المقاول العسكري، والمرتزقة الجدد، مصطلحان ظهرا جليًا خلال الفترة الأخيرة، للدلالة على أدوات بعض الحكومات في تحقيق مطامعها ومصالحها الخاصة بالسيطرة على غيرها من الدول، أو للدفاع عن أمنها، وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أكثر الرؤساء الذين لجأوا إلى المرتزقة لتحقيق مطامعه التوسعية، محاولًا التدخل في سياسات بعض البلاد، ونهب خيراتها.
تتسبب مطامع تلك الحكومات في إطالة زمن الحرب، حتى أنها لا تستطيع إنهائها في بعض الأحيان، فالمرتزقة يسعون دائمًا لإطالة أوقات الصراعات لزيادة أرباحهم، فهم جماعات تتعامل بالمعدات المدنية والعسكرية، وأفرادها ينحدرون من أجزاء مختلفة من العالم، كما يمارسون سلطة هائلة على الأرض الأجنبية ويدوسون بأحذيتهم عليها دون التفكير في الأذى على هذه الأراضي، ولا يتبع المرتزقة ولاءات وطنية أو أيديولوجية، فلا ينتمون إلا للشركات التي تمولهم والعميل الذي يدفع لهم.
أعمال المرتزقة
وظهر استخدام المرتزقة منذ فترات طويلة، وتُعتبر ثاني أقدم مهنة في العالم، استفادت كل إمبراطورية في العالم من المرتزقة، الا أن بدايتها كانت تحت قيادة الملك السومري شولجي ملك أور 2094-2047 قبل الميلاد.
ويمتلك الحرس السويسري، تاريخًا طويلًا مع المرتزقة يعود إلى عصر النهضة، عندما قاتلوا من أجل الفرنسيين، بينما كان 10 آلاف طاقم من المحاربين اليونانيين الذين جندهم سايروس الأصغر حوالي 400 قبل الميلاد، للوصول إلى العرش الفارسي.
وقال الكاتب شون ماكفات في كتابه، إنه من عام 2008 إلى عام 2010، ارتفع عدد المقاولين العسكريين بمقدار 67000 41%.
شهدت المقاولات العسكرية، هدوءًا في القرن السابع عشر، إلا أنه بعد الحرب الباردة التي شهدت صراعات في جميع أنحاء العالم، عاودت الشركات الغامضة التي تُنظم وتمول وتدرب الجيوش الخاصة الظهور من جديد.
بلاك ووتر
تعرضت شركة بلاك ووتر، وهي شركة أمريكية تقدم خدمات أمنية وعسكرية للحكومات والأفراد عبر العالم، لانتقادات حادة على ضوء اتهامها بانتهاك حقوق المدنيين العراقيين إبان الاحتلال الأمريكي للعراق.
ويقول ماكفيت، والذي يعتبر ضمن المرتزقة سابقًا، “تحولت أعمال الحرب من قضية بملايين الدولارات إلى قضية بمليارات الدولارات”.
في ليبيا
تحولت ليبيا، في السنوات الأخيرة إلى ساحة حرب بالوكالة، وسط الفوضى التي أعقبت انتفاضة 2011 التي أطاحت بالرئيس الليبي الراحل معمر القذافي.
وأدى الصراع بين قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر، المتمركزة في شرق البلاد، وبين حكومة الوفاق الوطني ومقرها طرابلس، إلى محاولات عديدة للتدخل في الشؤون الليبية من قبل القوات الخارجية.
عناصر من دارفور
في الشهر الماضي، ألقى السودان القبض على 122 شخصًا بينهم ثمانية أطفال في غرب دارفور، يُزعم أنهم يعتزمون العمل كمرتزقة في الصراع بليبيا.
وفي مقابلة مع وكالة فرانس برس في يونيو الماضي، نفت وزيرة الخارجية السودانية آنذاك أسماء عبد الله تورط القوات السودانية في الصراع في ليبيا.
وقالت قوات الدعم السريع السودانية في بيان، إن “قوات الأمن المشتركة المتمركزة على الحدود السودانية الليبية ألقت القبض على 160 شخصا كانوا يعملون كمرتزقة للقتال في ليبيا بينهم أجنبيان.”
وقال الجنرال جدو حمدان قائد قوات الدعم السريع بولاية شمال دارفور: “إرسال سودانيين للقتال في ليبيا كمرتزقة أمر غير مقبول”.
وأضاف “لقد كنا نراقب ونؤمن الحدود مع ليبيا لمكافحة الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر وجميع الشركات الإجرامية عبر الحدود”.
إحصائيات أممية
في يناير الماضي، قالت لجنة خبراء تابعة للأمم المتحدة، إن العديد من العرب من منطقة دارفور السودانية التي تمزقها الصراعات وتشاد المجاورة يقاتلون كمرتزقة أفراد في ليبيا.
وأوضحت اللجنة، أنهم ينتمون إلى نفس القبائل التي تشكل غالبية أفراد قوات الدعم السريع ، لكنها قالت إنه لا يوجد “دليل موثوق به” على أن قوات الدعم السريع نفسها انتشرت في ليبيا.
وأضاف تقرير خبراء الأمم المتحدة، أن العديد من الجماعات المسلحة الدارفورية العاملة في ليبيا شاركت في اشتباكات وعمليات عسكرية مختلفة إلى جانب الأطراف المتحاربة الليبية.
البنتاجون: تركيا أرسلت 3800 مرتزق إلى ليبيا
وأفاد تقرير وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاجون”، أن تركيا أرسلت ما يصل إلى 3800 مقاتل إلى ليبيا، لافتًا إلى أن عدد من أرسلتهم يتراوح ما بين 3500 و 3800 مرتزق خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري.
ويعد التقرير الفصلي حول عمليات مكافحة الإرهاب في إفريقيا، الصادر عن الوكالة الداخلية للبنتاجون، وهو الأول من نوعه الذي يفصّل تورط تركيا في حرب ليبيا.
وأوضحت الدفاع الأمريكية، أن تركيا دفعت وعرضت الجنسية لآلاف المرتزقة الذين يقاتلون إلى جانب الميليشيات المتمركزة في طرابلس ضد قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر.
ويتمركز المرتزقة التابعين لتركيا، في حواف سرت، عند البوابة الاستراتيجية للهلال النفطي الأوسط والشرقي في ليبيا، حيث يقع معظم إنتاج البلاد البالغ 1.2 مليون برميل في اليوم.
25 ألف مرتزق
أفادت العديد من الوكالات الإخبارية، أن تركيا نقلت حوالي 2500 مقاتل تونسي من تنظيم داعش الإرهابي إلى ليبيا.
وصرح المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي أحمد المسماري في 17 يوليو، أن تركيا نقلت إلى ليبيا 25000 مرتزق.
وفي 12 يوليو، نقلت تركيا إلى ليبيا 17000 مرتزق سوري بالإضافة إلى الأسلحة الثقيلة والمدرعات، كما نشرت السفن البحرية على السواحل غرب ليبيا، بحسب “المسماري”.
ووفقاً لمصادر ليبية، فإن رحلتين هبطتا في مصراتة من تركيا في 13 يوليو، وكانتا تحملان 356 من المرتزقة السوريين والتونسيين.
ونقلت تركيا، 1400 مرتزق تونسي إلى ليبيا، من حلب السورية وإدلب أثناء عبورهم في إستيبل وغازي عنتاب.
ورأى المرصد السوري للموارد البشرية، أن تركيا لا تزال تُدرب المقاتلين السوريين على أراضيها وتنقلهم إلى ليبيا، على الرغم من عودة 3200 إلى سوريا.
وكشف المرصد، أن حوالي 300 من المرتزقة السوريين تتراوح أعمارهم بين 14 و 18 سنة في ليبيا، وأن حوالي 432 مسلحًا سوريًا قُتلوا في مواجهات مع الجيش الوطني الليبي، بينهم 30 قاصرًا وقادة.
وأفادت المنظمة السورية لحقوق الإنسان، أن 400 من المرتزقة السوريين غادروا ليبيا ودخلوا الدول الأوروبية بشكل غير قانوني عبر إيطاليا.