يضع صندوق النقد الدولي “تقليص دور الدولة في الاقتصاد” على قائمة الاشتراطات التي يطلبها من مصر حاليًا من أجل الموافقة على منحها قرضًا جديدًا يتم التفاوض بشأنه منذ أربعة أشهر دون تحديد موعد نهائي لحسم ملف المفاوضات حتى الآن.
الصندوق أكد في بيان وتصريحات صادرة عن مسئوليه بالتزامن مع توقعات جديدة أصدرها للاقتصاد العالمي، أن الحكومة المصرية بحاجة لاتخاذ مزيد من الخطوات لتعزيز تطوير القطاع الخاص وتحسين الحوكمة وتقليص دور الدولة، وهو ما تم تأكيده أكثر من مرة بصيغ مختلفة من بينها القيام بإصلاحات مالية وهيكلية أعمق لتعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد وجعله أكثر مرونة في مواجهة الصدمات.
اقرأ أيضًا.. تسعير وسائل النقل الذكي.. الحكومة تبحث عن “الأشيك” والمواطن يريد الأرخص
تأتي مطالب الصندوق رغم إعلان مصر وثيقة ملكية الدولة التي تتضمن تخلص الحكومة تمامًا من جميع استثماراتها وملكياتها في نحو 79 نشاطًا في مجالات مختلفة من بينها: الاستزراع السكني والثروة الحيوانية وقطاع المجازر وقطاع التشييد- وبعض مشروعات الإسكان الاجتماعي- وأنشطة إنتاج برامج التليفزيون والأفلام السينمائية، وتجارة التجزئة وصناعات السيارات والأجهزة الكهربائية والأثاث والجلود والأسمدة والزجاج.
كما وافق مجلس الوزراء، أخيرا على تأهيل شركة وطنية لبيع وتوزيع المنتجات البترولية والشركة الوطنية للمشروعات الإنتاجية “صافي”، التابعتين لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية تمهيدا للطرح بالبورصة، فيما يعمل الصندوق السيادي الذي يتولى عملية اختيار الأصول وهيكلتها، على طرح الكثير من الشركات بهدف توسيع قاعدة المساهمين، وتعزيز الاستثمارات الخاصة المحلية والأجنبية.
تأميم الشركات الغربية.. مصلحة الاقتصاد هي المحك وليس الرأسمالية
تأتي الروشتة التي يريد الصندوق فرضها على مصر الخاصة بتخلي الدولة عن الملكية وتقليص دورها في الاقتصاد رغم أنها أثبتت الحرب الروسية الأوكرانية خطأها، وانقلبت عليها أوروبا رمز الرأسمالية حاليا، وأصبحت الحكومات تتدخل بقوة في الشركات بل وتستهدف بتأميمها من أجل استدامة النمو.
تقدم حكومات أوروبا حاليا دعما للشركات الخاصة لإخضاعها تحت سيطرتها، وإعادة فرض قيود على الأسواق بالوقت ذاته، عبر التحكم في الشركات وحجم المنافسة.
في ألمانيا، أعلنت الحكومة تقديم الدعم لإنقاذ شركة يونيبر للطاقة، كما أحكمت سيطرتها على شركة تابعة لجازبروم الروسية “غازبروم جيرمانيا” التي يمكنها توفير سعة تخزين غاز تصل إلى 20% من قدرات البلاد. في حين اتخذت فرنسا خطوات لـ”تأميم” شركة الكهرباء الفرنسية، بينما خضع مزوّد الطاقة “بالب إنرجي” لسيطرة الحكومة البريطانية.
الباحث بمعهد أكسفورد لدراسات الطاقة، جوناثان ستيرن، يقول إن الحكومات الغربية تتخذ خطوات للاستحواذ على حصص كبرى ببعض الشركات، في ظل ارتفاع متوقع للأسعار خلال العامين المقبلين.
واقع القطاع الخاص في مصر.. المصلحة أم المجتمع؟
للشهر الـ 17 على التوالي، يواصل القطاع الخاص غير النفطي بمصر الانكماش وقالت ستاندرد أند بورز جلوبال إن الشركات المصرية استجابت لارتفاع الأسعار وانخفاض الطلب بخفض نشاطها الشرائي بشدة في نهاية الربع الأول، سجل أكثر من ثلث المشاركين في الاستطلاع انخفاضا في شراء المدخلات، وهو ما يمثل أكبر انخفاض في إجمالي المشتريات منذ ما يقرب من عامين.
في أغسطس/آب الماضي، أكدت دراسة استقصائية أن ممارسات القطاع الخاص في مصر تتعلق بمجالات لا تساعد بالضرورة في الإشراف على الإصلاح الهيكلي اللازم لإحداث تأثير تنموي ملموس.
ووفق الدراسة فإن الحضور الواسع النطـاق للقطاع الخاص في الاقتصاد أظهر عددًا من الأثار المهمة. أبرزها: غياب الأثر التنموي الحقيقي، فشـخص واحد مــن بيــن كلّ 3 يعملون فــي القطاع الخاص يشغل وظيفة مستقرة، بالإضافة إلى ذلك. تراجعت بدرجة كبيـرة فـرص العمل الرسمي في القطاع الخاص لصالح الوظائف غير المستقرة في مجـالات البناء والتخزين والنقل.
تقول الدراسة إن القطاع يدر معظم الناتج المحلي الإجمالي ويشغل غالبية الأجزاء. ومــع ذلك، يتسم بأنشطة متدنية الإنتاجية وفوائد تنموية محدودة. وينطوي الدافع الرئيسي وراء معظم هذه الأنشطة على البحث عن لقمة العيــش وليــس خطط التنميــة أو مراكمة رأس المال.
الديون.. الحديث يتجدد عن مشكلات الاقتصاد المزمنة
مثل ملف ملكية الدولة يتسم صندوق النقد بازدواجية في التعامل مع ملف الديون والدعم، الأمر الذي دفع عالم الاقتصاد الشهير ألفريد دي زاياس لانتقاد سياسة الصندوق داخل اجتماع للأمم المتحدة، مؤكدًا أنها تعزز الخصخصة والتقشف وتأتي على حقوق الإنسان يقصد التأثير على الدعم والتوظيف.
يقول الصندوق إن مصر لا تزال تعاني ثغرات بينها عبء الدين المرتفع، والاحتياجات التمويلية الكبيرة، ما يتطلب تقوية المرونة ضد الصدمات، كما خفّض من توقعاته لنمو اقتصاد مصر خلال العام إلى 4.8% مقابل 5% كان يتوقعها الصندوق.
جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بالصندوق، طالب الحكومة المصرية بمواصلة تحقيق معدلات نمو جيدة ومواجهة التضخم عن طريق أسعار الفائدة، وإفساح مجال أكبر أمام القطاع الخاص لزيادة حصته بالاقتصاد.
الغريب في صندوق النقد أنه يطالب برفع الفائدة من أجل مواجهة التضخم ما يحمل معها أيضا زيادة في تكلفة الاقتراض الحكومي ورفع عبء الدين وبالتالي مزيد من الاقتراض لسد عجز الموازنة أي أن الصندوق يطالب مصر بخفض الدين والقيام بأفعال ترفعه في الوقت ذاته.
بيتيا كوفا بروكس، نائب مدير قسم البحوث الاقتصادية بصندوق النقد الدولي، تقول إن السبب في ارتفاع نمو الاقتصاد المصري العام المالي الماضي، إلى ما قبل اندلاع الحرب الأوكرانية، ولكن الأخيرة أثرت على مصر خاصة مع ارتفاع الأسعار جراء الحرب.
يحمل الصندوق الحرب الروسية فقط مشكلات الاقتصاد المصري ولم يشر من قريب أو بعيد إلى خروج استثمارات الأموال الساخنة من مصر بقيمة 20 مليار دولار في أشهر قليلة بسبب قرارات الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي برفع الفائدة التي يصدر من خلالها التضخم لباقي دول العالم.
المالية المصرية تتحدث عن تقدم في المفاوضات.. ماذا عن الشروط؟
الدكتور محمد معيط، وزير المالية، يقول في تصريحات صحفية على هامش مؤتمر في القاهرة مؤخرًا، إن الحكومة تأمل التوصل إلى الاتفاق على البرنامج قبل نهاية 2022، مضيفا أن القيمة لم يتم تحديدها حتى الآن.
جيهان صالح المستشار الاقتصادي لرئيس مجلس الوزراء، أكدت النقطة ذاتها لكنها زادت أن الحكومة لن تقبل بشروط قاسية على المواطن في الاتفاق، ولن يتم المساس بسعر الخبز، فالحكومة لديها برنامج وطني للإصلاحيات الهيكلية منذ 2021 ويتضمن تمكين القطاع الخاص ووثيقة ملكية الدولة.
بحسب صالح فإن قيمة القرض ليست مهمة لكن الهدف هو دعم المؤسسات الدولية لجذب الاستثمارات، خاصة أن مصر قادرة على الوفاء بالتزاماتها سواء في أقساط الديون وخدمة الديون (مدفوعات الفوائد).
بحسب مستشارة رئيس مجلس الوزراء فإن مصر في قلب الأزمة الاقتصادية العالمية التي لم تحدث منذ الحرب العالمية الثانية، لأن علاقها الاقتصادية الخارجية منفتحة على كل الدول وتعتمد على روسيا وأوكرانيا في استيراد القمح لسد احتياجات السوق المحلية.
الصندوق كأي دائن
يتعامل صندوق النقد الدولي كأي مؤسسة بنكية تقليدية فهدفه الأول ضمان قدرة الدولة المستدينة على السداد وكأي مصرف يضع البنك شروطا يعتقد أنها توفر له ضمانات كاملة لتنفيذها فيطلب بيانات تفصيلية عن اقتصاد الدولة والموازنة العامة.
حصلت مصر من صندوق النقد خلال العامين الماضيين على 5.2 مليار دولار بموجب اتفاق استعداد ائتماني، بالإضافة إلى 2.8 مليار دولار أخرى وفق أداة التمويل السريع الخاص بمواجهة جائحة كورونا، ما يجعلها مستنفذة لحقوق السحب الخاصة بها لدى الصندوق، بعد اقتراضها 20 مليار دولار في ست سنوات.
يمثل الدعم ودور الدولة الهدف الأول الذي يضعه الصندوق نصب عينيه فيطلب في جميع الدول التي تتعاون معه خفض الدعم تدريجيا وصولا إلى الإلغاء من أجل توفير سيولة للدولة بجانب خصخصة شركات القطاع العام والتعامل مع الشركات الخاسرة.