في عام 1974 أسست الحكومة بنك العمال المصري كشركة مساهمة وفقا لأحكام قانون الاستثمار رقم 43 لسنة1974، جاءت الفكرة ضمن سياقات اقتصادية وسياسية، منها دعم الحماية الاجتماعية للعمال، عبر بنك متخصص يسد احتياجات العمال من النقد في ظل ظروف اقتصاد متداع، تأثر بسنوات الحرب الطويلة، وضمنها حرب أكتوبر 1973، كان ضمن أهداف البنك المساعدة في التقليل من الآثار الاقتصادية للتحول في السياسات الاقتصادية، والتوجه نحو اقتصاديات السوق فيما عرف حينها بسياسات الانفتاح.
بنك العمال
تأسس البنك برأسمال قدره 500 مليون جنيه مصري، وساهم في رأسماله كل من الاتحاد العام لنقابات عمال مصر بنسبة 58% وهيئتي التأمينات والمعاشات بنسبة 20% والقطاع العام ممثلا في بنك مصر وكانت نسبة المساهمين الأفراد 12%، وبهذا يصبح وفقا لتوزيع رأسمال، حق إدارة البنك لاتحاد عمال مصر، ويشغل رئيس الاتحاد، موقع رئيس لمجلس إدارة البنك.
لعب البنك أدورا هامة على مستويات عدة، كان داعما قويا للعمال ونقابتهم، حيث وفر الخدمات البنكية لهم، كما ساعد النقابات في إقامة معارض السلع الاستهلاكية المعمرة، وبذلك وفر السلع بقروض وفوائد ميسرة تتراوح نسبتها ما بين 3 إلى 5%، وهذا ساعد فى توفير النقد اللازم للعمال، سواء للعلاج أو التعليم أو زواج الأبناء إلخ. غير ما ساهم به من تمويل لإنشاء وتطوير النوادي الاجتماعية للنقابات.
بنك التنمية الصناعية
على الضفة الأخرى، كان هناك بنك آخر متخصص، وهو بنك التنمية الصناعية، وقد تأسس برأسمال قدره 1.5 مليون جنيه وفقا للقانون رقم 138 لسنة 1947، حيث صدر قرار وزير المالية رقم 65 لسنة 1975 بشأن تأسيس البنك الصناعي، ثم عدل اسمه بقرار وزاري رقم 144 لسنة 1976 ليصبح بنك التنمية الصناعية المصري، مع زيادة رأسماله إلى 10 مليون جنيه، وكان يهدف إلى زيادة وتيرة الإنتاج الصناعي عبر ضخ تمويلات لشركات القطاع الخاص، ذلك تماشيا مع سياسات الانفتاح وإعادة الهيكلة والتحول إلى اقتصاد السوق، لكن البنك تعرض مع مرور الوقت ولأسباب عديدة، إلى أزمات مالية، ومن أجل إنقاذه جاءت محاولة دمج البنك مع بنك مصر.
أزمة بنك التنمية الصناعية
في فبراير/شباط 2008، اشترط بنك مصر لإتمام الدمج، الحصول على تقرير الجهاز المركزي حول بنك التنمية الصتاعية، وبمراجعة حسابات بنك التنمية الصناعية في 27 يوليو/تموز2008، تبين أن هناك مخالفات جسيمة، منها عجز في مخصصات القروض المتغيرة بقيمة مليار و152 مليون جنيه، بالإضافة إلى انخفاض إيرادات التشغيل بنسبة 0.08%، وبلوغ الديون غير المنتظمة نحو2 مليار جنيه بنسبة 92% من إجمالي القروض، في حين أن المخصصات المقابلة لتلك الديون بلغت 353 مليون جنيه فقط. بالاضافة إلى ذلك أوضح التقرير ارتفاع نسبة الديون المتعثرة من 75.8% سنة 2004 إلى 92% سنة 2006، وكشف الجهاز المركزي، عن أن حجم الضرائب طوال 22 عاما تقارب المليار جنيه، وأنها لم تسدد. وبناء على هذا التقرير وما يحمله من مؤشرات، رفض بنك مصر عملية الدمج.
ما بعد سياسة الدمج: خسائر للعمال والاقتصاد
خلال 2008 أعلن رئيس اتحاد عمال مصر ورئيس مجلس إدارة بنك العمال المصري، حسين مجاور، قرار الجمعية العمومية لبنك العمال بالاندماج مع بنك التنمية الصناعية، وأوضح مجاور، أن أعضاء الجمعية العمومية للاتحاد، وافقوا على الدخول كشريك مع بنك التنمية الصناعية بأسهم قيمتها 100 مليون جنيه بعد زيادة قيمة السهم بنسبة 50%. مع التأكيد بعدم المساس بحقوق العاملين بالبنك عند الدمج، ذلك وفقا لتصريحاته لصحيفة اليوم السابع بتاريخ 28 سبتمبر/أيلول 2008.
بعد ثلاثة أشهر من صدور تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات. تم الإعلان عن الدمج الطوعي لبنك العمال المصري مع بنك التنمية الصناعية! لم يقف الموضوع عند هذا الحد، كانت هناك آثار عدة مترتبة على الدمج، منها ما يختص حقوق العمال بالبنك، رغم وعود رئيس الاتحاد العام لعمال مصر بعدم المساس بها أو الانتقاص منها، لكن النتائج تتناقض مع الوعود، وبدأت حملة موسعة على العاملين ببنك العمال، تنتقص من حقوقهم، حيث قامت إدارة بنك التنمية الصناعية بمخالفة بند »4-10« من عقد الدمج الطوعي مع بنك العمال المصري، والذي يحتوي على التزام البنك بضمان حقوق العاملين والتي تشمل أجورا، بدلات، حوافز، ومنحا وأي مزايا عينية أخرى، ذلك وفقا لصحيفة المال بعددها الصادر 22 مارس/آذار 2009.
بعد عملية الدمج بشهرين، جرى خفض الدرجات الوظيفية، ونقل البعض إلى وظائف أخرى، وعلى صعيد حقوق العمال أيضا، خفض دخل 208 موظفين، وتم حرمانهم من الحوافز والمكافآت والمنح التي كانت تصرف على مدار أكثر من 25 عاما في المناسبات المختلفة، وعلى مستوى الأجور، خفض دخل الموظف بنسبة %40، وتطبيق العلاوة الدورية بنسبة %7 محسوبة على أساس الأجر التأميني بدلا من الأجر الأساسي، وبذلك خفضت العلاوة إلى الربع تقريبا، في حين صرفت علاوة لموظفي بنك التنمية الصناعية بمقدار خمسة أضعاف.
بجانب التغيرات التي مست العمال في الأجور، بدأت الإدارة في رفع أسعار الفائدة على السلف الممنوحة لموظفي بنك العمال من %6 إلى 8 بالمائة، بالمقابل تم تسهيل الحصول على قروض لموظفي التنمية الصناعية بعائد %5 بالمائة، وفى هذا الصدد ذكرت صحيفة المال بعددها الصادر22 مارس/آذار 2010 “بحثت النقابة العامة للبنوك خلال اجتماع مطول نهاية الأسبوع الماضي مع رئيس مجلس إدارة بنك التنمية الصناعية والعمال واللجنة النقابية بالبنك، مطالب العاملين، التي كان على رأسها رفع الأجور، والعلاوات، والمكافآت، والترقيات الشاملة.. حضر الاجتماع رئيس النقابة العامة للبنوك، ورئيس مجلس إدارة البنك، وعدد من أعضاء اللجنة النقابية على رأسهم رئيس اللجنة، ودار الاجتماع حول أهم مشكلات العاملين التي طالما طالبوا بها في وقت سابق منذ إتمام صفقة دمج بنك العمال في التنمية الصناعية”.
أعلن البنك عن سياساته الجديدة في التوسع في الإقراض لشركات القطاع الخاص، منذ مطلع العام 2009، وتحوله إلى بنك تجاري والتعامل بسعر الفائدة السائد في السوق، وبذلك حرم العمال والنقابات من الاستفادة من الاقتراض بسعر الفائدة المخفض الذي كان بنك العمال يتعامل به، وخسارة مؤسسة من أهم المؤسسات التي كان يعتمد عليها العمال في ظل الأزمات الاقتصادية، وبالتالي تم دفع العمال ونقابتهم إلى سوق البنوك التجارية.
بجانب أنه تم حل مشكلة بنك التنمية الصناعية وأزمته عبر دمجه مع بنك العمال، أي حملت أعباء عملية إعادة الهيكلة على الطبقة العاملة، وما ترتب عليها من الانتقاص من مكتسباتها، تمثل عملية الدمج تبني سياسات السوق الحر، وما يترتب عليها من آثار تعاني نتائجها فئات واسعة ويتضرر بها الاقتصاد.
توصيات: البنوك المتخصصة ودعم مظلة الحماية الاجتماعية
وفى النهاية يمكن التوصية -وانطلاقا من تجربة بنك العمال قبل الدمج- بتأسيس تجارب مماثلة، كبنوك متخصصة، تساعد فى تحقيق قدر من العدالة الاجتماعية، وتساهم في مواجهة تقلبات السوق الحر بأزماته، وتقديم العديد من الخدمات البنكية الميسرة لملايين العمال، وخاصة العمالة غير المنتظمة، كما توفر هذه النماذج المقترحة، من بنوك متخصصة، آليات الادخار والائتمان والاقتراض لمواجهة آثار البطالة، خاصة للعمالة غير المنتظمة.
على أن تكون أهداف البنك توفير تمويلات أكثر سهولة، تعزز وتساهم في تحسين الوضع المالي ورفع مستوى المعيشة للعمال، وتحصينهم ضد الأزمات الاقتصادية المتنوعة على المستوى المحلى أو على مستوى القطاع الاقتصادي أو المنشأة الصناعية نفسها.
ويستطيع البنك تقديم خدمات مالية رئيسية أولها حسابات الودائع بأنواعها العادية والادخارية والمحددة المدة، وثانيا منح القروض لتوفير المسكن اللائق والمساعدة في التعليم والصحة وثالثا تقديم خدمات التحويل والصرف وبطاقات الائتمان.
على أن يكون للبنك مجلس استشاري من خبراء متخصصين مستقلين يكون دورهم الرئيسي توجيه سياسات واستراتيجيات البنك وخاصة في ظل سمات نظام اقتصاد السوق الحر المتقلب ومتعدد الأزمات، وكذلك يتيح ذلك المجلس المشورة الفتية حول الكيفية التي قد يخدم بها بنك العمال مصالح النقابات العمالية والعمال.
يمكن كذلك للبنك توفير مظلة حمائية للعمالة غير المنتظمة والموسمية وأصحاب المعاشات عبر توفير الخدمات المالية وتقديم قروض لمجموعات من العمالة لتأسيس مشروعات إنتاجية أو خدمية توفر لهم العمل وتنشط السوق، وعبر عوائد الفائض الناتجة عن أعمال وأنشطة البنك الاستثمارية، يمكن تقديم برامج للتقاعد والمعاشات تدعم شبكة الضمان الاجتماعي.