تحد من نوع جديد ستطرق مصر أبوابه خلال الفترة من 7 إلى 18 نوفمبر/تشرين الثاني عندما تستضف قمة المناخ ـCOP27 في مدينة شرم الشيخ. تلك المدينة التي تطل على البحر الأحمر.
التحدي هذه المرة ليس في قدرة البلاد وبنيتها التحتية على استضافة مثل هذه المؤتمرات العالمية. لكن في القيمة التي يصدرها المؤتمر خلال منعطف تاريخي وأخلاقي لحماية مناخ الأرض والمتضررين منه في كل بلدان العالم -خاصة أفريقيا.
وفي مثل هذه الأحداث تتسابق الأسئلة وتفرض المزيد منها الظروف التي نعيشها. إذ تطرق الأذهان التكلفة الضخمة المتوقعة لاستضافة الوفود العالمية في توقيت يعاني فيه المصريون من أزمات معيشية خانقة تدفع الحكومة للتفاوض مع جهات تمويل عالمية لإقراضها. “فما المصلحة إذا؟”.
ثم ماذا عن التظاهرات المتوقعة التي تصاحب هذه الفعاليات من نشطاء البيئة حول العالم. والتي ترفض أي قيد أو شرطـ في احتجاجاتها. ما يعني أنها قد تخرج عن سياق البيئة وتتطرق للأوضاع الداخلية المصرية. بما ينعكس على الصورة الذهنية للسلطة والسياحة والاستثمار.
عن تاريخ مؤتمر المناخ وكواليس اختيار مصر
في عام 1992 نجحت الدول الكبرى في حشد اتفاق عالمي لتوقيع معاهدة دولية تحت اسم اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC). ومن خلالها تحدد القواعد الأساسية لمكافحة تغير المناخ.
كانت هذه هي المرة الأولى التي تعترف فيها غالبية الدول رسميًا بالحاجة إلى التحكم في انبعاثات الكربون والاحتباس الحراري. ما يؤدي إلى تغير المناخ. وتم تحديث المعاهدة اكثر من مرة منذ ذلك الحين. وتبلور الجهد التراكمي في توقيع اتفاقية باريس للمناخ عام 2015.
حدد هذا الاتفاق هدفا عالميًا بالحد من الاحتباس الحراري إلى أقل من درجتين مئويتين (3.6 فهرنهايت). وذلك لتجنب تغير كارثي في المناخ. وصادق على الاتفاقية 196 دولة.
حسب تقارير الأمم المتحدة فإن ارتفاع درجات الحرارة ومستويات سطح البحر وتغير أنماط هطول الأمطار يهدد صحة الإنسان وسلامته والأمن الغذائي والمائي في كل بلدان العالم. لكن حجم الأذى في بلدان يغيب عنها أي استعداد يذكر يصبح أكثر تطرفا. لا سيما دول جنوب صحراء أفريقيا التي تحولت إلى بقعة شديدة السخونة بما يهدد بتدميرها في المستقبل القريب.
آخر نسخ المؤتمر كانت العام الماضي واستضافته بريطانيا بالشراكة مع إيطاليا بعد تأجيل لمدة عام بسبب وباء COVID-19. ثم جرى الإعلان عن اختيار مصر لاستضافة الدورة القادمة من مؤتمر المناخ خلال الجلسة الختامية. إذ قدمت مصرعرضا بالاستضافة في أكتوبر الماضي وفقا لنظام التناوب الإقليمي. وكانت آنذاك “المرشح الوحيد” من أفريقيا -صاحبة الحق في تنظيم المؤتمر.
مؤتمرات الأمم المتحدة للمناخ هي الحدث الأهم الذي يجمع جهود المجتمع الدولي لتلافي آثار التغير المناخي. حسب حسام الدين محمود. المدير التنفيذي للاتحاد النوعي للمناخ. إذ تشهد هذه التجمعات منذ قمة الأرض التي نظمت في البرازيل عام 1992 مخرجات أفضل. وكل عام يسعى المؤتمر بجدية لتنفيذ أجندة العام الذي سبقه وإضافة الجديد عليه.
قبل استضافة المؤتمر كانت مصر ولا تزال تملك ترتيبا متقدما دوليا في مواجهة قضية المناخ. إذ عملت على إجراءات استباقية لحماية المناخ بالتحول إلى الاقتصاد الأخضر بجانب تضمينها البعد البيئي خلال التخطيط لإقامة أي مشروعات قومية. ما يشير إلى جدية في التعامل مع أزمة مصر لم تتسبب فيها أصلا. يوضح المدير التنفيذي للاتحاد النوعي للمناخ ويضيف: “الدول الصناعية تتحمل حتى الآن 97% من الانبعاثات الكربونية. بينما الدولة المصرية لا تكلف العالم أكثر من 6%. وأفريقيا على مستوى 55 دولة لا تطلق انباعاثات كربونية إلا في حدود 3%”.
ما قبل مؤتمر المناخ.. مصر وتعقيدات المصالح الدولية
خلال السنوات الماضية كان تضارب مصالح القوى الصناعية الكبرى من أسباب الخلاف الدولي حول كثير من توصيات الحل. وهو تحد سيظهر بجدية في شرم الشيخ. إذ خيبت الدول الكبرى آمال الكثيرين في القمة الماضية للمناخ. بعد أن تراجعت عن وعودها بتقديم 100 مليار دولار سنويًا كمساعدة للبلدان النامية للنجاة من أزمة تحول الطاقة والتكيف مع عالم يزداد احترارًا.
توضح مصادر أن أكثر ما ستسعى إليه القاهرة في قمة المناخ بشرم الشيخ هو تعزيز مصالح العالم النامي. وذلك بالتركيز على تأمين دفع الدول الكبرى “مقابل جيد” عن خسائر وأضرار البلدان الأفريقية التي تعاني بالفعل من الظواهر المناخية المتطرفة. بما يعزز جدارة مصر في لعب دور الوسيط الموثوق به بين الغرب والأفارقة. وحيث ينعكس ذلك على ترسيخ دورها كقوة عالمية صاعدة في تصدير الغاز الطبيعي.
قمة المناخ ودور القطاع الخاص
يمكن القول إن هناك مؤشرات قد تُمكن مصر من تحقيق أهدافها خلال القمة القادمة. فالدول النامية حتى تتحول إلى الاقتصاد الآخضر وتدشين بنية تحتية خضراء تزامنا مع التحولات الغربية يجب دعمها ماديُا وتمويلها من القوى الكبرى. لتحقيق هذه الأهداف كما يقول حسام الدين محمود -المدير التنفيذي للاتحاد النوعي للمناخ. ويضيف: “مصر جديرة بلعب هذا الدور بعد أن أسهمت في تقريب وجهات النظر بين الدول الباعثة للكربون والبلدان المتضررة منه خلال الفترة الماضية. وهذا الدور أحد أسباب تزكيتها من البلدان الأفريقية والعربية لاستضافة قمة المناخ القادمة”.
يسهم في نجاح المؤتمر أيضا تغير الرؤية المصرية مؤخرا لدور القطاع الخاص في التنمية. لهذا ستحاول استخدام القمة في استقطاب المستثمرين للمشاركة في التمويل المطلوب للقارة عبر إنجاز رؤية مشتركة بين بلدان المنطقة. بالتعاون مع الدول الكبرى للتخلص من المخاطر المالية. بما يجذب مستثمري القطاع الخاص للإسهام في الاقتصاد الأخضر.
وهي رؤية كانت قد تبلورت في قمة جلاسكو الماضية. حيث نادت بعض البلدان بضرورة تعبئة القطاع الخاص أيضا في الخط الأمامي للمواجهة. بما يعني توفير تريليونات الدولارات وليس المليارات فقط وبطريقة تفيد الجميع.
وتملك مصر الخبرة اللازمة في جلب القطاع الخاص للإسهام في مشروعات الاقتصاد الأخضر. فمنذ سبتمبر 2020 نجحت القاهرة في بيع سندات خضراء بقيمة 750 مليون دولار. كأول دولة تطرح السندات الخضراء الحكومية بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا. كما نجحت في تنفيذ مشروع لتوليد الطاقة من الرياح بطاقة 500 ميجاواط بمنطقة خليج السويس بالشراكة مع تحالف من القطاع الخاص.
نجحت مصر أيضا في الحصول على تمويل بقيمة 1.5 مليار دولار لتدشين مشروعات خضراء تقلل انبعاثات الكربون من المنشآت والشركات والمصانع وقطاعات النقل النظيف والطاقة المتجددة. إلى جانب رفع كفاءة الطاقة والإدارة المستدامة للمياه والصرف الصحي. وهو نموذج يمكن استنساخه في العديد من دول القارة لجذب القطاع الخاص للصفوف الأمامية في مواجهة الأزمة.
استعدادات مصر لقمة المناخ
في يناير الماضي أعلنت وزيرة البيئة المصرية -ياسمين فؤاد- خطط الوزارة للحدث الضخم. وتضمنت أربعة محاور لإعداد شرم الشيخ للدورة السابعة والعشرين لمؤتمر المناخ. الأول بالتعاون مع وزارة السياحة والآثار حيث يركز على رفع كفاءة وجودة الفنادق والخدمات السياحية في المدينة. وستلعب التجديدات الأخيرة لمركز المؤتمرات الدولي في شرم الشيخ دورًا رئيسيًا في استضافة الأعداد الكبيرة المدعوة إلى الحدث.
المحور الثاني يهدف إلى توفير نقل صديق للبيئة بحافلات كهربائية. بينما يتركز المحور الثالث في رفع كفاءة الطاقة الكهربائية لقاعة المؤتمرات. أما المحور الرابع فيختص بنظام المخلفات بالمدينة من حيث الخدمات اللوجستية والتجميع ومعالجة النفايات وإعادة التدوير. بجانب هذه المحاور تسابق الحكومة الزمن لاستكمال مشروع الهوية البصرية لمدينة شرم الشيخ.
من أجل هذه الأهداف قررت اللجنة العليا المكلفة بالتحضير للمؤتمر برئاسة رئيس الوزراء منذ يناير الماضي الاجتماع مرتين على الأقل شهريًا. وذلك لضمان الإعداد المناسب للحدث. إذ ترغب الدولة في أعلى مستوياتها في إخراج الفعالية بالشكل الذي يبرز دور مصر في مواجهة تحديات المناخ بالتعاون مع المجتمع الدولي.
من يتحمل تكلفة قمة المناخ؟
الاستعدادات الجارية -رغم أنها استثمار جيد في البنية التحتية وتسويق خلاق للمناطق السياحية- لكنها لا يتوقف على ذلك. إذ يجب الوفاء باشتراطات الأمم المتحدة لتنظيم مثل هذه الفعاليات.
وتفرض الأمم المتحدة على الدول المضيفة تجهيز نحو ثلاثين غرفة تفاوض بالمتطلبات الفنية اللازمة.
فبمجرد اختيار مكان المفاوضات يجب أن يكون مجهزًا بأفضل وأحدث تكنولوجيا المعلوماتز حيث تم توفير نحو ثلاثة أجهزة لكل مشارك. جهاز كمبيوتر وجهاز لوحي وهاتف. كما تشترط الأمم المتحدة توفير نظام اتصالات وترجمة عالي المستوى. فضلا عن ضباط مراقبة وتأمين فائق الجودة.
وتتحمل الدول المنظمة تكاليف سفر وإقامة وفد الأمم المتحدة كما تتحمل تكاليف إقامة وسفر وفود الدول الفقيرة. بجانب النقل اليومي لجميع الوفود. وهذا ما جعل فاتورة تنظيم فرنسا لمؤتمر عام 2015 تبلغ نحو 187 مليون يورو. بزيادة نحو 5 ملايين يورو عن قمة كوبنهاجن في الدنمارك عام 2009.
بعض من هذه الفاتورة يمكن تسديده عبر عروض الرعاية للشركات الملتزمة بالتنمية المستدامة أو الراغبة في حضور مثل هذا المشهد لتسويق نفسها بطريقة مختلفة. بجانب جماهير الفعاليات البيئية والتي تغطي جانبا من التكلفة حسب البلد وموقعه وموقفه من القضية وبنيته التحتية المناسبة.
في مصر فُتح باب التسجيل للمشاركة بقمة COP 27 القادمة في شرم الشيخ منذ 24 يونيو/حزيران الماضي. وبموجب تصريحات رسمية تتوقع الأجهزة المعنية حضور 25-30 ألف مشارك. لا سيما بعد إلغاء قيود كورونا على دخول المصريين والأجانب.
وحسب عبد الفتاح العاصي -مساعد وزير السياحة- جرى تخفيض الدرجات السياحية لنحو 40 إلى 50 فندقًا من أصل 174 في مدينة شرم الشيخ. بعد أن أعلنت الدولة تكلفة المشاركة وفقا لدرجات الفنادق. الفرد 40 دولارًا في فنادق 4 نجوم بشرم الشيخ. و50 دولارًا في فنادق 5 نجوم في شرم الشيخ. وهو الحد الأدنى للأسعار.
التظاهر.. حق مشروع في مؤتمر المناخ بشرم الشيخ
طوال سنوات كان حق التظاهر السلمي من الأمور التي ترفضها الدولة المصرية. إذ خلت الفترة الماضية تماما من أي تظاهرات تذكر لأي سبب كان. لكن مع استضافة القمة ومع تزايد الضغوط على حق التظاهر تعهدت مصر بالسماح لنشطاء المناخ بالاحتجاج. بيد أن محتوى التظاهرات ربما تتعرض للمشهد الداخلي في مصر. لهذا قد تسبب هذه الجزئية في التنظيم مشكلة ليست سهلة خلال انعقاد المؤتمر.
يكشف عن ذلك البيان الجماعي مطلع الشهر الحالي لنحو 36 منظمة حقوقية عالمية دعت فيه السلطات المصرية إلى عدم حصر المعارضين في مساحة محددة بمنشأة مجاورة لمركز المؤتمرات حسب تصريح سامح شكري وزير الخارجيةـ بما يضعف تأثيرها.
ترغب المنظمات الحقوقية في السماح لها بتنظيم احتجاجاتها دون قيد أو شرطـ بما في ذلك العاصمة المصرية القاهرة ومدن أخرى. وخرج بيان المنظمات الحقوقية عن أهداف المؤتمر بتذكير السلطة المصرية والمجتمع الدولي بتضييق الدولة المستمر على منظمات المجتمع المدني والنشطاء الحقوقيين والصحافة المستقلة. بما يؤكد أن تظاهر نشطاء المناخ لن يمر بالسهولة التي يتوقعها البعض. وكذلك تكلفته على العائد المتوقع من المؤتمر ماديا ومعنويا للدولة المصرية!