وسط حالة ترحاب مجتمعي، غادر الدكتور طارق شوقي مقعده كوزير للتربية والتعليم بعد تجربة التطوير بالتابلت. والتي بدأها شوقي بعزم شديد، لكنه مضى في تطبيقها بخطوات مضطربة دون إعداد جيد. معتمدا على التابلت في ظل غياب البنية الأساسية والتكنولوجية بمدارس المحافظات.
بدأ شوقى بإطلاق العديد من المنصات التعليمية وقنوات مدرستنا. فضلا عن تعزيز العمل ببنك المعرفة المصري. واهتم بالتعليم الفني وإطلاق مدارس التكنولوجيا التطبيقية بالشراكة مع القطاع الخاص.
لكن تراجعاته الكثيرة أثارت انتقادات واسعة ضده ووصفت قراراته فى أغلب الأوقات بأنها “متسرع وغير مدروسة”. فقام بفرض نظام التقييم الإلكتروني ثم ألغاه. ثم امتحانات الأوبن بوك بالتابلت. ثم حظر دخول اللجان بالتابلت. ثم عودة الامتحانات الورقية. وإلغاء التشعيب في الثانوية العامة ثم إعادته.
وأثار تأخر تسلم الكتب وارتفاع مصروفاتها استياء أولياء الأمور. خاصة في ظل ما اعتبر انحيازا من الوزير لصفوف أصحاب المدارس الخاصة والدولية ودعم قرارات زيادة مصروفات الدراسة. بل ووضع تحذيرا بتحويل الطلاب لمدارس حكومية حال التأخر في السداد.
تجربة تابلت طارق شوقي في ميزان التطوير
وتصاعدت الأزمة كذلك مع عدم تدريب المعلمين والطلاب على النظام الجديد بشكل جاد ومتدرج. ما نتج عنه سقوط سيستم الامتحانات وتعطيلها وإلغاؤها أكثر من مرة. فضلًا عن تحول التابلت من وسيلة للتعلم إلى وسيلة للغش الإلكتروني.
رحيل “شوقي” طرح سؤالا جوهريا حول تجربته في التطوير: هل كان هناك مشروع حقيقي قائم على خطة قابلة للتنفيذ خلال سنوات محددة أم كانت مجرد رؤية لا تتخطى كونها مجموعة أفكار غير مدروسة؟ وهل كانت التجربة تحتاج إلى مزيد من الوقت لتحقيق أهدافها؟ وهل كانت هناك مقاومة اجتماعية لها أو لكل ما هو جديد ومطور؟ أم أن البنية المجتمعية ككل قاصرة عن استيعاب التطور، وأنه كان عليه أن يقدر ذلك منذ البداية.
الدكتور شبل بدران -أستاذ التربية بجامعة الإسكندرية- أكد أنه لا يمكن توصيف قرارات “شوقي” بأنها “مشروع”. فعلى مدار سنوات توليه وزارة التعليم منذ 2017 لم يطرح استراتيجية مكتوبة أو رؤية واضحة المعالم والخطوات وآليات تنفيذها. إنما كان دائما يفاجئنا بقرارات تمثل مجموعة أفكار. ولا توجد وثيقة رسمية صادرة عن الوزارة لمدة محددة يمكن مناقشته فيها.
وقال “بدران” لـ”مصر 360″: “ننتظر الوزير الجديد الدكتور رضا حجازي. هل سيكمل النهج نفسه أم سيكون له استراتجية جدية واضحة المعالم مدروسة ومكتوبة يطرحها على المجتمع؟”.
ولفت إلى ضرورة أن تكون عملية التطوير معتمدة على مناهج مصرية وليست مستوردة. على أن تكرس المواطنة وحقوق الإنسان وتنمي التفكير النقدي والاعتماد على الذات. وهي أشياء لا يصنعها التابلت ولا “بابيل شيت” حسب “بدران”.
باع الوهم
أما كمال مغيث -الخبير التربوي- فيرى أن طارق شوقي باع الوهم للناس تحت زعم تطوير التعليم. في حين أنه لم يملك مشروعا يمكن الاستكمال عليه حسب الخطة الزمنية. فالواقع كشف أنه لا توجد خطط مدروسة على أرض الواقع.
ويرى “مغيث” أن فكرة تطوير التعليم باستخدام التابلت ملائمة للنظام التعليمي في مصر. لكن في إطار أن يعمل المدرس مع الطلاب من داخل الفصل ويظل التابلت وسيلة لتبادل المعلومات تحت إشراف المعلم. بحيث تكون التكنولوجيا عاملا مساعدا. لا أن يتم الاستغناء عن المعلمين. لا يوجد دولة استغنت عن المعلمين بالتكنولوجيا أو أي وسيلة أخرى. لافتا إلى ضرورة إقامة بنية تحتية بالمدارس قبل تشغيل هذا النظام وتدريب المعلمين والطلاب على التابلت جيدا. مبينا أن المناهج الجديدة ليست المحك الوحيد في عملية تطوير التعليم. إنما الأنشطة ومهارة المعلم وكثافة الفصول عوامل أساسية في إنجاح المنظومة.
المتغير والثابت في نظام شوقي
حكم المتغيرُ الثابتَ في منظومة طارق شوقي. حيث قام بتطوير أساليب الامتحان، بينما ظلت المناهج وطرق التدريس عقيمة. وهي محاولة إصلاح فوقية -حسب تعبير حسن أحمد رئيس النقابة المستقلة للمعلمين. الذي وصف سياسات شوقي بأنها “لا ترتقي إلى كونها مشروع واضح المعالم يرتكز على خطة قابلة للتطبيق”.
فلم لم يطرح الوزير -حسب حسن- على مدار خمس سنوات من آليات التطوير غير تطبيق نظام التابلت. الذي تكلف مليارات تم إهدارها. وكان يمكن الاستفادة منها في تحسين البيئة التعليمية وتعيين معلمين جدد لسد العجز الصارخ بالمدارس. والبالغ 310 آلاف معلم وفقا لتقديرات الوزارة نفسها.
عملية شكلية
كان تطبيق استخدام التابلت كمصدر تعليم رئيسي للاستغناء عن المعلم مجرد عملية شكلية. فلم يتم ربطه بشبكة مركزية بالوزارة تبث مناهج تعليمية وطرق الامتحانات. حسب تأكيدات حسن يستطيع كل الطلاب الدخول للحصول على المعلومة. وتدريب المعلمين من خلالها. كما تركت منظومة شوقي المناهج عقيمة ولم تخضع لتطوير. وهو ما يكشفه التزاحم على مكتبات بيع الكتب القديمة كما لم تتغير طرق التدريس حسب قوله.
وقال حسن لـ”مصر 360″: “انخفاض مجاميع الثانوية العامة هذا العام ليس دليلا على نجاح المنظومة كما روج الوزير السابق. فقياس فهم الطالب عن طريق وضع إجابتين نموذجيتين على أن يختار الأصوب لا تضمن أنه تفوق في الحقيقة. فلم تتم تنمية مهاراته وقدراته وأساليب قياسها. متسائلا: “أين الشق العملي الذي تم وضعه لتدريب الطلاب ثم قياس قدراتهم قبل الامتحان داخل المنظومة المطورة؟”
لماذا يذهب الطلاب للسناتر ويتركون المدارس؟
في استطلاع رأي حديث صادر عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار. التابع لمجلس الوزراء. لعينة من أولياء الأمور فإن 76.7 من طلاب المرحلة الإعدادية يعتمدون على الدروس الخصوصية في تلقي المناهج. و64% من طلاب المرحلة الابتدائية يليها 59% من طلاب المرحلة الثانوية.
وهو رقم غير دقيق في نظر “حسن”. الذي أكد أن جميع طلاب الثانوية العامة تحديدا يعتمدون على الدروس الخصوصية. وهو ما كشفه تصريح الطالبة “ملك عبد الفتاح” الأولى على شعبة علمي علوم هذا العام بأنها لم تكن تذهب إلى المدرسة هي وزملاؤها مكتفين بالسناتر حتى لا يضيع وقت المذاكرة.
وقال: “لا يمكن تبرئة ساحة ولي الأمر من الاعتماد على الدروس الخصوصية. وزيادة تفاقم الظاهرة. لكن أين المدارس التي تعمل حتى يمكن الاعتماد عليها بديلا للدروس لتلقي المناهج؟”.
هل كانت هناك مقاومة اجتماعية لتابلت شوقي؟
التغيير دائما يواجه بالمقاومة لأن الفرد لا يرتاح له لجهله به. أو نتيجة الخوف من نتائج التجربة.
ولعلاج هذه المقاومة والتغلب عليها يتطلب التدريج في التطبيق من المراحل الأدنى والصعود بها إلى الأعلى. وذلك لتحقيق الدمج والتعود. هذا ما أوضحه الدكتور شكري سيد أحمد -الخبير التربوي وعضو المجلس القومي للامتحانات.
قال “شكري” لــ”مصر 360″: “نعيش حاليا بين خيارين كلاهما مر. إما أن نأخذ برحاب التغيير ونلحق بالتكنولوجيا ونواصل تطبيق نظام التابلت. أو نتخلف عنه للخروج من نظام شوقي. لكن لا بد أن يكون اعتمادنا على التابلت كوسيلة تعليمية مساعدة للبحث والاطلاع. وهذا لا يعني أن التابلت جزء من التطوير. بل مجرد أداة لتعليم الطلاب البحث عن المعلومة بطريقة تكنولوجية تناسب العصر”.
منظومة التعليم أكبر من وزير
واعتبر تضخم النظام التعليمي المكون من 2 مليون معلم و500 ألف مدرسة يديره شخص واحد هو “الوزير” من أبرز تحديات تطوير التعليم. حيث يحتاج التطوير إلى تطبيق لا مركزية حقيقية في الإدارة. بمعنى إعطاء مسئولية التعليم لكل محافظ أن يكون وزيرا في محافظته يدير المؤسسات التعليمية لفك تعقيدات نظام الإدارة الثابت منذ 100 عام.
كما يرى “شكري” ضرورة فك الارتباط بين الثانوية العامة ومكتب التنسيق. لأن الدرجة لا تعني شيئا والمجموع خليط من المواد. يدخل الطالب تخصصا لا يستخدم فيه إلا مادة واحدة وهو نظام غير صالح للعمل به حاليا.
وقال: “لا بد أن تكون شهادة الثانوية العامة جواز مرور للجامعة أو سوق العمل. من يحصل 70% يعبر إلى الجامعة ويتم عقد اختبار قدرات لميوله ومهاراته. التي سيتخصص فيها واختباره بمواد مؤهلة بصرف النظر عن مجموع الثانوية. ويضع أسئلة القدرات هذه خبراء متخصصون على أن تتسم بالعدالة والرقابة. أما من يحصلون على أقل من 70% يحولون إلى التعليم الفني.
ولفت “شكري” إلى أن نظام الأسئلة بالاختيار من متعدد يتم اختراقه بالغش وعدم السيطرة على اللجان. وأوضح أن تطوير المناهج بالسنوات الأولى اعتمد على تغيير المضامين. بينما عملية التطوير تحتاج إلى تطوير أساليب التدريس وتدريب المعلمين علي المناهج المطورة ووضع نظام مدرسي وضوابط محاسبة وتقييم للطالب والمعلم.
نظام التابلت غير ملائم للبيئة التعليمية في مصر
ووصف أيمن البيلي -خبير التعليم- مشروع طارق شوقي بأنه “غير مكتمل” لأن الوزير لم يعلن عن بدايته أو نهايته. وغير ملائم للواقع المصري في ظل الأزمات الاقتصادية والثقافية السائدة. والتي تعتمد على الدروس الخصوصية بديلا عن المدرسة.
وأكد أن نقص الإنفاق لم يؤثر في مشروع شوقي. إنما فقر البنية الأساسية بالمدارس والمؤسسات. فالشبكة التي يقوم عليها السيستم الجديد والتعليم أون لاين لم تساعد على استمراره. فلدينا فقر في التكنولوجيا وضعف في شبكات الإنترنت.
بعد سقوط سستم الامتحانات وفشل التجربة انتقل “شوقي” -حسب البيلي- لتطبيق نظام “البوكليت” فجأة في عام 2019-2020 قبل الامتحان بشهر واحد. ما أحدث حالة ذعر بين أولياء الأمور واضطرابا لدى الطلاب. الذين أعدوا أنفسهم للامتحان على التابلت. ثم عاد الوزير وقرر نظام البابل شيت بعد اصطدامه بالبنية التشريعية.
ينص القانون 139 بتعديلاته المختلفة الخاص بالتعليم الأساسي وقانون الثانوية العامة على أن يكون الامتحان “ورقيا”. وسقوط السيستم أدى إلى الطعن على الامتحان الإلكتروني. لكن الوزير تحدى القانون والبرلمان وكانت النتيجة كارثية.
ويذهب البيلى إلى أن هذه السياسات متعمدة لصالح الجامعات الخاصة على حساب التعليم المجاني. لأن التعليم في مصر أصبح “تمييزيا” لمن يستطيع أن يدفع ثمن الدروس في السناتر ومصروفات الجامعات الخاصة.
كيف يمكن الخروج من الأزمة؟
للخروج من الأزمة الحالية يجب أن يكون التعليم مشروعا قوميا -بحسب البيلي- على أن ينص الدستور المصري على الإنفاق 4% من الناتج المحلي على التعليم. فضلا عن منظومة تطوير تعليم بمحاور أربعة “الكتاب المدرسى والمنهج- المعلم –المدرسة- الإدارة المدرسية”. فيما لا يجب تغيير الخطة بتغير الوزير. بالإضافة إلى العمل على تطوير المعلم وتدريبه لأنه منفذ لمشروع وخطة. والتركيز على دعمه اقتصاديا ووضع حد أدنى لأجره لتحسين أوضاعه. مع تجريم الدروس الخصوصية نهائيا بعد زيادة الأجور ومحاربتها بشكل علمي بمشاركة الإعلام وتوضيح أن الدروس الخصوصية ليست تعليما وإنما سلعة. ثم أخيرا يأتي التدريب على استخدام التابلت كوسيط تعليمي يتم استخدامه في المدرسة من المرحلة الإعدادية بالتدريج في المناهج مع المحافظة على التسلسل المعرفي للذاكرة التعليمية. ثم يسحب من الطالب بعد ذلك. فلا يمكن الاعتماد عليه في تعليم اللغات والرياضيات.
وأكد البيلي أن بعض الدول مثل الكويت وفرنسا وجنوب أفريقيا بدأت منع استخدام التابلت في التعليم الأساسي وأثناء اليوم الدراسي. وذلك بعد اكتشافها أن نسب ذكاء الطلاب قلت مع ضعف قدراتهم الإبداعية.