ويصل في مرحلته النهائية إلى العاشر من رمضان.
لا يمكن إغفال مستوى الدخول والحالة الاقتصادية للدولة في حسابات التسعير لضمان استدامة مشروعات النقل. فالركود وضعف مستويات المعيشة من شأنه تقليل الطلب على الخدمات في صالح شراء السلع الأساسية الضرورية. والبحث عن البديل الأرخص. فالحسبة هنا ليست “الذهاب إلى العمل” و”العودة للمنزل”. ولكن الأعباء المالية للقيام بتلك الرحلة اليومية والمسارات الإجبارية والاختيارية لها.
القطار المكهرب.. 15 جنيها تعريفة 3 محطات
يعتبر مشروع القطار المكهرب هو الوحيد الذي تم تحديد سعر تذكرته حتى الآن. وذلك بسعر يتراوح بين 15 جنيها “3 محطات” حتى 35 جنيها “12 محطة”. بطول المشروع الذي تقدر تكلفته بنحو 1.3 مليار دولار. وتم تدبير التمويل بقرض من “إكزيم بنك” الصيني.
وتستهدف وزارة النقل نقل 750 ألف راكب يوميًا في المرحلة الأولى من مشروع القطار المكهرب -“ال آر تي”. الذي يربط بين محطة عدلي منصور ومدينة الفنون داخل العاصمة الإدارية الجديدة بطول 70 كم. والذي تم افتتاحها رسميا أمام الجمهور قبل أسابيع ويتضمن 12 محطة.
على عكس الوسائل التقليدية فإن القطار المكهرب يتسم بالسرعة التي تصل إلى 120 كيلو متر/ساعة. بمدة تقاطر بين كل قطار وآخر 2.5 دقيقة. ويخدم في المرحلة الأولى سكان مناطق السلام والعبور والمستقبل والشروق وهليوبوليس الجديدة وبدر والمنطقة الصناعية حتى مدينة المعرفة بالعاصمة الإدارية. على أن يتم استكمال باقي المحطات لتصل إلى العاشر من رمضان في المرحلة الرابعة.
ويعتبر القطار الكهربائي النموذج العصري للترام. إذ يمتاز بارتفاع سعة التحميل بنقل 60 ألف راكب/ساعة في الاتجاهين. ووصول سرعته القصوى إلى 120 كم/ساعة. لذلك تستغرق رحلة الوصول من محطة عدلي منصور إلى العاصمة الإدارية نحو 50 دقيقة.
حتى الآن لم تضع الدولة خطة لباقي مراحل المشروع التي سيتم إضافتها وصولا إلى العاصمة الإدارية. فالأمر مرهون بتكاليف التنفيذ حينها وسعر الغاز الذي يدخل في إنتاج الكهرباء. أو بمعنى آخر “أعباء التشغيل”.
“الترددي”.. شبح يهدد ميكروباص “الدائري”
من بين المشروعات الجديدة للنقل الذكي الأوتوبيس الترددي “بي آر تي”. الذي لم يتم تحديد سعر تذكرته حتى الآن. لكن مسئولي الحكومة يؤكدون أن أسعار التذاكر لن تكون مرتفعة وستراعي الطبقات البسيطة رغم تشديد المسئولين على أنه يحقق عائدا استثماريا كبيرا.
يتسم مشروع الأتوبيس الترددي بارتفاع تكاليف بناء وتنفيذ الخط الذي يبلغ طوله 200 كم ويكلف الدولة نحو مليار دولار. ويستغرق عامين للانتهاء من تنفيذه.
بحسب الدولة فإن الـ”بي آر تي” يقلل 90% من الانبعاثات الضارة الملوثة للهواء ويقلل زمن الرحلات إلى النصف. كما يخفض عدد حوادث الطرق بنسبة 80%. فكل حافلة لها مسارها الخاص. كما يتسم بحمولة أكبر من الحافلات التقليدية. فالحافلة المكونة من قطعة واحدة تحمل 100 راكب في الرحلة. أما المفصلية (عربتين متصلتين) فتحمل 200 راكب. أما ثنائية المفصل (ثلاث عربات متصلة) فتستوعب 300 راكب تعادل حمولة طائرة.
المونوريل.. نقل في الهواء دون سائق
ثالث مشروعات النقل الذكي تتمثل في المونوريل الذي ينقسم لخطين. أولهما في السادس من أكتوبر ويبلغ طوله 42 كم وعدد محطاته 12 محطة. ويمتد من محطة المنطقة الصناعية بـ6 أكتوبر حتى محطة وادي النيل بالمهندسين. ومن المقرر بدء تشغيله في مايو/أيار 2023. ويبلغ الجدول الزمني للمشروع 3 سنوات.
خط مونوريل 6 أكتوبر يربط المدينة بالقاهرة والجيزة. ويستغرق في رحلته 35 دقيقة لمسافة 35 كم. ويخدم التوسعات الكبيرة بمدينة 6 أكتوبر. خاصة مشروعات الإسكان الاجتماعي. إذ يتضمن محطات: المنطقة الصناعية لـ6 أكتوبر–جامع الحصري-أكتوبر-ميدان جهينة-زايد-هايبر-طريق إسكندرية الصحراوي-المنصورية-الطريق الدائري-جامعة الدول العربية. أما مرحلته الثانية فتربط أحياء جنوب أكتوبر بالخط الرابع لمترو الأنفاق.
أما خط المونوريل الثاني فينشط بالعاصمة الإدارية حتى مدينة نصر بطول 52 كم. موزعة على 22 محطة هي الاستاد-هشام بركات-نورى خطاب-الحى السابع-ذاكر حسين-المنطقة الحرة-المشير طنطاوي-كايرو فيستيفال-الشويفات-المستشفى الجوي-حي النرجس-محمد نجيب-الجامعة الأمريكية-إعمار-ميدان النافورة-البروة-الدائري الأوسطي-محمد بن زايد-الدائري الإقليمي-فندق الماسة -حي الوزارات.
ولم يتم تحديد سعر تذكرة المونوريل الذي يسير دون سائق حتى الآن. لكن الترجيحات تقول إنها ستكون في حدود 20 جنيهًا. وهو أقل سعر يتناسب مع تكاليف المشروع التي تصل إلى 2.7 مليار يورو للتنفيذ. بالإضافة إلى عقود صيانة للمشروعين لمدة 30 سنة بقيمة 1.567 مليار يورو لتصل قيمة تنفيذ وصيانة المشروعين إلى 4.262 مليار يورو لخطّي العاصمة الإدارية و6 أكتوبر.
وزير النقل الفريق كامل الوزير قال إن المونوريل أو “القطار المعلق” يعتبر بمثابة “أشيك” وسيلة مواصلات سيتم تشغيلها في مصر خلال الفترة القادمة. إذ ينقل 45 ألف راكب خلال ساعة في الاتجاه الواحد. وسيتم تنفيذ إجمالي 100 كيلو بمصر للخطين.
القروض.. الممول الأول لخطوط النقل الذكي
اعتمدت الحكومة في تمويل المونوريل على قرض خارجي بقيمة 1.88 مليار يورو. على مدة تصل إلى 12 عامًا. مع سداد على شرائح نصف سنوية تختلف من شريحة لأخرى على مدار 12 عامًا. مع إمكانية سداد القيمة مرة واحدة سنويًا إن طلبت الحكومة ذلك شريطة عدم تأخيرها لعام تالٍ.
يشمل العقد أيضًا توطين صناعة المونوريل وإقامة شراكة كاملة بين مصر وشركة بومبارديه العالمية لصالح منظومة السكك الحديدية بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس. إضافة إلى فتح الباب أمام إمكانية النفاذ للأسواق الأفريقية الواعدة بهذا المجال.
الأمر يتكرر مع مشروع القطار المكهرب الذي يتم تمويله بقرض من “إكزيم بنك” الصيني بنحو 1.3 مليار دولار. أما الأتوبيس الترددي فلم يتضح حتى الآن مصدر تمويله بمليار دولار. والمتداول هو تخصيص شركة “ترانس ديف” الفرنسية للنقل 400 ألف يورو لتمويل دراسات المشروع وعرضها الحصول على تمويله من البنك الدولي.
التسعير.. الهند والصين نموذجا
بحسب مسئول بوزارة المالية فإن تسعير المشروعات الثلاثة سيتناسب مع طبيعة الجمهور المستهدف لكل مشروع ووسائل النقل البديلة.
فالبنسبة لمونوريل أكتوبر فإن الوسيلة البديلة هي الميكروباص. لكن المونوريل يمتاز بأنه يصل إلى محطات يحتاج المتحرك من المهندسين للوصول إليها التبديل بين ثلاثة ميكروباصات. ما يعني أنه سيوفر الجهد والوقت وزيادته عن سعر الوسائل البديلة لن تكون مبالغا فيها.
لكن لدى البعض رأي مخالف في تلك المشروعات. خاصة أنه من المفترض عدم دعمها من الدولة وسعيها لتغطية تكاليف تنفيذها لسداد القروض المستحقة عليها دون تحميل موازنة الدولة أعباء إضافية. علاوة على أن بعضها يستهدف خدمة قطاعات الإسكان الاجتماعي المعروفة أساسا بمحدودية الدخل.
فمشروع مثل القطار المكهرب يستهدف في مرحلته الرابعة الوصول إلى العاشر من رمضان. وهي مدينة تعتمد في المقام الأول على العمالة. وهي فئة يجب مراعاتها في تسعير الخدمات. وحال تضاعف سعر المرحلة الأولى مرتين كتسعير المرحلة الرابعة -وهو أقل تقدير- ستكون تكلفة التنقل من السلام للعاشر من رمضان لا تقل عن 25 جنيها لمسافة لا تزيد على 45 كم تقطعها السيارة بين 45 و60 دقيقة حسب الازدحام.
مسئول “المالية” يقول إن تقدير المونوريل سيكون بعد الاستفادة من تجارب الدول الأخرى مثل الهند والصين بجانب الدول الناشئة التي لديها مشروعات مشابهة.
قطار مومباي المعلق بالهند يبلغ طول مساره الإجمالي نحو 20 كم -ثالث أكبر طريق في العالم بعد السكك الحديدية الأحادية الصينية واليابانية بطول 98 و28 كيلومترًا على التوالي. ويتم تسعيره لتتضمن الـ17 محطة أسعار متفاوتة بين 10 و20 و30 و40 روبية اعتمادًا على المسافة.
أما مونوريل شنغهاي في الصين فيتضمن حسابات مختلفة حسب الرحلة. فإن كانت ذهابا فقط فسعرها 55 يوانًا مع تذكرة جوالة بـ80 يوانا صالحة للذهاب والإياب لمدة أسبوع. كما تصرف تذاكر أيضا يمكن استبدالها بأخرى صالحة لخطوط المترو التقليدية بسعر 80 يوانًا.
النقل.. تكلفة أم الجودة؟
يقول إبراهيم موسى -عامل في مصنع بالعاشر من رمضان- إن ما يهمه في التنقل إلى عمله أسبوعيا هو الأرخص أيا كانت الجودة. وذلك لأن ارتفاع الأسعار يجعل حسابات المواطن هي كيفية الوصول بأقل تكاليف بصرف النظر عن التعب والمشقة
ويضيف عيد محمود -العامل في المصنع ذاته- أن الجميع يبحث عن التوفير حاليا. حتى أن موظفين في بعض الجهات الحكومية حاليا يقفون على المزلقانات ولا يملون من التلويح لسيارات النقل والمركبات لضمان توفير أي مبالغ من أعباء التحرك على الطرق. “فما بالك بعامل اليومية!”.
يحكم الهدف من تلك المشروعات التسعير أيضا. فإذا كانت تستهدف تشجيع المواطنين على التخلي عن استخدام السيارات الخاصة لتقليل استهلاك الوقود المستورد. فيجب جعل التذكرة في المتناول لتعطي صاحب المركبة ميزة التوفير لنفقاته الشهرية. وإذا كانت تستهدف السياحة فالتسعير في تلك المرحلة يكون مختلفا.