كتب – عاطف سعد
هل اقترب موعد إحياء التوافق الصعب؟.. هكذا أصبح العنوان الأبرز تجاه الاتفاق النووي الإيراني المبرم عام 2015 بين القوى الغربية وإيران. في ظل جمود استمر لشهور. وهو الاتفاق الذي تراجعت عنه الولايات المتحدة في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب.
فمنذ أسابيع عاد دبلوماسيون من الدول الموقعة على الاتفاق. وهما الطرف الأول إيران والأطراف الأخرى الصين وروسيا وفرنسا وبريطانيا. لإنقاذه مرة أخرى وعقد مفاوضات في فيينا والتوصل إلى “النص النهائي” وعرضه للمراجعة.
وحول النص النهائي للاتفاق المأمول أكد مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل جاهزية الاتفاق للتوقيع حال وجود ردود إيجابية من طهران.
وأعلن استمرار المحادثات مع إيران لإحياء الاتفاق النووي وعرض النص النهائي أمام طرفي التفاوض الرئيسيين: إيران والولايات المتحدة.
وتضمنت المسودة النهائية للاتفاق حلولًا لما بين 4 إلى 5 نقاط كانت عالقة. اثنتان منها تتعلق بالعقوبات الأمريكية على إيران. وثالثة تتعلق بأنشطة طهران النووية في الأشهر الماضية.
وكان من ضمن البنود أيضًا استيفاء الحقوق وضمان مصالح الشعب الإيراني. فضلا عن ضمان التنفيذ المستدام لالتزامات الطرف الآخر ومنع تكرار السلوك غير القانوني الأمريكي -بحسب مسئول إيراني. أي ضمان عدم انسحاب اية إدارة أمريكية جديدة من الاتفاق على غرار ما فعل ترامب.
ماذا حدث؟
بعد جولة أخرى من المحادثات حول إحياء الاتفاق النووي الإيراني الأسبوع الماضي طالبت طهران بغلق التحقيقات في أنشطة مواقعها النووية من قبل وكالة الطاقة الذرية.
وتصر إيران على إغلاق تلك التحقيقات الخاصة بشأن العثور على آثار يورانيوم مخصب في مواقع سرية لم تعلن عن وجودها في المفاوضات التي سبقت الاتفاق النووي لعام 2015.
وتقول إن الاتفاق النووي قد نزع عن برنامجها النووي أي جانب عسكري محتمل. وبشأن هذه النقطة فإن حلها سيكون في التفاوض المباشر بين الوكالة الدولية للطاقة الذرية وإيران -بحسب ما تمخضت عنه نتائج مفاوضات فيينا.
وحسب معطيات المسودة النهائية لإحياء الاتفاق (المقدم من الأوربيين) فهناك تسريبات أنه من المنتظر أن تتم الموافقة على مطالب طهران في هذا الشأن وغلق التحقيقات في التفاصيل.
يقول الباحث المتخصص في الشئون الإيرانية بمركز فاروس للدراسات -يوسف بدر- إن ما حدث في المقترح الأوروبي أن الأوروبيين تخلوا عن المطالب خارج الموضوع النووي. فمثلا تطالب إيران بضمانة ألا تخرج الولايات المتحدة مرة أخرى من الاتفاق. بينما المجموعة اعتبرت أن هذا أمر يتعلق بطهران وواشنطن.
وتابع لـ”مصر 360″: “كذلك مطلب إيران بإغلاق ملف المواقع النووية المشبوهة. اعتبرت الترويكا الأوروبية (فرنسا- ألمانيا- بريطانيا) أن هذا المطلب يتعلق بإيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية ولا يرتبط بمجموعة التفاوض الدولية ككل بشأن الاتفاق”.
وأشار إلى نقطة مهمة بعد النص المقترح من جانب مسئول السياسة الخارجية الأوروبية. الذي اعتبره بالنص الأخير الذي لا يقبل سوى نعم أو لا. وهي أن ممثلي الكتلة الشرقية -روسيا والصين- لم يعترضا على بنود المقترح الجديد. ما يعني أنه مقترح جيد بالنسبة لهما. خاصةً أن روسيا طالما سعت لإفشال التوصل إلى اتفاق بين إيران والمجموعة الدولية. بغية التوصل لاتفاق يضمن لها مصالحها.
مصالح موسكو في الاتفاق النووي الإيراني
الحديث يقود إلى مصالح روسيا من تقييد إيران. لأنها استفادت من ذلك في التفرد بالسوق الأوروبية للطاقة من النفط والغاز بسبب العقوبات على طهران. بحسب الباحث يوسف بدر.
وتابع أن روسيا هي من هرعت لمساعدة إيران في استكمال مفاعلها النووي للطاقة في “بوشهر”. وذلك بعد مغادرة الشركات الأجنبية بسبب العقوبات أيضًا. لكن روسيا فعلت ذلك لأنها يهمها الاقتراب من المشروع النووي الإيراني. ولن تكون سعيدة من تحول إيران إلى دولة نووية. لأن ذلك يغير من التوازن في منطقة غرب آسيا والقوقاز وآسيا الوسطى. وهى مناطق تتحرك فيها روسيا بقوتها وتسليحها. وبالتالي روسيا تقلق من انفتاح إيران على الغرب بما يضع دولة تشبه تجربة تركيا على حدود روسيا.
وكذلك روسيا تقلق من عودة الشركات الأجنبية للعمل في حقول النفط والغاز الإيرانية. بما يضع إيران على خريطة الاحتياطات الكبرى للطاقة ويضر بمكانة روسيا في سوق الطاقة.
لذلك يمكن فهم الاتفاق الاستراتيجي بين روسيا وإيران. والذي شمل جوانب اقتصادية وعسكرية وشؤون الطاقة، في إطار مساعي روسيا للاطمئنان من جانب إيران.
وتريد روسيا من الاتفاق النووي ألا يكون سببًا في تركها وحدها بميدان الشرق الأوسط. مثلما تشاركها إيران في سوريا. فروسيا التي جلبت إيران لسوريا باعترافات وزير الخارجية الإيراني السابق جواد ظريف. تعتبر السلوك الإيراني يخدم سلوك معسكرها الضاغط والمنافس للقوى الغربية والأمريكية.
العقوبات والمفاوضات النووية
وتعاني روسيا من العقوبات. لذا كانت قد اشترطت في بداية المساعي للعودة لطاولة المفاوضات النووية ألا تتأثر مصالحها مع إيران بالعقوبات الغربية عليها. لأنها تريد الاستفادة من إيران كنافذة لتخطي هذه العقوبات.
وأكد الباحث المتخصص في الشئون الإيرانية أن الكرة الآن في ملعب إيران. لكن رغم قبول إيران بالتفاوض لم تقبل بالمقترح الأخير حتى الآن.
وإذا سمعنا تصريحات وزير الخارجية الإيرانية حسين عبد اللهيان بعد انتهاء جولة المفاوضات يقول: “يجب أن يضمن الاتفاق النهائي حقوق ومصالح الأمة الإيرانية. ويضمن الرفع الدائم والفعال للعقوبات”.
وأوضح أن هذا التصريح يشير إلى أن المساومة والتفاوض لم ينته بالنسبة لإيران. وأن المقترح لا يزال معيبًا بالنسبة لها. لأنه لا يضمن تحقيق اتفاق دائم ومستقر. ولا يضمن لإيران انفراجة اقتصادية كاملة برفع العقوبات.
وتضمنت العقوبات على طهران قيودا على البنك المركزي الإيراني. نالت من صادرات النفط ونظام السويفت وعزل إيران عن المنظومة المصرفية الدولية. وكذلك عقوبات على البرنامج الصاروخي والنووي بحظر استيراد أي مواد داعمة لهذين البرنامجين.
هل تنازلت أوروبا؟
كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية أن الاتحاد الأوروبي قدم “تنازلات كبيرة لإيران” لإحياء الاتفاق النووي.
وذكرت الصحيفة أن دبلوماسيين من الاتحاد الأوروبي “عرضوا مقترحًا لإنهاء تحقيق لوكالة الطاقة الذرية أبدت إيران رغبتها في إغلاقه”. وأشارت إلى أن المقترح الأوروبي يفيد بأن “من المتوقع أن تجيب إيران عن أسئلة الوكالة بهدف توضيحها”.
وتضمنت تلك المطالب توضيحا من جانب طهران حول معدلات تخصيب اليورانيوم. وكذا معدلات النشاط الذري داخل مواقعها النووية. كما طالبت المنظمة الدولية أيضًا طهران بالإفصاح عن المفاعلات النووية السرية والتي من خلالها يتم تخصيب اليورانيوم.
كما لفتت إلى أن واشنطن -باعتبارها أحد الأطراف في المباحثات- ستحث الوكالة الذرية أيضًا على إنهاء التحقيق “إذا تعاونت طهران” لإحياء الاتفاق.
التوقيت بالنسبة لإيران
وهنا يقول يوسف بدر لـ”مصر 360″ إن إيران تدرك أن الأوروبيين في عجلة من أمرهم. وذلك لأسباب تتعلق باقتراب فصل الشتاء وفزع أوروبا من أزمة الطاقة والعجز في تأمينها بما ينعكس بالسوء على اقتصادها. وكذلك وصول إيران إلى مستوى متقدم من تخصيب اليورانيوم بما يضع إيران على عتبة دخول “النادي النووي”.
وأوضح أن هذا ما تستغله طهران لممارسة مزيد من الضغط. للحصول على مطالبها. فهي لا ترفض التفاوض لكنها لا تستعجل النتائج. واجتماع القوى الثلاث في إيران التنفيذية والقضائية والتشريعية لمناقشة المقترح الأوروبي. لا يعني قبول طهران بهذا المقترح. فالأمر يرجع للمرشد الأعلى علي خامنئي. فضلًا عن ما تمارسه قوى الضغط داخل إيران على الحكومة والمرشد من جانب المحافظين المتشددين والحرس الثوري لرفض مقترح العودة للاتفاق النووي الذي يضر بمصالحهم ونفوذهم.
سر التوقيت
الضغط الإيراني لإجبار واشنطن وأوروبا على إحياء الاتفاق يأتي في توقيت هام للغاية بالنسبة لطهران. وهنا تقول الباحثة في الشئون السياسية -سمر رضوان- إن إيران تمثل حلقة من حلقات سلسلة أكبر في هيكل الاستراتيجية ولعبة التوازن الدولي الجديدة. التي تدافع فيها الولايات المتحدة عن هيمنتها القطبية على النظام العالمي. بينما تواجهها على الطرف الآخر قوى ساعية إلى إسقاط النظام الأحادي القطبية المتمثلة بتحركات روسيا في أوكرانيا.
وأوضحت لـ”مصر 360″ أنه خلال الفترة منذ استئناف المفاوضات في إبريل/نيسان من العام الماضي حتى الآن قطعت إيران خطوات واسعة إلى الأمام في تطوير برنامجها النووي. في حين بقي الخطاب السياسي الأمريكي محتفظًا بقوامه كما هو. من دون أي تغيير تقريبًا. بل يمكن القول إن الدبلوماسية الأمريكية أبدت قدرًا من التراجع عن مواقف سابقة. خاصةً في ما يتعلق بإسقاط موضوعات من المفاوضات مثل الأمن الإقليمي وبرنامج الصواريخ.
وأضافت أن الإدارة الأمريكية الحالية تسعى إلى أي انتصار دبلوماسي يرفع شعبيتها. في ظل انخفاض التأييد الشعبي لجو بايدن خلال الشهر الماضي إلى 36٪. وهو أدنى مستوى له منذ 19 شهرًا في البيت الأبيض. في حين أن 59٪ من الأمريكيين عبروا عن عدم رضاهم عن عمل الرئيس.