بعد ساعات من دفن جثامين ضحايا حادث كنيسة أبو سيفين بإمبابة في الجيزة، وبينهم القس عبد المسيح بخيت -كاهن الكنيسة- المتوفى مختنقًا بعد إقامة قداس الأحد. بدأت الصفحات القبطية في تداول فيديو بعنوان “كنت أمينًا للمنتهى”.

ويكشف الفيديو المتداول القداس الأخير للقس الراحل قبيل الحادث ومن داخل هيكل الكنيسة. حيث كان الكاهن الراحل يتمم صلوات القداس الإلهي أمام المذبح ممسكًا بالإنجيل تحت ضوء كشاف محمول. إذ عانى المكان من انقطاع التيار الكهربائي. ثم تصاعدت أبخرة الحريق فلم يوقف طقوسه ولم يترك مذبح صلاته. أما ما رصدته كاميرا الكنيسة فكانت قد انقسمت لتكشف النصف الآخر من الكنيسة البعيد عن المذبح. حيث كان الدخان الكثيف قد غطى الشمامسة تمامًا الذين بدوا في حالة ارتباك تام بين الخروج وبين الوقوف وسط سحائب الأبخرة المتصاعدة. فالكاهن وحده هو صاحب قرار انصراف الشعب أثناء إقامة صلوات القداس وفقًا لما يشرحه ماركو الأمين -الباحث في تاريخ وطقوس الكنيسة– والذي خدم كشماس أيضًا.

https://www.youtube.com/watch?v=5MexeNaFFPY

ما الذبيحة المقدسة التي حرص الكاهن عليها؟

وفقًا لطقس الكنيسة الأرثوذكسية ففي نهاية صلوات القداس الإلهي يتقدم المؤمنون المستعدون للتناول من الأسرار المقدسة. فالقربان هو جسد المسيح -أقدس ما في المسيحية- و يُعرف أيضًا بالذبيحة. وهو خبيز من الدقيق والماء والخميرة. منقوش عليها صليب كبير يُمثل المسيح واثني عشر صليبًا صغيرًا تمثّل التلاميذ وكتابات بالقبطية.

أما دم الذبيحة فهو عصير العنب غير المخمر مختلطًا بالماء. ومن ثم فإن جسد المسيح ودمه أو الذبيحة المقدسة لا يُهانان ولا يُهملان.

يشرح القمص سيلا عبد النور -كاهن كنيسة العذراء بأكتوبر- ما جرى. فيقول: نؤمن أن الذبيحة المقدسة وهي الخبز أو القربان والخمر أو عصير العنب تتحول لجسد المسيح ودمه وفقًا لعقيدة الكنيسة القبطية. ولكن هذا التحول يحدث في نهاية القداس. وبعد أن يقدس الكاهن الخبز والكأس. وتحديدًا حين يقول الكاهن: “نسألك نحن عبيدك غير المستحقين نسجد لك بمسرة صلاحك ليحل روحك القدوس علينا وعلى هذه القرابين. (ويشير إلى الصينية والكأس) الموضوعة ويطهرها وينقلها قدسًا لقديسه”. وبعدها يبدأ الكاهن في رشمها ويقدسها.

يستكمل القمص عبد النور: “التقديس يعني تحويل الخبز والخمر إلى جسد المسيح ودمه وفقًا لإيمان وعقيدة الكنيسة. وهو أمر لا يحدث إلا في نهاية القداس وقبل تقدم الشعب لنيل سر الافخارستيا. أي التناول من الأسرار المقدسة”. مضيفًا: “وقع حريق كنيسة أبو سيفين في نحو الثامنة صباحًا. أي بعد بداية القداس بقليل. حيث كانت الكنيسة تنتظر واعظًا ضيفًا جاء لتقديم كلمة بمناسبة صوم العذراء فاندلع الحريق قبل أن يصل.

القمص عبد النور: الكاهن الراحل ليس درويشًا ولو علم بالحريق لأنهى القداس

كاهن كنيسة العذراء قال في تصريحات خاصة: “الحريق وقع قبل لحظة تحول الجسد والدم. فالخبز ما زال لم يتقدس ولا الخمر أيضًا. ومن ثم فإن حدثت مشكلة في الكنيسة لا بد للكاهن أن يصرف الناس مباشرة”. مضيفًا: “كان القس عبد المسيح زميلي طوال أربع سنوات الدراسة في الكلية الإكليريكية بدير المحرق بأسيوط. وأعرف تعاليمه جيدًا فهو ليس درويشًا. وبكل تأكيد إذا كان قد تبين له حدوث حريق لأنهى القداس فورًا”.

ووفقًا لتحليل القمص سيلا: “في المناطق الشعبية مثل إمبابة نشم روائح الدخان عرضًا كأن يشعل جار للكنيسة النار في القمامة أو أن القس عبد المسيح قد ظن أنها أكوام قمامة قريبة من الكنيسة سيطفئها الفراش. فاستمر في الصلاة”. وتابع: “أعرف تعاليمه جيدًا وإن كان قد فهم أن هناك حريقا لأوقف القداس فورًا”.

القانون الكنسي: جسد ودم المسيح لا يهان ولا يترك بعد التقديس

حريق كنيسة أبو سيفين
حريق كنيسة أبو سيفين

القمص سيلا قال إن القانون الكنسي -الذي يلزم الكاهن بإنهاء القداس- لا يعني أن نضحي بأرواح البشر. فالأديرة والكنائس الأثرية تضم ممرات سرية كان الرهبان يهربون منها في عصور الاضطهاد وهم يحملون الذبيحة المقدسة. لأننا نصلي كي نحيا في المسيح وليس بغرض الموت. ومن ثم نقدس الحياة لأنها لأجله وفيه.

وقال القمص عبد النور إن التعاليم والعظات التي تعتبر أن كل حادث كبير أو مرض أو تجربة قد تمت بسماح من الله هي تعاليم خاطئة. إذ تتسبب في مشكلة بين الله والمؤمن لأنها لا تذكر دور الشيطان في المصائب. فيما الأزمات تجعل المؤمنون يتخبطون في علاقتهم بالله وفي فهم مقاصده.

في حادث البطرسية.. الكاهن تمم طقس التناول بعد الانفجار

حادث البطرسية
حادث البطرسية

لم تكن تلك المرة الأولى التي يسأل فيها الأقباط عن أسرارهم المقدسة بعد الحوادث الكبرى في الكنائس. فقبل سنوات وعقب حادث تفجير الكنيسة البطرسية عام 2017 تساءل المسيحيون عن مصير الذبيحة المقدسة بعد أن حوّل الحادث الكنيسة إلى ركام. فما كان من القس أنطونيوس منير -كاهن الكنيسة- إلى أن يقول في تصريح لقناة قبطية: “أخدت الذبيحة وجريت بيها”.

بينما يروي عماد ثابت -معلم الألحان الكنسية- ما جرى آنذاك: “تقدم كاهن من الكاتدرائية المجاورة وتسلم الذبيحة وقدم التناول للشمامسة وأنهى القداس وانصرف الجميع لإسعاف المصابين والضحايا. فلا يجوز أن يترك الكاهن الذبيحة هكذا بعدما صارت جسد المسيح ودمه. فكان عليه تقديمها للتناول أو أن يتناولها بنفسه”.

يعود القمص عبد النور ليعلق: “في حادث البطرسية وقع الانفجار في نهاية القداس وقبل دقائق من انصراف الشعب. ومن ثم فإن الذبيحة قد تحولت بالفعل لجسد المسيح ودمه. لذلك تمم الكهنة تناولها. أما في كنيسة أبو سيفين فقد وقع الحريق في بداية القداس وقبل تقديس الذبيحة ومن ثم يحق للكاهن إنهاء القداس في أي وقت”.

بينما يؤكد بيشوي القمص الكاتب المتخصص في شئون الكنيسة إن إصرار القس عبد المسيح بخيت على استكمال القداس مثلما أوضح الفيديو يكشف خللا في العقلية القبطية. والتي تقدس الموت وتضع الطقس فوق الحياة. وكأنهم يعبدون الطقوس ولا يفهمون تعاليم المسيح.

بيشوي القمص قال: السيد المسيح علمنا أن الإنسان أهم من السبت حين عالج مريضًا يوم السبت. ليثبت للجميع أن الإنسان مقدم على الطقس. ولكن الترويج لتلك التعاليم الخاطئة التي تقدس الطقس على حساب الإنسان وتحتفي بالاستشهاد تبعد المسيحيين عن مبادئ أولية في فهم اللاهوت المسيحي”.