لا يزال أنصار تيار رجل الدين الشيعي العراقي مقتدى الصدر مستمرين في اعتصامهم في المنطقة الخضراء ببغداد للأسبوع الثاني على التوالي. حيث احتدمت حالة الانقسام السياسي في البلاد، عقب اقتحام أتباع الصدر البرلمان، في محاولة تعطيل تعيين “محمد السوداني” مرشح الإطار التنسيقي –تجمع لأحزاب شيعية عراقية تشكلّ في مارس/آذار سنة 2021– رئيسا للحكومة. ثم طرح الصدر اقتراح حل البرلمان والدعوة لإجراء انتخابات مبكرة الأربعاء الماضي. وهو ما رفضه رئيس ائتلاف دولة القانون، “نوري المالكي” القيادي البارز بالإطار، مشترطًا أنه “لا حل للبرلمان ولا انتخابات مبكرة إلا بعودة مجلس النواب إلى الانعقاد”.
إن المشهد السياسي الحالي في العراق يزدحم بقدر كبير من التعقيد، يفرضه تعنت كل طرف وتمسكه بالانفراد بتشكيل الحكومة. والسؤال الآن: كيف وصل العراق إلى هكذا تعقيد وما هي مآلات الصراع وتأثيره على مستقبل هذا البلد الهام في المعادلة الخليجية والعربية عموما؟
العراق يعاني تراكمات الفشل السياسي
يرى الدكتور هاشم العوادي، مدير المركز العراقي الأفريقي للدراسات الاستراتيجية، أن هناك مجموعة من العوامل التي ساهمت في وصول هذا المشهد إلى الصورة التي هو عليها الآن من “الشلل السياسي”. وهذه العوامل: أولًا- تراكمات الفشل السياسي منذ عام 2003 عام احتلال القوات الأمريكية للعراق. وثانيًا- عدم الانسجام ما بين مكونات النخبة السياسية الحاكمة على المستوى القومي والإقليمي. هذا فضلًا عن الصراع ما بين المكونات داخل البيتين السني والشيعي. فهناك صراع على قيادة المكون السني من قبل تحالفي “عزم” و”إرادة”، وأيضًا هناك تنافس بين مكونين أحدهما يقوده المالكي والثاني يقوده مقتدى الصدر.
أما أزمة تشكيل الحكومة، فهي ترجع إلى عدم الاتفاق على الأطر السياسية والأيدولوجية التي يجب إعلائها. فالصراع الراهن يدور ما بين اتجاهين -كما يقول العوادي في حديثه لـ”مصر 360″- وأحد هذين الاتجاهين يرى ضرورة إيجاد حالة من التوافقية ما بين جميع المكونات السياسية الفائزة في الانتخابات الأخيرة. إذ لم يستطع أي مكون الانفراد بتشكيل الحكومة. بينما الاتجاه الآخر ويقوده “الصدر” يرى أنه لابد من تشكيل حكومة بالأغلبية. ومن هنا فشل كل منهما في الحصول على العدد الكافي من النواب، والذي يؤهله إلى تصويت على الحكومة.
هذه الأزمة تعامل معها التيار الصدري باستقالات لنوابه في البرلمان. ثم أدرك أن هذا الانسحاب كان بمثابه الجائزة التي قدمها للإطار التنسيقي الشيعي المنافس، الذي يريد تمرير مشروع الحكومة التوافقية. لذا بادر التيار الصدري إلى طريق تعطيل تمرير مرشح الإطار التنسيقي “السوداني” عبر الشارع والاعتصام.
القبول بمخرجات الانتخابات المبكرة ليس مضمونا
ووفق “العوادي”، فإن الصدر لديه طموحات في تشكيل حكومة تابعة له. ومن ثم فإن مطلب إلغاء هذه العملية السياسية برمتها بدءًا من حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة ليس ضامنًا لقبول الصدر بنتيجة أي انتخابات قادمة، وإنما تكرار لسيناريو 2020 بعد استقالة حكومة “عادل عبد المهدي”، حيث لا يملك التيار الصدري أو غيره أغلبية تؤهله لتشكيل حكومة.
ومن هذا المنطلق، لا يعتقد “العوادي” أن الانتخابات المبكرة تشكل حلًا للصراع العراقي. بينما يلفت إلى عدم ثقة الناخب في هذه العملية السياسية من الأساس. فقد بلغت نسبة المشاركة السياسية في الانتخابات الأخيرة ما بين 18 إلى 20%.
هناك بعض السيناريوهات تتجه نحو احتمالية التقارب ما بين مقتدى الصدر وهادي العامري (زعيم كتلة الفتح التي تشكل أحد مكونات الإطار التنسيقي)، والكتلة هي تحالف سياسي عراقي أنشأ في عام 2018، حيث رفض العامري رغم أنه أحد قادة الإطار المشاركة في التظاهرات التي دعا إليها زملاؤه الآخرون في الإطار التنسيقي.
يتوقع “العوادي” أن تحالف “الصدر-العامري” قد يتم عبر تقديم بعض المكاسب الخاصة بالحقائب الوزارية. وهذا السيناريو رغم ضعفه، لكنه ربما سيكون مقبولًا أكثر من قضية حل البرلمان والاتجاه نحو انتخابات مبكرة.
دكتوراة في العلوم السياسية – مدير المركز العراقي الأفريقي للدراسات الاستراتيجية
إيران فشلت في ملء فراغ سليماني ومسجدي بالعراق
أما الدكتور محمد محسن أبو النور، رئيس المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية، فيرى أن إيران تحاول ملء الفراغ الكبير الذي حدث منذ عامين ونصف العام، عقب اغتيال زعيم مليشيات فيلق القدس “قاسم سليماني“. وكان ذراع طهران لاستخلاص مواقف عراقية متماهية مع الرغبات الإيرانية.
أما الآن، فهناك عدة عقبات تحد من الدور الإيراني بالعراق. على رأسها عدم قدرة قائد فيلق القدس الحالي “إسماعيل قاآني” على ضبط التوازنات الداخلية، بما يسمح لإيران بمواصلة دورها في العراق.
يقول “أبو النور” أن اغتيال سليماني وقرار عزل/استبدال السفير “إيرج مسجدي” في 11 إبريل/نيسان الماضي خلق أزمة كوادر إيرانية مؤثرة في العراق.
إيرج مسجدي كان يوصف بأنه أقوى سفير لإيران في العالم العربي، وفقدانه في العراق أضر قدرة إيران على التأثير والتحكم في التيارات المختلفة، ومن بينها الإطار التنسيقي، وكذلك مقتدى الصدر الذي يريد إبراز نفسه كشخصية سياسية مستقلة عن إيران، بالرغم من تاريخ علاقاته وعلاقات عائلته الطويل الذي يجمعه بالإيرانيين، كما يقول “أبو النور”.
رئيس المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية ومؤرخ أكاديمي حاصل على درجة الدكتوراة بمرتبة الشرف الأولى في تحليل العلاقات العربية ـ الإيرانية
صحفي عراقي: تيار الصدر ليس بعيدا عن الفساد
يرى الصحفي المتخصص في الشأن العراقي، رياض محمد، أن الدفع بترشيح محمد شياع السوادني لقيادة الحكومة هو بمثابة محاولة لتقليم أظافر الصدر من قبل إيران، التي ترى محاولات استقلاله عنها. وهو ما يواجهه الصدر حاليًا بحشد الأتباع واقتحام البرلمان. فيما يعلن شعارات تروج لأفكار الإصلاح والتصدي للفساد. “في حين أن تياره متورط في عمليات فساد واسعة، ويستخدم الميليشيات التابعة له لتهديد مسار العملية السياسية”.
وبحسب الصحفي العراقي، فإنه هنا تظهر خطورة المشهد السياسي في العراق، في ظل عدم القدرة على التوفيق بين الفاعلين السياسيين، واستخدام الشارع لتعطيل تكليف “السوداني”. فأتباع الصدر يستعرضون القوة ويظهرون قدرة على تعطيل العملية السياسية ومقررات الديمقراطية إذا لم تكن لصالحهم.
ويرى “محمد” أن إجراء انتخابات مبكرة إلى جانب كونه اقتراح غير مفيد. إلا أنه صعب التحقيق، في ظل تمسك الأكثر قربا من إيران في الإطار التنسيقي بما حققوه من مكاسب. خاصة بعد استقالة نواب الصدر. ذلك في وقت تتجه الأنظار نحو احتمالية التوفيق بين الصدر وبعض مكونات المشهد في تسوية سياسية تستهدف فك حالة الجمود السياسي.
صحفي متخصص في الشأن العراقي