قرر الاحتياطي الفيدرالي- البنك المركزي الأمريكي- رفع سعر الفائدة 0.75% للمرة الرابعة على التوالي منذ بداية العام الجاري. بعد أن وصل معدل التضخم السنوي في الولايات المتحدة إلى أعلى مستوياته في أكثر من 40 عاما خلال يونيو الماضي عند مستوى 9.1% مقابل 8.8% في مايو.
وقال المركزي الأمريكي، إن التضخم لايزال مرتفعا بما يعكس اختلالات مرتبطة بالجائحة وزيادات في أسعار الغذاء والطاقة وضغوط الأسعار الأوسع. فكيف سيؤثر القرار على الأوضاع في مصر بعد تثبيت الفائدة بالاجتماع الأخير للمركزي؟ ومدى قدرة الاقتصاد المصري على مقاومة مثل تلك المتغيرات المالية العالمية؟.
وكانت لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري قررت في اجتماعها الأخير في 23 يونيو الماضي تثبيت أسعار الفائدة دون تغيير عند 11.25% للإيداع و12.25% للإقراض. وجاء ذلك بعد أن رفع البنك المركزي أسعار الفائدة بمجموع 3% خلال اجتماعي اللجنة في مارس ومايو الماضيين.
اقرأ أيضًا.. بعد قرار الفيدرالي الأمريكي.. هل يتحمل الاقتصاد المصري رفعًا جديدًا في سعر الفائدة؟
لماذا رفع الفيدرالي الفائدة؟
وخلال الاجتماع الأخير للفيدرالي الأمريكي، واصل البنك إجراءاته لمحاولة اللحاق بمعدلات التضخم والسيطرة عليها، ليقرر رفع سعر الفائدة للمرة الربعة على التوالي.
وقال المركزي الأمريكي، إن التضخم ما زال مرتفعا بما يعكس اختلالات مرتبطة بالجائحة وزيادات في أسعار الغذاء والطاقة وضغوط الأسعار الأوسع. مؤكدًا أنه “ملتزم بقوة” بإعادة التضخم إلى مستوى 2% المستهدف، حيث ارتفعت معدلات التضخم عالميًا لمستويات قياسية على خلفية ارتفاع أسعار السلع الناتجة عن الأزمة الروسية الأوكرانية.
أضاف في بيان له نشره على موقعه الإلكتروني، إن مجلس محافظي نظام الاحتياطي الفيدرالي قرر بالإجماع الموافقة على زيادة بنسبة 0.75% في معدل الائتمان الأساسي إلى 2.5%، اعتبارًا من 28 يوليو 2022.
وأكد الفيدرالي الأمريكي أن التضخم لايزال مرتفعا وهناك توجهًا للاستمرار في خطة لرفع الفائدة خلال العام الجاري خاصة في الاجتماع المقبل. معبرًا “زيادات مستمرة” في الفائدة ستكون ملائمة.
وذكر الفيدرالي أن المؤشرات الأخيرة للإنفاق والإنتاج بالولايات المتحدة تراجعت، بينما حافظت مكاسب الوظائف في الأشهر الأخيرة على قوتها وبقي معدل البطالة منخفضًا.
وقال جيروم باول رئيس الفيدرالي الأمريكي، إن الضغوط السعرية منتشرة في معظم السلع والخدمات، وتسجل الطاقة والغذاء ارتفاعات قوية في الأسعار، كما تراجعت مؤشرات الاستثمار والإنتاج بالولايات المتحدة في الفترة الأخيرة. مضيفًا أنهم يبحثون عن دليل مقنع على انخفاض التضخم خلال الأشهر المقبلة. وأنه على الرغم من تراجع أسعار بعض السلع، لا يزال هناك ضغط تصاعدي إضافي على التضخم.
طبع الأموال في أمريكا أثر على التضخم
وعلق الدكتور محسن السلاموني، الخبير الاقتصادي والأستاذ بجامعة لندن للعلوم الاقتصادية، أن هناك أزمة اقتصادية عالمية بسبب جائحة فيروس كورونا المستجد كوفيد 19، وتم طبع أموال زائدة في الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا تسبب في التضخم في أمريكا، وحدث ذات الأمر في أوروبا عن طريق زيادة طبع العملة الموحدة اليورو.
أضاف السلاموني، خلال مداخلة هاتفية في برنامج صالة التحرير، المذاع على فضائية “صدى البلد”، أن خطورة رفع البنك الفيدرالي الأمريكي للفائدة، توقع حدوث انكماش في الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك في أوروبا، موضحًا أن البنك يستغل الدولار، من أجل العمل على حل أزمة التضخم الاقتصادي.
وأشار إلى أن الطاقة والغذاء، يمثلان أزمة للولايات المتحدة الأمريكية بعد رفع الأسعار، وأنه سيجرى رفع ثلاثة أرباع في المئة، مؤكدا أن هذا سيؤدي إلى رفع الفائدة في أوروبا بذات النسبة، مما سيؤثر سلبًا على أصحاب الأجور المنخفضة من محدودي الدخل.
وأوضح الخبير الاقتصادي والأستاذ بجامعة لندن للعلوم الاقتصادية، أن نسبة القروض في أوروبا وصلت إلى 86% لشراء العقارات وهذا يعد رقما مرتفعا جدا، لافتا إلى أن انخفاض اليورو جاء بعد دخول روسيا في حرب غير مباشرة مع أوروبا، وأن التقدير الأوروبي لروسيا كان خاطئا، وهو الأمر الذي أثر سلبا على الاقتصاد الأوروبي الصناعي المعتمد على الطاقة الأوروبية بنسبة لا يستهان بها تصل إلى 80%.
الدول ذات الديون المرتفعة هي الأكثر تأثراً
يقول الدكتور أحمد متولي الخبير المصرفي، إن الاقتصاد في الدول الناشئة بالشرق الأوسط سيكون الأكثر تأثرًا بقرار الفيدرالي الأمريكي برفع أسعار الفائدة، فتكلفة الديون سترتفع على هذه الدول، ما يمثل عبئا إضافياً، خلافًا إلى أن هذه الدول ستواجه صعوبات في الحصول على تمويل للاستثمارات الحكومية مع ارتفاع الفائدة على الدولار.
ستعاني الدول الناشئة في الحصول على تمويل لاقتصادها، خاصة تلك التي تعتمد على القروض في تنفيذ مشروعاتها القومية. وبالتالي قد تتوقف بعض المشروعات حال عدم قدرة الحكومات على توفير المخصصات المالية اللازمة لتمويل المشروع -يواصل متولي لـ “مصر 360”-.
استشهد بسعي الحكومة التونسية للحصول على مساعدات مالية بقيمة 4 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي لإقرار حزمة إنقاذ لتفادي الانهيار في المالية العامة، ما يعني أن دول مثل تونس ستزداد تحدياتها في الحصول على قروض خارجية لدعم خطط الإصلاح الاقتصادي هناك.
تأثير سلبي على الاستثمار الأجنبي
ويتسبب رفع الفائدة في أمريكا في تحريك أسعار الفائدة في مختلف دول العالم لتأثرها مباشرة بتخارج أموال الأجانب وتوجهها إلى السوق الأمريكية التي باتت أكثر جاذبية بالنسبة لهم. لذا تتجه غالبية الأسواق العالمية بالتبعية لإجراء تحريك مباشر في سعر الفائدة حفاظًا على استثمارات الأجانب لديها.
وتوقع الخبراء أن يرفع البنك المركزي الفيدرالي أسعار الفائدة مرات عدة هذا العام. ولكن بزيادات صغيرة. في الوقت الذي رفعت فيه أيضًا بنوك مركزية في العالم العربي أسعار الفائدة بعد خطوة الفيدرالي الأمريكي.
وقال محمد ماهر -العضو المنتدب لشركة برايم القابضة للاستثمارات المالية- لـ “مصر 360″، إن قرار الفيدرالي الأمريكي يعد أحد العوامل الهامة التي تضعها البنوك المركزية العربية نصب عينها وهي يتقيم مسار سياستها النقدية ومنها قرار رفع الفائدة لمواجهة تخارج الدولار من الأسواق.
أوضح أن الدول الناشئة ستتأثر سلبًا برفع الفائدة الأمريكية، وأن القرار من شأنه سحب الأموال والاستثمارات الأجنبية من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. بحيث ستعاني هذه الأسواق من نقص في السيولة الدولارية.
تابع: قرار الفيدرالي الأمريكي متوقع قبل اتخاذه ولذلك قامت بعض الدول باتخاذ إجراءات استباقي، منها مصر التي رفعت أسعار الفائدة خلال الفترة الماضية، مشيرًا إلى أن قرار الفيدرالي الأمريكي سيدفعها للمزيد من الرفع لما له من تبعات وزيادة الضغوط على الدول ذات المديونية الكبيرة.
ومن شأن قرار رفع سعر الفائدة الأمريكية زيادة قوة الدولار الأمريكي الذي يعتبر العملة الرئيسية في العالم، ما يزيد من الضغوط على عملات تلك الدول، ويدفع فاتورة الاستيراد للارتفاع، وربما نقص في السيولة الدولارية.
تحريك أم تثبيت في مصر
ويمثل قرار الفيدرالي الأمريكي برفع سعر الفائدة ضغوطا جديدة على البنك المركزي المصري تدفعه لرفع أسعار الفائدة لتجنب هروب الاستثمارات الأجنبية. وخاصة الاستثمار في أدوات الدين وأذون الخزانة التي تطرحها وزارة المالية، في الوقت الذي تسعى فيه الدول لجذب المزيد من الاستثمارات ضمن خطة طموحة لمواجهة تداعيات الأزمة الاقتصادية الحالية على خلفية الأوضاع السياسية والحرب الروسية الأوكرانية.
وتباينت توقعات المحللين حول مواصلة البنك المركزي المصري رفع أسعار الفائدة؛ فيتوقع هاني جنينة، الخبير الاقتصادي، أن يرفع البنك المركزي أسعار الفائدة 1% في الاجتماع المقبل للجنة السياسة النقدية.
وقال جنينة، إن هذه التوقعات تعود إلى رفع الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة للمرة الرابعة، إلى جانب اقتراب إتمام الاتفاق مع صندوق النقد الدولي الذي سيسهم مع رفع الفائدة في جذب الاستثمارات غير المباشرة مجددا لسوق الدين المحلية.
وتجري مصر مفاوضات مع صندوق النقد الدولي بشأن السياسات والإصلاحات الاقتصادية ضمن برنامج يسعى الطرفان إلى الاتفاق عليه من نوع تسهيلات الصندوق الممدد والذي تم تنفيذه من قبل خلال فترة الإصلاح الاقتصادي من عام 2016 وحتى عام 2019.
وكان الدكتور محمد معيط وزير المالية، قال إن أكثر من 90% من استثمارات الأجانب في أدوات الدين المحلية خرجت من مصر بالفعل خلال الشهور الماضية بعد اندلاع الأزمة الأوكرانية وبدء اتباع سياسة نقدية تشددية في الولايات المتحدة.
وذكر هاني جنينة أن رفع الفائدة في مصر بعد زيادتها من الفيدرالي الأمريكي يسهم في الحفاظ على الفجوة بين الفائدة في مصر والولايات المتحدة وهو ما يسهم في جذب الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة في حالة إتمام الاتفاق مع الصندوق.
وتوقع رجب مهتدي الخبير المالي، أن يرفع البنك المركزي أسعار الفائدة بين 0.5 و1% خلال الاجتماع المقبل للجنة السياسة النقدية في أغسطس. فالرفع المتوقع في الفائدة سيكون مدفوعا بالأساس بالتسارع المتوقع في التضخم خلال يوليو، والمتوقع أن يصل إلى ذروته بين أغسطس وأكتوبر المقبلين مع موسم دخول المدارس إلى جانب رفع أسعار البنزين والسولار هذا الشهر.
وترى عالية ممدوح، كبيرة الاقتصاديين ببنك استثمار بلتون، أنه من المتوقع أن يبقي البنك المركزي على أسعار الفائدة دون تغيير في الاجتماع المقبل للجنة السياسة النقدية.
وأضافت: نعتقد أنه لا يزال من السابق لأوانه الانعكاس الكامل للزيادات المقدمة في أسعار الفائدة على زخم التضخم. وبالتالي، نتوقع الحفاظ على أسعار الفائدة في الاجتماع القادم للتأكد من وتيرة ارتفاع الأسعار وسط حالة عدم اليقين العالمية الحالية.
هل يقاوم الاقتصاد المصري المتغيرات العالمية؟
وتؤثر التغييرات في معدل الفائدة في مصر على سعر الدولار بشكل كبير، فعندما يرفع المركزي المصري سعر الفائدة تنخفض قيمة الجنيه المصري أمام الدولار، الذي يزداد قوة في السوق المصرية -وفق الدكتور أحمد شوقي الخبير المصرفي لـ “مصر 360”-.
وارتفع سعر صرف الدولار أمام الجنيه المصري الفترة الماضية، عندما قرر البنك المركزي المصري رفع أسعار الفائدة، حيث تجاوز الدولار الواحد 18 جنيهًا مصريًا فأعلى ولم يهبط عن هذا الحد منذ ذلك الوقت.
توقع شوقي وصول الدولار إلى 20 جنيهًا حال إحداث تحرك جديد على مستوى الفائدة بالبنك المركزي المصري خلال اجتماع لجنة السياسات النقدية الأسبوع المقبل. موضحًا أن المستثمرين الأجانب سيتجهون حينها للاستثمار في العملة الأجنبية بالبنوك المصرية استغلالاً لزيادة الفائدة.
وأكد أن رفع الفائدة يليه زيادات سعرية طبيعية في سعر العملات الأجنبية. وذلك كي يتمكن البنك المركزي من تجميع الدولار الموجود بالسوق. ومنع خلق سوق سوداء تسبب مزيدا من التقلبات السعرية في بيع المنتجات. خاصة المستوردة من الخارج والمتأثرة بالأوضاع العالمية -الحرب الروسية الأوكرانية-.
ويوضح أيمن ياسين الخبير المصرفي، لـ “مصر 360″، أن الأوضاع الاقتصادية المحلية وكذلك أوضاع المواطنين باتت أكثر تعقيدًا من ارتفاع معدلات التضخم المرتفعة، “هناك حالة من الركود بسبب رفع سعر الفائدة مرتين سابقًا وبالتالي لم يعد الأمر يتحمل مزيدًا من التحركات حاليًا حفاظًا على حياة المواطن”.