“لا عقاب في الخيال”، جُملة تصدرت مواقع التواصل الاجتماعي، في الآونة الأخيرة، بعدما أصدرت محكمة تونسية حكمها بحبس المدونة آمنة الشرقي، 6 أشهر بتهمة الإساءة إلى الأديان، لمشاركتها منشورًا تحت عنوان “سورة كورونا”، وهو ما أعاد الحديث حول تقييد الحريات علي السوشيال ميديا، والحق في الوصول إلى الإنترنت للنقاش مرة أخرى، لاسيما مع سن بعض القوانين التي من شأنها معاقبة مستخدمي الإنترنت وتضييق حرية التعبير، كدول مثل تركيا، وإيران، والصين، والهند، وأمريكا.
في عام 2016، اعتبرت الأمم المتحدة حق الوصول إلى الإنترنت أحد حقوق الإنسان، فهو أحد أهداف التنمية للمنظمة، ووفق منظمة “أكسس ناو”، المُختصة بالدفاع عن الحقوق الرقمية والناشطين الذين يستخدمون الأمن الرقمي، ففي عام 2019 قطعت خدمة الإنترنت خلال أكثر من 60 احتجاجا في دول مختلفة، وحدث ذلك 12 مرة في أوقات انتخابات.
قانون تركي لتقييد الحريات
في أول يوليو الجاري، صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بأن السلطات عزمت على مراقبة وإغلاق وسائل تواصل اجتماعي في تركيا، بسبب زيادة الأعمال غير الأخلاقية، في السنوات الأخيرة، مرجعًا ذلك إلى عدم وجود قواعد تنظيمية، وهو ما أثار حملات غضب واسعة ضده، معتبرين إياه فرض سيطرة على هذه المنصات.
İnternet ve sosyal medya mecralarının ülkemizde bir an önce hukuki ve mali muhataplık tesis etmeleri için ne gerekiyorsa yapmakta kararlıyız.
Hukuki düzenleme tamamlandığında, erişim engeli ile adli ve mali yaptırımlar dahil her türlü yöntemi devreye sokacağız. pic.twitter.com/Gw8TCxCe1F
— Recep Tayyip Erdoğan (@RTErdogan) July 1, 2020
وأفادت مصادر في حزب “العدالة والتنمية”، أنهم سيأخذون بعين الاعتبار القوانين التي وضعتها دولة ألمانيا في هذا الصدد، بتقييد ما يُنشر على مواقع التواصل الاجتماعي، بحسب صحيفة “حريات” التركية.
ووفق الصحيفة، فإن قانونًا ساريًا في ألمانيا منذ 2018، ينظم منشورات وسائل التواصل الاجتماعي، وينص على أن عدم إزالة المحتوى المسيء أو الضار في غضون 24 ساعة، يستوجب غرامات مالية كبيرة.
يسعى القانون، إلى فرض غرامات على “مزودي وسائل التواصل الاجتماعي” الذين لا يستجيبون لطلبات الإزالة، ويمكن أن تتراوح هذه الغرامات من 100 ليرة تركية إلى 5 ملايين ليرة.
استنكار حقوقي بالمغرب وموافقة برلمانية
حدث نفس الأمر في المملكة المغربية، حيث وافقت الحكومة في مارس الماضي، على مشروع قانون بشأن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما انتقدته المنظمات المجتمع المدني وبعض البرلمانيين، حيث رأوا أن الحكومة استغلت جائحة كورونا لوضع تدابير تقيد الحريات المدنية.
تمنح المادة 8 من مشروع القانون، سلطات رقابية واسعة النطاق لـ “مُزودي الخدمات”، المُكلفين بحذف أو حظر أي شيء من شأنه أن يهدد الأمن والنظام العام أو من شأنه المساس بثوابت المملكة المغربية أو بمقدساتها ورموزها، وذلك داخل أجل أقصاه 24 ساعة.
وفي حالة عدم الامتثال، قد يؤدي ذلك إلى غرامة قدرها 500 ألف درهم مغربي، بينما تنص المادة 14 من مشروع القانون، على “الحبس من 6 أشهر إلى 3 سنوات” من قام عمدًا عبر شبكات التواصل الاجتماعي بالدعوة إلى مقاطعة بعض المنتوجات أو البضائع أو الخدمات أو القيام بالتحريض علانية على ذلك.
في حين، أفاد بحث أجرته “منظمة العفو الدولية” أن متسللين استهدفوا اثنين من النشطاء الحقوقيين بالمغرب باستخدام برمجيات تجسس حاسوبية متقدمة خلال حملة قمع حكومية لاحتجاجات خلال السنوات الأخيرة، وذلك عبر رسائل نصية مليئة بالبرمجيات الخبيثة ومن خلال تقنية اختراق إلكترونية يمكنها سرا زرع برمجيات خبيثة بالهواتف المحمولة.
محاكمات واستباحات للخصوصية بتونس
حوكم 6 تونسيين على الأقل بالسجن منذ 2017، بسبب منشوراتهم على مواقع التواصل الاجتماعي حول السياسة والقضايا العامة، بحسب منظمة “هيومن رايتس ووتش”، وكان آخر هذه المحاكمات بحق ياسين حمدوني، الذي أُدين بالسجن 6 أشهر في 6 يونيو 2019، بعد اتهامه مسؤولًا أمنيًا كبيرًا بالفساد، لاستخدامه سيارة رسمية لأغراض خاصة.
ما دفع المنظمة، للمطالبة بتعديل قوانين “قمعية” في تونس، موضحة أن السلطات التونسية تستخدم القوانين المُتعلقة بنشر معلومات كاذبة، وإيذاء الآخرين عبر شبكات الاتصالات العامة، لمقاضاة الأشخاص بسبب تعليقاتهم على الإنترنت، ما قد يعرض المواطنين للسجن لفترات قد تصل إلى عامين.
وفي 20 يوليو الجاري، كشفت دراسة جديدة نشرتها كل من “إمباكت الدولية لسياسات حقوق الإنسان”، ومنظمة “آكسس ناو”، أن شركات تزويد الإنترنت الرئيسية الخاصة في تونس تنتهك خصوصية عملائها، الأمر الذي يسمح لها بحرية التصرف بمعلوماتهم الشخصية والاحتفاظ بها ومشاركتها مع أطراف ثالثة دون علم مسبق من العملاء.
وقالت الدراسة، إن 7 شركات رئيسية مزودة للإنترنت في تونس، جميعها خالفت المبادئ الأساسية لاحترام حقوق العملاء في الخصوصية، الأمر الذي يعني أن مستخدمي الإنترنت في تونس يواجهون خطرًا حقيقيًا فيما يتعلق بخصوصية معلوماتهم واستخدامهم للشبكة العنكبوتية.
ترامب يهدد بإغلاق مواقع التواصل
وفي معقل الحريات، هدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في مايو الماضي، بإغلاق منصات التواصل الاجتماعي بعدما اتهمه موقع “تويتر” بنشر معلومات كاذبة عبر تغريدتين “لا أساس لهما من الصحة”.
وغرد ترامب قائلاً: “يشعر الجمهوريون بأن منصات التواصل الاجتماعي تُمارس رقابة كاملة على أصوات المحافظين، سنقوم بتنظيمها بشدة أو إغلاقها لعدم السماح بتكرار أمر مماثل”.
.@Twitter is now interfering in the 2020 Presidential Election. They are saying my statement on Mail-In Ballots, which will lead to massive corruption and fraud, is incorrect, based on fact-checking by Fake News CNN and the Amazon Washington Post….
— Donald J. Trump (@realDonaldTrump) May 26, 2020
وأكد “تويتر”، أن هذه هي المرة الأولى التي يُطبق فيها إخطار لتقصي الحقائق على تغريدة من الرئيس الأمريكي، في امتداد لسياسته الجديدة “للمعلومات المضللة” التي بدأ العمل بها بداية من مايو الماضي لمكافحة المعلومات المضللة بشأن فيروس كورونا.
الصين تحجب “فيسبوك”
أما في جمهورية الصين الشعبية، فالمأساة أكبر، حيث حجبت السلطات في يوليو 2009 موقع “فيسبوك”، بعد استخدام نشطاء استقلال “شينجيانغ” له.
وتفرض الصين، قيودًا مشددة على عمليات البحث عبر الإنترنت لتجنب مواضيع تحمل حساسية بالنسبة لقيادتها الشيوعية، إضافة إلى المواقع الإخبارية التي تعتبر تغطيتها مناهضة لسياساتها.
كما تُشير بعض التقارير، إلى أن الصين تفرض قيودًا على أكثر من 75% من مواقع التواصل الاجتماعي المعروفة في جميع أنحاء العالم، مثل جوجل وفيسبوك وواتساب وغيرها من المواقع الأخرى.
الهند أعلي الدول في قطع خدمات الإنترنت
كشفت بيانات لمنظمة “آكسس ناو” عام 2019، أن الهند تقدمت دول العالم في عدد مرات قطع خدمة الإنترنت العام الماضي.
وقطعت خدمات تدفق البيانات المحمولة وشبكات الإنترنت التقليدية في عدة أجزاء من الهند 121 مرة، ووقعت معظم هذه الحالات في إقليم كشمير المتنازع عليه مع باكستان.
تقييد وسائل التواصل في باكستان
أقرت الحكومة الباكستانية، في فبراير الماضي، قواعد تنظيمية جديدة لوسائل التواصل الاجتماعي، وصفتها المعارضة بأنها قد تستخدم لإسكات المعارضة والحد من حرية التعبير، وبموجب هذه القواعد سيتم إلزام شركات وسائل التواصل الاجتماعي بمساعدة أجهزة إنفاذ القانون على الوصول لبيانات وحذف محتوى على الإنترنت تعتبره الدولة غير قانوني.
ونقلت وكالة “رويترز” عن نيجات داد، الذي يدير مؤسسة غير ربحية لحقوق المنصات الرقمية في باكستان، قوله بإن القواعد الجديدة تمنح السلطات صلاحيات واسعة النطاق لتقييد وسائل التواصل الاجتماعي.
السجن 5 سنوات لرواد مواقع التواصل في إثيوبيا
يسمح قانون جديد في إثيوبيا، بدفع غرامة تصل قيمتها إلى 36 آلاف دولار، والسجن لمدة تصل إلى 5 سنوات لأي شخص يُشارك أو يُنتج منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي يعتقد أنها قد تسفر عن عنف أو تكدير النظام العام، وصوت 297 نائبًا كانوا حاضرين لصالح القانون في حين لم يعارضه سوى 23.
وعارض العديد من المشرعين القانون، مؤكدين أنه ينتهك ضمانات دستورية تتعلق بحرية التعبير.
روسيا بلا حريات عبر الإنترنت
في ضوء ما سبق، يتضح أن قائمة الدول التي تُضيق الخناق على حرية الوصول إلى شبكة الإنترنت، ليست قصيرة، وتُعد روسيا أهم تلك الدول، وتعززت هذه المخاوف بعد توقيع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على قانون “الإنترنت السيادي”، العام الماضي، بإنشاء تلك الشبكة.
وينص القانون الجديد، على استحداث آلية لمراقبة حركة مرور الإنترنت في روسيا وإبعادها عن الخوادم الأجنبية، ظاهريًا بهدف منع بلد أجنبي من التأثير عليها، ومن المتوقع أن يدخل القانون حيز التنفيذ في الأول من نوفمبر المقبل.
وتحتل روسيا، مواقع متأخرة في تصنيفات المنظمات الدولية لحرية الرأي، في حين تواصل منظمة “فريدوم هاوس”، وصف روسيا للسنة الخامسة على التوالي بالدولة الخالية من حرية استخدام الإنترنت بسبب حظر المستخدمين واعتقالاتهم.
انتقائية “فيسبوك”
في المقابل، أكد مارك زوكربيرغ مدير ومؤسس “فيسبوك”، أنه سيتبع أسلوبًا جديدًا ضمن سياسة شركته في الدفاع عن حرية التعبير والحق في تشفير المصادر.
وشدّد على مسؤولية شركته، في حذف المحتوى المتعلق بالإرهاب واستغلال الأطفال والتحريض على العنف، إلا أنه أعرب عن عدم ارتياحه إزاء الطلبات المتزايدة لقمع أنواع عدة من المشاركات على الموقع.