رغم عشرات التقديرات السلبية بشأن زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن الأخيرة إلى المملكة العربية السعودية، التي قيل إنها على الأقل لم تحقق الغرض منها. إلا أنها لم تكن فاشلة بالشكل الذي حاولت الدعاية الروسية ترويجه.
ورغم تصريح ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان. خلال قمة جدة للأمن والتنمية، بأن المملكة لن ترفع من معدل إنتاج النفط لتغطية الفجوة التي صنعتها العقوبات المفروضة على روسيا بسبب أوكرانيا. إلا أنه يبدو أن أمريكا والمملكة توصلتا إلى شروط معينة فيما يتعلق برؤيتهما لآفاق سوق النفط العالمية. كذلك الخطوات التي يمكن أن تتخذها الرياض، للتخفيف من الأثر السلبي لارتفاع أسعار النفط على الغرب.
اقرأ أيضا: بعد قفزة النفط لـ140 دولارا.. هل تضطر مصر إلى تحريك أسعار الوقود في أبريل؟
في تحليله، يشير نيكولاي كوزانوف، الأستاذ بمركز دراسات الخليج في جامعة قطر. إلى أنه بينما تظل تفاصيل المفاوضات “الأمريكية/ السعودية” طي الكتمان. تتوقع سوق النفط أنه في 3 أغسطس/ آب المقبل، عندما يجتمع أعضاء (أوبك +) لمناقشة حصص الإنتاج، قد تحاول السعودية إقناع المنظمة بزيادة الإمدادات.
بالفعل، تجاوزت (أوبك +) حدود الإنتاج المتفق عليها. حيث قرر الأعضاء زيادة إنتاجهم النفطي في يوليو/ تموز، وأغسطس/ آب. فوق المستوى الموعود البالغ 432 ألف برميل يوميا.
مستقبل النفط الروسي
يقول كوزانوف، في التحليل الموجز الذي نشره المعهد الملكي للعلاقات الدولية “Chatham House”. إنه يتم تحديد المكاسب الروسية من خلال الوضع الاقتصادي الفريد والخصومات العالية التي تقدمها موسكو على الهيدروكربونات. لكن لا يمكن اعتبار أي منهما مستداما على المدى الطويل.
قرار (أوبك +) الصادر في يونيو/ حزيران، جاء في نفس اليوم الذي تبنى فيه الاتحاد الأوروبي. الحزمة السادسة من العقوبات ضد روسيا، والتي تفرض حظرا جزئيا على واردات النفط الروسية إلى الاتحاد الأوروبي. وتقوض دور موسكو كلاعب مهم في سوق المحروقات.
لذلك فإن (أوبك +) تستوعب بالفعل مصالح الدول الغربية، التي تريد أن ترى انخفاضا في أسعار النفط والوقود المرتفعة. التي تؤثر سلبا على نموها الاقتصادي. وهذا من شأنه أن يساعد أوروبا أيضا على تقليل واردات النفط من روسيا.
يقول كوزانوف: “من الناحية النظرية، يمكن أن تخلق هذه العقوبات فرصا جديدة لأعضاء أوبك في كل من أوروبا وخارجها. إذ تقول إن ما يصل إلى ثلاثة ملايين برميل يوميا من النفط الروسي، يجب أن تغادر السوق الأوروبية. ورغم منح استثناءات للمجر وسلوفاكيا والتشيك، فإن حجم وارداتها النفطية من روسيا لا يتجاوز 250 ألف برميل يوميا، وهو أمر سهل الاستبدال مع توريد الشرق الأوسط”.
كانت الاستجابة الأوليّة لروسيا هي إعادة توجيه صادراتها النفطية إلى آسيا. وبالتالي، زيادة المنافسة بشكل طبيعي مع الأنظمة الملكية العربية في الخليج على السوق الاستهلاكية التقليدية. زادت الدول الآسيوية وارداتها البحرية من النفط الروسي المخفض بشكل كبير.
هذا الأمر أدى إلى اشتعال المنافسة بين موسكو ومنتجي النفط الخليجي، الذين يعتبرون آسيا بالفعل سوقهم الرئيسية. لكن المشكلة موجودة بالفعل فقط في دول معينة، مثل الهند، وجزئيًا في الصين. التي حلت الآن محل السعودية كمورد رئيسي للنفط لموسكو.
التعامل مع روسيا
تتحدد المكاسب الروسية من خلال الوضع الاقتصادي الفريد، والخصومات العالية التي تقدمها موسكو على الهيدروكربونات. ولا يمكن اعتبار أي منهما مستداما في المدى الطويل. حتى بكين، تحاول موازنة مشترياتها من النفط الروسي، مع واردات أكبر من الخام السعودي.
أيضًا تضعف العقوبات قدرات موسكو كمنتج. إذ تتوقع روسيا رسميا أن ينخفض إنتاجها بنسبة 9.3 إلى 17%. بينما تزعم تقديرات أخرى أنه قد يصل إلى حوالي 20 إلى 30% بحلول عام 2023. وحتى قبل العقوبات، كانت موسكو تواجه مشكلات في الحفاظ على الوضع الحالي لمستوى الإنتاج.
لذا، فإن مزيجا من انخفاض الطلب على النفط الروسي، مع مشكلات روسيا في الوصول إلى التكنولوجيا اللازمة. لن يؤدي إلا إلى تسريع تضاؤل الدور الروسي في أسواق النفط الدولية، ويؤدي إلى انخفاض أهميته بالنسبة لمنظمة (أوبك +).
يلفت كوزانوف إلى أنه “في الواقع، لا (أوبك +) ولا زعماء الخليج في عجلة من أمرهم. إما للتخلي عن روسيا، أو ضخ كميات أكبر بكثير من النفط إلى أوروبا”. يؤكد هذا قول الأمين العام السابق لمنظمة أوبك، محمد باركيندو، الذي أكد أن المنظمة “غير قادرة على استبدال النفط الروسي”. في حين اتهم وزير النفط الإماراتي سهيل المزروعي، الغرب بشكل غير مباشر بـ”زعزعة سوق النفط”.
يؤكد: “هذا الإحجام عن تقويض مصالح روسيا علنا في سوق النفط. تحدده البراجماتية البحتة. حتى بدون مساعدة نشطة لأوروبا، تقدم حرب بوتين في أوكرانيا فرصة نادرة لدول (أوبك +) لإثراء نفسها. لأن أسعار النفط المرتفعة لا تجدد الاحتياطيات المالية لدول الخليج فحسب، بل لها أيضا تأثير إيجابي على مؤشرات نمو الاقتصاد الكلي، وزيادة قوتها الناعمة”.
ليست حرب نفط
علاوة على ذلك، أصبحت بعض دول الخليج بشكل غير متوقع عملاء “مخلصين” لقطاعي الهيدروكربونات والبتروكيماويات الروسي. هكذا وجدت السعودية أنه من المعقول زيادة واردات زيت الوقود الروسي المخفض، لتلبية الطلب الموسمي على المواد الأولية لمحطات توليد الطاقة الخاصة بها.
تم توقيع الاتفاقية بين السعودية وLitasco، الذراع التجاري لشركة Lukoil الروسية. وبحلول يونيو/ حزيران 2022، بلغت نسبة زيت الوقود الروسي المنتج في الواردات السعودية 86%.
ليس من المنطقي إعلان حرب سوق مفتوحة ضد روسيا لأسواق النفط. نظرًا للمزاج العام للأوروبيين لتنويع الإمدادات. وببساطة، لن يكون لموسكو قريبًا مكان في أوروبا. وستحل دول الخليج مكانها تدريجيا -ببساطة- من خلال تنظيم سياسة التسعير الخاصة بهم.
يؤكد كوزانوف، الأستاذ بمركز دراسات الخليج أنه “لم تؤثر العواقب الاقتصادية للغزو الروسي لأوكرانيا بالفعل على الأنظمة الملكية العربية في الخليج. والتي لا تزال أكثر قلقًا بشأن أساسيات سوق النفط، وتأثير COVID-19 على اقتصاد الصين. وزيادة العرض المحتملة، ومعدل النمو المنخفض. للاقتصاد العالمي. كل هذه العوامل لها تأثير سلبي على أسواق النفط، وتتطلب أقصى قدر من الاتساق داخل (أوبك +)”. حتى مع ضعف دور روسيا، من أجل إعادة تعديل سياسات الإنتاج لمواجهة التحديات الناشئة.
ليس من الواضح إلى أي مدى يمكن أن يذهب لاعبو (أوبك +) لتلبية مطالب بايدن. وعدت القيادة السعودية بضمان الإمداد الكافي للسوق، لكنها لم توضح معنى ذلك. كما أنه لدى أوبك أيضا تقليد طويل في الاحتفاظ باحتياطي القدرات الاحتياطية لحالات الطوارئ.
يجادل المحللون بأنه مهما كانت الخطوة التي ستتخذها السعودية في اجتماع أغسطس/ آب. فإنها ستهدف بشكل أكبر إلى التأثير النفسي على أسعار النفط، بدلا من تغيير الأساسيات التي تحددها. وهذا من شأنه أن يرضي كل من الولايات المتحدة وروسيا. بالنسبة لبايدن، ستمنع أسعار النفط من مزيد من النمو. بينما لن تؤثر حركة (أوبك +) حقا على قدرة روسيا على بيعها، والحصول على عائدات عالية.
الوزن الضئيل لمحنة أوكرانيا في الخليج
تتجاوز الحرب في أوكرانيا المصالح الحيوية للدول العربية المنتجة للنفط في الخليج. وهناك القليل من الروابط الثقافية والتاريخية التي تدفعها للشعور بالحاجة إلى المساعدة. فهو بعيد عن النخب الخليجية مثلما هي الحروب السورية واليمنية والأفغانية بالنسبة لمعظم الأوروبيين.
يلفت كوزانوف إلى أنه في بداية الحرب، حاولت كييف أن تلعب بورقة إسلامية بإرسال نائبة وزير الخارجية أمينة دشاباروفا. والتي تنتمي إلى تتار القرم، إلى منتدى الدوحة لتعبئة المشاعر العربية في دعم أوكرانيا. ومع ذلك “فقد كانت غير مقنعة وغربية للغاية. بحيث لا يمكنها التحدث إلى جمهور الشرق الأوسط بلغتهم، ومن الواضح أنها فشلت في مهمتها”.
يقول: “في ظل هذه الظروف، تدرك الممالك الخليجية بشكل عملي الحاجة إلى النفط العربي. على أنها رافعة نفوذ، أو ورقة مساومة، أو فرصة للانتقام من ابتعاد الولايات المتحدة السابق عن المخاوف الأمنية السعودية والإماراتية. شوهد هذا عندما تجاهلت القيادة السعودية قبل جولة بايدن بشكل أساسي طلبات الولايات المتحدة لزيادة حجم الإنتاج”.
وأضاف: لكن، لا ينبغي أيضًا اعتبار العلاقات الروسية مع منتجي النفط في الخليج متينة. إن مستقبلها غير واضح، خاصة وأنها تتحددون إلى حد كبير بعوامل خارجية. مثل تفاعلات العلاقات الأمريكية- الخليجية، ونجاح وفشل الجيش الأوكراني على جبهة القتال، وأساسيات السوق المتغيرة.