في تحليل مختصر نشرته سابينا هينبيرج، من معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، تلفت نظر الإدارة الأمريكية إلى أنه على الرغم من استمرار التدابير المناهضة للديمقراطية في تونس في التصاعد، إلا أن الوقت الحالي ليس هو الوقت المناسب لقطع المساعدات. ولكن، بدلا من ذلك، هو وقت تعزيز القطاع الخاص المعرض للخطر في البلاد، والمجتمع المدني القوي، والقضاء الضعيف.
في 25 يوليو/تموز، خرج الناخبون التونسيون بأعداد منخفضة، بشكل رآه المراقبون “مقلقا”. للموافقة على دستور جديد، صاغه الرئيس قيس سعيد إلى حد كبير، وتم اعتماده من خلال “عملية معيبة للغاية”، وفق تعبير “سابينا”.
تقول: أعاد الدستور الجديد الحكومة إلى نظام رئاسي، يفتقر بشدة إلى الضوابط والتوازنات الديمقراطية. بالنسبة لواشنطن -والعديد من التونسيين- تمثل هذه التغييرات خطوة مهمة أخرى، على طريق عام كامل، نحو إعادة تأسيس الاستبداد، هذا الاستبداد الذي كان الشرارة التي أطلقت ثورة 2011.
وأضافت: على الرغم من أن وقف هذا المسار سيكون صعبًا، لا يزال بإمكان الولايات المتحدة فعل الكثير. للمساعدة في حماية المكاسب الديمقراطية لتونس على مدى العقد الماضي، والحفاظ على الهجرة إلى أوروبا عند مستوى يمكن إدارته، وخلق حاجز ضد عدم الاستقرار في ليبيا ومنطقة الساحل، ودعم سبل العيش لملايين المواطنين التونسيين. بدلاً من تفريغ مساعداتها المالية والأمنية.
اقرأ أيضا: هل يفتح دستور سعيد الباب للثيوقراطية التونسية؟
استقرار الاقتصاد التونسي
تلفت الباحثة الأمريكية إلى أن عدة عوامل ساعدت على إنتاج هذا الوضع في تونس “أدى دستور 2014، القائم على الإجماع والتوافق، إلى معوقات مؤسسية، وحكومات متصدعة متعاقبة. وتفاقمت هاتان المشكلتان بسبب قلة خبرة الأحزاب السياسية في تونس، واستمرار الفساد، والصراعات الشخصية بين البرلمانيين. ردا على ذلك، فقد الكثير من المواطنين الثقة في النظام ومؤسساته”.
هكذا، عندما تفاقمت الأزمة الاقتصادية في تونس بشكل كبير خلال العامين الماضيين، قوضت إلى حد كبير مشروعًا ديمقراطيًا هشًا بالفعل. فقد “فشلت الإدارات المتعاقبة في تنفيذ الإصلاحات المالية الضرورية، وذلك بفضل تأثير مسئولي النقابات العمالية. الذين عارضوا تدابير، مثل خفض الإنفاق على مزايا القطاع العام. وعدم رغبة الحكومات التوافقية في معالجة القضايا الخلافية”.
بعد انتخاب قيس سعيد رئيسا للبلاد عام 2019، وجهت جائحة كوفيد 19 ضربة هائلة للاقتصاد التونسي، وأطلق العنان لأزمة صحية كبيرة. مما أتاح له فرصة إعلان حالة الطوارئ -وتمديدها لاحقًا- وتفكيك البرلمان، وإصدار سلسلة من المراسيم التي تضعف المؤسسات الأخرى. تلفت سابينا إلى أنه “بجانب كونها مبنية على أعمدة هشة ديمقراطيًا، فإن الجمهورية الدستورية الناتجة (عن الاستفتاء) تفتقر إلى شرعية عريضة القاعدة”.
تضيف: “لكن، على الرغم من تصرفات سعيد المقلقة، لم يحن الوقت الآن لتعليق المساعدة لتونس. لسبب واحد، كان مبلغ 85 مليون دولار من صناديق الدعم الاقتصادي الأمريكية، المقدمة في السنة المالية 2022. مكملاً مهمًا لنفقات تونس التي بلغت حوالي 12 مليار دولار.
لذلك، سيؤدي تقليل هذا الدعم إلى تفاقم الظروف الاقتصادية المتردية في البلاد. والأهم من ذلك، ستؤذي واشنطن الشعب التونسي إذا استمرت في حجب اتفاقية مؤسسة تحدي الألفية البالغة 500 مليون دولار، والتي تسهل مشاريع المياه والتنمية الريفية.
أشارت سابينا إلى أن المؤسسة علقت هذه المساعدة حتى تعود تونس إلى المسار الديمقراطي “لكن استجابة سعيد لمثل هذه العصي لا تزال غير متوقعة. وبناءً على ذلك، لا ينبغي لواشنطن أن تخاطر باستفزازه إلى تحركات أكثر تشددًا قد تعجل بالمعاناة الإنسانية والهجرة الجماعية.
تأمين القروض ودعم الانتخابات
ترى الزميلة بمعهد الشرق الأوسط أن أفضل أمل على المدى القريب للتخفيف من حدة المشاكل المالية في تونس هو تأمين حزمة قروض جديدة من صندوق النقد الدولي. تقول: على الرغم من أن البعض يعتبرون هذه النتيجة أكثر ترجيحًا الآن بعد أن ركز سعيد السلطة في يديه، فإن تنفيذ الإصلاحات -غير الشعبية- التي فرضها الصندوق، مثل خفض رواتب موظفي القطاع العام، سيظل صعبًا. حيث لم يُظهر سعيد اهتمامًا كبيرًا بإجراء إصلاحات اقتصادية هيكلية.
تضيف: مع ذلك، فإن مساعدة تونس على تجنب الانهيار المالي أمر ضروري للحفاظ على الاستقرار. لذلك، سواء تمت الموافقة على قرض صندوق النقد الدولي أم لا. يجب على الولايات المتحدة وشركائها مواصلة البرامج التي تهدف إلى تعزيز نمو القطاع الخاص، وتنمية القوى العاملة في الوقت الحالي. بما في ذلك الأموال التي تم إلغاؤها من الميزانية المقترحة من إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للسنة المالية 2023.
تلفت أيضا إلى أن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، أشار في بيان صدر في 28 يوليو/ تموز. أنه يجب على واشنطن أن تراقب عن كثب الانتخابات البرلمانية القادمة في تونس، والمقرر إجراؤها حاليًا في 17 ديسمبر/تشرين الأول. قال: “تعرض استفتاء الشهر الماضي لانتقادات واسعة النطاق لعدم كونه حرًا ونزيهًا، والتصويت التالي من غير المحتمل أن يكون مختلفا. تشير الدلائل الأولية المقلقة إلى أن سعيد سيقيد قوانين الإعلام والحملات الانتخابية، أو حتى يحظر بعض الأحزاب السياسية والمرشحين تمامًا”.
سرعان ما تسبب تصريح بلينكن، الذي تضمن انتقادات حادة لعملية الاستفتاء، وغيرها من التحركات التي وصفها بـ “المقلقة”. في رد فعل عنيف في تونس. استدعت وزارة الخارجية القائم بالأعمال، ناتاشا فرانشيسكي في اليوم التالي، وانتقدت البيان ووصفه بأنه “تدخل” في الشؤون الداخلية التونسية. بينما وردت أنباء عن احتجاجات خارج السفارة الأمريكية.
تقول سابينا: “يعكس الرد المساحة الضيقة المتبقية لواشنطن لتشجيع التشريع الانتخابي السليم دون دفع سعيد إلى التطرف. ومن ثم، ستحتاج إدارة بايدن إلى التنسيق عن كثب مع الشركاء الأوروبيين لإنشاء محفزات لحجب الدعم المباشر للحكومة التونسية”.
اقرأ أيضا: يطلبون «الوضوح الديمقراطي».. التونسيون يرفعون فيتو ضد «تردد سعيد»
التركيز على المجتمع المدني
يلفت تحليل سابينا إلى أنه يمكن للولايات المتحدة معارضة “تصرفات الرئيس التونسي غير الديمقراطية” -حسب وصفها- من خلال دعم المجتمع المدني القوي في تونس.
تقول: منذ عام 2011، لعب المجتمع المدني دورًا رئيسيًا في إنشاء مراقبة حقوق الإنسان، وتعزيز مبادرات الشفافية، وبناء الممارسات الديمقراطية في البلاد. خلال العام الماضي، لعب هذا القطاع دورًا فعالًا في مواجهة سعيد -جزئيًا- من خلال تنظيم الإضرابات والمقاطعات، ردًا على قراراته.
وتؤكد أنه حتى الآن “لم يستهدف سعيد المجتمع المدني بنفس النشاط الذي أظهره في هجماته على المعارضين السياسيين رفيعي المستوى. لكن في وقت سابق من هذا العام، تم تسريب مشروع قانون يطالب المنظمات غير الحكومية بالحصول على إذن حكومي للعمل. وإخضاع تمويلها الأجنبي لموافقة مسبقة من البنك المركزي التونسي”.
أثار التسريب رد فعل صريحًا من قبل المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان التونسية. ولم يسمع أي شيء آخر عن القانون منذ ذلك الحين “مع ذلك، يجب على المجتمع الدولي أن يراقب هذه القضية عن كثب. وأن يعارض بحماس أي تهديدات من هذا القبيل لحرية تكوين الجمعيات”.
في جلسة استماع يوم 27 يوليو/ تموز، أشار السفير المعين جوي هود، إلى أن الولايات المتحدة “يجب أن تستمر في دعم أصوات المجتمع المدني”. والذي وصفته سابينا بأنه “موقف واعد، قد يساعد في ثني سعيد عن اتخاذ إجراءات أكثر قسوة”.
وتشدد: يجب أن يؤكد الكونجرس ترشيحه بسرعة، بدلاً من ترك أعلى منصب دبلوماسي في البلاد في دور “التمثيل”. علاوة على ذلك، ينبغي لمسئولي السفارة الأمريكية، رفيعي المستوى، عقد اجتماعات مع ممثلي المجتمع المدني. كوسيلة لإثبات نية واشنطن في البقاء شريكًا ديمقراطيًا ملتزمًا. يجب أن تشمل هذه المشاركة التركيز على المنظمات التي تعمل على إشراك الشباب، الذين سئموا من الجيل الأكبر من النخب السياسية.
دعم القضاء التونسي
من المكونات المهمة الأخرى للمساعدات الأمريكية لتونس المساعدة العسكرية، والتي ساعدت في تحقيق أهداف مكافحة الإرهاب الرئيسية لسنوات.
منذ عام 2011، قدمت واشنطن لتونس تمويلًا عسكريًا خارجيًا كبيرًا، ومساعدات تهدف إلى تعزيز وإصلاح إنفاذ القانون. لكن اقتراح ميزانية إدارة بايدن دعا إلى إجراء تخفيضات كبيرة في هذه المساعدة. حيث تمنح 61 مليون دولار في السنة المالية 2023، انخفاضًا من 112 مليون دولار. يؤكد التحليل أنه “قد يؤدي خفض هذه المساعدة إلى جعل تونس أكثر عرضة للهجمات والتجنيد المتطرفين. وهو خطر محتمل بالفعل بالنظر إلى معدل البطالة المرتفع”.
في الوقت نفسه، يشير التحليل إلى أنه “يجب على واشنطن ضمان ألا تشجع مساعدتها العسكرية قوات الأمن التونسية على استخدام -أو توسيع- التكتيكات القمعية ضد المدنيين. إلى جانب إظهار التزام أمريكا الحقيقي بحماية حقوق الإنسان، فإن الوفاء بهذه الضرورة منصوص عليه أيضًا في القانون الأمريكي”.
نقطة رئيسية أخرى أكدها السفير المعين جوي هود، كانت إصرار الولايات المتحدة المستمر على قضاء مستقل في تونس “تعرضت آفاق البلاد في الحفاظ على نظام قضائي عادل لخطر شديد بسبب الدستور الجديد. لتحسين هذه الآفاق، يجب على واشنطن أن تعارض استخدام المحاكم العسكرية في المحاكمات المدنية. على الرغم من زيادة هذه الممارسة خلال العام الماضي، لا يبدو أنها ذات أهمية مركزية بالنسبة لسعيد. إن إقناعه بالتخلي عنها بهدوء، قد يساعد في استعادة بعض الثقة بين الناس”.
زميلة حائزة على زمالة لما بعد الدكتوراه في “كلية الدراسات الدولية المتقدمة” في “جامعة جونز هوبكنز”، حيث تقوم بالبحث والنشر في القضايا المتعلقة بالتحولات السياسية في شمال إفريقيا.